أصلح لي ديني 8 - دِينُ الْـقَـيِّـمَة
أصلح لي ديني 8 - دِينُ الْـقَـيِّـمَة
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد. |
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟! وكيف نضِل في هداك؟! وكيف نذِلّ في عزّك؟! وكيف نُضام في سلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟! |
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد: |
الدين عصمة:
فيا أيها الإخوة الكرام؛ مع الخطبة الثامنة من سلسلة خطب بعنوان: أصلح لي ديني، ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح مسلم كان يدعو بهذا الدعاء: |
{ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ. }
(أخرجه مسلم عن أبي هريرة )
الدين عصمة
|
أيها الإخوة الكرام من هنا، فقد ورد في بعض الأحاديث: يا ابنَ عمرَ! دينُك دينُك، إنَّما هو لحمُكَ ودمُكَ، فانظُر عمَّن تأخذُ، خُذ عنِ الَّذينَ استَقاموا، ولا تأخُذ عن الَّذينَ مالوا. |
وما أكثر من مالوا اليوم عن الدين الصحيح لذلك ما أشد حاجتنا في هذا الوقت إلى هذا الدعاء النبوي، (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي) الدين وحي السماء لا يحتاج إلى إصلاح، ولكن فهمنا له، تديننا، طريقة تعاملنا مع الدين تحتاج إلى إصلاح، (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي) ديننا يحتاج إلى إصلاح- كما أسلفنا في الخطب السابقة-عندما لا نقيمه في حياتنا. |
شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ ٱللَّهُ يَجْتَبِىٓ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىٓ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)(سورة الشورى)
ديننا يحتاج إلى إصلاح عندما يفرقنا، والدين يجمع ولا يفرق (وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ)، ديننا يحتاج إلى إصلاح، عندما نأتي السهل منه، وندع الأمور التي نجدها صعبة علينا. |
ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)(سورة البقرة)
ديننا يحتاج إلى إصلاح عندما يتحول إلى تجارة نرتزق بها، ديننا يحتاج إلى إصلاح عندما نسخره لخدمة الأقوياء والطغاة، ولا نسخره لخدمة الحق، هذه مفهومات تحدثنا عنها بالتفصيل في خطب سابقة. |
دين القيمة:
اليوم نتحدث عن دين القيمة، عن الدين القيم، قال تعالى في سورة البينة، ما أوضح البينة! لا تحتاج إلى بيان، هي أوضح من أن تحتاج إلى بيان؛ البينة، قال تعالى: |
وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ ٱلْقَيِّمَةِ (5)(سورة البينة)
النفي ثم الإثبات يعطي الحصر
|
الدين واحد والشرائع متعددة:
أولاً أيها الإخوة: الدين واحد، والشرائع متعددة، الدين من عند الله -عزَّ وجلَّ- واحد: |
إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ (19)(سورة آل عمران)
العبادة اسم جامع لكل خير:
العبادة اسم جامع لكل ما يرضاه الله تعالى
|
ثُمَّ ٱسْتَوَىٰٓ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِىَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ(11)(سورة فصلت)
فكل المخلوقات تخضع لله لكن بلا إرادة إلا المؤمن يخضع لربه بإرادته، لذلك فهو يسعد بهذا الخضوع، يسعد بخضوعه لأنه خضوع ناجم عن إرادته الشخصية لا خضوع قصري. |
أيها الإخوة، إذاً (وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ)، العبادة جامعة لكل شيء، لما قصرنا مفهومها على العبادات الشعائرية فقط دون أن ينعكس ذلك في واقعنا أصبحنا كما قلت لكم نردد أذكاراً بلا معنى، نقول: الحمدلله، لكننا لا نرى المنعم الذي أنعم علينا بهذه النعمة، ثم نؤدي الصلاة لكن لا نقيمها في حياتنا فلا تنهانا صلاتنا عن الفحشاء والمنكر، والله تعالى قال: |
ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)(سورة العنكبوت)
العبادة ليست أن تؤدي صلاة وزكاة وحج فحسب
|
{ أنَّ نَاسًا مِن أَصْحَابِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قالوا للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: يا رَسولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بالأُجُورِ؛ يُصَلُّونَ كما نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كما نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قالَ: أَوَليسَ قدْ جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ ما تَصَّدَّقُونَ؟ إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ. }
(أخرجه مسلم عن أبي ذر الغفاري)
وهو مع زوجته في علاقة حميمة صدقة، (قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْرٌ) |
العبادات شعائرية هي أساس الدين لكنها ليست الدين كله:
فكل كل نشاطات الإنسان عبادة ينبغي أن يخضع فيها لمنهج الله، ليست الصلاة والزكاة والصيام فقط أبداً هذه عبادات شعائرية وهي أساس الدين، لكنها ليست الدين كله، الدين بني عليها لكن الدين منظومة قيم وأخلاق. |
أيها الإخوة الكرام؛ (وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ) الأمر الثاني: (مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ) فالإخلاص هو روح العبادة وسرها، فعبادة بلا إخلاص شجرة بلا ثمر. |
{ إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ، ولِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوَى، فمَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللَّهِ ورَسولِهِ، ومَن كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إلى ما هَاجَرَ إلَيْهِ. }
(رواه البخاري، ومسلم عن عمر بن الخطاب)
الإخلاص سر العبادة
|
إقامة للصلاة هي انعقاد الصلة مع الله
|
هذا هو الدين أيها الإخوة، عبادة لله بالمعنى الشمولي، فيها روحها وهو الإخلاص، فيها ميل عن الشرك وأهله إلى الحق وأهله، فيها صلة بالله وإحسان إلى المخلوق، الآن الشرائع نلتزم بشريعتنا كما جاءت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- لنحقق هذا الدين القيم الذي جاء به أو الذي أنزله الله تعالى على كل أنبيائه ورسله، وفي آية ثانية ولن أشرحها فقط أذكرها لضيق الوقت. |
مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِۦٓ إِلَّآ أَسْمَآءً سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَٰنٍ ۚ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)(سورة يوسف)
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله. |
الحمد لله رب العالمين، وأشهد الله أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد. |
أيها الإخوة الكرام، تقيم الهيئة الخيرية الهاشمية حملة لجمع التبرعات النقدية لصالح مسلمين الروهينجا في ميانمار، وهذه الحملة بدأت قبل أيام وستستمر حتى نهاية شهر 24/12 تحديداً 2017، وهذه الحملة للتبرعات النقدية حصراً، وهي في مجمع النقابات وفي فروع المجمع في المحافظات الأخرى غير عمان، فادفعوا يدفع الله عنكم كل مكروه، ومن نصر مسلماً نصره الله -عزَّ وجلَّ-. |
الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك عمّنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا و أغمنا وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه لكل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم بفضلك ورحمتك اجعل هذا البلد آمناً، سخياً، رخياً، مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم يا أرحم الراحمين، اللهم أطعم جائعهم، و اكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوي غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة و قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. |