لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمد

  • الحلقة الرابعة والعشرون
  • 2020-05-17

لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمد

السلام عليكم: الآية اليوم هي الآية الثالثة عشرة من سورة الرحمن وهي قوله تعالى:

فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
(سورة الرحمن: الآية 13)

وقد تكررت هذه الآية بعد ذلك في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}.
وأما الحديث: فقد أخرج الترمذي في سننه بسندٍ حسن:

{ يقولُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رَضِي اللهُ عَنهما: خرجَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ على أَصحابِهِ، فقرأَ عليهم سورةَ الرَّحمنِ من أوَّلِها إلى آخرِها، فسَكَتوا فقالَ: لقد قرأتُها على الجنِّ ليلةَ الجنِّ فَكانوا أحسَنَ مردودًا منكم، كنتُ كلَّما أتيتُ على قولِهِ: (فَبِأيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قالوا: لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمدُ }

(أخرجه الترمذي)

أيها الإخوة: أما التعقيب والعبرة مما تلونا وقرأنا فهو: كما قلت لكم هذه الآية (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) جاءت في سورة الرحمن إحدى وثلاثين مرة، وكأن الله تعالى يسأل الثقلين الإنس والجن (فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ).

نعم الله عز وجل
آلاء الله: هي نعمه، كما جاء في الحديث، ونِعَمُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لا تعد ولا تحصى قال تعالى:

وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا
(سورة النحل: الآية 18)

آلاء الله هي نعمه
وذكر نعمةً فقال: (وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ) فإن كنا عاجزين عن إحصاء خيرات نعمةٍ واحدة، فنحن عاجزون عن شكرها من باب أولى، ثم إن نِعَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تنقسم إلى نوعين: نِعَمٍ ظاهرة ونِعَمٍ باطنة، قال تعالى:

وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
(سورة لقمان: الآية 20)


النعم الظاهرة
الانشغال بنعم الدنيا
أما الظاهرة: نعمة الطعام، الشراب، المأوى، الكفاية، الأمن، هذه نِعَمٌ ظاهرة لا ينكرها عاقل، لكن الناس يتفاوتون في مدى الانتقال من النعمة إلى المنعم، فغير المؤمن يعيش مع النعمة وينسى المنعم، وأُشبِّه حاله هنا بشخصٍ دُعيَ إلى دعوةٍ نفيسة فيها طعامٌ نفيس فدخل وأكل وشرب ثم خرج وقد نسي أن يشكر لصاحب الدعوة دعوته، فلما عُرِضَ عليه ما فعل كاد يذوب خجلاً إذ كيف ينشغل بالطعام عن الداعي إلى الطعام، هذا حال الإنسان عندما يقف بين يدي الله وقد انشغل بالنعم في الدنيا عن المنعم جلَّ جلاله.

النعم الباطنة
النعم الباطنة قد تكون من المصائب
نِعَمُ الله ظاهرة وهناك نِعَمٌ باطنة لا ينتبه لها كثيرٌ من الناس لأنهم ألِفوها، وبعض النعم الباطنة قد تكون من المصائب، فقد يأتي المرض مثلاً وهو في ظاهره بعيدٌ كل البعد عن النِعَم والآلاء، لكنه في حقيقته نِعمَةٌ لأن العبد قد رجع فيه إلى الله تعالى وتاب إليه وعاد إليه واصطلح معه، فانقلب المرض إلى نِعمة لكنها باطنةٌ لا يُنتبه إليها، تذكروا دائماً إن قرأتم سورة الرحمن ومررتم بقوله تعالى: { فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} في إحدى وثلاثين آية أن تقولوا: لا بشَيءٍ من نِعَمِكَ ربَّنا نُكَذِّبُ فلَكَ الحمدُ.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.