الإسلام منهج عالمي

  • 2018-02-02
  • عمان
  • مسجد التقوى

الإسلام منهج عالمي

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستهديه ونسترشده ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد ، وعلى أصحاب سيدنا محمد ، وعلى أزواج سيدنا محمد ، وعلى ذرية سيدنا محمد ، وسلم تسليماً كثيراً .

التقوى مقياس التفاضل بين البشر عند الله تعالى :
وبعد فيا أيها الأخوة الكرام ؛ فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[ سورة الحجرات]

آيات كثيرة بدأت بـ يا أيها الذين آمنوا
أيها الأخوة الكرام ؛ يخاطب الله تعالى في هذه الآية الناس ، عموم الناس ، ولا يخاطب الذين آمنوا ، آيات كثيرة فوق الثمانين بدأت في كتاب الله بـ : يا أيها الذين آمنوا ، يخاطب الله فيها المؤمنين بما أوجب عليهم من تشريعات وفرائض .

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
[ سورة البقرة]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)
[ سورة البقرة]

ولكن في آيات أخرى من هذه الآية يخاطب الإسلام الناس ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) من آدم إلى يوم القيامة .
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ ) ما هدف ذلك ؟ لِمَ جعلناكم شعوباً وقبائل ؟ لِمَ خلقناكم ؟ قال : ( لِتَعَارَفُوا ) لتتعرف إلى أخيك في الإنسانية ، وهي أوسع دائرة في الأخوة ، وليتعرف إليك ، لا لتعاركوا بل ( لِتَعَارَفُوا ) ، لكن العالم اليوم فَهِمَ أنه خلق ليتعارك ، ليبني الناس أمجادهم على أنقاض الآخرين ، وعزهم على إذلالهم ، وحياتهم على موتهم ، وغناهم على إفقارهم ، إنما الله تعالى خلقنا لنتعارف .
أما مقياس التفاضل فهو عنده جلّ جلاله ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) لأن التقوى لا تدرك قيمتها ، ولا تدرك مستوياتها إلا عند الله وحده ، فقد تجد إنساناً ظاهره التقى وباطنه غير ذلك ، فقال : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) .

الإسلام منهج عالمي :
الإسلام جاء للعالمين
أيها الأخوة الكرام ؛ الإسلام عالمي ، لم يكن يوماً لقريش وحدها ، ولا للعرب وحدهم ، جاء للعالمين ، لذلك في خطبة الوداع وقف النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه يخاطبهم فما خاطبهم إلا بألفاظ عامةٍ عامة تصلح إلى قيام الساعة ، فقال صلى الله عليه وسلم :

{ عن أبي نضرة رحمه الله : قال : حدثني من سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال : يا أيها الناس إن ربكم واحد ، وأباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى أبلغت ؟ قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : أي يوم هذا ؟ قالوا : يوم حرام ثم قال : أي شهر هذا ؟ قالوا : شهر حرام قال : أي بلد هذا ؟ قالوا : بلد حرام. قال : فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال : ولا أدري قال : وأعراضكم ، أم لا ؟ كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا. أبلغت ؟ قالوا : وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ليبلغ الشاهد الغائب }

[أخرجه الطبراني والبزار]

{ عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كلكم بنو آدم وآدم من تراب ، لينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان }

[أخرجه البزار]

{ عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما : قال : ' كُنَّا نَتَحدَّثُ عن حَجةِ الوداعِ والنبيُّ صلى الله عليه وسلم بين أظْهُرِنا ، ولا نَدري ما حَجَّةُ الوداع ، حتى حَمِدَ اللَّه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم وأثْنى عليه ، ثم ذكر المسيحَ الدجالَ ، فأطْنَبَ في ذِكره ، وقال : مَا بَعَثَ اللَّه من نَبيٍّ إلا أَنْذَرَهُ أُمَّتَهُ : أنْذَرَهُ نُوحٌ والنَّبيونَ من بعده ، وإنَّه يَخْرُجُ فيكم ، فما خَفي عليكم من شَأُنهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عليكم ، إنَّ ربَّكُمُ ليس بأعوَرَ ، إنه أعْوَرُ عين اليمنى ، كأنَّ عينَهُ عِنَبَةُ طافية ألا إنَّ اللَّه حَرَّمَ عليكم دماءكم وأَمْوالكم ، كُحرَمةٍ يَوْمِكُمْ هذا ، وفي بَلَدِكُم هذا ، ألا هَلْ بَلَّغْتْ ؟ قالوا : نعم ، قال : اللَّهُمَّ اشْهدْ }

[أخرجه البخاري ومسلم]

ولم يقل : يا أصحابي ، لأن خطبة حجة الوداع أراد منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون دستوراً للبشرية إلى قيام الساعة (( إن ربكم واحد ، وأباكم واحد ، كلكم بنو آدم وآدم من تراب )) ( أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) (( لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا أسود على أحمر ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ، ألا هَلْ بَلَّغْتْ ؟ قالوا : نعم ، قال : اللَّهُمَّ اشْهدْ ))
ثم قال :

{ عن وابصة رضي الله عنه : أنه كان يقوم للناس بالرقة في المسجد الأعظم يوم الفطر ويوم النحر فقال : إني شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يخطب الناس فقال : يا أيها الناس أي شهر أحرم ؟ ' قالوا : هذا قال : ' أيها الناس أي بلد أحرم ؟ ' قالوا : هذا قال : ' فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم محرمة عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ، هل بلغتُ ؟ ' قال الناس : نعم ، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم إلى السماء فقال : ' اللهم اشهد ' ، ثم قال : يا أيها الناس ليبلغ الشاهد منكم الغائب }

[أخرجه البزار ]

وها قد بلغنا قوله صلى الله عليه وسلم فإن غبنا يومها بأجسادنا لكننا اليوم حضور بأفكارنا إلى هذه المعاني السامية .
أيها الأخوة الكرام ؛ أنت عندما تستفتح صلاتك في كل ركعة تفتتحها بالفاتحة فتقول :

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
[ سورة الفاتحة ]

وكأنك تتناغم مع الوجود كله ، فالعالمون لفظ يشمل كل ما خلق الله ، ما قال : الحمد لله رب المسلمين ، قال : ( رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وأنت عندما تقرأ القرآن الكريم تقرأ فيه قوله تعالى :

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1)
[ سورة الفرقان]

وتقرأ قوله تعالى :

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)
[ سورة يوسف]

وأنت عندما تقرأ عن نبيك محمد صلى الله عليه وسلم تقرأ قوله تعالى :

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)
[ سورة الأنبياء]

وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم : وأُرسِلْتُ إِلى الخلق كَافَّة }

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي]

وعندما تزور بيت الله الحرام تقرأ قول الله تعالى :

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)
[ سورة آل عمران ]

هذه هي عالمية الإسلام .

أربعة شروط يجب تحقيقها لتكون الشريعة عالمية :
1 ـ تحقيق الأمن :
أخواننا الكرام ؛ المفكرون الغربيون الآن عندما يتحدثون عن العالمية يضعون أربعة شروط ليكون المنهج أو لتكون الشريعة عالمية ، أربعة شروط ، ما هي هذه الشروط الأربع ؟
الإسلام حقق الأمن للجميع
قالوا أولاً تحقيق الأمن الذي يكفل وحدة الإنسانية وحماية أفرادها ، الشرط الأول تحقيق الأمن ، فهل في تاريخ الأمم كلها أمنٌ إلا مع الدين ؟ هل تجدون اليوم أن عولمة الغرب وسآتي عليها بعد قليل قد حققت الأمن للعالمين أم حققت أمناً محدوداً ضمن حدودها الجغرافية ونشرت الدمار والخراب في بقاع العالم كله ؟ أما الإسلام فقد حقق الأمن ، حقق الأمن للجميع ، وحمى الناس جميعاً ، فكان في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه توضع الأموال في المسجد الأموي في دمشق ، وما تزال الأجران موجودة في المسجد ، توضع أموال الزكاة فيها لعل أحداً يأخذها ، فلا تجد فقيراً يأخذ ، والأموال مباحة للجميع .
دخل رسول كسرى على عمر بن الخطاب فوجده مستلقياً في المسجد وهو نائم على حصير ، وهو أمير المؤمنين ، فقال قولة ذهبت مثلاً :
أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت فيهم قرير العين هانيها
قال له : لقد عدلت فأمنت فنمت .
الأمن أيها الأخوة ؛ يتحقق في داخل النفس ، ويتحقق في المجتمع ، يتحقق داخل النفس بالتوحيد ، ولا توحيد إلا بالدين .

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام]

أي بشرك كما قال صلى الله عليه وسلم .

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
[ سورة لقمان]

( وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ ) لهم الأمن ، أي الأمن لهم وحدهم ولا أمن لعيرهم ، الأمن فقط لمن آمن ووحد ، فيمتلئ قلب المؤمن أمناً ، هذا أمن الإيمان ، فيفيض أمناً على من حوله ، وأما المجتمع فلا يتحقق الأمن فيه إلا بالعدل ، والعدل أساس قامت به السماوات والأرض .
أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عامله إلى يهود خيبر ليقيّم تمرهم ليأخذ زكاته فأغروه بحلي نسائهم ليخفض القيمة ، فيأخذ زكاة أقل من الواجب عليهم ، أغروه بحلي نسائهم رِشوةً ، فقال لهم : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ، إلى الله ، وإليه صلى الله عليه وسلم ، وأنتم أبغض الخلق إليّ ، أنا أبغضكم ، ومع ذلك فلن أحيف عليكم ، لن أظلمكم ، فقال اليهود : بهذا غلبتمونا ، وبهذا قامت السماوات والأرض ، قامت بالعدل .
فهم يقولون : إن المنهج حتى يكون عالمياً ينبغي أولاً أن يحقق الأمن ، فأي أمنٍ بلا إيمان ؟

2 ـ أن تقوم الشريعة على نبذ العصبية :
تقوم الشريعة على نبذ العصبية
ثم يقولون إن النقطة الثانية في تحقيق العالمية : أن تقوم الشريعة على نبذ العصبية ، نبذ عصبية اللون ، لا أن تقوم دول على إبادة الشعوب ، وما يزال حتى اليوم يميز فيها بين لون وآخر .
أبو بكر الصديق رضي الله عنه أعتق بلالاً ، قال له صفوان : والله لو أعطيتني درهماً لبعتكه ، لا حاجة لي به ، قال له : والله لو طلبت مئة ألف لأعطيتكها ، ثم أمسك بيده فوضعها تحت إبطه ، وقال : أنت أخي حقاً ، وبلال حبشي وأبو بكر قرشي .
سلمان الفارسي :
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميمِ
صهيب الرومي ، ربح البيع أبا يحيى ، ربح البيع أبا يحيى .
هكذا ضمن الإسلام ، لأنه لا يميز بين عصبية ، ولا بين لون ، ولا بين جنس ، فالناس جميعاً ، كما قال صلى الله عليه وسلم (( إن ربكم واحد ، وأباكم واحد ، كلكم بنو آدم وآدم من تراب )) .

3 ـ ألا يتنافر المنهج مع حقائق العلم ومقتضيات العقل :
ثم يقولون : إن من شروط تحقيق العالمية الشرط الثالث ألا يتنافر المنهج مع حقائق العلم ، ومقتضيات العقل .
الدين هو الأصل والعلم هو التبع
في العصور الوسطى أيها الأخوة كانت الكنيسة تحارب العلم ، وكل من يتكلم بالعلم ربما سجن ، وربما قُتل ، أو عُذب ، فقام صراع بين الكنيسة والعلم ، انتهى بما سمي العلمانية ، وهي فصل الدين عن الدنيا ، فالدين في واد ، والعلم في واد ، وانتهى الأمر ، حتى يحلوا مشكلتهم ، أما عندما تقرأ في كتاب الله وفي سنة رسوله فهل ترى تنافراً ؟ هل ترى في العصر ما يدعوك إلى العلم وفي كتاب الله ما يدعوك إلى الجهل ؟ هل ترى حقيقة أثبتها العلم وجاء البرهان لينفيها أو العكس ، أقول العلم الصحيح ، والدين هو الأصل والعلم هو التبع ، لأن الدين بدأ بكلمة :

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
[ سورة العلق]

قراءة الكون ، أن تقرأ فيما حولك .
لذلك أيها الأخوة ؛ هذا الشرط الثالث محقق في الإسلام من كلام الغرب .

4 ـ أن يكون المنهج ثابتاً ومستقراً لا يحتاج إلى تجديد :
ديننا لا يقبل التطوير والتعديل
ثم الشرط الرابع والأخير ؛ يقولون : أن يكون المنهج ثابتاً ومستقراً لا يحتاج إلى تجديد ، وهذا ما هو عليه ديننا ، فديننا لا يقبل التعديل ، ولا التطوير ، ولا الزيادة ، ولا الحذف.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)
[ سورة المائدة]

والإكمال عددي ( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) والإتمام نوعي ( وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً ) فكل تجديد في الدين يعني أن ننزع عن الدين ما علق به مما ليس منه فنحن معه ، أن نعيده إلى صفائه ، إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل تجديد في الدين يعني التغيير ، والتطوير ، وتغيير الأحكام وتعديلها لتناسب البيئة ، وترضي الأقوياء والطغاة ، فهو تجديد مرفوض جملة وتفصيلاً .
لذلك أيها الأخوة ؛ ديننا يقبل الاجتهاد لكنه لا يقبل التطوير والتعديل ، بخلاف قوانين البشر ، يصدر المرسوم ، ثم قوانينه ، ثم تعديلاته لسنة كذا ، ثم تعديلاته لتجد جهود البشرية قاصرة ، أما المنهج الإلهي فكامل لا يحتاج إلى تطوير ، ولا تعديل ، ولكنه يقبل اجتهاداً في المسائل من أجل مواكبة كل عصر ، وكل مصر .

مظاهر العولمة :
في عولمة الغرب يغدو الكون كله غابة كبيرة متوحشة
أيها الأخوة الكرام ؛ إذاً عالمية الإسلام شيء واضح لا يحتاج إلى برهان ، ولا إلى دليل ، أما العولمة التي اصطنعها الغرب لتكون بديلاً عن الدين فلا تعدو كونها تعبيراً معاصراً عن نزعة تخلفية قديمة ، من أظهر مظاهرها كما يقولون انهيار السرور بين الحضارات ، فتنتشر ثقافاتهم على حساب ديننا ، ومبادئنا ، وقيمنا ، وتنهب خيرات الشعوب باسم العولمة ، ففي العالمية عالمية الإسلام يغدو الكون كله قرية صغيرة ، يحب الإنسان فيه الجماد ، أحد جبل نحبه ويحبنا ، يعطف فيه الإنسان على الحيوان بعد الإنسان ، لكن في عولمة الغرب يغدو الكون كله غابة كبيرة متوحشة ، يقتل القوي فيها الضعيف ، ويسرق الغني فيها الفقير ، فيكثر الفقر في المجتمعات ، وتبني قلة قليلة ثروتها على حساب الكثرة الكثيرة ، فترى في العالم في نظامه الاقتصادي الدموي أن المال قد تجمع في أيد قليلة ، وحرمت منه الكثرة الكثيرة ، تسعون بالمئة من ثروات الأرض يملكها عشرة بالمئة ، وعشرة بالمئة من ثروات الأرض يملكها تسعون بالمئة ، عشرة بالمئة يتحكمون بتسعين بالمئة من ثروات الأرض ، هنا ينتشر الفقر ، ومع الفقر الإرهاب الذي يدعون أنهم يحاربونه ، ومع الإرهاب التخلف ، ومع التخلف ضعف الأسرة وما إلى ذلك .
أيها الأخوة الكرام ؛ العولمة جعلت العالم غابة ، لكن العالمية عالمية الإسلام جعلت الكون قرية صغيرة كونية ، يتجاوب فيها كل الوجود في خدمة الإنسان ، وخدمة المبادئ ، وخدمة القيم .

عالمية الإسلام هي بناء علاقة صحيحة مع الآخر :
أيها الأخوة الكرام ؛ قتيبة بن مسلم دخل سمرقند - سمرقند فيها نصارى - على شروط ، شارطهم ودخل المدينة ، ولم يفِ بشروطهم ، فرفع أهل سمرقند شكواهم إلى عمر بن عبد العزيز ، وقالوا : إن قتيبة دخل علينا على وعد بالخروج ، وعدنا أنه سيخرج ، ولم يخرج ، يشتكون قائداً إلى خليفة المسلمين ، فكتب عمر إلى عاهله على بلاد ما وراء النهر قال له : إذا جاءك كتابي فنصب قاضياً ينظر في شكواك ، فنصب الوالي القاضي حاضر بن جُبير ، فرأى القاضي أن الحق مع أهل سمرقند ، لأنهم ما أخذوا حقهم ، ولم يوفَ بالعهد معهم ، فحكم فوراً بإخراج المسلمين من سمرقند ، فحزموا أمتعتهم ، وبدؤوا بالخروج ، فما كان من أهل سمرقند وبعدما رأوا من عدالة الإسلام إلا أن قالوا : بل ابقوا ونحن تحت حكمكم .
أيها الأخوة الكرام ؛ عالمية الإسلام هي أن تبني لك علاقة صحيحة مع الآخر مع غير المسلم .

كيفية تعامل المسلم مع غير المسلم :
كيف يتعامل المسلم مع غير المسلم ؟ سألخص في نقاط سريعة :
الإسلام دين عدلٍ ورحمة
أولاً : الإسلام دين عدلٍ ورحمة ، يسعى لهداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، الناس ، فنحن عندما قصرنا في دعوة الناس إلى دين الله كان ما ترون .
النقطة الثانية :؛ المسلم مأمور بدعوة عير المسلمين بالكلمة ، وبالحكمة ، وبالموعظة الحسنة ، قال تعالى :

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46)
[ سورة العنكبوت]

ما قال بشكل حسن ، قال : ( إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) أي اختر أنسب عبارة وأحسن لفظ لتجادل بها غير المسلم ، لعلك تدخله في دينك .
النقطة الثالثة : لا يعامل المسلمين غير المسلمين على سواء ، أي كل إنسان غير مسلم هو عدونا وانتهى الأمر ، أبداً ، يسالمون من سالمهم ، ويحاربون من حاربهم ، ولا يسمحون لأحد أن يقف في طريقهم في الدعوة إلى الله ، ونشر الحق والخير ، هذا منهج المسلمين .
النقطة الرابعة : لا يجوز بحال ظلم غير المسلم أبداً ، ولا الاعتداء عليه أبداً ، ولا يؤخذ حقه ، ولا يسرق ماله ، قال تعالى :

فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15)
[ سورة الشورى]

(وَأُمِرْتُ) يخاطب غير المسلمين ، يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يخاطب غير المسلمين ، قل لهم : ( وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ) .
أيضاً النقطة الخامسة : احترام عهودهم ، إذا عاهدتهم فاحترم عهدهم .
إذا عاهدتهم فاحترم عهدهم
أيها الأخوة ؛ حذيفة بن اليمان يقول : ما منعني أن أشارك في غزوة بدر إلا أنني خرجت أنا وأبي اليمان ، حذيفة ووالده اليمان ، خرجنا إلى المدينة ، فلقينا المشركون فقالوا : أين تريدون ؟ تريدون محمداً ؟ قلنا : نعم ، قالوا : فأعطونا عهد الله وميثاقه ألا تقاتلونا ؟ قالوا : لكم عهد الله وميثاقه ، فوصلوا إلى المدينة ، فلما كانت غزوة بدر أرادوا أن يخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لهم : ارجعوا ، نستعين بالله عليهم ، ونفي بعهدهم ، وهم مشركون .
النقطة السادسة : يجب على المسلم أن يعاون غير المسلم المسالم ، سواء بالمساعدة المادية ، أو لين القول ، أو رد التحية ، قال تعالى :

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)
[ سورة الممتحنة]

البر ؛ كل أنواع الخير ( وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) أي تعدلوا معهم ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) .
أخيراً : لا يمانع المسلمون أبداً من التعاون مع غير المسلمين سواء في النشاطات التجارية ، أو في نشاطات لإحقاق حق ، أو لإبطال باطل ، فهذا كله مما يتعاون فيه الناس على اختلاف مشاغلهم .
هذه عالمية الإنسان أيها الأخوة جاءت للناس كافة من أجل إخراجهم من الظلمات إلى النور ، وهذه هي الطريقة التي يتعامل بها المسلم مع غير المسلم .
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني .

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد .

الدين عند الله واحد وهو الإسلام :
البراء والولاء فريضة في القلب
أيها الأخوة ؛ نقطة بسيطة حتى يتضح المقصود تماماً ، وقد اتضح عند كثير من الأخوة هنا ، لكن نحن عندما نتحدث عن علاقة المسلم بالآخر ، وعن عالمية الإسلام لا ندعو أبداً بحال إلى ما يسمى بوحدة الأديان ، هذا ليس مقصوداً أبداً ، ولا ندعو بحال إلى ترك الولاء والبراء ، أبداً ، نحن ندعو إلى حسن التعامل ، لكن البراء والولاء فريضة في القلب ، فنحن نوالي المؤمنين ، ونتبرأ من الأعداء ، ونحن :

لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)
[ سورة الكافرون]

عدم الدعوة إلى وحدة الأديان إن صح التعبير فالدين عند الله واحد وهو الإسلام ، لكن نحن لا نقول أبداً إلى أن كله صحيح ، وكله مع بعضه كما هناك دعوات اليوم ، أبداً ، نحن مسلمون ، نعتز بديننا ، بقيمنا ، بإسلامنا ، بنبينا ، ونتعامل مع الآخر من مبدأ أمرنا به نبينا لكن دون أن نلتمس معه في المحرمات تحت أي ضغط .

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافينا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، لك الحمد على ما قضيت ، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت ، نستغفرك ونتوب إليك ، نؤمن بك ونتوكل عليك ، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك ، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك ، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة ، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا ، أنت حسبنا عليك اتكالنا ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين ، وأنت أرحم الراحمين ، وأنت أرحم الراحمين .
اللهم بفضلك عُمنا ، وقنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا ، وعلى الإيمان الكامل والسنة توفنا ، ونلقاك وأنت راضٍ عنا .
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم انصر أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين .
اللهم انصر أخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ، اللهم أطعم جائعهم ، واكسُ عريانهم ، وارحم مصابهم ، وآوِ غريبهم ، واجعل لنا في ذلك كله عملاً متقبلاً ، وعملاً صالحاً يا أرحم الراحمين ، اجعل اللهم هذا البلد آمناً ، سخياً ، رخياً ، مطمئناً ، وسائر بلاد المسلمين .
ووفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد .
والحمد لله رب العالمين