قصة سيدنا ابراهيم

  • 2017-08-11
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

قصة سيدنا ابراهيم

يا ربنا لك الحمد مِلأ السماوات و الأرض، ومِلأ ما بينهما، ومِلأ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكُلنا لك عبد، لا مانع لِما أعطيت، ولا مُعطيَّ لِما منعت، ولا يَنفعُ ذا الجدّ منك الجدّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير وعِزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقرُ في غِناك؟! وكيف نضِلُّ في هُداك؟! وكيف نذِلُّ في عِزّك؟! وكيف نُضام في سُلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟! وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتَه رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليُخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحوّل الشهوات إلى جَنات القُربات، فجزاه الله عنا خيراً ما جزا نبياً عن أُمته.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذُرية سيدنا محمدٍ وسلِّم تسليماً كثيراً.

قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام وارتباطها بالحج:
وبعد فيا أيُّها الإخوة الكرام، في هذه الأيام نستقبل موسماً من مواسم الطاعات، والقُربات، والخيرات، نُودّع من الأهل والأصحاب مَن كتب الله لهم ويسّر لهم أسباب الحج وسُبله، ونستقبل قلوباً تهفو إلى تلك الديار المُقدسة، وتطمع في زيارة بيت الله الحرام، وزيارة نبينا محمدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام، إلا أنه قد منعها مانع عن حج بيت الله الحرام، فتبقى القلوب مُعلّقةً بهذه البلاد، نستلهم معاً في هذه الأشهُر، أشهُر الحج، قصةً ترتبط بالحج، قصة أبينا إبراهيم عليه السلام، ففي صحيح البخاري عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال، قال: صلى الله عليه وسلم:
(أَوَّلَ ما اتَّخَذَ النِّسَاءُ المِنْطَقَ)، والمِنْطَقَ هو الحِزام الذي يُشدّ في وسط المرأة، المِنْطَقَ، (مِن قِبَلِ أُمِّ إسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا علَى سَارَةَ)، حتى تمسح أثارها فيمشي الحزام خلفها فيمسح أثرها، فلا تعرف زوج إبراهيم سارة مكان سيرها، قال: (ثُمَّ جَاءَ بهَا إبْرَاهِيمُ وبِابْنِهَا إسْمَاعِيلَ وهي تُرْضِعُهُ حتَّى وضَعَهُما عِنْدَ البَيْتِ)، في مكان بيت الله الحرام، لم يكن هناك بيت ولكن في المكان الذي جعله الله عز وجل مكان البيت، (عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ في أَعْلَى المَسْجِدِ) عند شجرة كبيرة فوق ماء زمزم (وليسَ بمَكَّةَ يَومَئذٍ أَحَدٌ، وليسَ بهَا مَاءٌ)، ليس بها شيءٌ، أرض جرداء، (فَوَضَعَهُما هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِنْدَهُما جِرَابًا فيه تَمْرٌ، وسِقَاءً فيه مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ)، ولّى إبراهيم راجعاً، تركها في وادٍ غير ذي زرع، لا نبتَ فيه ولا ماء، مع ابنه إسماعيل عليه السلام، وابنها رضيع، الهلاكُ مُحتَّم ونِسَب النَجاة ضعيفةٌ جداً، كيف تنجو بنفسها في هذا المكان؟ صحراء قاحلة، أودعها هناك ورحل، (فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَقالَتْ: يا إبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهذا الوَادِي الَّذي ليسَ فيه إنْسٌ ولَا شَيءٌ؟) لا إنسان ولا شيءٌ آخر غير الإنسان، أبداً لا شيء، فقالت له مِراراً: يا إبراهيم أين تتركنا؟ (وجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا).
إبراهيم زوج وأب، كما كل واحدٍ مِنّا يكون زوجاً وأباً، يُحبُّ زوجه، ويحبُّ ابنه الرضيع، يتمسك به ولا يريد أن يتركه، لكن إبراهيم عليه السلام أمرُ الله عنده فوق كل الارتباطات، فجعل لا يلتفت، لعله إذا التفت يحنُّ قلبه، يرجع إليها، نهى دمعته فجعل لا يبكي، فقالت له بعد أن نادته مِراراً، يا إبراهيم أين تتركنا؟ (فَقالَتْ له: آللَّهُ الَّذي أَمَرَكَ بهذا؟) أدركت أنَّ هناك سِراً وراء ذلك، لا يُمكن لإبراهيم النبيّ، إبراهيم الزوج الرحيم، الأب العطوف أن يفعل ذلك إلا أن يكون هناك أمرٌ فوق الحسابات، فوق حساباته الزوجية، فوق حسابات الأبوّة والبُنوّة، (فَقالَتْ له: آللَّهُ الَّذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ: نَعَمْ)، كلمة واحدة، (قالَتْ: إذَاً لا يُضَيِّعُنَا)، انتهت المشكلة، مادام الله هو الآمر، فهو الحافظ والضامن، (فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حتَّى إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ) والثنيّة المكان الذي دخل منه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة فاتحاً، (إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ) لم يعد مجال للرؤية بينه وبينهم، (ثُمَّ دَعَا بهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، ورَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ:)

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)
(سورة إبراهيم)

{ أَوَّلَ ما اتَّخَذَ النِّسَاءُ المِنْطَقَ مِن قِبَلِ أُمِّ إسْمَاعِيلَ؛ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا علَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بهَا إبْرَاهِيمُ وبِابْنِهَا إسْمَاعِيلَ وهي تُرْضِعُهُ، حتَّى وضَعَهُما عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ في أَعْلَى المَسْجِدِ، وليسَ بمَكَّةَ يَومَئذٍ أَحَدٌ، وليسَ بهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُما هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِنْدَهُما جِرَابًا فيه تَمْرٌ، وسِقَاءً فيه مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَقالَتْ: يا إبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهذا الوَادِي الَّذي ليسَ فيه إنْسٌ ولَا شَيءٌ؟ فَقالَتْ له ذلكَ مِرَارًا، وجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا، فَقالَتْ له: آللَّهُ الَّذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَتْ: إذَنْ لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حتَّى إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بهَؤُلَاءِ الكَلِمَاتِ، ورَفَعَ يَدَيْهِ فَقالَ: رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} حتَّى بَلَغَ: {يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37]، وجَعَلَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إسْمَاعِيلَ وتَشْرَبُ مِن ذلكَ المَاءِ، حتَّى إذَا نَفِدَ ما في السِّقَاءِ عَطِشَتْ وعَطِشَ ابنُهَا، وجَعَلَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ يَتَلَوَّى -أَوْ قالَ: يَتَلَبَّطُ- فَانْطَلَقَتْ كَرَاهيةَ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ في الأرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عليه، ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوَادِيَ تَنْظُرُ: هلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ الصَّفَا حتَّى إذَا بَلَغَتِ الوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإنْسَانِ المَجْهُودِ حتَّى جَاوَزَتِ الوَادِيَ، ثُمَّ أَتَتِ المَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا ونَظَرَتْ: هلْ تَرَى أَحَدًا؟ فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذلكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ -قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فَذلكَ سَعْيُ النَّاسِ بيْنَهُما- فَلَمَّا أَشْرَفَتْ علَى المَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقالَتْ: صَهٍ -تُرِيدُ نَفْسَهَا-، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ، فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقالَتْ: قدْ أَسْمَعْتَ إنْ كانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هي بالمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بعَقِبِهِ -أَوْ قالَ: بجَنَاحِهِ- حتَّى ظَهَرَ المَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وتَقُولُ بيَدِهَا هَكَذَا، وجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنَ المَاءِ في سِقَائِهَا وهو يَفُورُ بَعْدَ ما تَغْرِفُ. قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إسْمَاعِيلَ، لو تَرَكَتْ زَمْزَمَ -أَوْ قالَ: لو لَمْ تَغْرِفْ مِنَ المَاءِ- لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا. قالَ: فَشَرِبَتْ وأَرْضَعَتْ ولَدَهَا، فَقالَ لَهَا المَلَكُ: لا تَخَافُوا الضَّيْعَةَ؛ فإنَّ هَاهُنَا بَيْتَ اللَّهِ، يَبْنِي هذا الغُلَامُ وأَبُوهُ، وإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ، وكانَ البَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنَ الأرْضِ كَالرَّابِيَةِ، تَأْتِيهِ السُّيُولُ، فَتَأْخُذُ عن يَمِينِهِ وشِمَالِهِ، فَكَانَتْ كَذلكَ حتَّى مَرَّتْ بهِمْ رُفْقَةٌ مِن جُرْهُمَ -أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِن جُرْهُمَ- مُقْبِلِينَ مِن طَرِيقِ كَدَاءٍ، فَنَزَلُوا في أَسْفَلِ مَكَّةَ، فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا، فَقالوا: إنَّ هذا الطَّائِرَ لَيَدُورُ علَى مَاءٍ، لَعَهْدُنَا بهذا الوَادِي وما فيه مَاءٌ، فأرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بالمَاءِ، فَرَجَعُوا فأخْبَرُوهُمْ بالمَاءِ، فأقْبَلُوا، قالَ: وأُمُّ إسْمَاعِيلَ عِنْدَ المَاءِ، فَقالوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقالَتْ: نَعَمْ، ولَكِنْ لا حَقَّ لَكُمْ في المَاءِ، قالوا: نَعَمْ، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فألْفَى ذلكَ أُمَّ إسْمَاعِيلَ وهي تُحِبُّ الإنْسَ، فَنَزَلُوا وأَرْسَلُوا إلى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا معهُمْ، حتَّى إذَا كانَ بهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ منهمْ، وشَبَّ الغُلَامُ وتَعَلَّمَ العَرَبِيَّةَ منهمْ، وأَنْفَسَهُمْ وأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ، فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً منهمْ، ومَاتَتْ أُمُّ إسْمَاعِيلَ، فَجَاءَ إبْرَاهِيمُ بَعْدَما تَزَوَّجَ إسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ، فَلَمْ يَجِدْ إسْمَاعِيلَ، فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عنْه، فَقالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، ثُمَّ سَأَلَهَا عن عَيْشِهِمْ وهَيْئَتِهِمْ، فَقالَتْ: نَحْنُ بشَرٍّ، نَحْنُ في ضِيقٍ وشِدَّةٍ، فَشَكَتْ إلَيْهِ، قالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السَّلَامَ، وقُولِي له: يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ كَأنَّهُ آنَسَ شيئًا، فَقالَ: هلْ جَاءَكُمْ مِن أَحَدٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، جَاءَنَا شَيخٌ كَذَا وكَذَا، فَسَأَلَنَا عَنْكَ فأخْبَرْتُهُ، وسَأَلَنِي: كيفَ عَيْشُنَا؟ فأخْبَرْتُهُ أنَّا في جَهْدٍ وشِدَّةٍ، قالَ: فَهلْ أَوْصَاكِ بشَيءٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ، ويقولُ: غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ، قالَ: ذَاكِ أَبِي، وقدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ، الْحَقِي بأَهْلِكِ، فَطَلَّقَهَا، وتَزَوَّجَ منهمْ أُخْرَى، فَلَبِثَ عنْهمْ إبْرَاهِيمُ ما شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَدَخَلَ علَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عنْه، فَقالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا، قالَ: كيفَ أَنْتُمْ؟ وسَأَلَهَا عن عَيْشِهِمْ وهَيْئَتِهِمْ، فَقالَتْ: نَحْنُ بخَيْرٍ وسَعَةٍ، وأَثْنَتْ علَى اللَّهِ، فَقالَ: ما طَعَامُكُمْ؟ قالتِ: اللَّحْمُ، قالَ: فَما شَرَابُكُمْ؟ قالتِ: المَاءُ. قالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لهمْ في اللَّحْمِ والمَاءِ، قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ولَمْ يَكُنْ لهمْ يَومَئذٍ حَبٌّ، ولو كانَ لهمْ دَعَا لهمْ فِيهِ. قالَ: فَهُما لا يَخْلُو عليهما أَحَدٌ بغيرِ مَكَّةَ إلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ، قالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عليه السَّلَامَ، ومُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ، فَلَمَّا جَاءَ إسْمَاعِيلُ قالَ: هلْ أَتَاكُمْ مِن أَحَدٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، أَتَانَا شَيخٌ حَسَنُ الهَيْئَةِ، وأَثْنَتْ عليه، فَسَأَلَنِي عَنْكَ فأخْبَرْتُهُ، فَسَأَلَنِي: كيفَ عَيْشُنَا؟ فأخْبَرْتُهُ أنَّا بخَيْرٍ، قالَ: فأوْصَاكِ بشَيءٍ؟ قالَتْ: نَعَمْ، هو يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ، ويَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ، قالَ: ذَاكِ أَبِي، وأَنْتِ العَتَبَةُ، أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ، ثُمَّ لَبِثَ عنْهمْ ما شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذلكَ وإسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا له تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِن زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إلَيْهِ، فَصَنَعَا كما يَصْنَعُ الوَالِدُ بالوَلَدِ والوَلَدُ بالوَالِدِ، ثُمَّ قالَ: يا إسْمَاعِيلُ، إنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بأَمْرٍ، قالَ: فَاصْنَعْ ما أَمَرَكَ رَبُّكَ، قالَ: وتُعِينُنِي؟ قالَ: وأُعِينُكَ، قالَ: فإنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَاهُنَا بَيْتًا، وأَشَارَ إلى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ علَى ما حَوْلَهَا، قالَ: فَعِنْدَ ذلكَ رَفَعَا القَوَاعِدَ مِنَ البَيْتِ، فَجَعَلَ إسْمَاعِيلُ يَأْتي بالحِجَارَةِ وإبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حتَّى إذَا ارْتَفَعَ البِنَاءُ، جَاءَ بهذا الحَجَرِ فَوَضَعَهُ له فَقَامَ عليه، وهو يَبْنِي وإسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الحِجَارَةَ، وهُما يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127]، قالَ: فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حتَّى يَدُورَا حَوْلَ البَيْتِ وهُما يَقُولَانِ: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] }

(صحيح البخاري)

وللقصة بقية وهي طويلةٌ، موجودةٌ في كتب الحديث، وفي صحيح البخاري تحكيها، لكني أتوقف هنا.

ما معنى لبيك اللهم لبيك؟
أيُّها الإخوة الكرام، بدايةً الحج استجابةٌ لأمر الله عز وجل، لذلك يقول الحجاج لبيك اللهم لبيك، ما معنى لبيك؟ كأنَّ نداءً بداخلهم أن يا عبدي تعال لأُريحك من عناء الدنيا وهمومها، لبيك اللهم لبيك، كأن نداءً أن تترك مشاغل الحياة وتقف بين يدي ربك، لبيك اللهم لبيك، كأنَّ نداءً تعتلي سفاسف الأمور ودنيئِها وتعالَ إلى معالي الأمور وأشرافها فيقولوا: لبيك اللهم لبيك، كأنَّ نداءً في داخله أن يا عبدي اترك هموم الدنيا ومشاغلها، وتعالَ إلى ما يبقى، دعّ عنك ما يفنى وهلُم إلى ما يبقى ويدوم، فيقول: لبيك اللهم لبيك، هذا معنى الاستجابة لأمر الله عز وجل، هنا أيُّها الإخوة، إبراهيم عليه السلام لمَّا قفل راجعاً كما أسلفنا (فَقالَتْ له: آللَّهُ الَّذي أَمَرَكَ بهذا؟ قالَ: نَعَمْ، قالَتْ: إذَاً لا يُضَيِّعُنَا) أيُّها التاجر، أيُّها البائع، آلله أمرك أن لا تغُشَّ المسلمين؟ آلله أمرك أن لا تستغل حاجتهم؟ آلله أمرك أن لا تحتكر أقواتهم؟ إذاً لا يُضيّعك، أيُّها المُعلِّم في صَفِك آلله أمرك أن تُعلِّم طلابك بإخلاص؟ أن تبني فيهم التربية والعقيدة الصحيحة؟ أن تحرِص على دينهم وعلى دُنياهم؟ إذاً لا يُضيّعك، أيُّها الأبّ، آلله أمرك أن تُربيّ أولادك؟ أن تحفظ لهم دينهم قبل أقواتهم؟ أن تحفظ أهل بيتك، أن تقيَّ نفسك وأهلك النار، إذاً لا يُضيّعهم، أيتها الأم، آلله أمركِ أن تلتفتي إلى أولادك وإلى بناتك، فتعلميهم على العِفة والحِشمة والحِجاب؟ إذاً لا يضيّعكِ، أيُّها الطالب آلله أمرك أن تدرس وتتفوق وتخدم أُمتك، وتجعل عِلمك في خدمة الأُمة إذاً لا يُضيّعك، أيُّها الموظف في مكتبك، آلله أمرك أن تخدم مراجعيك، أن لا تبتزّ وقتهم ولا مالهم، أن تعاملهم كما تعامل أهل بيتك، إذاً لا يُضيّعك.

المؤمن في إمتحان دائم عنوانه هل تستجيب لأمر الله؟
المؤمن أيُّها الإخوة وهو في بلده قبل أن يذهب إلى الحج ويقول: لبيك اللهم لبيك، وهو في بلده مُعرَّضٌ في كل لحظة لامتحانٍ عنوانه هل تستجيب لأمر الله؟ الله أمرك فهل استجبت لأمره؟ قبل أن تقول لبيك اللهم لبيك في الديار المُقدّسة، هل تقولها في وطنك؟ هل تقولها بين أهلك؟ قُل لبيك اللهم لبيك وأنت في ديارك، قبل أن تذهب إلى بيت الله الحرام، لبيك أي يا رب أنت أمرت وأنا عند أمرك، ومادام الله هو الآمر فهو الحافظ والضامن.

إبراهيم عليه السلام يُمثّل قمة الاستجابة لأوامر الله:
إبراهيم أيُّها الإخوة عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، نحن ما مِن نبيٍّ نذكره في صلاتنا مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كل صلاة، إلا إبراهيم عليه السلام، في كل صلاة، اللهم صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في كل صلاة، لأنَّ هذا النبي أيها الإخوة الكرام يُمثّل قمة الاستجابة لأمر الله، ونحن في الصلاة نستجيب لأمر الله ونقف بين يدي الله، إبراهيم أسكَن من ذريته بوادٍ غير ذي زرع استجابةً لأمر الله، إبراهيم ذبح ابنه، وإن لم يذبحه استجابةً لأمر الله.

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)
(سورة الصافات)

وَصَل للذبح وضع السكيّنة على رقبته، هل نُدرك هذا المعنى؟ لعل هذه القصة أيُّها الإخوة لا تفعل فعلها في نفوس كثيرٍ من الناس لأننّا نعرف الخاتمة، نعرف أنَّ الله فداه بذبحٍ عظيم، وأنَّ إسماعيل لم يُذبح، لكن لمّا وضع إبراهيم السكيّنة على رقبته هل كان أمر الفِداء وارداً؟ أبداً، كان يُنفّذ أمر الله، ماذا كان موقف إسماعيل؟

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
(سورة الصافات)

لمّا تخلّى إبراهيم عن كل ارتباطات المادة، ونحن غير مأمورين بذلك ولله الحمد، نحن مأمورون برعاية أولادنا، مأمورون بحفظهم، هذا الامتحان استثنائي لإبراهيم لماذا؟ لأنَّ إبراهيم عليه السلام سيقوم بعملٍ استثنائي، سيبني البيت.

وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)
(سورة الحج)

سيرفع القواعد من البيت.

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)
(سورة البقرة)

لذلك إبراهيم لم يكن فرداً واحداً، إبراهيم كان أُمةً في الخير

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)
(سورة النحل)

كسّر الأصنام التي كانت تُعبد آلهةً من دون الله، استجاب لأمر الله فأسكَن من ذريته بوادٍ غير ذي زرع، استجاب لأمر الله فأراد أن يذبح ابنه تنفيذاً لأمر الله، استجاب لأمر الله فرفع القواعد من البيت، وما تزال الأُمة إلى اليوم، اقتداءً بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام تقول لبيك اللهم لبيك، تُحِي سُنة الأُضحيّة، لأنَّه لم يكن فرداً بل كان أُمة (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً).
أيها الإخوة الكرام إذاً لا يُضيّعنا، نعود إلى قول هاجر(إذَاً لا يُضَيِّعُنَا)، أستاذة اليقين هاجر، تُعلِّم الأمة اليقين.
ولـو كُـنَّ الـنّساءُ كـمَنْ فـقـدْنـا لفضّلتُ النّساءَ على الرِّجَال فما التّأنيثُ لاسْمِ الشّمسِ عيْبًا ولا الـتّـذكـيـرُ فـخْـرًا للـهلالِ
{ المتنبي }

قصة جُليبيب رضي الله عنه ويقين زوجته:
هي أُستاذةٌ في اليقين هاجر (إذَاً لا يُضَيِّعُنَا)، من يملك يقيناً بالله كيقين هاجر؟! امرأةٌ ثانية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، رجلٌ به دمامة وفقر، (ودمامة أي بشاعة)، اسمه جُليبيب، النبي صلى الله عليه وسلم تفقّده يوماً قال ألا تتزوج يا جُليبيب، نُزوجك، قال: ومن يُزوجني يا رسول الله؟ من يُزوج جُليبيب الفقير الدميم؟! قال: أنا أفعل، أنا أزوجك، انطلق رسول الله إلى رجلٍ من الأنصار، قال له: زوجني ابنتك، قال: نِعمَ رسول الله، أزوجك فوراً، قال: ليس لنفسي، أريدها لجُليبيب، قال: جُليبيب؟! إذاً أستأمر أمها، آخذ مشورة الأم، رجع إلى البيت قال إن رسول الله يخطب إليك ابنتك، فقالت: نعم لرسول الله زوجها له، قال: ليس لنفسه يريدها، قالت: لِمَن؟ قال: لجُليبيب، قالت: لا والله لا نزوجها جُليبيباً وقد منعناها فلاناً وفلاناً، جاءها من هو خيرٌ من جُليبيب وما زوجناها، ثم نزوجها جُليبيب؟! هذه الفتاة الطاهرة خلف الستار تسمع حديث أبويها، صرخت بأعلى صوتها، مَن خطبني إليكم؟ الخاطب مَن؟ قالا: رسول الله، قالت: وتَرُدّان أمر رسول الله؟! ادفعا بي إليه فإنه لن يُضيّعني، هذه أُستاذةٌ ثانية في اليقين، ادفعا بي إليه فإنه لن يُضيّعني، الخاطب رسول الله.

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36)
(سورة الأحزاب)

زوَّجها لجُليبيب، وجمع لهما مالاً وزوَّجهم، وبعد زواج جُليبيب بأسابيع دعا داعي الجهاد، خرج جُليبيب للجهاد، وبعد المعركة تفقّد رسول الله أصحابه، قال: هل تَفقِدون من أحد؟ قالوا:لا، قال: ولكني أفقدُ جُليبيباً، قوموا إلى أرض المعركة، فوجده مُسجّى بدمائه في أرض المعركة، قد قتل سبعةً من المشركين ثم قتلوه، انحنى عليه وقبّله من رأسه، قال: يا جُليبيب أنت مني وأنا منك، ثم حمله على ذراعيه، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "والله حفرنا قبر جُليبيب وما لجُليبيب فراشٌ إلا ذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فما مِنّا واحدٌ يومها إلا تمنى أن يكون مكان جُليبيب، أما تلك المرأة الصالحة التي دعا لها النبي صلى الله عليه وسلم عند الزواج "اللهم لا تجعل عيشهما كَدّاً كَدّاً، وصُبَّ عليهم مِن الخير صبّاً صبّاً"، فما رأيتَ في العرب أيمةٌ، فقد خطبها رجلٌ مِن وجهاء الأنصار بعد قضاء عدّتِها، فازت المرأة، وفاز جُليبيب، وفاز الجميع بتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رتّبوا أولوياتكم مع أبنائكم فالصلاة أولاً:
أيُّها الإخوة الكرام، ختاماً إبراهيم عليه السلام لمّا استقبل الثنية دعا بكلمات، قال:(رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ماذا يُريد إبراهيم الآن؟ يُريد ثلاثة أشياء
(رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) أولاً.
(فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ثانياً.
(وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ) ثالثاً.
كيف رتّب إبراهيم أولوياته في تعامله مع أولاده وذُريته؟
أولاً: ليُقيموا الصلاة.
ثانياً: الناحية الاجتماعية أن يأتي إليهم أناسٌ يَحفّونهم.
ثالثاً وأخيراً: الناحية المادية أن يكون هناك طعامٌ للذُرية، مع أنه عندما وضعها في هذا المكان، أخطر ما يخطُر في بال أي الإنسان هو نفاذ الطعام والشراب، فبين أيديهم شيءٌ لا يكفيهم إلا ليوم، لكن ما قال أولاً ربنا وارزقهم من الثمرات، لأنَّ الثمرات عندما تأتي دون إقامة الصلاة لا قيمة لها، وحتى عندما دعا لهم بالثمرات قال: (وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ)، فإذا جاءت الثمرات ولم يأتي الشُكر، كانت الثمرات تلفاً، وسبباً من أسباب هلاك المؤمن.
رتّبوا أولوياتكم مع أبنائكم أيها الأحبَّة (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ) أولاً هل صليت الفجر قبل أن هل كتبت واجبك؟ قبل هل أكلت الطعام هل صليت؟(رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطانا لغيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فالنأخُذ حِذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها و تمنّى على الله الأمانيّ واستغفروا الله.
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات، اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفِنا اللهم شرَّ ما أهمّنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم إنا نسألك من الخير كله، عاجله و آجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرِّ كله، عاجله و آجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم بفضلك عُمَّنا، واكفِنا اللهم شرَّ ما أهمَّنا وأغمَّنا، اللهم إنَّا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شرِّ ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمدٌ صلى الله عليه وسلم، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقِ والدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصر إخواننا المُرابطين في الأقصى على أعدائك وأعدائهم يا ربَّ العالمين، اللهم يا أكرم الأكرمين انصر إخواننا المُستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرِّج عن المسلمين، اللهم أطعِم جائعهم، واكسو عُريانهم، وارحم مُصابهم، وآمن غريبهم، اللهم اجعل لنا في ذلك عملاً مُتقبلاً يا أرحم الراحمين، اجعل هذا البلد آمناً سخيّاً رخيَاً مُطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفِّق اللهم وُلاة المسلمين في مشارق الأرض ومغارِبها لِما تُحب وترضى، وأكرِم لهذه الأمة أمر رُشدٍ، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُذلّ فيها أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، وفِّق اللهم ملك البلاد لِمَا فيه خير البلاد والعباد.