الحق والقوة
الحق والقوة
يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً. |
وبعد أيُّها الإخوة الأحباب: فإنَّ الله تعالى يقول في كتابه الكريم: |
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ(25)(سورة الحديد)
لا بُدَّ للحق من قوةٍ تحميه:
أنزل الله تعالى الكتاب على الرسُل، وأنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون المنهج الذي تسير عليه الأمة إلى يوم القيامة، وأنزل الميزان الذي يزِن به الناس أعمالهم، والذي يزِن به الناس علاقاتهم بين بعضهم، من أجل أن يكون العدل، فالكتاب أُنزِل ليقوم الناس بالقسط، أي ليتعاملوا بينهم بالعدل لا يظلِمون ولا يُظلَمون، وأنزل الميزان ليزِن الناس أعمالهم فيه من خلال منهج ربهم. |
ثم يقول تعالى: (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) البأس الشديد، أي السلاح والسيوف التي تحمي الحق وتحرسه، ما علاقة إنزال الكتاب من جهةٍ في كفَّة، وإنزال الحديد في كفَّةٍ ثانية، العلاقة بينهما أنه لا بُدَّ للحق من قوةٍ تحميه، فالحق قويٌ بقوة الله تعالى، والحق قويٌ لأنَّ الله تعالى هو الحق، ولكن ما لم نؤيِّد حقَّنا بالقوة وبالحديد الذي يحرسه، فإنَّ المجرمين والطغاة سينالون من حقِّنا، وسيضعوننا في الزاوية، ويمنعوننا من أداء الحق الذي أنزل الله تعالى، إنزال الكتاب في كفَّة، وإنزال الحديد للبأس الشديد للمعركة، للسلاح، للسيوف، ولمنافع الناس في البناء والإعمار، في كفَّةٍ ثانية، فالحديد له مهمتان: |
المهمة الأولى: السلاح الذي يحمي الحق، القوة التي تقف في وجه من يريد بالحق براً. |
المهمة الثانية: أن نعمر الأرض، أن نبني، وفيه منافع للناس. |
الحق هو الذي يجعلك قوياً وليست القوة هي التي تجعلك مُحقّاً:
أيُّها الإخوة الأحباب: القوة لا تجعلك مُحقّاً أبداً، لم تكن القوة أبداً يوماً مصدراً ليقول إنسانٌ: أنا قويٌ إذاً أنا مُحق، أبداً، قوتك لا تجعلك على حق، ولكن الحق يجعلك قوياً، لذلك قدَّم إنزال الكتاب على إنزال الحديد، لأن الحق هو الذي يجعلك قوياً، وليست القوة هي التي تجعلك مُحقّاً. |
إنَّ الحق الذي لا تدعمه قوةٌ وحيلةٌ عادلة، يضعُف ويضعُف ثم يضمحل، هؤلاء أعداؤنا حموا باطنهم بالقوة، الصهاينة يحمون باطنهم بالقوة، أمريكا تدعم باطنها بالقوة، ونحن يجب أن ندعم حقنا بالقوة. |
أيُّها الإخوة الكرام: الحق هو الأصل والقوة تبعٌ له، ولا بُدَّ للحق من قوةٍ تحميه، الله تعالى هو الحق: |
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ(30)(سورة لقمان)
وأرسل رسوله بالحق: |
إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ۖ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ(119)(سورة البقرة)
ونزَّل الكتاب بالحق: |
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ(176)(سورة البقرة)
ووعده حق: |
قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا(98)(سورة الكهف)
وخلق السماوات والأرض بالحق: |
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ(73)(سورة الأنعام)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ۚ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ(14)(سورة الرعد)
جلَّ جلاله. |
أنت على حق إذاً أنت قوي وغيرك على باطل إذاً هو ضعيفٌ مهما بلغت قوته:
إذاً أنت على حق، إذاً أنت قوي، وغيرك على باطل، إذاً هو ضعيفٌ مهما بلغت قوته، فالحق مصدر القوة، إلا أنَّ التدافع بين الحق والباطل سُنَّةٌ مستمرة، ولن تقف، ومَن توهَّم أنَّ الله تعالى، يمكن أن يجعل الحق وحده في الساحة إلى أمدٍ طويل فقد أخطأ، ومَن توهَّم أن الباطل يمكن أنَّ يتفرَّد وحده بالساحة، فقد أخطأ، شاءت حكمة الله تعالى، أنَّ يكون التدافع بين الحق والباطل مستمراً، فلن تجد بقعةً في الأرض إلى يوم القيامة، إلا وأهل الباطل يحاولون النَيل من أهل الحق. |
فإذا توسَّعت دوائر الحق، ضاقت دوائر الباطل حُكماً، إنها سُنَّة التدافع والمزاحمة، قال تعالى: |
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ(17)(سورة الرعد)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ(18)(سورة الأنبياء)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(24)(سورة الشورى)
أيُّها الإخوة الأحباب: الحق هو الشيء الثابت والهادف، والباطل هو الشيء العابث الذي لا هدف له، والزائل. |
وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا(81)(سورة الإسراء)
فمن هنا أيُّها الكرام، ينبغي أن ندعم الحق ونقويه بقوةٍ تحميه. |
نصر سورية قضى على المشروع الطائفي لا في سورية فحسب بل في المنطقة برمَّتها:
أيُّها الأحباب: نحن في سورية أمام نصرٍ عظيم، وتحولٍ تاريخي، وفي الوقت نفسه نحن أمام تحدياتٍ جسامٍ كبيرة، وحتى نُسمّي الأمور بمُسمّياتها، فالسوريون عانوا خلال عقودٍ خلت، امتدت إلى ستة عقود، من قهرٍ، وذُلٍّ، وإقصاءٍ قلَّ نظيره في العالم، مارسه نظامٌ مجرمٌ طائفيٌ حاقد، ولقد يسَّر الله تعالى بفضله وكرمه، هذا النصر الذي قضى على المشروع الطائفي. |
نصر سورية قضى على المشروع الطائفي لا في سورية فحسب، بل في المنطقة برمَّتها، وهذا الإنجاز الكبير لم يحمِ سورية فقط، بل حمى جوارها من امتداد هذه الطائفية المقيتة، ولم يحمِ أهل السُنَّة فقط، بل حمى كل السوريين من هذا النظام، ولقد كان الشعب السوري في عمومه واعياً، فما رأينا انتقاماً عشوائياً كنّا نخشاه، وما رأينا عقاباً جماعياً كنّا نخافه، وإنما توحَّد السوريون تحت هدفٍ واحدٍ، وهو حفظ سورية وأمنها واستقرارها، وأشهد ولعلكم تشاركونني الرأي، أنَّ الوعي المجتمعي في بلدنا الطيِّب، متقدمٌ على جميع المستويات، فما شهدناه بعد سقوط هذا النظام المجرم، من أحداثٍ أمنيِّةٍ كان في أدنى المستويات، إذا ما وازنَّا ذلك بتجارب أُخرى، وانتفض الناس جميعاً، لحماية هذا النصر وتحصينه، وردّ كيد الكائدين عنه. |
من واجبنا جميعاً أن نحمي مكتسبات النصر بأن نبقى صفَّاً واحداً ضد المجرمين:
اليوم من واجبنا جميعاً، أن نحمي تلك المكتسبات، وذلك النصر، بأن نبقى صفَّاً واحداً ضد المجرمين، وضد الخارجين عن سلطة الدولة والقانون، وصفَّاً واحداً مع جيشنا وقوات أمننا، فقد أصبح ولله الحمد، لنا جيشٌ نقف معه، له عقيدةٌ نؤمن بها كما يؤمن بها، في الدفاع عن المقدَّسات والأرض، ونقف صفَّاً واحداً ضد الفتنة الطائفية، وشعارنا في ذلك، قول نبينا صلى الله عليه وسلم: |
{ كسَع رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ رجُلًا مِن الأنصارِ فقال الأنصاريُّ: يا لَلأنصارِ وقال المُهاجريُّ: يا لَلْمُهاجِرينَ قال: فسمِع النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذلك فقال: ما بالُ دَعْوى الجاهليَّةِ؟ فقالوا: يا رسولَ اللهِ رجُلٌ مِن المُهاجِرينَ كسَع رجُلًا مِن الأنصارِ فقال: دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ، فقال عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ ابنُ سَلولٍ: قد فعَلوها لئِنْ رجَعْنا إلى المدينةِ لَيُخرِجَنَّ الأعَزُّ منها الأذَلَّ فقال عُمَرُ: دَعْني يا رسولَ اللهِ أضرِبْ عُنُقَ هذا المُنافِقِ فقال: دَعْه لا يتحدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحمَّدًا يقتُلُ أصحابَه }
(أخرجه البخاري ومسلم)
منذ اللحظات الأولى لهذا النصر، وقف خطباء المساجد، ووقف كل من له منبرٌ، يُنادي بنبذ الطائفية، تسامينا على جراحنا، رغم عظمها، وتسامينا على آمالنا، رغم كثرتها، ووقفنا لنقول: لا للطائفية، ووقفنا لنقول: نحن ضد المجرمين من أي طائفةٍ كانت، ووقفنا لنقول: نحن ضد طائفة الإجرام، فمن ينتسب لها ولو كان من بني جلدتنا، فنحن نحاسبه أولاً. |
وفعلاً، أهل السُنَّة حاسبوا كل من أجرم منهم، قبل أن يُحاسبوا من غيرهم، حتى مَن تكلم بكلمةٍ داعمةٍ للمجرمين، وقفنا نُحاسبه ونعزله عن المجتمع، لئلا يعود من جديد للنفاق، ما صنعناه ليس لأننا نخاف التدخل الخارجي، الذي ينتظر الاقتتال الطائفي ليتدخل، ما فعلناه لهذا، إنما فعلناه لسببٍ واحد، وهو أنَّ ديننا يأمرنا به |
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ(18)(سورة فاطر)
ديننا يأمرنا أن نحكم بين الناس بالعدل:
ولأنَّ ديننا يأمرنا أن نحكُم بين الناس بالعدل، ولأنَّ الله تعالى أنزل الكتاب بالحق والعدل، ليقوم الناس بالقسط، فما شهدنا ظُلماً، إلا بحوادثٍ فردية قليلة معدودة، وإنما كان العموم ملتزمين بنبذ الطائفية والتعصُّب، فسورية على مدى التاريخ كانت لجميع أبنائها، وما عرفت الطائفية إلا في زمن النظام المخلوع، الذي استخدم هذه الورقة، كما استخدمها فرعون عندما جعل أهلها شيعاً. |
وقفنا هذا الموقف بدافعٍ إيمانيّ وليس بأي دافعٍ آخر، لأنَّ ديننا يأمرنا بذلك، رغم أنَّ آهات الثكالى، والآباء الذين يُتِّمَ أولادهم، والأزواج الذين فقدوا زوجاتهم في المعتقلات، والزوجات الذين فقدوا أزواجهم، كانت كبيرةً وكفيلةً، بأن تُحدِث ردَّة فعلٍ، تأكل الأخضر واليابس، ولكننا كنّا على قدر المسؤولية ولله الحمد، بدافعٍ من إيماننا، وبمنطلقٍ من عقيدتنا، (دَعُوها فإنَّها مُنتنةٌ). |
نريد بلداً آمناً بعيداً عن الطائفية:
أيُّها الإخوة الأحباب: خمسون سنةً مرَّت، ونحن نعاني الظُلم والقهر، ولمّا قلنا لا للظلم، اتُهمنا بالطائفية، نحن كنّا متَّهمين بالطائفية، مع أنَّ أبناءنا في السجون، اتُهمنا بالطائفية والإرهاب، لكننا أثبتنا لشرفاء العالم كله |
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ(37)(سورة ق)
أننا أهل الحق، وأننا استعدنا بلادنا فقط، من الطائفة الحاكمة بكل مكوناتها، وأننا نريد دولةً تحمي جميع مواطنيها، ثلاثة أشهُرٍ مضت وشعارها: اذهبوا فأنتم الطلقاء. |
فتحٌ لا ثأر فيه، والمطلوبون هم المجرمون فقط، وهناك أطرافٌ داخليةٌ وأُخرى خارجية، لم يرق لها ذلك، فأرادت أن تُشعلها فتنةً من جديد، لا نريدها فتنةً طائفية. |
مرةً ثانية وثالثة، رغم الجراح ديننا يقول: لا نريد فتنةً طائفية |
لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ(28)(سورة المدثر)
ولا نريد في الوقت نفسه، تسامحاً مع المجرمين القتلة، والخونة، الذين يريدون أن نعود إلى الوراء، شاهَد الجميع سجن صيدنايا، وقبله سجن تدمر، الذي قضى فيه خيرة شبابنا ونسائنا تحت التعذيب، وشاهَد الجميع، المقابر الجماعية التي دُفن فيها مَن لا ذنب لهم، ولا أظنُّ عاقلاً يريد أن يرجع بالبلد إلى الوراء، أو أن يُرجع هذا العهد المُظلم، في تاريخ شامنا وبلدنا وأمتنا. |
مُطالبون جميعاً بحماية أمننا، نريد محاسبة المجرمين، ولا نبتغي ثأراً ولا انتقاماً، نريد دولةً تحمي مواطنيها، ولا نتسامح مع المشروعات الانفصالية، نريد أمناً وأماناً مبنياً على العدالة والرحمة معاً. |
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ(193)(سورة البقرة)
الله تعالى تكفَّل بالشام وأهلها:
متفائلون من منطلقٍ إيمانيّ، بأنَّ الله لن يُضيِّعنا، وأنَّ أرض الشام المباركة، شام الرسول التي تكفَّل الله بها، لن تضيع منّا ثانيةً، وأنهم يمكرون بنا، ولكن الله سيُبطل مكرهم، وسيحوُّله في المآل إلى خيرٍ ونصر، يقول صلى الله عليه وسلم: |
{ إنِّي رَأيتُ كأنَّ عَمودَ الكِتابِ انتُزِعَ مِن تَحتِ وِسادتي، فأَتبَعْتُه بَصري، فإذا هوَ نورٌ ساطِعٌ، عُمِدَ به إلى الشَّامِ، ألَا وإنَّ الإيمانَ إذا وَقَعَتِ الفِتنُ بِالشَّامِ. }
(أخرجه أحمد والطبراني)
{ إنَّ فُسْطاطَ المسلمينَ يومَ المَلحَمةِ بالغوطةِ، إلى جانبِ مدينةٍ يقالُ لها: دِمَشقُ، من خيرِ مدائنِ الشامِ. }
(أخرجه أبو داود أحمد)
وعيسى بن مريم عليه السلام، سينزل حَكماً عدلاً. |
{ ينزلُ عيسى بنُ مريمَ عليه السلامُ عند المنارةِ البيضاءِ شَرقِيَّ دمشقَ }
(أخرجه مسلم وأبو داوود وابن ماجه وأحمد)
{ لا تَزالُ طائفةٌ من أُمَّتي قائمةً بأمرِ اللهِ، لا يَضُرُّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتىَ أمرُ اللهِ، وهم ظاهِرُونَ على الناسِ }
(أخرجه البخاري ومسلم وأحمد)
سمعت معاذ بن جبل، كما قال الراوي يقول: وهم بالشام. |
أيُّها الإخوة الكرام، أيُّها الإخوة الأحباب: الله تعالى يقول: |
إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا(105)(سورة النساء)
هل تعلمون أنَّ هذه الآية الكريمة، نزلت لتبرئة يهوديٍّ من سرقةٍ اتُّهم بها، وجعل بعض أصحاب السارق، يُجادلون النبي صلى الله عليه وسلم، ليُبرئ الرجل السارق المسلم، ويؤكد التهمة على اليهودي، فنزل فوراً قوله تعالى، بهذه اللهجة وبهذا العِتاب: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا). |
لا نقف مع الخائنين، ولا نُخاصم عنهم، ولا ندافع عنهم، وديننا يأمرنا بذلك، ونحن نعتزُّ بديننا إلى أبعد حدّ، ونُطالب بمحاسبة القتلة والمجرمين، دون أن ننجر إلى فتنةٍ طائفيةٍ، لا نريدها ولم نردها، وإنما أُريدت بنا واتُّهمنا بها ونحن منها براء. |
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، وأستغفر الله. |
الحمد لله ربِّ العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. |
أن يُيسّر الله تعالى للشباب التوبة والعودة إلى بيوت الله هذا مما يُحافظ على أمننا:
أيُّها الإخوة الأحباب: أعلمُ أنَّ مساجدنا في الشام، تتزين في كل رمضان بضيوفٍ جُدد، ويصبحون من أهل الدار، فيا أهلاً وسهلاً ومرحباً، بكل شابٍ جاء عازماً على التوبة في مطلع رمضان، أسأل الله تعالى أن يوفقك إلى الثبات، وإلى العبادة، وإلى صلاة الجمعة، التي من تركها ثلاثاً بغير عذرٍ نكتت نُكتةٌ سوداء في قلبه |
{ مَن تركَ الجمعَةَ ثلاثًا من غيرِ ضرورَةٍ، طُبِعَ على قَلبِهِ }
(أخرجه النسائي وابن ماجه وأحمد)
فأيُّها الأحباب: أنا أحببت من على المنبر، بأن أُرحِّب بكل من جاءنا في هذا الأسبوع، وقد عزم وعقد العزم على أن يُحافظ على الصلاة، وعلى صلاة الجمعة تحديداً، وعلى سماع الحق، وأداء الصلاة، فهذا شيءٌ عظيم، أن يُيسّر الله تعالى للشباب التوبة، والعودة إلى بيوت الله، وهذا مما يُحافظ على أمننا، ومما يكون أشدَّ على أعدائنا من السيوف، أن نعود إلى بيوت الله، وإلى التوبة، وإلى الصُلح مع الله تعالى. |
الدعاء:
اللهم احفظ علينا أمننا، اللهم ابسُط الأمن والأمان في ربوع بلاد الشام، اللهم احفظ الأمن والأمان في سورية. |
اللهم ارحم شهداءنا، الله ارحم شهداء جيشنا، وارحم شهداء قوى الأمن يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم من قضى إليك في هذا الشهر الكريم، اللهم تقبلهم بقبولٍ حسن، وارفع قدرهم ومرتبتهم عندك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلهم عندك في أعلى علّيين. |
اللهم ردَّ عنّا مكر الماكرين، وكيد الكائدين، وحسد الحاسدين، اللهم اقطع كل أيدٍ أرادت ببلدنا سوءاً وشراً، من الداخل والخارج يا أرحم الراحمين. |
اللهم إن نبيك صلى الله عليه وسلم قد قال: |
{ أتدرونَ ما يقولُ اللهُ تعالَى في الشامِ؟ يقولُ: يا شامُ يَدِي عليكِ يا شامُ، أنتِ صَفْوَتِي من بلادي، أُدخِلُ فيكِ خِيرَتي من عبادي. إنَّ اللهَ قد تَكَفَّلَ لي بالشامِ وأهلِه }
(أخرجه الطبراني)
هذه الشام يا أرحم الراحمين يا أكرم الأكرمين ابسُط رحمتك عليها يا كريم، واجعلها بلاد خيرٍ وأمنٍ واستقرارٍ ونماءٍ وبركة، واجعلها مستظلةً بكتابك وسُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، ووفِّق القائمين عليها لما فيه مرضاتك، ولما فيه العمل على خدمة دينك يا أرحم الراحمين. |
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات. |
اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنّا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين. |
وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، أنت حسبنا عليك اتكالنا. |
اللهم لك الحمد على ما أنعمت علينا به من نعمة الغيث من السماء، فأتم اللهم نعمتك علينا يا كريم، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تُهلكنا بالسنين، ولا تعاملنا بفعل المسيئين. |
اللهم بارك لنا في شهر رمضان، وأعنا فيه على الصيام والقيام وغضِّ البصر وحفظ اللسان. |
اللهم كن لإخواننا في غزَّة وفي فلسطين، وفي كل مكانٍ يذكر فيه اسمك يا الله، عوناً ومعيناً، وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً. |
وصلِّ إلهي وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين. |