أصلح لي ديني 3 - الانتقائية في الدين

  • 2017-02-24
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

أصلح لي ديني 3 - الانتقائية في الدين

يا ربنا لك الحمد مِلأ السماوات و الأرض، ومِلأ ما بينهما، ومِلأ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد وكُلنا لك عبد، لا مانع لِما أعطيت، ولا مُعطي لِما منعت، ولا يَنفعُ ذا الجدِّ منك الجدّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كُل فقير وعِزُّ كل ذليل، وقوة كُل ضعيف، ومَفزعُ كُلِ ملهوف، فكيف نفتقرُ في غِناك؟! وكيف نضلُّ في هُداك؟! وكيف نذلُّ في عِزّك؟! وكيف نُضام في سُلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟!
وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليُخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحوّل الشهوات إلى جَنات القُربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزا نبياً عن أُمته.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذُريّة سيدنا محمدٍ وسلِّم تسليماً كثيراً.
وبعد فيا أيُّها الإخوة الكرام، مع الخطبة الثالثة من سلسلة خُطبٍ بعنوان أصلح لي ديني، وقد بيَنَّا في خُطبةٍ سابقة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم كان كثيراً ما يدعو فيقول:

{ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْري، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيها معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ. }

(صحيح مسلم)

فالنبي صلى الله عليه وسلم، كان يدعو بصلاح الدين، وقد تحدثنا في الخطبة الأولى من سلسلة هذه الخُطب عن إصلاح الدين بإقامته

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13)
(سورة الشورى)

أن نُقيم الدين في حياتنا، وأن نجعله منهجاً في واقعنا، لا أن يكون مجرد نصوصٍ نتلوها، بل أن يتحوّل إلى واقعٍ نعيشه (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ).
ثم تحدثنا في الخُطبة الثانية، أنَّ الدين ينبغي أن يَجمع لا أن يُفرِّق، (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) فالدين يَجمعنا ولا يُفرّقنا، وعندما نتفرّق في الدين فديننا يحتاج إلى إصلاح.

فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53)
(سورة المؤمنون)

إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)
(سورة الأنعام)

هذا كان موضوع الخُطبة الثانية.

ديننا يحتاج إلى إصلاح عندما يصبح ديناً انتقائياً:
واليوم الخُطبة الثالثة، دينُنا يحتاج إلى إصلاحٍ حين يُصبح ديناً انتقائياً، نأخذ منه ما يُعجبنا فنُطبّقه، ونَدَع ما يُخالف هَوانا فلا نُطبِّقه، قال تعالى في سورة البقرة يُخاطِب اليهود:

ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ ۚ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)
(سورة الأنعام)

سُنن الله واحدة لا تتخلّف ولا تتغير
استفهامٌ إنكاري، يُخاطب الله تعالى اليهود، وخطابه لهُم تسميعٌ لنا، "الكلام لكِ يا جارة واسمعي يا كِنّة"، يُخاطبهم ليُسمِعنا، على طريقة القرآن الكريم، في ذكر أمراض من خَلوا، ليتعظ من يسمعون الآن بأمراض بني إسرائيل، لأنَّ كل مرضٍ وقع به بنو إسرائيل، فالأمة المسلمة مُرشحةٌ أن تقع به، فسُنن الله واحدة لا تتخلّف، ولا تتغير، ولا تتبدل، (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
أول شيءٍ أيُّها الإخوة، العِبرة كما يقول الأصوليون بعموم اللفظ لا لخصوص السبب، هناك سببٌ مُتعلقٌ بالآية (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ) وهو الفداء (وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ) تقبَلون الفداء، فداء الأسرى (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ) فلمّا قال: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ) أي الفداء، (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) وهو القتل والقتال، والإخراج، والمُظاهرة، فالذي أعجبكم أخذتم به، والذي لم يُعجبكم تَغافلتم عنه ولم تُطبّقوه، هذا خصوص السبب، لكن العبرة لعموم اللفظ، فكلُّ من يُطبِّق من دين الله عز وجل ما كان على هوى نفسه، ولم يُطبّق شيئاً لا يُعجبه، تنطبق عليه هذه الآية، نقول له: أفتؤمن ببعض الكتاب وتكفُر ببعض؟! ولا نقصد بالكفر هنا الكفر الاعتقادي الذي يُخرِج من المِلّة، لكن نقصد أنه يأتي بشيءٍ ويَدع شيئاً، فسمّى ترك بعض الكتاب كُفراً تشنيعاً عليهم.

الدين كُلٌّ لا يتجزأ :
أيُّها الإخوة الكرام، الدين كُلٌّ لا يقبل أن يتجزَّأ، من جهتين، حتى نكون واضحين فيما نقول أيُّها الإخوة، الدين كُلٌّ لا يقبل التجزئة، من جهتين.
الدين كُلٌّ لا يقبل أن يتجزَّأ
الأولى: لا يقبل التجزئة من جهة القبول به والإذعان له، بمعنى أنَّ كل ما أمر الله به فهو أمر، وكل ما نهى الله عنه فهو نهي، لا يُقبل من المسلم أن يقول هذه أعجبتني وهذه لم تُعجبني، وهذا رُبما إن قاله مُعتقداً بما يقول، أدّى به إلى الكُفر، أن يرفض شيئاً من أحكام الله الثابتة، بدليلٍ قطعيٍّ لا مِرية فيه، هذا محسوم، لا ينبغي من جهة القبول والإذعان، أن تقبل بعض الأحكام وترفض بعض الأحكام، لا يُقبل أبداً هذا من الجهة الأولى.
من الجهة الثانية: جهة التطبيق، قد يُطبّق المسلم بعض أحكام الدين ويدع تطبيق الآخر، وكلنا مُقصّرون.

{ كلُّ ابنِ آدمَ خطَّاءٌ، وخيرُ الخطَّائينَ التَّوَّابونَ }

(أخرجه الترمذي وأحمد)

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(16)
(سورة التغابن)

وقد يعجز الإنسان عن تنفيذ كل ما في الدين من فروض، وواجبات، وسُنَن، ونوافل، وهذا واقع، لكن نتحدث عن جهة التطبيق الآن، لكن عندما يصبح دُيننا انتقائياً نأخذها مبدأً في حياتنا، فنُطبّق الشيء السهل، الشيء الذي تهواه أنفسنا، الشيء الذي لا يُكلّفنا كثيراً نُطبّقه، ثم نأتي إلى التكاليف والمُحرَّمات، والأمور التي تُخالِف هوى نفسنا ومصالحنا المُتوهمة، أقول المُتوهمة لأنَّ المصلحة في الدين حقيقةً، لكن قد يتوهم الإنسان مصلحته خارج دين الله، عندها نقول له: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، هذا من جهة التطبيق، من جهة القبول كُلُّ ما جاءنا عن الله ورسوله ينبغي أن نُذعِن له، من جهة التطبيق كل ما جاءنا عن الله ورسوله ينبغي أن نسعى إلى تطبيقه، لا أن يصبح دينُنا انتقائياً ننتقي البعض ونترك البعض الآخر.
أيُّها الإخوة الكرام، سأضرب أمثلة:
المصلحة في الدين حقيقةً
امرأةٌ تصوم إذا جاء رمضان، وتصلّي وهذا تجده شيئاً اجتماعياً، اعتادت عليه وألِفته، ولها ثوابٌ على ذلك بلا شكّ، لكن إذا جئنا إلى قضية خروجها من البيت، فقلنا لها إنَّ خروجك من البيت ليس إسلامياً، طريقة لباسك لا تُرضي الله عز وجل، تقول لك لا، هذا الأمر صعب، هذا كان لزمنٍ مُعيّنٍ وانقضى، لا أستطيع أن ألتزِم باللباس الإسلامي ولا بالحجاب الإسلامي، أنا ألتزِم بهذا فقط، وإسلامي وإيماني في قلبي هنا، (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
رجلٌ يأتي إلى المسجد يُصلّي الصلوات الخمس، يأتي رمضان فيصومه، يذهب إلى العُمرة، فيعتمر وينزل في أحدث الفنادق، وهو أمرٌ مُيسّر أصبح اليوم، ويعود، ويستقبله الناس، وقد يذهب كل عامٍ فيحجُّ بيت الله الحرام، وله ثوابٌ على ذلك إن ابتغى وجه الله، لكن يخرج إلى السوق ليُتاجر، ليُعامل الناس، فتجد كلَّ مُعاملاته بعيدةً عن الإسلام، هناك غشّ، هناك تدليس، هناك رِبا، هناك تزويرٌ في البضاعة، نقول له: يا هذا أين دينك؟! أين صلاتك؟! أين حجُّك؟! كنت في بيت الله الحرام! يقول لك: يا أخي السوق لا يمشي إلا هكذا، لا أستطيع أن أربح إلا بهذه الطريقة، وهو بذلك يُغطي على ما يفعله، مع أنه يربح في رضا الله عز وجل، لكنه يُريد الرِبح الأكبر، ويتوهّم أنَّ الرِبح الأكبر في معصية الله، نقول له عند ذلك (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)، أخذت التي تُعجبك والتي لا تُكلّفك، والتي قد تظهر أمام الناس بها بمظهر المُتديّن، المُصلح، ثم تركت الشيء العملي، الذي يُرهقك ويُكلّفك أن تتابع، وأن تتحرى وأن و أن، هذه هي المشكلة أيُّها الإخوة (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ).
والآن من يُنفّذ شيئاً ويترك شيئاً، لن يقطف من ثمار تديُنه شيئاً، عندها نقول له: قل اللهم أصلِح لي ديني بصدق، وحاول أن تصلح دينك بأن تجعله ديناً كُلّاً لا يتجزأ، لا تأخذ البعض وتترك البعض الآخر، واسمعوا الآن إلى هذه الآيات الرائعة في هذا الباب:

وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ (48)
(سورة النور)

(وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ) في قرآنه، (وَرَسُولِهِ) في سُنَّته، (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ) ليفصل بينهم في خلافاتهم، فيقول هذا حلال وهذا حرام، وهذا لك وهذا عليك ( لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ) يُعرِض، لا يقبل أن يأتي إلى حُكم الله في المسألة، قال تعالى:

وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49)
(سورة النور)

إذا كان الحقُّ له يأتي إليه مُذعِناً، قابلاً، يقول لك نُريد الدين يا أخي، هو يعلم أنَّ حكم الشرع في هذه المسألة لصالحه، يأتي إلى الدين مُذعِناً، يقول لك يا أخي نريد حكم الله عز وجل، ( وَإِن يَكُن لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُوٓاْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ).

أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)
(سورة النور)


الله عزّ وجل جعل هذا الدين خاتم التشريعات ليصلح لكل زمان ومكان:
انظر إلى الخيارات القرآنية لهذا الرجل، الذي يأتي إلى الدين عندما يُعجبه، ويدعه عندما لا يُعجبه، ما هي الخيارات القرآنية، ما شأن هذا الإنسان؟ قال: (أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) مرضى، وأمراض القلب، ليس القلب المضخة التي تضخ الدم فحسب، أمراض القلب التي تبدأ آثارها السلبية المُدمِّرة بعد الموت، أما مرض القلب العضوي تنتهي آثاره عند الموت (أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ) نِفاق، والمرض كثيراً ما يُطلَق على النفاق، أن يعتقد شيئاً ويُظهر شيئاً، أن يقول شيئاً ويفعل شيئاً، نفاقاً اعتقادياً وعملياً، ( أَفِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُوٓاْ) يوجد عندهم شكّ، مازالوا غير مُقتنعين بكتاب الله ولا بسُنّة رسوله، ما زال يقول لك يا أخي كأن هذا الدين لغير هذا الزمن، كيف نعيش مع هذا الدين؟ وكأن الله لا يعلم أنَّ هذا الزمن سيأتي، ولمّا أنزل التشريع جعله خاتم التشريعات، ليصلُح لكل زمانٍ وكل مكان، ( أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُۥ) تخاف أن يظلمك الله ورسوله؟! تخاف أن يحيف عليك الله ورسوله، أن يظلمك الله؟! مَعاذ الله.
حُكم الله مهما يكن فهو لصالحك
حُكم الله مهما يكن فهو لصالحك، ولو قال لك ادفع مائة ألف، فهو لصالحك لأنه يُنجّيك من عذاب الآخرة، لأنه عندما يحكُم عليك، فإنه في المقابل يوماً ما سيحكُم لك لينتشر العدل في المجتمع، لأنه عندما يحكُم لزوجتك، فهو في المُحصِلّة يَحكُم لأختك يوماً ما، ويَحكُم لأمك في ظرفٍ آخر، أتخاف أن يحيف الله عليك ورسوله؟! لن يظلمك الله، مهما كان الحُكم فهو في مصلحتك.
امرأةٌ في الغرب تقول أنا مسلمة، وهذا يحصل في الغرب، تقول أنا مسلمة وأنا أُطبّق شرع الله عز وجل، يحصل بينها وبين زوجها خلاف يؤدي إلى الطلاق، نقول لها الآن هناك محكمتان، محكمة شرعية تُعطيكِ المَهر، لأنَّ المُطلّقة تستحق المَهر، وهناك حكمٌ أمريكيٌ يقتضي أن تأخذي نصف أملاك زوجك إذا تمّ الطلاق، تقول لا أنا مع القانون حتى أُربيه! أنا مع القانون، وأنتِ مسلمة!
حصل ذلك كثيراً، تقول أنا مع القانون حتى يعرف أنه عندما يعيش في هذه البلاد ينبغي أن يُطبِّق قوانينها، وحُكم الشرع؟! حُكم الشرع لا يُعطيني إلا المَهر، هذه مشكلة كبيرة جداً، عندما يحتكم الإنسان إلى هواه لا يحتكم إلى دين ربه.
أيُّها الإخوة الكرام قال تعالى: (أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُۥ ۚ بَلْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ)
يظلمون أنفسهم ويظلمون الناس، الآن الموقف الإيماني قال:

إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)
(سورة النور)

هذا موقف المؤمن، دينه ليس انتقائياً في كل مسألة، (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ).
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حِذرنا، الكيّس من دان نفسه وعَمل لِما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني واستغفروا الله.
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافِنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقِنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يذلُّ من واليت ولا يَعزُّ من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فَلَكَ الحمد على ما قضيت، ولك الشُكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هبّ لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صِلنا برحمتك إليك.
اللهم بفضلك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمّنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنّا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحقِ والدين، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفِقه لكل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين.
اللهم بفضلك ورحمتك انصر إخواننا المُستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، على أعدائك وأعدائهم يا ربَّ العالمين، أطعم جائعهم، واكسُ عُريانهم، وارحم مُصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً مُتقبّلاً يا أرحم الراحمين، اجعل هذا البلد آمناً سخيّاً رخيَاً مُطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
وفِّق اللهم ملك البلاد لِمَا فيه خير البلاد والعباد.
أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.