فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ

  • الحلقة الثلاثون
  • 2020-05-23

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ

السلام عليكم: الآيات اليوم هي آيات سورة النصر، وهي قوله تعالى:

إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
(سورة النصر: الآية 1-2-3)

وأما الحديث فقد أخرج البخاري في صحيحه:

{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مع أشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأنَّ بَعْضَهُمْ وجَدَ في نَفْسِهِ، فَقالَ: لِمَ تُدْخِلُ هذا معنَا ولَنَا أبْنَاءٌ مِثْلُهُ، فَقالَ عُمَرُ: إنَّه مَن قدْ عَلِمْتُمْ، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَومٍ فأدْخَلَهُ معهُمْ، فَما رُئِيتُ أنَّه دَعَانِي يَومَئذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ، قالَ: ما تَقُولونَ في قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ}؟ فَقالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا أنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ونَسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنَا، وفُتِحَ عَلَيْنَا، وسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شيئًا، فَقالَ لِي: أكَذَاكَ تَقُولُ يا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلتُ: لَا، قالَ: فَما تَقُولُ؟ قُلتُ: هو أجَلُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْلَمَهُ له، قالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ} وذلكَ عَلَامَةُ أجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ إنَّه كانَ تَوَّابًا}، فَقالَ عُمَرُ: ما أعْلَمُ منها إلَّا ما تَقُولُ }

(صحيح البخاري)


شرح الحديث
(أَشْيَاخِ بَدْرٍ) كبار السن في القوم ممن شهدوا بدراً، (فَكَأنَّ بَعْضَهُمْ وجَدَ في نَفْسِهِ) وجَدَ في نَفْسِهِ على عمر لماذا يدخل طفلاً حديث السن أو غلاماً صغير السن مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، (إنَّه مَن قدْ عَلِمْتُمْ) هذا ابْنِ عَبَّاسٍ حبر الأمة وترجمان القرآن، (فَما رُئِيتُ أنَّه دَعَانِي يَومَئذٍ إلَّا لِيُرِيَهُمْ) عَلِمَ ابن عباس رضي الله عنه أنَّ إدخاله اليوم لِيُرِيَهُمْ منه مكانةً وشأناً، (أُمِرْنَا أنْ نَحْمَدَ اللَّهَ ونَسْتَغْفِرَهُ إذَا نُصِرْنَا، وفُتِحَ عَلَيْنَا) وهذا المعنى صحيح ومتبادر إلى الذهن، لكن عمر يسأل عما وراء السطور، (أكَذَاكَ تَقُولُ يا ابْنَ عَبَّاسٍ؟) هذا قولك؟ (هو أجَلُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعْلَمَهُ له) هذه السورة إعلامٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدنو أجله ولحاقه بالرفيق الأعلى، (فَقالَ عُمَرُ: ما أعْلَمُ منها إلَّا ما تَقُولُ.) كلامك هذا صحيح مئةً بالمئة.

علاقة الإستغفار بالفتح وبالنصر
الاستغفار والنصر
أيها الكرام: إنه ليلفت النظر أن تنزل هذه السورة الكريمة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة أن يسبح بحمد الله وأن يستغفره، فما علاقة الاستغفار بالفتح وبالنصر؟ لكأن الله تعالى يريد أن ينبهنا إلى أن أشد الأوقات التي ينبغي أن تكون فيها أكثر تواضعاً وأكثر قرباً من خالقك ومولاك هي ساعات الفتح وساعات النصر وساعات التمكين وساعات النجاح وساعات التألق، لأنه يُخشى عليك من العجب ويُخشى عليك من الغرور ويُخشى عليك من الكبر.

فتح مكة كما أراده النبي الكريم
أخلاق النبي الكريم في فتح مكة
هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة فاتحاً فكادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره، تواضعاً لله تعالى، كان يوماً يمكن أن يكون يوم ملحمة فجعله النبي صلى الله عليه وسلم يوم مرحمة، كان يوماً يمكن أن يكون يوماً لا أمن فيه، يُقتصُّ به من الجُناة، ويقتص فيه من كل من سامه وسام أصحابه سوء العذاب، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أمنٍ فقال: - من أغلقَ علَيهِ دارَهُ فَهوَ آمِنٌ، ومن دخلَ المسجدَ فَهوَ آمنٌ - ومن أعجب العجب أن يقول بعدها: - ومن دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمِنٌ - أبو سفيان الذي قاد الحروب ضده وقاد المعارك لاستئصاله واستئصال أصحابه، جعل بيته أمناً لمن دخله بعد أن أسلم أبو سفيان، فجعله صلى الله عليه وسلم يوم مرحمة، كانت مئات السيوف تَتَلأْلأُ تنتظر إشارةً منه، إيماءةً منه صلى الله عليه وسلم لتهوي على رقاب أعدائه فتذيقهم ما أذاقوه له ولأصحابه على مدار ثلاثٍ وعشرين سنة، لكنه صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، والنعمة المزجاة، فلم يقبل بكل هذا بأبي هو وأمي، إنما أراده يوم رحمةٍ وأمنٍ وخيرٍ.
التواضع لله عز وجل في كل حال
سَبَّحَ بحمد ربه واستغفرَ ربه وهو في أعلى ساعات النشوة والنصر ليعلمنا أنك في حالة ضعفك نعم أنت بحاجةٍ إلى التواضع لله عز وجل وبحاجةٍ للذل بين يديه لكنك بحاجةٍ إلى ذلك أضعافاً مضاعفة عندما تكون قوياً وممكناً وتستطيع أن تبطش بأعدائك وأن تنال من خصومك في هذه اللحظات ينبغي أن تسبح بحمد ربك وأن تستغفره وأن ترجع إليه وتؤوب إليه لتضبط مشاعرك وانفعالاتك { إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا }.

فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا
(سورة النصر: الآية 3)

كل عامٍ وأنتم الخير، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.