• 2017-08-18
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

أيام الله

يا ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟! وكيف نضِل في هداك؟! وكيف نذِل في عزك؟! وكيف نُضام في سلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟!
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيا أيها الإخوة الكرام؛ يقول تعالى في كتابه الكريم مخاطباً نبيه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم:

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(5)
(سورة إبراهيم)


ماهي أيام الله؟
أيام الله تعالى كثيرة
فلابد من التذكير بأيام من أيام الله تعالى، وأيام الله كثيرة منها: ما يختص بها إنسان بعينه فله يوم مع الله -عزّ وجلّ- نجاه فيه من كرب عظيم، أدخل إلى قلبه السكينة، شفى له مريضاً، وفّقه في امتحان مصيري، هذا يوم من أيام الله يتذكره الإنسان فيشكر الله، وهناك أيام من أيام الله هي للعموم لكل الناس؛ منها أيام شهر رمضان المبارك، ومنها أيام العشر عشر ذي الحجة التي نحن مقبلون عليها بعد أيام قليلة، هذه العشر -أيها الإخوة- أيام الله بل هي من أيام الله، بل هي موسم من مواسم الطاعات والقربات، وما أحوجنا بين وقت و آخر إلى هذه المواسم المباركة التي نستعيد فيها هممنا ونشاطنا وقوتنا، ونجدد فيها العهد مع ربنا.
أيها الإخوة الكرام؛ هذه الأيام أقسم بها الله تعالى في قرآنه الكريم قال تعالى:

وَٱلْفَجْرِ(1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2)
(سورة الفجر)

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:"هذه الليالي ليالي العشر، عشر ذي الحجة"، بل إن النبي –صلى الله عليه وسلم-في الحديث الذي أثبته البزار بسند حسن، يقول:

{ أفضلُ أيامِ الدنيا أيامُ العشْرِ }

(أخرجه البزار، والشجري في ((الأمالي)) عن جابر بن عبد الله)

وفي الصحيح –في صحيح البخاري-عن ابن عباس -رضي الله عنهما-:

{ ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ العشرِ. قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ. }

(رواه الترمذي وأبو داوود، وأخرجه البخاري باختلاف يسير)

وهذه (من) تفيد الاستغراق، ما من أيام على الإطلاق أفضل عند الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر (قالوا: يا رسولَ اللهِ ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ إلَّا رجل خرج بنفسِه ومالِه فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ).
أفضل أيام تعمل فيها عملاً صالحاً هي هذه الأيام أيام عشر ذي الحجة، إنها الأيام المعلومات التي شرع الله -عزّ و جلّ-فيها ذكره، قال تعالى:

لِّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىٓ أَيَّامٍ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِير(28)
(سورة الحجَ)

هذه أيام العشر وهناك أيام معدودات:

وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ فِىٓ أَيَّامٍ مَّعْدُودَٰتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ ٱتَّقَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(203)
(سورة البقرة)

هي أيام الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة هذه بعد الأيام المعلومات وهي الأيام العشر، في هذه الأيام -أيها الإخوة-أكمل الله تعالى لنبيه ولأمته من بعده الدين، قال تعالى:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلْأَزْلَٰمِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلْإِسْلَٰمَ دِينًا فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(3)
(سورة المائدة)

في هذه الأيام المباركة، وفي هذه الأيام إتمام الركن الخامس من أركان الإسلام يقول–صلى الله عليه وسلم-:

{ مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ. }

(متفقٌ عَلَيْه ِعن أبو هريرة)

يوم عرفة يوم يتعرف الإنسان فيه إلى ربه
وفي هذه الأيام وعلى وجه التحديد التاسع منها يوم عرفة، هذا اليوم يوم المعرفة يوم يتعرف الإنسان فيه إلى ربه، يوم اللقاء الأكبر بين العبد الضعيف والخالق العظيم، يوم عرفة الذي صيامه لغير الحاج مسنون سنة مؤكدة ويكفّر سنتين ماضية ومستقبلة، يوم عرفة من أيام العشر، وفي هذه الأيام أيضاً يوم النحر وهو اليوم العاشر من ذي الحجة يوم العيد ويقول–صلى الله عليه وسلم-:

{ إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ }

(في صحيح أبي داود عن عبد الله بن قرط )

يوم القر هو يوم الحادي عشر عندما يستقر الحجاج في منى، لكن أفضل يوم من أيام العشر هو يوم النحر وفي هذه الأيام تجتمع أمهات العبادات وهذا مالا يتأتّى حتى في أيام رمضان، فتجتمع الصلاة مع الصيام مع الصدقة مع الحج، تجتمع أمهات العبادات في هذه الأيام المباركة؛ لذلك "هي أفضل أيام الدنيا" كما قال ابن حجر في فتح الباري.

كيفية استثمار هذه الأيام المباركة:
أيها الإخوة الكرام؛ ماذا نفعل بهذه الأيام حتى نستثمرها أعظم استثمار؟ التاجر-أيها الإخوة – تأتي عليه أيام مواسم فيضع خطة، يضع خطة لاستثمارها يضاعف من العمل، يزيد في العمال، يضاعف من فترات العمل يزيد فيها، يضع خطة ليجني أعظم الأرباح في أيام المواسم، فماذا يفعل المؤمن في أيام هي مواسم الطاعات والبركات، كيف يقضيها؟

أولاً: التوبة لله تعالى:
لا بد من التوبة ورد المظالم إلى أهلها
أولاً:-أيها الإخوة- التوبة يتوب إلى الله تعالى، وما أكثر الذنوب! نتوب إلى الله من كل ذنب، ثم نرد الحقوق إلى أهلها إن كان هناك مظالم، إن كان هناك ديون نستطيع سدادها وقد ماطلنا فيها، إن كان هناك أشخاص قد أسأنا إليهم، إن كان هناك أقارب قد قطعنا وصلهم، نستعد لهذه الأيام، في هذه الأيام الأربعة قبل أيام ذي الحجة بالتوبة، حتى نستقبل هذه الأيام بنفس مقبلة، بنفس مهيأة ننقيها من أجل أن نتلقى بركات هذه الأيام، سكينة هذه الأيام، فلابد من التوبة، ولابد من رد المظالم إلى أهلها وإعطاء كل ذي حق حقه، نستسمح من العباد؛ لأن الله-عزّ و جلّ-بهذه الأيام يغسل الذنوب مما كان بينك وبينه، لكن حتى للحاج الذي يقف في الديار المقدسة حتى الحاج لا يُغفر له الذنب الذي بينه وبين العباد أبداً، الذنوب التي بيننا وبين العباد لا تُغفر إلا بالأداء أو المسامحة، إما أن تؤدي له حقه أو يسامحك؛ أما الذنوب التي بيننا وبين الله فتُغفر بالاستغفار، بالأعمال الصالحة، بالصدقة بهذه الأيام المباركة.

ثانياً: الصوم:
أيها الإخوة الكرام؛ يُشرع أيضاً صيام هذه الأيام لحديث أم سلمة بالصحيح:

{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ }

(صحيح أبي داود)

هي عشرة أيام مباركة، أول ثمانية يُسن صومها، والتاسع يُسن سنة مؤكدة وهو يوم عرفة، يُسن سُنّة مؤكدة لغير الحاج، والعاشر منها يحرم صيامها فهو يوم العيد هذا شرع الله، تسع أيام الثمانية الأولى يُستحب أو يُسن صومها أو صوم بعضها كل بقدر طاقته، التاسع منها سنة مؤكدة يكفّر سنتين ماضية ومستقبلة العاشر يوم أكل يحرم صومه؛ يوم عيد.

ثالثاً: الإكثار من الذكر:
لا بد في هذه الأيام من الإكثار من الذكر
أيها الإخوة الكرام؛ لابد في هذه الأيام من الإكثار من الذكر، من التسبيح، من التحميد، من التهليل والتكبير وقراءة القرآن والاستغفار، ذكر الله أنواعه كثيرة؛ قراءة القرآن، التفكر في خلق السماوات والأرض، ذكر اللسان، ذكر القلب.

{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: الإمَامُ العَادِلُ، وشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ، ورَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، ورَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ اجْتَمعا عليه وتَفَرَّقَا عليه، ورَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وجَمَالٍ، فَقَالَ: إنِّي أخَافُ اللَّهَ، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ، أخْفَى حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما تُنْفِقُ يَمِينُهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ. }

(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة)

الاستغفار، التحميد، التكبير، التهليل كلها أذكار يقول –صلى الله عليه وسلم-:

{ ما من أيَّامٍ أعظمُ عندَ اللهِ ولا أحبُّ إليهِ العملُ فيهنَّ من هذِه الأيَّامِ العشرِ فأكثروا فيهنَّ منَ التَّهليلِ والتَّحميدِ والتسبيح والتَّكبيرِ }

(رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر)


رابعاً: الإكثار من النوافل:
النوافل أجرها مُضاعف
وفي هذه الأيام المباركة يُسن للمسلم أن يُكثر من النوافل فأجرها مُضاعف، يُضاعف الأجر في هذه الأيام فليُكثر الإنسان من النوافل سواء من قيام الليل، من صلاة الضحى، من النَسْك المطلق، كل نَسْك يؤديه الإنسان يزيده حباً لله تعالى وقرباً منه.

{ وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ... }

(صحيح البخاري عن أبي هريرة )

كما في الحديث القدسي الصحيح ( وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ) الآن انظروا -أيها الأحبة- إذا أحبه الله (فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ) هذه نتيجة الإكثار من النوافل، يكون الله سمعك الذي تسمع به فلا تسمع إلا بنور الله، وبصرك الذي تبصر به فلا ترى إلا بنور الله، ويدك التي تبطش بها فلا تحركها إلا في مرضاة الله، ورجلك التي تمشي بها فلا تمشي بها إلا إلى طاعة الله،إلى المساجد، إلى الإصلاح، إلى إصلاح ذات البين، هذه نتيجة النوافل.

خامساً: الإكثار من العمل الصالح:
أيها الإخوة الكرام؛ والعمل الصالح في هذه الأيام بكل أنواعه ولو أن تميط الأذى عن الطريق، كل أنواع العمل الصالح (ما من أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيهنَّ أحبُّ إلى اللهِ من هذه الأيَّامِ).
العمل الصالح هو العمل الذي يصلح للعرض على الله
والعمل الصالح هو العمل الذي يصلح للعرض على الله، الذي يسرك إن وقفت بين يدي الله أن يكون هذا العمل بين يديه ولا يُقبل العمل إلا إن كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله، وصواباً ما وافق شريعة الله و سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم-فلنكثر من الأعمال الصالحة، صدقة عمل صالح، مساعدة إنسان عمل صالح ،زيارة مريض عمل صالح، اتباع الجنائز عمل صالح ،كل عمل تقوم به يصلح للعرض على الله فهو من الأعمال الصالحة، فالأمر واسع للأعمال الصالحة وهي كثيرة، والطرق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، ولا يعمل إنسان عملاً صالحاً مهما يكن فقيراً ضعيفاً لا يعدم أن يجد عملاً صالحاً يلقى به الله، ولعل الأعمال الصالحة الصغيرة التي قد يتوهم أنها صغيرة تكون عند الله -عزّ و جلّ- بمقام عظيم لا يعلمه إلا الله.

الخاتمة:
أيها الإخوة الكرام؛ هذه أيام العشر بين أيديكم أيام مباركة، نسأل الله أن يحيينا لهذه الأيام وأن نؤدي حقها، وأنا والله -أيها الإخوة-هنا يعني الشيء بالشيء، وقر في قلبي وأنا أبدأ الخطبة، والله كأني أخطب هذه الخطبة قبل أيام، أحفظ الوقفة التي وقفتها قبل عام أتحدث فيها عن عشر ذي الحجة، مضى عام، ومن حضر هنا فقد أحياه الله عاماً آخر وسمح لنا بنفحات جليلة، الأيام تمضي مسرعة عام بعد عام حتى نلقى الله-عزّ و جلّ-والسعيد من يستغل الأيام بالطاعات والبركات، الدنيا ساعة اجعلها طاعة.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، أستغفر الله.

الدعاء:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الإخوة الكرام؛ في صحيح مسلم:

{ إذا دخَل العَشرُ الأوَلُ وأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه وبشَرِه شيئًا }

(أخرجه مسلم عن أم سلمة أم المؤمنين )

ولن أتكلم عن أحكام الأضحية، -إن شاء الله-في الأسبوع المقبل بإذن الله، لكن سُنّة واحدة إذا دخل العشر، لأن العشر يدخل خلال هذا الأسبوع قبل أن نلقاكم الأسبوع القادم (وأراد أحدُكم أن يُضَحِّيَ فلا يَمَسَّ من شعَرِه وبشَرِه شيئًا) وفي حديث الترمذي بسند صحيح:

{ مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ }

(سنن الترمذي عن أم سلمة أم المؤمنين)

هذه سُنة -أيها الإخوة-الصحيح أنه لو ضحى دون أن يفعلها لم ينقص من أجره، لكن لو فعلها فله ثواب عند الله -عزّ و جلّ-ثواب السُّنّة.
أولاً: -أيها الإخوة-هذه السُّنّة تخص المضحي دون المُضحى عنه فقط الذي سيدفع المال ويدفع، هنا يعمله فقط المضحي، الأمر الآخر المهم أن بعض الناس يقولون: شيخنا، يعني هل نُحْرم؟ لا، لا فقط الحجة البدل تُحرم، الإحرام للحاج، هذه سنة، الإحرام له شروطه، لا يقرب زوجته ولا ملابس معينة وإلى غير ذلك، في أحكام الحج المضحي ليس محرماً لكنه يؤدي سنة وهي أنه في الواحد من ذي الحجة يتشبه ببعض ما في الإحرام، فيترك قص أظافره وشعره يعني شكلياً حتى يذبح، ثم يأخذ من شعره وأظافره وهذه سنة من سنن المصطفى–صلى الله عليه وسلم-.
اللّهم اهدِنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارِك لَنا فيما أَعطيت، وقنا واصرِف عَنا شر ما قَضيت، إنك تَقضي ولا يُقضى عَليك، إنه لا يذل مَن والَيت ولا يعز من عادَيت تباركت ربنا وتعاليْت، فلك الحَمدُ عَلى ما قَضَيْت، ولك الشكر عَلى ما أَنْعَمتَ وأولَيت، نستغفِرك ونَتوبُ اليك، نؤمن بِكَ ونتوكل عليك، ألهمنا عملاً صالحاُ يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين أوصلنا برحمتك إليك، اللهم بفضلك عمنا وقنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا.
لا إله إلا هو سبحانه إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك، يؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم يا أكرم الأكرمين فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم، اللهم أطعم جائعهم واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم آوي غريبهم واجعل لنا في ذلك كله عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين.
اجعل هذا البلد آمناً سخيّاً رخيّاً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.