المسجد الاقصى 03 - الأسباب البعيدة لوضع القدس الحالي

  • 2017-12-22
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

المسجد الاقصى 03 - الأسباب البعيدة لوضع القدس الحالي

يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدّ منك الجد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده، لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك؟ والأمر كله إليك؟ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً؛ ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:

القدس والمسجد الأقصى من صلب عقيدة المؤمن:
الأقصى في صُلب عقيدة المسلم
فيا أيها الإخوة الكرام، فلازال الحديث في مساجد المملكة عن القدس، وعن المسجد الأقصى، فالأقصى أيها الإخوة ليس قضية هامشية، والقدس ليست قضية جانبية، إنهما في صُلب عقيدة المسلم، ومن يتخلى عنهما إنما يتخلى عن عقيدته وملته وانتمائه.
أيها الإخوة الكرام، لكن الحديث اليوم في العمق، في الأسباب البعيدة التي أوصلت هذا الذي يقبع في البيت الأسود إلى أن يجرّ قلمه جرة وقد أطالها قليلاً يظن أنه بها يُحِقّ باطلاً، أو يُبطِل حقاً، الحديث اليوم في الأسباب البعيدة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.

من سنن الله أن الباطل إلى زوال مهما اشتد وطال:
أيها الإخوة بادئ ذي بدء الظلم مهما اشتد، ومهما طال أمده فمن سنن الله في خلقه:

اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ ۚ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ۚ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ ۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا(43)
(سورة فاطر)

في شرع الله سنن
من سنن الله، والسنة في الشريعة كالقانون في العلوم، فأنت عندما تقول: "المعادن تتمدد في الحرارة"، هذا قانون، وفي شرع الله سنن، والسنة كالقانون لا تتحول ولا تتبدل، فكيف إذا كانت هذه السُّنة لخالق الكون! وهذا القانون من رب السماوات والأرض!
من سنن الله أن الظلم مهما طال أمده، ومهما اشتد فهو إلى زوال لأنه باطل، ولأن الباطل لا يستمر.

{ الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار. }

(صحيح مسلم)

{ إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ }

(متفق عليه)

يملي له: يتركه حتى يظن الناس أنه يفعل ما يشاء، يظنون:

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ(42)
(سورة إبراهيم)

يملي له كأنه -وللتشبيه فقط- مربوط بحبل، وهذه الحبل طويلة، فيرخيها الله له، فيظن أنه حر طليق، فيفعل، ويهدد، ويتوعد، ويطول، ويأمر، وينهى حتى (فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) في لحظة واحدة يشده إليه، فهو في قبضة الله تعالى:

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا ۚ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ(4)
(سورة العنكبوت)

لا يسبقون الله.

الأسباب البعيدة لوضع الأقصى الحالي:
أولاً. الظلم الداخلي فيما بيننا:
أن نرفع الظلم الداخلي فيما بيننا
أيها الإخوة الكرام، ولكن –وهنا بدأنا في العمق كما قلت قبل قليل- ينبغي أولاً أن نرفع الظلم الداخلي فيما بيننا حتى نستحق أن يرفع الله الظلم الذي حلّ بنا، هناك ظلم داخلي، وهناك ظلم سُلِّط علينا من أعدائنا، قد لا يكون بإمكاننا في اللحظة الراهنة أن نرفع الظلم الخارجي، لكن بإمكاننا أن نرفع الظلم الداخلي، كم من مسلم -واعذروني أيها الإخوة- كم من مسلم مُطبَق الفم قد أخذ بيتاً أو مالاً ليس له وتعلق به، وتشبث به لحكم القانون مثلاً.

{ من اقتطع أرضاً ظالماً، لقي الله وهو عليه غضبان. }

(صحيح مسلم)

الصهاينة -عليهم من الله ما يستحقون- احتلوا أرضنا، لكن كم من مسلم عنده أرض صغيرة، أمتار مربعة احتلها وهي ليست له؟ أخذها من ميراث إخوته، أخواته البنات ولا يريد أن يعطيهم شيئاً منها، يقول هذه لي، لا يريد أن يذهب المال إلى الغرباء، يخالف شرع الله ويحتل أرضاً.

أمثلة عن الظلم الداخلي:
• كم من مسلم يحتل أرضاً صغيرة ثم يقول: اللهم عليك بالصهاينة الذين يحتلون أرضاً كبيرة، هذا واقع أيها الإخوة.
• كم من مسلم يظلم خادمه، يظلم موظفه، يظلم عامله!؟

{ من ضرب مملوكَه ظالمًا، أُقِيدَ منه يومَ القيامةِ. }

(أخرجه الطبراني)

أُخِذ منه الوثاق يوم القيامة.

{ من ضَرب بسوطٍ ظلمًا، اقتُصَّ منه يومَ القيامةِ. }

(صحيح الجامع)

عن عائشة رضي الله عنها –والآن انظروا في هذا القانون العظيم الذي يسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس إليه فقال:

{ إنَّ لي مَملوكِينَ- اليوم عمال وموظفين وخدم- يُكَذِّبونَني ويَخونونَني ويَعْصونَني، وأضْرِبُهم وأسُبُّهم، فكيف أنا منهم؟ فقالَ له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يُحسَبُ ما خانوكَ وعَصَوْكَ ويُكَذِّبونكَ وعِقابُكَ إيَّاهُم، فإنْ كان عِقابُكَ إيَّاهم دونَ ذُنوبِهم كان فَضلًا لكَ عليهم، وإنْ كان عِقابُكَ إيَّاهم بقَدْرِ ذُنوبِهم كان كَفافًا، لا لكَ ولا عليكَ، وإنْ كان عِقابُكَ إيَّاهم فوقَ ذُنوبِهم، اقْتُصَّ لهم منكَ –لابد أن تدفع الثمن- الفَضلُ الذي بَقِيَ قِبَلَكَ؛ فجعَلَ الرَّجُلُ يَبْكي بَينَ يَدَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ويَهتِفُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما له؟ ما يَقرَأُ كِتابَ اللهِ: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ. فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، ما أجِدُ شَيئًا خَيرًا مِن فِراقِ هؤلاء -يَعْني عَبيدَه- إنِّي أُشهِدُكَ أنَّهم أحرارٌ كُلُّهم. }

(المسند لشعيب بإسناد ضعيف)

وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ(24)
(سورة الصافات)

يقول لك أنا مسؤول كبير في البلد ﴿وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ﴾ يتمنى أنه مسؤول، إذا كنت مسؤولاً، وكلما عظمت مسؤوليتك عظم وقوفك بين يدي الله عز وجل.
أيها الإخوة، لابد مرة ثانية أن نزيح الظلم الداخلي الذي بيننا حتى نستحق أن يرفع الله عنا الظلم الخارجي.
(فقال الرَّجُلُ: يا رسولَ اللهِ، ما أجِدُ شَيئًا خَيرًا مِن فِراقِ هؤلاء –بعد هذا الكلام أفضل ما أفعله أن أطلقهم أحراراً- إنِّي أُشهِدُكَ أنَّهم أحرارٌ كُلُّهم). هذا الخوف من الله.

{ عن أبي مسعود البَدْري رضي الله عنه قال: كنت أضرب غُلاما لي بالسَّوْط، فسمعت صوتا من خَلفِي: اعلم أبَا مسعود فلم أفْهَم الصَّوت من الغَضَب، فلمَّا دَنَا مِنِّي إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يقول: اعلم أبَا مسعود أن الله أقْدَرُ عليك مِنْك على هذا الغُلام فقلت: لا أَضرب مملوكا بعده أبدًا. وفي رواية: فسقط السَّوط من يَدي من هَيْبَتِه. وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حُرٌّ لوجه الله تعالى، فقال: أمَا لو لم تفعل، لَلَفَحَتْكَ النَّار، أو لَمَسَّتْكَ النَّار. }

(صحيح مسلم)

دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب
أيها الإخوة الكرام كما أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب كما في الصحيح، بالقياس فإن دعوة الظالم بينها وبين الله عز وجل آلاف الحُجُب، فأنت عندما ترفع يديك وتدعو الله عز وجل فلتنظر أولاً في معاملاتك، فلتنظر في حساباتك، فلتنظر في تعاملك مع الناس هل هناك ظلم؟
• الأخ قد يظلم أخته كما قلت قبل قليل ولا سيما في الميراث، بحكم قوته وأنه الابن الأكبر، يسيطر على أموال أبيه، ويمنع الآخرين من ميراثه، ظلم وأي ظلم!
• الزوج قد يظلم زوجته، خارج البيت يتأنق وتكون أخلاقه عالية، وداخل البيت يقيم الدنيا ولا يقعدها لأسباب سخيفة، هذا ظلم.
• الزوجة قد تظلم زوجها فلا تعطيه حقه كاملاً بما أمر الشرع، ولا تطيعه بما كان يأمر بالمعروف.
• الشريك يظلم شريكه:

{ أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما. }

(سنن أبي داوود بسند ضعيف)

• الصديق قد يظلم صديقه.
• الأب قد يظلم ابنه، دائماً نتعلم ظلم الابن لأبيه، وقد يظلم الأب ابنه فلا يربيه على طاعة الله، ولا ينشئه تنشئة ترضي الله،
• والابن قد يظلم أباه، فلا يطيعه ولا يبره، كل هذا ظلم.
قبل أن ننظر إلى الظلم الخارجي، هذا ظلم وهذا ظلم وندعو الله عز وجل أن يفرج عنا، ظلم الأمة المسلمة، مؤامرة وأي مؤامرة فما يحدث على الأمة الإسلامية من ظلم خارجي يقول الناس عنه إنه مؤامرة، بل إنها حرب عالمية ثالثة معلنة ضد الإسلام، كانت تحت الطاولة، فأصبحت فوق الطاولة جِهاراً نهاراً.

لابد من إزالة الظلم فيما بيننا
أنا لا أنكر الظلم الخارجي، لكن ما الذي ينبغي أن نفعله؟
أولاً قبل أن نقول يارب ارفع عنا الظلم، أن نزيل الظلم فيما بيننا لأنهما دائرتان دائرة صغرى تملكها، ودائرة كبرى تحيط بها قد لا تملكها، فاعلم أن الدائرة الصغرى التي تملكها، وهذه الدائرة الصغرى تتوسع وتتوسع إلى أن تسيطر على الدائرة الكبرى، ويتحقق للأمة المسلمة ما تصبو إليه.
يقول ابن تيمية رحمه الله: "إن الله يقيم الدولة الكافرة العادلة على الدولة المسلمة الظالمة، والدنيا -وليس الآخرة- تصلح بالكفر والعدل، ولا تصلح بالإيمان والظلم"، كلام خطير ولكنه واقع. لابد أن نبدأ من الدائرة الضيقة.

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ(11)
(سورة الرعد)

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
(سورة آل عمران)

يجب أن نلوم أنفسنا قبل كل شيء
في أحد، قل هو من عند أعدائكم؟ ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ﴾ ما الذي تتجه إليه النفس، ونلوم أنفسنا قبل كل شيء، ولينظر كل منا في علاقاته، وفي من حوله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصلح المجتمع، فالطريق طويلة.
أيها الإخوة الكرام عندما نتحدث في العمق نتحدث أولاً أن من أهم الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه هو الظلم الداخلي.

ثانياً. تفرق الأمة الإسلامية:
وحينما ننتقل إلى سبب آخر ونكتفي به نتحدث عن تفرقنا، فتفرقنا أشد علينا من عذابنا:

إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92)
(سورة الأنبياء)

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(103)
(سورة آل عمران)

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)
(سورة آل عمران)

نحن أُمِرنا أن نكون يداً واحدة
ما الداعي للتفرق والاختلاف وكتاب الله بيننا وسنة رسوله بيننا؟ جاءت البينات، نتفرق بعد البينات؟ الاختلاف أيها الإخوة قد يكون طبيعياً، ناشئاً عن نقص في المعلومات، فأختلف أنا وأنت في قضية لأن عندي معلومة ليست عندك، فإذا اتضحت المعلومة عندك اتفقنا، هذا خلاف طبيعي يحصل مع كل البشر، في كل مكان، أنت تقول أنا لا أعرف هذه المعلومة، آتيك بالدليل تقتنع وينتهي الخلاف.
وهناك خلاف مذموم، هذا الذي نتحدث عنه تفرق أهواء ومصالح، نحن أيها الإخوة أمرنا أن نكون يداً واحدة فكانت كل فرقة منا هي مع الأخرى، ونحن أُمِرنا أن نكون يداً واحدة وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا حبل الله هو كتاب الله وسنة رسوله.

طرق الوصول إلى الله متعددة:
الحق واحد، ولكن لا بد أن تتعدد الطرق في الوصول إليه، الحق لا يتعدد:

وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(153)
(سورة الأنعام)

كل إنسان يجد طريقه إلى الحق
لكن قد تتنوع الطرق، فيجد الإنسان طريقه إلى الله في العمل الصالح، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وهذا باب عظيم، والآخر في نشر العلم، والثالث في تربية أولاده، والرابع في رعاية الأسر، والخامس في تزويج الشباب، والسادس في حفاظه على علاقته بربه، وتنشئة أسرته على ذلك، وكل إنسان يجد طريقه إلى الحق وإلى الله عز وجل، ولابد أن نلتقي معاً، لا أن نكون متفرقين، كل إنسان همه أن ينتصر على أخيه، أو أن يقلل من شأنه.
أيها الإخوة الكرام:

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ(159)
(سورة الأنعام)

في الحديث الشريف:

{ عليكُم بالجماعَةِ، وإيَّاكُم والفُرقةُ. }

(صحيح الجامع)

لعل هذه المحن المتتالية تجمع الأمة، لعلها تخرجنا من ذواتنا، وقد رأينا ذلك، من همومنا الحياتية الصغيرة كالطعام والشراب إلى همّ أكبر وأعظم، لعلها تفعل ذلك:
بوركَ الخطبُ، فكم لفَّ على سهمهِ أشتاتَ شعـبٍ مغضبِ
{ عمر أبي ريشة }
أيها الإخوة الكرام، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.

دعاء الختام:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، لك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك.
اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم يا واصل المنقطعين أوصلنا برحمتك إليك.
اللهم بفضلك عُمّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة جمعاً توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين.
اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رُشْد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أمر معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
اللهم بفضلك ورحمتك انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المرابطين في القدس وفي المسجد الأقصى على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين.
اللهم بفضلك ورحمتك انصر المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين.
اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخيّاً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، واسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانتين، ولا تهلكنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين، وردنا إليك يا أرحم الراحمين.
ووفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.
والحمد لله رب العالمين.