رمضان شهر الانتصارات
رمضان شهر الانتصارات
يا ربنا لك الحمد، ملءَ السماوات والأرض، وملءَ ما بينهما وملءَ ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، أحقُّ ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزَع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هُداك، وكيف نذل في عزك، وكيف نُضام في سلطانك، وكيف نخشى غيرك، والأمر كله إليك، وأشهد أنَّ سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنَّات القربات، فجزاه الله عنّا خير ما جزى نبياً عن أمته. |
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذريِّة سيدنا محمدٍ، وسلِّم تسليماً كثيراً. |
رمضان شهر العمل لا الكسل و شهر الانتصارات لا شهر الهزائم:
وبعد فيا أيُّها الإخوة الكرام: لقد كان رمضان في تاريخنا الإسلامي، مذ فرض الله تعالى صيام نهاره، وسنَّ قيام ليله، كان رمضان شهر العمل لا الكسل، وكان شهر الانتصارات لا شهر الهزائم، وفلسفة ذلك أنَّ المسلم في نهار رمضان، ينتصر على نفسه، فيمنعها مما هو مباحٌ خارج نهار رمضان، فلأن يمنعها مما هو مُحرَّمٌ في كل آن من باب أَولى، فالمسلم في نهار رمضان، يترك الطعام والشراب والشهوة إرضاءً لخالقه، فمن باب أَولى أن يدع المُحرَّم إرضاءً لخالقه، وكذلك هو في ليل رمضان، ينتصر على نفسه، حينما يقوم الليل إرضاءً لربّه، فلمّا كان منتصراً على نفسه، في النهار وفي الليل، كان منتصراً على عدوّه، لأنَّ النصر أيُّها الأحباب، يبدأ من الداخل، ولأن الهزيمة تبدأ من الداخل، فمن ينتصر على نفسه، فهو أقدر على النصر على أعدائه، ومن يكون مهزوماً أمام نفسه، فإنه لا يستطيع أن يواجه نملةً في أرض المعركة، فضلاً عن أن يواجه جيشاً وجنوداً. |
أيُّها الإخوة الأحباب: رمضان يُعلِّمنا الانتصار على النفس، الانتصار على الذات، لأنَّ أول مراتب الجهاد، أن يُجاهد الإنسان نفسه وهواه، وفي هذا يقول تعالى: |
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69)(سورة العنكبوت)
قال المفسِّرون: (جَاهَدُوا فِينَا) أي حملوا أنفسهم على العمل بما علموا، علموا أنَّ الزِنا حرام، فجاهدوا نفسهم وحملوا أنفسهم على ترك الزِنا، علموا أنَّ الغش مُحرَّم، فحملوا أنفسهم على ترك ذلك المُحرَّم، علموا أنَّ إطلاق البصر لا يجوز، فجاهدوا في حمل أنفسهم على ترك إطلاق البصر (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) وبعد الجهاد، جهاد النفس والهوى بحملها على طاعة الله، يكون الجهاد الدعوي قال تعالى: |
فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا(52)(سورة الفرقان)
والهاء هنا تعود على كتاب الله تعالى، فتعلُّم القرآن وتعليمه، ونشره بين الناس والعمل به، وتدبُّره نوعٌ من أنواع الجهاد الدعوي، وبعد ذلك يكون الجهاد البنائي في بناء الأمة، قال تعالى: |
وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)(سورة الأنفال)
فعندما نُربّي أولادنا فنحن نُجاهد، عندما نبذل الجهد، ونستفرغ الوسع في حماية أوطاننا، فنحن نُجاهد، عندما نبني إعلامنا فنحن نُجاهد، عندما نستخرج خيرات أرضنا فنحن نُجاهد، عندما نُمتِّن جبهتنا الداخلية فنحن في جهاد، وبعد هذه الثلاثة، يأتي الجهاد الرابع تاجاً عليها، وهو الجهاد في أرض المعركة، في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى. |
فهذه الأربعة لا تنفك عن بعضها، بل هي متكاملة، ولا يمكن لإنسانٍ مهزومٍ أمام نفسه، أن يصل إلى الجهاد القتالي، فيثبُت في أرض المعركة عقيدةً لا ارتزاقاً. |
رمضان شهر الانتصارات لأنه شهر الانتصار على الذات وعلى النفس:
لذلك أيُّها الإخوة الأحباب: كان رمضان شهر الانتصارات، لأنه شهر الانتصار على الذات، شهر الانتصار على النفس، وأعظم الهزائم أن يُهزَم الإنسان من الداخل. |
صدّقوا أيُّها الإخوة، أنَّ الهزائم العسكرية والاقتصادية، على ما فيها من الأذى والشر، ليست شيئاً أمام هزيمة النفس، أقسى الهزائم أن تُهزَم النفس من الداخل. |
فلذلك أيُّها الأحباب: يجب أن نبقى منتصرين على ذواتنا، حتى نستحق أن نُنصَر على أعدائنا. |
أيُّها الكرام: معارك المسلمين في رمضان كثيرة، منها غزوة بدر، ومنها فتح مكة، وغزوة بدر الكبرى، كانت في السابع عشر من رمضان، في إشارةٍ إلى أنَّ هذا الشهر، ينبغي أن يكون شهر عمل، وشهر متابعة، وشهر انتصار، وليس شهر كسل وولائم، وحضور المسلسلات التافهة، التي لا تُقدِّم ولا تؤخِّر. |
درس الشورى درسٌ من دروس غزوة بدر الكبرى:
أيُّها الإخوة الأحباب: مما تُعلِّمنا إياه غزوة بدر الكبرى، أول درسٍ من دروسها، درس الشورى، الذي نحن بحاجةٍ ماسَّةٍ إليه اليوم، فعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشرع بمعركة بدر وقف وقال: |
{ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشيروا عليَّ أيها الناس، وإنما يريد الأنصار، وذلك أنهم عدد الناس، وأنهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله، إنا برآء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنَعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوف ألا تكون الأنصار ترى عليها نصرَه إلا ممن دهمه بالمدينة من عدوه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم، فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له سعد بن معاذ: والله لكأنَّك تُريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل، قال: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهِدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامضِ يا رسول الله لِما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخُضْتَه لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد، وما نكرَهُ أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبرٌ في الحرب، صُدقٌ في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقَر به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله، فسُرَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال: سيروا وأبشروا؛ فإن الله - تعالى - قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم. }
(أخرجه ابن إسحق وابن المنذر والطبري)
يريد الأنصار، لأنَّ الأنصار يمنعونه مما يمنعون أنفسهم منه في المدينة، لكنه لم يأخذ مشورتهم، في أن يخرجوا معه للقتال خارج المدينة. |
أيُّها الإخوة الكرام: لو كان هناك شخصٌ في الدنيا كلها له أن يترك المشورة، لكان ذلك الشخص هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو المعصوم، كيف لا وهو الذي يوحى إليه من ربّه مباشرةً، فلماذا يستشير؟ لو كان هناك شخصٌ له أن يترك المشورة، لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يتركها، بل إنَّ الله تعالى خاطبه آمراً قال له: |
فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(159)(سورة آل عمران)
ووصف مجتمع المؤمنين فقال: |
وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ(38)(سورة الشورى)
الشورى دينٌ ندين الله تعالى به:
والشورى هنا ليست شورى مفتعلة صورية، كما يُجري بعض السياسيين، أو كما يُجري بعض الحزبيين، أو كما يُجري بعض القياديين، كأن يجمع الناس ويأخذ آراءهم، وهو في الأصل قد وضع الخطة، وكتب البيان الختامي، هذه ليست شورى، هذه ضحكٌ على الذقون، الشورى تعني أن تأخذ برأي من تستشيره، أن تُبيِّنه، أن تعمل به إن كان حقَّاً، الشورى مبدأٌ إسلاميٌ رصين، لا ينبغي أن ينقلب إلى لعبةٍ كما يفعل البعض. |
نحن اليوم أيُّها الأحباب: في بلدنا هذا ونحن نبنيه بناءً جديداً، لا أقول من الصفر، بل أقول من تحت الصفر، وقد عاث به المجرمون فساداً، ونخروا في بنيته الاجتماعية، وليس في بنيته التحتية فحسب، نحن أحوج ما نكون إلى الشورى، أن نشاور في الأمر، كلٌّ من موقعه، الاستئثار اليوم بالقرار في أي موقع، وفي أي مؤسَّسة، جريمةٌ وطنية، يجب على الجميع أن يشاوروا، قد تسمع فكرةً من طفلٍ صغير لم تخطر في بالك، هذا الهدهُد، هدهُد سليمان قال: |
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ(22)(سورة النمل)
أحاط الهدهُد بأمرٍ لم يُحط به سليمان الملِك العظيم، فليس هناك أحدٌ أقل من أن يُشاوَر، ولا أحدٌ أكبر من أن يُشاوِر |
الشورى أيُّها الكرام دين، ليست الشورى هي الديمقراطية تماماً، إنها دينٌ ندين الله تعالى به، وهو أن نُشاوِر أهل الحلِّ والعَقد، وأن نسمع ما يقولونه. |
أيُّها الإخوة الأحباب: في الغزوة نفسها، في غزوة بدر، جاء الحُباب بن المُنذر صحابيٌ جليل، بعد أن نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، في موقعٍ من المواقع، استعداداً للغزوة، جاء الحُباب بن المُنذر، وهذه القصة أيُّها الكرام، وإن كانت ليس لها سند، لكنها في المغازي والسيَّر يُتساهل بها، وكثيرٌ من أهل العِلم، يروونها لبيان مكان الشورى الحقيقي في الإسلام. |
{ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لأصحابهِ : أشيروا عليَّ في المنزلِ، فقال الحُبابُ بنُ المُنذِرِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أرأيتَ هذا المنزِلَ أمنزِلٌ أنزَلَكَه اللهُ ليس لنا أن نتقدَّمَه ولا نتأخَّرَه ؟ أم هو الرَّأيُ والحَربُ والمكيدَةُ ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : بل هو الرَّأيُ والحَربُ والمكيدَةُ. قال : فإن هذا ليس بمنزِلٍ، انطلِقْ بنا إلى أدنى ماءِ القومِ }
(أحكام القرآن لابن العربي)
فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى رأي الحُباب بن المُنذر، في هذه القصة أيُّها الأخوة أمران: الأمر الأول: أنَّ هناك قضايا ليس فيها شورى، وليس هناك فيها رأي، كما يخرج اليوم على الإعلام مثلاً، ندوة ما أثر الصيام على المجتمعات؟ وهل رأيك أنَّ الصيام يؤثِّر في الإنتاجية؟ وهل أنت مع الصيام؟ الصيام أمرٌ وفرضٌ إلهي، ليس فيه مشورة، أو يخرج آخر ليناقش مسألة تعدد الزوجات، وهل موافق عليها أم غير موافق؟! وهي شرعٌ من الله عزَّ وجل، أو يخرج ثالث ليناقش صلاة الجماعة، هذه الأمور التي فيها نصوص، الرِبا مُحرَّم ليس هناك رأيٌ في قضية الرِبا، لكن عندما تكون القضية ليست ذات نَصٍّ في كتاب الله تعالى أو في سُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالأصل هو المشورة (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) فالحُباب بن المُنذر قال: إن كان هذا الموقع وحيٌ من الله، حتى أسكت ولا أنطق بكلمة، انظر إلى الفقه العظيم، فلمّا قال له رسول الله لا ليس وحياً، هذا رأيٌ وحربٌ ومكيدة، قال: ليس بموقع. |
فإذاً أيُّها الإخوة الأحباب: غزوة بدر تُعلِّمنا أن نستشير، أن نشاور في الأمر. |
أيُّها الكرام: يقول تعالى: |
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)(سورة النحل)
ينبغي أن نعتمد الشورى مبدأً حقيقياً وليس مبدأً صورياً:
ولكل مسألةٍ اليوم في وطننا أهل ذكر، فهناك أهل الاقتصاد، وهناك أهل السياسة، وهناك أهل الاجتماع، ولكل مسألةٍ أهلٌ في الذكر ينبغي أن يسأل (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) هذا أمرٌ قرآني، ليس مُنصبَّاً فقط على أن تسأل عالماً عن مسألةٍ دينية، النَص هنا عام (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) صحيحٌ أنَّ الآية في الأصل لأهل الذكر، أي أهل القرآن الكريم، أن تأتي فتسأل عن حكمٍ شرعي، لكن لا يمنع أن نُعمِّمها فنقول: لكل ذكرٍ أهلٌ في اختصاصهم، وينبغي أن يُسألوا في اختصاصهم، فالإنسان إذا مرض لا يذهب إلى جاره لأنه يحبه فيسأله عن مرضه، وإنما يسأل أهل الاختصاص، فيذهب إلى الطبيب، وكذلك في كل شؤون حياتنا، ينبغي أن نعتمد الشورى مبدأً حقيقياً، وليس مبدأً صورياً. |
أنت تختار وأنا أختار لكن الله عزَّ وجل عندما يختار لي ولك فإننا نرضى باختياره:
أيُّها الإخوة الأحباب: ومما تعلِّمنا إياه غزوة بدر، أنَّ قضاء الله تعالى خير، وأنك تختار وأنني أختار، ولكن الله عزَّ وجل عندما يختار لي ولك فإننا نرضى باختياره، قال تعالى: |
وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ(7)(سورة الأنفال)
والطائفتان هُنا العير أو النفير، إمّا أن تحظوا بالعير، أو تذهبوا باتجاه الحرب (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ) أي في غزوة بدر (إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ) العير أو النفير، غنيمة تغنمونها أو تنفرون في سبيل الله، قال: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) ذات الشوكة هي الحرب، والإنسان بطبعه يتمنّى أن لا يحارب، لما في الحرب من آثارٍ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: |
{ كَتَبَ إلَيْهِ عبدُ اللَّهِ بنُ أبِي أوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا، فَقَرَأْتُهُ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أيَّامِهِ الَّتي لَقِيَ فِيهَا، انْتَظَرَ حتَّى مَالَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ قَامَ في النَّاسِ خَطِيبًا قالَ: أيُّها النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم. }
(أخرجه مسلم وأبو داوود)
فلقاء العدو يُفرَض فرضاً، ليس خياراً في الأصل (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) تريدون الأسهل، تريدون الأقل كلفةً، وهو أن تهبّوا وترجعوا بِعير قريش، وانتهى الأمر، فقال تعالى: (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) الله تعالى أراد غير ما تمنيتموه، وهو قضاء الله وهو خيرٌ لنا. |
في كل حياتك أنت تريد، تتمنّى، تطمح إلى شيءٍ، والله تعالى قد يُيسِّر لك أمراً آخر بخلاف ما أردته، فاعلم أنَّ قضاء الله تعالى خيرٌ لك، وارضَ بهذا القضاء. |
كلما كنت مفتقراً إلى الله أكثر كان معك أكثر وكلما اعتددت بنفسك وقوُّتك فإنَّ الله يكلك إلى نفسك:
أيُّها الإخوة الأحباب: لأن الإنسان كثيراً ما يدعو على نفسه بالشر، وهو يظن أنه يدعو خيراً، كثيراً ما ندعو بأشياءٍ نظنها خيراً لنا، ثم يُبيَّن أنها لم تكن كذلك. |
أيُّها الإخوة الأحباب: وغزوة بدر تُعلِّمنا أنك كلما كنت مفتقراً إلى الله تعالى أكثر، كان الله معك أكثر، وكلما اعتددت بنفسك وبقوُّتك، فإنَّ الله عزَّ وجل يكلك إلى نفسك وقوُّتك، قال تعالى: |
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(123)(سورة آل عمران)
أي ضعفاء مفتقرون إلى الله، وفي المقابل: |
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ(25)(سورة التوبة)
فعندما تعتدُّ بقوُّتك، يتركك الله إلى قوُّتك، وعندما تعتدُّ بقبيلتك ومن معك، يكلك الله إليهم، وعندما تقول يا ربّ، يتولاك الله، وهذا الدرس يحتاجه المؤمن في كل لحظةٍ من لحظات حياته، الطالب عندما يدرس على مقعد الامتحان، عندما يعتصم بالله، يُعينه الله، وعندما يقول: درست وأعددت ولا أحتاج شيئاً، يكله الله إلى نفسه، والتاجر والصناعي وكل إنسان في موقعه، تُربّي أولاك، إن اعتددت بنفسك، أنا مُربّي، أنا عملت دورات كثيرة في التربية، يكلك الله إلى هذه الدورات التي عملتها، وإن قلت يا ربّ، أعنّي على تربية أولادي، أعانك الله وتولاك، قل الله يتولاك الله، وليقل غيرك أنا، فإنَّ الله يتخلى عنه، هذه بدر وتلك حُنين. |
المعركة بين الحق والباطل مستمرة و لا بُدَّ أن نحمي حقَّنا بالقوة:
أيُّها الإخوة الأحباب: وغزوة بدرٍ تُعلِّمنا أنَّ المعركة بين الحق والباطل مستمرة، وأنه لا بُدَّ أن نحمي حقَّنا بالقوة، وأنَّ أهل الباطل، لم يفوُّتوا فرصةً مهما كانت، للانقضاض على أهل الحق، فلنوطِّن أنفسنا أنَّ المعركة مستمرة، ومتى وضعنا سلاحنا، فإنَّ العدو ينتظرنا، ولا أعني بالسلاح فقط السلاح الناري، وإنما أعني أن نأخذ حذرنا بأن نبقى متيقظين، فلا نضع سلاح الإعلام، ولا سلاح الاقتصاد، ولا سلاح التربية، ولا سلاح المسجد، ولا سلاح الجيل الجديد، هذه كلها أسلحة لا ينبغي أن توضع، فمتى وضعتها فإنَّ العدو ينتظرك، الساحة لا تحتمل فراغاً، إمّا أن يملأها أهل الحق، أو أن يزاحمهم عليها أهل الباطل، هذه سُنَّة الله في الحياة، هذه معركة بدر تؤكد هذا المعنى. |
اليوم أيُّها الإخوة الأحباب: هذا عدونا الصهيوني الغاشم، الذي أسأل الله تعالى أن تكون نهايته قد اقتربت، لا يضع سلاحه ولا يفوُّت فرصةً لينقضَّ على أرضنا، ولينقضَّ على أهلنا في فلسطين، ينقضون العهود وهذا تاريخهم الأسود، ينقضون المواثيق، يقصفون البيوت، يقتلون الآمنين، في أية لحظةٍ تُتاح لهم، ووراءهم ما يُسمّى المجتمع الدولي. |
والله أيها الإخوة، منذ سنوات وأنا أسأل على المنابر، من منكم يعرف المجتمع الدولي حتى يخبرني عنه؟ ما هو المجتمع الدولي؟ من ذا المجتمع الدولي الذي نناشده؟! ليكفّ الأذى عنّا وهو المُجرم، وهو شريك المُجرم، ثم يُناشَد!! هل كان النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر، يُناشِد المجتمع الدولي؟ يُناشِد فارس والروم ليتدخلوا لحمايته من المشركينُ! وهم المتآمرون معهم. |
ديننا لا بُدَّ أن نحميه بأنفسنا لن يحميه لا مجتمع دولي ولا حقوق إنسان:
فأيُّها الإخوة الأحباب: نتعلم أنَّ ديننا لا بُدَّ أن نحميه بأنفسنا، لن يحميه لا مجتمع دولي، ولا حقوق إنسان، ولا معاهدات دولية، في بداية حرب غزة، هذه الحرب الإجرامية، التي يشنُّها الصهاينة المعتدون، كتب أستاذٌ جامعي على صفحته، وهو أستاذ القانون الدولي في إحدى الجامعات اللبنانية، كتب على صفحته: أعتذر إليكم يا طُلابي، فقد كنت طوال السنوات الماضية، أُعلِّمكم شيئاً لا وجود له على أرض الواقع، فليس هناك قانونٌ دولي، ولا معاهدات دولية، هناك منطق القوة فقط، الذي يحكم العالم. |
لمّا حكم المسلمون الدنيا أيُّها الكرام، حكموها بالعدل، حكموها بتحكيم شرع الله تعالى، لكن هؤلاء لمّا قويَ شأنهم، عندما ضعفنا قويَ شأنهم، فأصبحوا يحكمون بالظلم، والعياذ بالله تعالى. |
لذلك أيُّها الكرام: ليس هناك مناشدة لا لمجتمعٍ دولي، ولا لمنظمات حماية المدنيين، ولا لشيء، هم عندهم ألف مكيال يكيلون به، تسيل دموعهم متحركة آلياً، فيبكون عندما يريدون، وتجف دموعهم عندما يريدون، يُقتَل شخصٌ في بلادنا، يريدون أن يتحركوا من أجل نصرته، وتعبث المُسمّاة إسرائيل، بأمن منطقةٍ بأكملها، ويصمّون آذانهم، ويُغلقون عيونهم، بل يمدّونها بالأسلحة. |
لذلك أيُّها الكرام: ليس هناك مناشدة لا لمجتمعٍ دولي، ولا لمنظمات حماية المدنيين، ولا لشيء، هم عندهم ألف مكيال يكيلون به، تسيل دموعهم متحركة آلياً، فيبكون عندما يريدون، وتجف دموعهم عندما يريدون، يُقتَل شخصٌ في بلادنا، يريدون أن يتحركوا من أجل نصرته، وتعبث المُسمّاة إسرائيل، بأمن منطقةٍ بأكملها، ويصمّون آذانهم، ويُغلقون عيونهم، بل يمدّونها بالأسلحة.
أنا لا أتكلم هذا الكلام أيُّها الكرام، ليقول قائل ما علاقتنا به؟ أنا أتكلم هذا الكلام، لأنني أعتقد أنَّ جزءاً من العقيدة التي ينبغي أن نُربّي عليها أبناءنا، أنك لن تؤمن بالله حتى تكفر بالطاغوت، قال تعالى: |
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)(سورة البقرة)
قلوب شبابنا وأطفالنا، إن كانت ما تزال متعلقةً بهؤلاء المجرمين، الذين يتصدرون المجالس، ويعقدون المؤتمرات الصحفية، ونحن نعتقد أنهم من بني البشر، فالطريق إلى الله غير سالكة، هؤلاء وحوش، هؤلاء الطاغوت الذي يُعبَد اليوم من دون الله تعالى، هؤلاء مجرمون بكل معاني الكلمة، لكنهم مجرمون بثيابٍ أنيقة فقط، لكنهم أكثر إجراماً ممن يُمسَكون ويُعرَضون على الشاشات، وقد ضُربوا هنا وهناك، ويلبسون ثياباً مُهترئة، أكثر إجراماً منهم، لأنَّ إجرامهم يعمّ العالم كله، فأنا أتحدث هذا من أجل أن نعرف عدوّنا تماماً، ومن أجل أن نُربّي أولادنا على أنَّ هؤلاء أعداءٌ لنا، وأنه لا يمكن أن نؤمن بالله حتى نكفر بهم، ونعلم أن هذه الحضارة المُزيّفة، إن صحَّ أن يُطلق عليها حضارة، هي مدنية فقط، مُجرَّد مدنية، هذه المدنية هي حضارةٌ مُزيّفة لا قيمة لها في عيوننا، عندما تُستخدم لقتل إخواننا، وللعبث بقيَمهم ودينهم ومبادئهم |
وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(8)(سورة البروج)
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن تُوزن عليكم، واعلموا أنَّ مَلَك الموت قد تخطَّانا إلى غيرنا، وسيتخطَّى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لِمَا بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، وأستغفر الله. |
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين. |
اللهم صلِّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. |
الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات. |
اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شرَّ ما أهمنا وأغمَّنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسُنَّة توفَّنا، نلقاك وأنت راضٍ عنّا، لا إله إلا أنت سبحانك إنَّا كنّا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين. |
وارزقنا اللهم حُسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنّا، أنت حسبنا عليك اتكالنا. |
اللهم إنّا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيُّك محمدٌ صلى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيُّك محمدٌ صلى الله عليه وسلم. |
اللهم بارك لنا في ما بقي لنا من شهر رمضان، وأعنّا فيه على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان. |
اللهم اجعلنا من أهل ليلة القدر، اللهم إنك عفوٌّ تُحب العفو فاعفُ عنّا، اللهم إنك عفوٌّ تُحب العفو فاعفُ عنّا، اللهم إنك عفوٌّ تُحب العفو فاعفُ عنّا. |
اللهم أهلنا في غزَّة، كن لهم عوناً ومعيناً وناصراً وحافظاً ومؤيداً وأميناً. |
الله مُجري السحاب، مُنزِل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب، اهزم الصهاينة المعتدين ومَن والاهم ومَن وقف معهم ومَن أيَّدهم في سرٍّ أو علن، واصرف شرَّهم عنّا وعن بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين. |
اللهم إنهم قد طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، وقالوا من أشدُّ منّا قوة، وأنت أشدُّ منهم قوة يا أرحم الراحمين. |
اللهم إنّا نعترف بعجزنا وتقصيرنا وضعفنا، فاغفر لنا ذلك يا أرحم الراحمين، وأعنّا على أنفسنا وانصرنا على شهواتنا، حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على عدوُّك وعدوُّنا. |
اللهم يا أرحم الراحمين كُن لأهلنا، أطعم الجوعى واكسُ العراة، وارحم المصابين وآوِ الغرباء. |
اللهم إنهم جياعٌ فأطعمهم، إنهم حفاةٌ فاحملهم، إنهم عراةٌ فاكسُهم. |
اللهم كُن لهم يا أرحم الراحمين، وأعنّا أن نكون لهم، وهيئ لنا عملاً صالحاً في خدمتهم يا ربّ العالمين. |
اللهم اجعل بلادنا وبلاد المسلمين أمناً وسخاءً ورخاءً، برحمتك يا أرحم الراحمين. |
اللهم وفِّق مَن ولّيتهم أمورنا، بما فيه خير البلاد والعباد، واصرف عن بلادنا كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وحسد الحاسدين، واجعلها مستظلةً دائماً بكتابك وبسُنَّة نبيك صلى الله عليه وسلم، حتى نلقاك وأنت راضٍ عنّا، والحمد لله رب العالمين. |