تلازم العلم والعمل

  • 2019-04-26
  • عمان
  • مسجد التقوى

تلازم العلم والعمل


الخطبة الأولى :

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِ منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نَذلُ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد عباد الله اتقوا الله فيما أمر، وانتَهوا عما عنه نهى وزجر، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.


تلازم العلم و العمل في القرآن الكريم :
أيها الأخوة الأحباب؛ كلمتان متلازمتان، كلمتان مترابطتان لا تنفك إحداهما عن الأخرى، علمٌ وعمل، العلم والعمل كلمتان متلازمتان في كتاب الله تعالى في أكثر من آية، يقول تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا
(سورة الكهف:الآية 107)

الإيمان تعبيرٌ عن العلم
فالإيمان تعبيرٌ عن العلم، والعمل الصالح هو العمل الذي يرضي الله، فهناك تلازمٌ بين العلم والعمل، أي بين التصور والسلوك، أو بين المنطلقات النظرية والحياة العملية، لا بد من أن يرتبط العلم بالعمل، بمعنى لا قيمة لعلمٍ لا ينتج عملاً، بل إن العلم إن لم يُعمل به كان الجهل أولى، لأن الإنسان عندما يعلم ولا يعمل يصبح جهله مركباً، لكنه عندما لا يعلم فلا يعمل فجهله جهلٌ بسيط، فمن الجهل المركب أن يعلم الإنسان الحقيقة ثم لا ينطلق إلى تطبيقها، أن يعلم الحكم الشرعي ثم لا يبادر إلى تنفيذه، أن يعلم أن الله نهى عن كذا وكذا ثم لا ينطلق إلى ترك ما نهى الله عنه، علمٌ وعمل، هذا هو موضوع خطبتنا، والله تعالى في كتابه الكريم لم يعتمد مقياساً للتفاضل بين البشر إلا هذا المقياس، مقياس العلم والعمل، أهل الأرض يتعارفون على مقاييس يتفاضلون فيها بينهم، فبعض الناس يفاضلون بين الناس من خلال المال، فصاحب المال الأكثر يأخذ المنزلة الأعلى، وصاحب المال الأقل يأخذ المنزلة الأدنى، هذا في عرف البشر، وبعضهم يفاضلون بين الناس على أساس المنصب، فصاحب الوزارة أعلى من صاحب مجلس النواب، وصاحب مجلس النواب أعلى من المدير، والمدير أعلى من الموظف وهكذا، هذا تفاضل. وبعض الناس يتفاضلون بنسبهم، وبعشيرتهم، وبحسبهم، فكلما كانت العائلة أعلى منزلةً ومكانةً في المجتمع توجه الناس إليها بالتقدير والتبجيل بغض النظر عن سلوكها أو سلوكاتها، هذه مقاييس أهل الأرض وما أكثرها، لكن الله تعالى في قرآنه الكريم لم يعتمد إلا شيئين اثنين للتفاضل بين البشر، قال تعالى:

يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ
(سورة المجادلة:الآية 11)

فالعلم مقياسٌ للتفاضل في كتاب الله، فالأعلم أعلى مرتبةً، وفي آيةٍ أخرى:

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ
(سورة الحجرات:الآية 13)

لأن العلم ينتج التقوى، فالتقوى علم، والمقياس الثاني هو مقياس العمل، قال تعالى:

وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ
(سورة فاطر:الآية 10)

فالقرآن الكريم يفاضل بين البشر بناءً على العلم وعلى العمل، وما لم نعتمد مقاييس القرآن الكريم للمفاضلة فنحن بعيدون عن روح الإسلام.

علم التوحيد وعمل العبادة منهج الأنبياء :
أيها الأخوة الأحباب؛ الله تعالى في كتابه الكريم يلخص دعوة الأنبياء جميعاً بكلمتين اثنتين قال:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ
(سورة الأنبياء:الآية 25)

العبادة كل نشاطٍ تبتغي به وجه الله
فلا إله إلا الله علم، بل هو أعلى علم، و اعبدون هو عمل، بل هو أعلى أنواع العمل، فالأنبياء جاؤوا بالعلم والعمل، علم التوحيد وعمل العبادة، والعبادة بمفهومها الواسع هي كل نشاطٍ تبتغي به وجه الله، ويوافق منهج الله، فأنت في عبادةٍ وأنت في عملك، وأنت في عبادةٍ وأنت مع زوجتك، وأنت في عبادةٍ وأنت مع أولادك، وأنت في عبادةٍ وأنت على مقاعد الدراسة، فالعبادة مفهوم واسع لا يقتصر على الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، إذاً أيها الكرام؛ الله تعالى بعث الأنبياء بالعلم والعمل معاً:

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
(سورة التوبة:الآية 105)

ما أعظمه من شعور وأنت تعمل وتستشعر أن الله يرى عملك، كم سيكون العمل منضبطاً بمنهج الله، وكم سيكون خالصاً لوجه الله، وكم يكون صالحاً يصلح للعرض على الله.

العمل المقبول هو كل عمل وافق منهج الله وابتُغي به وجه الله :
أيها الكرام؛ الله يرى العمل أي يرى ثمار العلم، فالله تعالى يرى ثمار علمك من خلال عملك، والعمل متنوع ومتعدد، وكل عملٍ وافق منهج الله، وابتُغي به وجه الله، فهو عملٌ مقبول عند الله، يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح:

{ ما أكل أحد طعامًا خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده }

(صحيح البخاري)

ويقول في حديثٍ آخر صلى الله عليه وسلم:

{ مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا إِلا رَعَى الْغَنَمَ، فَقَال أَصْحابُه: وَأَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلى قَرارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ }

(صحيح)

مَا بَعَثَ اللَّه نَبِيًّا- أي نبي بعثه الله- إِلا رَعَى الْغَنَمَ، عمل في رعي الغنم.

{ ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ منه طَيْرٌ، أوْ إنْسانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إلَّا كانَ له به صَدَقَةٌ }

(أخرجه البخاري ومسلم)

هذا عمل يرضي الله.

{ إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا }

(صحيح)

لا تتوقف عن العمل
إذا قامت الساعة انتهى كل شيء، انتهت الحياة، وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها، ما تلك المنطلقات العظيمة التي جاء بها الإسلام؟ ما تلك المنطلقات العظيمة؟ إنسان يمسك فسيلةً بيده وقامت القيامة، فإن استطاع أن يغرسها فليفعل، لا تتوقف عن العمل، إياك أن تتوقف عن العمل للحظةٍ واحدة، لأن الإنسان عندما يتوقف عن العمل فقد توقف عن حياته، فقد أصبح في عداد الأموات وإن كان يمشي على الأرض، حديثٌ شريف معروف نقرؤه كثيراً استوقفتني فيه العبارة الأولى، قال:

{ إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له }

(رواه مسلم)

لكن الذي استوقفني: (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ)، إذاً إذا عاش ابن آدم ينبغي ألا ينقطع عمله، (إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)، فإذا كان الإنسان حياً يمشي على قدميه وقد انقطع عمله فما أعظم خسارته.

العلم النافع يغير مفهومات الإنسان :
العلم يغير المفاهيم
أيها الأخوة الكرام؛ هذا عن العمل، عن نتاج العمل، فماذا عن العلم الذي هو الأصل؟ ما الذي يصنعه العلم؟ العلم أيها الكرام يغير المفهومات، والعلم إن لم يغير المفهومات في فهم الإنسان فلا قيمة له، بل الجهل أولى به، سأضرب أمثلةً من السيرة ومن الحديث الصحيح.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يوزع شاةً فوزع ما وزع منها ولم يوزع الكتف، بقي عنده بين يديه الكتف، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله ذهبت كلها غير كتفها، كلها ذهبت أخذها الناس وانصرفوا، غير كتفها، يقول صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى العلم، يقول صلى الله عليه وسلم: بل بقيت كلها إلا كتفها، بقيت كلها لأنها وزعت على الفقراء والمحتاجين، فبقيَ أثرها عند الله تعالى، أما الكتف الذي سنأكله فسيذهب، كيف قلب العلم!
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمسك تفاحةً في يده قال: أكلتها ذهبت، أطعمتها بقيت، كل الناس بغير علم يقول: أكلتها بقيت، أطعمتها ذهبت، لكن مع العلم يصبح الإنفاق هو ما يبقى، ويصبح الفاني هو ما يؤكل، هذا العلم.
حرام بن ملحان صحابيٌ جليل من القُرَّاء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم ليُعلّم بعض القبائل كتاب الله تعالى كما في الصحيح، قُتل هؤلاء القُرَّاء في سبيل الله، وقد ذهبوا لتعليم الناس كتاب الله، وهذا من أعظم أنواع الجهاد:

وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا
(سورة الفرقان:الآية 52)

هذا جهاد، جهاد العلم ونشر الخير، فَقُتِلوا، حرام بن ملحان واحد من هؤلاء، ماذا قال معهم؟

{ قالوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا }

(صحيح مسلم)

رضي الله عنهم ورضوا عنه، الآن موقف الشاهد، جاء سهمٌ ليقتل حرام بن ملحان، فماذا قال حرام بن ملحان؟ قال: فزت ورب الكعبة، بغير علم ينظر الناس إلى شخصٍ جاءه سهم فقتله فيقولون: مسكين ذهب في مقتبل حياته، مع العلم أصبح الموت في سبيل الله عز وجل فوزاً، قال: فزت ورب الكعبة وهو يستقبل موته، بَلَغَ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قُتِلُوا في سبيل الله، وقالوا قبل أن يموتوا، جاءهم الوحي وقالوا قبل أن يموتوا: اللَّهُمَّ بَلِّغْ عَنَّا نَبِيَّنَا أَنَّا قَدْ لَقِينَاكَ فَرَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا.

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ
(سورة يس:الآية 26-27)

فالعلم يغير في مفهومات الإنسان، ثم ينتج عمله، هذا هو العلم النافع.

معرفة الله أعظم أنواع العلم :
ما أعظم نوعٍ من أنواع العلم؟ أن تعرف الله تعالى، انظروا إلى هذه الآية الكريمة، يقول تعالى:

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَة وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ
(سورة الزمر:الآية 9)

أعظم أنواع العلم
هذا الرجل القائم في الليل يدعو الله، يصلي، يسأل الله من فضله، يخاف من الآخرة ألا يكون لديه رصيدٌ بين يدي الله، يرجو ما عند الله من خير، قد لا يملك أية شهادةٍ من شهادات الأرض، ولكنه بنص القرآن الكريم عالم، {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} وقد يحمل الإنسان أعلى شهادة من شهادات الأرض ولكنه لا يخشى الله، فهو ليس بعالم، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فالعلماء هم الذين يخشون الله، ولا أحد عالم إن لم يخش الله تعالى.

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
(سورة فاطر:الآية 28)


العلم النافع هو العلم الذي يقلب المفاهيم وينتج الأعمال :
وأتحدث مازلت عن قلب المفاهيم، كيف يفعل العلم الحقيقي في الإنسان؟
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد (يوم غزوة أحد بعد انتهاء المعركة) أطلب سعد بن الربيع، (ابحث لي عن سعد بن الربيع، صحابي من الصحابة المشاركين في الغزوة) وقال لي: إن رأيته فأقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ (كيف حالك؟) قال: فجعلت أطوف بين القتلى، فأتيته وهو في آخر رمق (أي اقترب من الموت)، فقلت: يا سعد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ (الآن انظروا إلى إنسان ينازع الموت ماذا يقول وماذا همه وما الذي فعل به العلم الحقيقي؟) فقال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خُلِصَ إلى نبيكم (وصل إليه المشركون) وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته.

{ وقال زيدُ بنُ ثابتٍ: بعَثني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومَ أُحُدٍ أطلُبُ سعدَ بنَ الرَّبيعِ، فقال لي: إن رأَيْتَهُ فأقرِئْهُ منِّي السلامَ، وقُلْ له: يقولُ لك رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيف تجِدُك؟ قال: فجعَلْتُ أطوفُ بين القتلى، فأتَيْتُهُ وهو بآخِرِ رمَقٍ، وفيه سبعون ضَرْبةً؛ ما بين طَعْنةٍ برُمْحٍ، وضَرْبةٍ بسَيْفٍ، ورَمْيةٍ بسَهْمٍ، فقلتُ: يا سعدُ، إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقرأُ عليك السلامَ، ويقولُ لك: أخبِرْني كيف تجِدُك؟ فقال: وعلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ السلامُ، قُلْ له: يا رسولَ اللهِ، أجِدُ ريحَ الجنَّةِ، وقُلْ لقومي الأنصارِ: لا عُذْرَ لكم عند اللهِ إن خُلِص إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وفيكم عينٌ تَطرِفُ، وفاضت نفسُهُ مِن وقتِهِ }

(أخرجه الحاكم بسند صحيح)

العلم النافع ينتج عملاً صالحاً
هذا همه، هذا همّ سعد بن الربيع وهو ينازع الموت، هكذا فعل العلم حول المفهومات، أما العلم النظري الذي لا ينقلب إلى عمل أو لا يغير من مفهوماتنا شيئاً، فهذا علمٌ لا يضر من جَهِلَهُ، ولا ينفع من عَلِمَهُ، لذلك كل علمٍ ينتج عملاً صالحاً يرضي الله عز وجل فعلى العين والرأس ولو كان من علوم الدنيا، فكل العلوم التي تنفع وتبني وتقدم للأمة خيراً وتقدم للإنسانية وللبشرية خيراً، لا تقدم قنابل عنقودية وانشطارية، وإنما تقدم خيراً، فهو علمٌ على العين والرأس لأنه يغير المفهومات وينتج الأعمال.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذُ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

مثل تطبيقي عن تلازم العلم و العمل :
الإيمان هو العلم الحقيقي
مثلٌ تطبيقي سريع:

{ جاء رجلٌ من الأعراب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، آمن به الإيمان هو العلم الحقيقي، ثم قال: أهاجر معك، أي تحرك فوراً لتطبيق المنطلقات النظرية، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما دخلت غزوة خيبر، غنم النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً- غنائم من المعركة- فقسم له، أعطاه شيئاً من الغنائم، فأعطى الصحابة ما قسمه له لأنه كان يرعى ظهره، كان يأخذ غنمهم ليرعاها، فوكّل الصحابة بإيصال قسمته من الغنائم، فجاؤوا به فدفعوه إليه، قال: ما هذا؟ قالوا: قسمة قسمها لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأخذها وجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله ما هذا؟ قال: قسمٌ قسمته لك، جزء من الغنائم هو لك، فقال هذا الرجل: ما على هذا اتبعتك، ما على هذا اتبعتك، أنا ما آمنت من أجل غنيمة أغنمها، ولكنني اتبعتك على أن أرمى ها هنا، وأشار إلى حلقه، بسهمٍ فأموت فأدخل الجنة، أنا اتبعتك من أجل أن أدافع عن هذا الدين وأنصره بكل ما أستطيع لا من أجل غنيمةٍ تقسم لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث كلمات تكتب بماء الذهب، وكل كلام النبي صلى الله عليه وسلم يكتب بماء الذهب، قال: إن يصدق الله يصدقه، إن كنت صادقاً سيصدقك الله ويعطيك ما سألته، ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل، فقال صلى الله عليه وسلم: أهو هو الرجل نفسه الذي قال؟ قالوا: هو هو ، قال: صدق الله فصدقه، فإذا به قد جاءه سهمٌ في نفس المكان الذي أشار إليه، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته وقال: هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك قُتل شهيدًا وأنا عليه شهيد. (علمٌ وعمل) . }

(حديث صحيح، رواه الإمام النسائي عن شَدّاد بن الهادِ رضي الله عنه)


الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا واكفنا برحمتك ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآو غريبهم، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم بلغنا رمضان يا أرحم الراحمين، بلغنا رمضان وأنت راضٍ عنا في سترٍ وعافيةٍ منك يا أكرم الأكرمين، اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، اللهم ارزقنا توبةً قبل رمضان برحمتك يا أرحم الراحمين.
وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.