• 2017-04-12
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

قتل النفس

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ونستهديه ونسترشده ، ونعود بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهديه الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر .
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد ، وعلى أصحاب سيدنا محمد ، وعلى أزواج سيدنا محمد ، وعلى ذرية سيدنا محمد ، وسلم تسليماً كثيراً .

حرص الإسلام على حقن الدماء :
وبعد ؛ فيا أيها الأخوة الكرام : مما لا شك فيه أن القتل قتل النفس المعصومة قد استحرّ في هذه الأيام ، لا في بلد بعينه ، وإنما في كثير من بلاد المسلمين .
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيأْتينَّ على الناس زمان ، لا يدري القَاتِلُ في أَيِّ شيء [ قَتَلَ ] ، ولا يدري المقتولُ في أَي شيء قُتِلَ ؟ قيل : وكيف ؟ قال : الهَرْجُ ، القَاتِلُ والمقتولُ في النار }

[أخرجه مسلم ]

وفي حديث مسلم :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعةُ حتى يَكْثُرَ الهَرْجُ ، قالوا : وما اَلهرجُ يا رسولَ الله ؟ قال : القَتلُ ، القَتلُ }

[أخرجه مسلم ]

أيها الأخوة الكرام ؛ الإسلام يحرص حرصاً لا حدود له على حقن الدماء ، فقد وقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يخطب بالأمة ، ويبين لها دستورها الخالد فقال :

{ عن أبي بكرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنَّ الزَّمانَ قد استدار كهيأته يومَ خلق اللهُ السموات والأرض ، السَّنةُ اثنا عشر شهراً منها : أربعةٌ حُرُمٌ ، ثلاثَةٌ متواليات : ذو القعدة ، وذو الحِجَّة والمحرَّمُ ، ورَجَبُ مُضَرَ الذي بين جُمادَى وشَعبانَ ، قال : أيُّ بلد هذا ؟ قلنا : الله ورسُوله أعلم ، فَسكَتَ حتى ظننَّا أنَّه سَيُسمِّيه بغير اسمه ، قال : أليس البلدَةَ الحرام ؟ قلنا : بلى ، قال : فأيُّ يومٍ هذا ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه ، قال : أليس يومَ النَّحْر ؟ قلنا : بلى قال : أيُّ شهر هذا ؟ قُلنا : اللهُ ورسولُه أعلمُ ، فَسكَت حتى ظنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيه بغير اسمه ، فقال : أليس ذا الحجة ؟ قلنا : بلى ، قال : فإنَّ دِماءَكم وأموالَكم وأعراضكم عليكم حرامٌ ، كحُرمَةِ يومكم هذا ، في بلدِكم هذا في شهركم هذا ، وستلْقَون ربَّكم فيسألُكُم عن أعْمالِكم ألا فلا ترجعوا بعدي كُفّاراً ، يَضْرِبُ بعضُكُم رقابَ بعضٍ ، من سَمِعَهُ ' ثم قال : ألا هلْ بَلَّغتُ ؟ ألا هل بلغت ؟ ' قلنا : نعم ! قال : اللَّهُمَّ اشْهدُ ، ألا ليُبَلِّغِ الشاهِدُ الغائبَ ، فَلعلَّ بعضَ منْ يَبْلُغُهُ أن يكون أوْعى من بعض }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود]

دم المسلم وماله وعرضه حرام عليكم كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، هذا في خُطبة حجة الوداع .

الحكمة من تشريع القصاص :
أيها الأخوة الكرام ؛ وقد شرع الله القصاص حفاظاً على النفس ، قال تعالى :

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
[ سورة المائدة]

وقال أيضاً :
أيها الأخوة الكرام ؛ وقد شرع الله القصاص حفاظاً على النفس ، قال تعالى :

وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)
[سورة البقرة]

فشرع القصاص حفاظاً على النفس المعصومة من أن يراق الدم بغير حق ، من هنا أيها الأخوة فقد حُرم القتل في جميع الشرائع السماوية ، في شريعة الإسلام وما قبلها ، فالقتل حرام في كل الشرائع ، قال تعالى :

مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)
[ سورة المائدة]

قتل نفس واحدة تعدل قتل الناس جميعاً لما لحرمة الدم من عظيم شأن في القرآن الكريم ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ) ليست قصاصاً ( أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) .
أيها الأخوة الكرام ؛ سيدنا عمر رضي الله عنه جاءته رسالة من والٍ من ولاته ، يقول فيها : يا أمير المؤمنين إن أناساً اغتصبوا مالاً ليس لهم ، لست أقدر على استخراجه منهم ، إلا أن أمسهم بالعذاب ، أُعذبهم فيعترفوا فيدفعوا المال ، فإن أذنت لي فعلت ، فكتب له عمر رضي الله عنه : يا سبحان الله ! أتستأذنني في تعذيب بشر ؟ وهل أنا لك حصن من عذاب الله ؟ وهل رضائي عنك ينجيك من سخط الله ؟ أقم عليهم البينة ، إن كانت عندك بينة تشهد على فعلتهم فأقم عليهم البينة ، فإن قامت فخذهم بالبينة ، فإن لم تقم فادعهم إلى الإقرار ، أن يقروا ويعترفوا ، فإن أقروا فخذهم بإقرارهم ، فإن لم يقروا فادعهم إلى حلف اليمين ، فإن حلفوا ، أي حلفوا أنهم لم يسرقوا ، لم يأخذوا مالاً ليس لهم ، قال : فأطلق سراحهم ، وايم الله لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من ألقى الله بدمائهم .
هذا فقه سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه ، هم قد سرقوا مالاً ، والوالي يعلم أنهم قد سرقوا المال ، لكن لا يجيز له عمر رضي الله عنه دماءهم حتى يعترفوا ، دماؤهم أي أن يعذبهم تعذيباً ، وليس قتلهم قتلاً كاملاً ، فالبينة ، ثم الإقرار ، ثم الحلف ، ثم أطلق سراحهم ، لأن يلقوا الله بخيانتهم أهون من أن ألقى الله بدمائهم .

تحريم القتل لأنه من الكبائر :
أيها الأخوة الكرام ؛ أجمع العلماء على أن القتل من الكبائر ، قال تعالى :

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93)
[ سورة النساء]

لم يرتب الله عقوبة في القرآن كما رتبها على قتل النفس ( فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )لما تكلم الله عز وجل عن قذف المحصنات قال :

وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)
[ سورة النور]

على المرأة ، وقال :

وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)
[ سورة النور]

على الرجل إن كان كاذباً ، لكن هنا قال : ( وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ) الغضب ثم اللعنة وأعدّ له جهنم ، لذلك أجمع العلماء على أن القتل من الكبائر ، وفي الحديث :

{ عن سعيد بن العاص رحمه الله : عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً قال : وقال ابن عمر : إِنَّ مِن وَرَطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه }

[أخرجه البخاري ]

لا يزال أمامك متسع ، تتوب ، تناجي ربك ، تطلب منه العفو والصفح ، كل ذلك متاح ، لك فسحة في دينك ، ولو كانت هناك أخطاء ، ولو كانت هناك عثرات ، لكنك بين يدي الله عز وجل ، تناجيه ، تطلب منه ، إن كانت حقوق تردها إلى أهلها ، تتوب توبة نصوحة ، تندم على ما كان ، تستغفر الله فيغفر لك ، قال : إلا أن يصيب دماً حراماً ، انتهت الفسحة ، لم يعد هناك فسحة في دينه (( لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دما حراماً )) وهنا جاءت دماً حراماً عامةً ليست للمؤمن فقط ، لأنه في الحديث الصحيح أيضاً :

{ عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قتل مُعَاهِدا لم يَرَحْ رائحة الجنة ، وإنَّ ريحها يوجدُ من مسيرةِ أربعين عاماً }

[أخرجه البخاري والنسائي]

حتى المعاهد (( لم يَرَحْ رائحة الجنة )) وقال صلى الله عليه وسلم :

{ عن سعيد بن العاص رحمه الله : عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : لَنْ يزالَ المؤمِنُ في فُسحَة من دِينه ما لم يُصِبْ دما حراماً قال : وقال ابن عمر : إِنَّ مِن وَرَطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه }

[أخرجه البخاري ]

أي مهلكة له ، تهلكه ، ورطة ؛ أي مهلكة (( سفكُ الدَّم الحرام بغير حِلِّه )) أن يسفك دماً حراماً ، هذه من الورطات التي لا مخرج لها ، من هنا كان ابن عباس رضي الله عنهما وهو من هو يرى أنه ليس للقاتل توبة ، سئُل : هل للقاتل توبة ؟ قال : لا ، وإن كان هناك في الأحاديث الصحيحة ما يشير إلى توبة القاتل في حالات خاصة ، كهذا الرجل الذي كان في أرض سوء ثم غادرها إلى أرض ثانية فتاب الله عليه ، لكن أن يقتل المؤمن إنساناً متعمداً فيغتبط بقتله قال صلى الله عليه وسلم :

{ عن خالد بن دهقان رضي الله عنه : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : مَنْ قَتَلَ مؤمناً ، فَاغْتَبَطَ بقتله : لم يَقْبل الله منه صَرفا ولا عَدلا }

[أخرجه أبو داود]

أي لا فرضاً ، ولا نافلةً .

تحريم الإعانة على القتل :
وكما أن الشريعة أيها الأخوة ؛ حرمت القتل فقد حرمت الإعانة عليه ، وحرمت الاشتراك به ولو بكلمة ، فكل من يشترك في جريمة القتل فهو في نظر الشريعة قاتل ، شريك في الإثم .
في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة بصنعاء ، غاب زوجها عنها ، فاتخذت خليلاً والعياذ بالله ، وكان معها ابن لزوجها من غيرها ، ليس ابنها ، ابن زوجها من امرأة غيرها ، فقالت : إن هذا الغلام يفضحنا ، اكتشف أمرنا ، فلنقتله ، فأبى ، فامتنعت عنه فوافقها ، فاجتمع على قتل الغلام الرجل ، هذا الخليل ، والمرأة ، وخادم لهما ، قتله الثلاثة ، فكتب الوالي والي صنعاء إلى عمر بن الخطاب ماذا أصنع ؟ قال : اقتلهم جميعاً ، الذي قتل ، والذي أعان ، والذي اشترك ، ثم قال عمر رضي الله عنه : والله لو أن أهل صنعاء جميعاً اشتركوا في قتله لقتلتهم به ، وهذا من فقه عمر رضي الله عنه وأرضاه .
أيها الأخوة الكرام ؛ ويقول صلى الله عليه وسلم ، ولعل عمر رضي الله عنه استمد هذا الحكم من الحديث :

{ عن أبي الحكم البجلي رحمه الله : قال : سمعتُ أبا هريرة وأبا سعيد - رضي الله عنهما - يذكران عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال : لَو أنَّ أَهْلَ السَّماءِ وأَهْلَ الأَرضِ اشتركوا في دَمِ مؤمن لأَكَبَّهُمُ الله في النار }

[أخرجه الترمذي ]

جميعاً ، أهل السماء ، وأهل الأرض ، وهذا من تعظيم شأن الدماء في الإسلام ، والأكثر من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح ، كما في النسائي :

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ }

[أخرجه ابن ماجه ]

(( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ )) لم يقل كلمة ، لم يقل : اقتله ، لم يقل : يستحق القتل (( أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ ـ نصف كلمة فقط ـ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ )) - [أخرجه ابن ماجه ]

كل ذنب يغفره الله إلا القتل والشرك :
أيها الأخوة الكرام ؛ وفي الحديث أيضاً :

{ عن أم الدرداء رضي الله عنها قالت : سمعت أبا الدرداء يقول : سمعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول : كُلُّ ذَنْب عسى أن يَغْفِرَهُ الله - أو قال : عَسى الله أن يَغْفِرَهُ - إلا مَن ماتَ مُشْرِكاً ، أو مُؤمِن قَتَلَ مُؤمِنا مُتَعَمِّداً }

[أخرجه أبو داود ]

مات وهو على الشرك ، فهذا رجل اختار طريقاً غير طريق الله عز وجل ، سلك طريقاً بخلاف طريقه إلى الله ، فهذا رجل لا يغفر له ، قال : (( أو مُؤمِن قَتَلَ مُؤمِناً مُتَعَمِّداً )) (( مَن ماتَ مُشْرِكاً )) مات وهو على الشرك فهذا رجل اختار طريقاً غير طريق الله عز وجل سلك طريقاً بخلاف طريقه إلى الله ، فهذا رجل لا يغفر له ، قال : (( أو مُؤمِن قَتَلَ مُؤمِنا مُتَعَمِّدا )) ، (( كُلُّ ذَنْب عسى أن يَغْفِرَهُ الله )) أي ذنب يذنبه الإنسان ، ويموت عليه يرجى مغفرته من الله عز وجل ، ورحمته سبقت غضبه جل جلاله إلا أن يشرك أو أن يقتل ، فقرن القتل بالشرك في أن كليهما لا تحصل المغفرة بفعلهما .
وهناك حديث أخير تقشعر منه الأبدان ، قال صلى الله عليه وسلم كما في النسائي :

{ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَجِيءُ الرَّجُلُ آخِذاً بيدِ الرجلِ ، فيقول : يا ربِّ ، هذا قتلني ، فيقول الله عز وجل : لِمَ قتلتَه ؟ فيقول : قتلتُه لتكونَ العِزَّةُ لكَ ، فيقول : فإِنَّها لي ، ويجيءُ الرجل آخذا بيدِ الرجلِ فيقول : إِنَّ هذا قَتَلَني ، فيقول الله عز وجل : لِمَ قتلتَه ؟ فيقول : لتكونَ العِزَّةُ لفلان ، فيقول : فإِنَّها ليست لفلان ، فيبوءُ بإِثمه }

[ أخرجه النسائي ]

يجيء الرجل آخذاً بيد الرجل يوم القيامة ، يمسكه ويجره ، يقول : يا رب ! سله لِمَ قتلني ؟ فيقول الله تعالى : لِمَ قتلته ؟ وهو أعلم جل جلاله ، فيقول : قتلته لتكون العزة لفلان ، لأرضي أميري ، لأرضي فلاناً من الناس ، قتلته لعز فلان ، فيقول الله تعالى : فإن العزة ليست له ، إن العزة لله ، فيبوء بإثمه .

الجهاد حالة مقدسة لنشر الإسلام وفتح البلاد :
أيها الأخوة الكرام ؛ كل ما ينسب للشريعة من إباحة الدماء المعصومة فهذه النصوص الكثيرة ، الصحيحة ، المتضافرة من القرآن والسنة ترده وترد قائله ، صحيح أن في الإسلام جهاداً ، ولكن الجهاد شُرع بضوابطه لأهداف سامية عليا ، ويوم جاهد المسلمون جهاداً حق الجهاد في عصور الأمة المزدهرة لم يقتل لا من المسلمين ، ولا من المشركين ، ولا واحد بالمليون مما يقتل اليوم فيما يدعون أنه جهاد وكل يدعي وصلاً بليلى ، فالجهاد حالة مقدسة لنشر الإسلام ، لفتح البلاد ، لإعانة أهلها على بلوغ أهدافهم ، وليس وسيلة للقتل ولا للتدمير .
لذلك أيها الأخوة الكرام ؛ هذه النصوص الشرعية واضحة لا لبس فيها في تحريم القتل وتحريم الإعانة عليه ، وتحريم الدماء المعصومة .
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، في العالمين إنك حميد مجيد .

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات .
اللهم رحمتك عُمنا ، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا ، وعلى الإيمان الكامل والكتاب السنة توفنا ، نلقاك وأنت راضٍ عنا ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين ، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة ، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا ، أنت حسبنا عليك اتكالنا .
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعز المسلمين ، اللهم انصر من نصر الدين ، واخذل من خذل الدين ، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد ، يعز فيه أهل طاعتك ، ويهدى فيه أهل معصيتك ، ويؤمن فيه بالمعروف ، وينهى فيه عن المنكر برحمتك عمّنا يا أرحم الراحمين .
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين .
اللهم بفضلك ورحمتك اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً ، واجعل تفرقنا من بعده معصوماً ، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً .
اللهم اجعل هذا البلد آمناً ، سخياً ، رخياً ، مطمئناً ، وسائر بلاد المسلمين .
اللهم فرج عن ديار المسلمين ، اللهم فرج عن المسلمين ما أهمهم ، وما أغمهم ، وانصرهم على أعدائهم يا أرحم الراحمين .
اللهم أطعم جائعهم ، واكسُ عريانهم ، وارحم مصابهم ، وآوِ غريبهم ، واجعل لنا في ذلك سهماً عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين .
وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد .
والحمد لله رب العالمين