لماذا نحن في الدنيا؟

  • 2019-07-19
  • عمان
  • مسجد التقوى

لماذا نحن في الدنيا؟

يا ربَّنا لك الحمدُ مِلْءَ السَّمواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما بينهما، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعد، أهل الثناءِ والمجدِ أحقُّ ما قال العبد،ُ وكلُّنا لك عبدٌ، لا مانعَ لِما أعطَيتَ، ولا مُعطيَ لِمَا منَعتَ، ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، غِنَى كُل فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَ مَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وَبَارِكْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِ سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد عباد الله، فإن الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.


قضايا لا ينبغي أن تغيب عن ذهن الإنسان :
الانسان مفطور على التساؤل
أيها الأخوة الأحباب؛ منذ أن خُلقَ الإنسان، خُلقَت معه كلمة لماذا؟ فهو يسأل دائماً عن الهدف، فإن قلت له: تعال معي إلى مكان كذا، يسألك: لماذا؟ وإن قُلت له: ادرُس هذا الكتاب أو اقرأه، يسألك: لماذا؟ وإن قُلت له: افعل كذا أو لا تفعل كذا، يسألك: لماذا؟ وهذه الكلمة، كلمةُ لماذا هي التي بَنت، و هي التي أنشأت كثيراً من الحضارات أو المدنيات، فالتساؤل في داخل الإنسان فُطِرَ الإنسان عليه، أن يسأل لم؟ ولماذا؟ لكنه من عجيب الأمور أن كثيراً من الناس يسألون في التفاصيل الصغيرة، لماذا؟ ولكنهم لا يسألون في القضايا الكبرى، لماذا؟ إن أهم سؤالٍ يسألهُ الإنسان نفسه: لماذا أنا في هذه الدنيا؟ من أين وإلى أين المصير؟ وماذا بعد الموت؟ ولماذا أمرني الله بما أمر؟ ولماذا نهاني عما نهى عنه وزجر؟ هذه قضايا لا ينبغي أن تغيب عن ذهن الإنسان، لأن القضايا الصغرى إن غابت كانت نتائجها محدودةً جداً، لكن الإنسان إن غفل عن سر وجوده وعن غاية وجوده ولماذا خلقه الله في الدنيا كانت النتائج كارثيةً مدمرةً إلى أبد الآبدين.

عبادة الله هدف وجودنا في الدنيا :
أيها الأخوة الكرام؛ لماذا نحن في الدنيا؟ نحن في الدنيا من أجل أن نعبد الله، قال تعالى:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
[ سورة الذاريات: 56]

كل قولٍ أو نية يرضاها الله هي عبادة
هدف وجودنا في الدنيا هو عبادة الله، لكن ليست العبادة بمفهومها الضيق الذي يتبادر إلى أذهان الكثيرين عندما نقول عبادة، فنظن أننا وجدنا فقط من أجل أن نصلي، وأن نصوم، ونزكي، ونحج، هذا جزءٌ مهمٌ من العبادة، ولكنها ليست العبادة الكاملة بمفهومها الشرعي الذي خلقنا من أجله، فالعبادة أيها الكرام اسمٌ جامعٌ لكل ما يرضاه الله تعالى من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، وهي بهذا التعريف تعني نشاط الإنسان منذ أن يولد إلى يوم أن يلقى ربه، فنحن في كل لحظة يمكن أن نحولها إلى عبادة، منذ أن تفتح عينيك صباحاً إلى المساء، كله عبادة.




بهذا المعنى تنقلب حياة المؤمن إلى عبادةٍ حقيقيةٍ لله، العبادة بهذا المعنى تشمل الحياة كلها، كل قولٍ أو فعلٍ أو حتى نية يرضاها الله فهي عبادة، فالأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، وإماطة الأذى عن الطريق عبادة، والعمل بغية كفاية نفسك وأولادك وعيالك عبادة، والذهاب مع أهلك في نزهةٍ تتحببُ إليهم وتدخل السرور إلى قلوبهم عبادة، ولعبةٌ مشروعةٌ بوقتٍ محدودٍ لا تُلهي عن ذكر الله، تتقوى فيها على طاعة الله عبادة، فالعبادة أيها الكرام في عصور المسلمين المتأخرة مُسخت في أذهانهم إلى تصورٍ مغلوط، وهي أنها مجرد عباداتٍ تؤدى في محراب المسجد، أو بين يدي الله تعالى، ونسوا أن محراب الحياة أوسع، وأن الله تعالى لا يُريد منا أن تقتصر عباداتنا على العبادات الشعائرية، وإنما يريد منا أن تنتقل عباداتنا إلى التعامل، وإلى السوق، وإلى الجامعة، وإلى المدرسة، وإلى الطريق، وإلى قيادة السيارة، فكل عملٍ يفعله الإنسان في رضا الرحمن هو عبادةٌ لله تعالى.
أيها الأخوة الكرام؛ وبهذا المعنى يتحقق قوله تعالى:

قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
[ سورة الأنعام: 162]

الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
[سورة البقرة: 156]

حركتنا يجب أن تكون متوافقة مع ارادة الله
هذه كلمةً نُكررها وقد نقولها في مناسبات العزاء أكثر من مناسباتٍ أُخرى، لكن في حقيقتها وجوهرها ينبغي أن نتوقف قليلاً، إِنَّا لِلَّهِ، أنت وأنا لله، فنحن منه وإليه، ونحن ما دمنا لله فينبغي أن تتوافق حركتنا في الحياة مع ما يُريده الله تعالى.

نصوص شرعية تؤكد ضرورة توافق حركتنا في الحياة مع ما يُريده الله :
أيها الأخوة الكرام؛ إليكم بعض النصوص الشرعية التي تؤكد هذه المعاني التي قُلتها مجردةً، الصلاة، يقول تعالى:

اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ
[سورة العنكبوت: 45]

هدف الصلاة هي النهي عن الفحشاء
فهذه العبادة العظيمة و التي هي أعظم القرُبات إنما أراد الله تعالى منها أن تنهى عن الفحشاء في القول، وعن المنكر في الفعل، فالصلاةُ غايتها العظيمة أن يتوقف الإنسان عن كلام الفحُش، وأن يتوقف عن فعل المنكرات، وبهذا ترتبط تلك العبادة العظيمة بسلوك الإنسان وبواقع الحياة، يقول: صلى الله عليه وسلم

{ مَنْ لَم تَنْهَهُ صَلاتُه عَنِ الفَحْشَاء والمنكر لم يَزْدَدْ مِنَ الله إلا بعدًا }

[ورواه الطبراني وابن مِرْدَوَيْه]

الصلاة صلةٌ بالله، لكنها عندما لا تدفع الإنسان إلى ترك الفحشاء و المنكر فإن ذلك لا يزيده إلا بعداً عن ربه.
الصيام :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
[ سورة البقرة : 183]

التقوى من مقاصد الصيام
فما لم يحقق الصيام التقوى فإنه لم يحقق المقصد الشرعي الذي أراده الله، والتقوى سلوك، عندما يخاف الإنسان من ربه فإنه يستقيمُ ويتعامل مع الناس بأرقى معاملة، وأطيب معاملة، فيحقق الصيام مقصده، كما في الصحيح:

{ مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ، فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ }

[البخاري وأبو داود والترمذي عن أبي هريرة ]

{ إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ }

[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]

هذا ما ينبغي أن يحققه الصيام، التقوى والخوف من الله.

{ إِنَّ فُلَانَةَ، يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا، تصلي وتصوم وتتصدق، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ صلى الله عليه وسلم: هِيَ فِي النَّارِ }

[رواه أحمد في المسند]

تكثر من الصلاة والصيام والصدقة، ولكنها دائماً تؤذي جيرانها بلسانها، تسبهم، وتشتمهم، وتغتابهم، وتوقع بينهم العداوة والبغضاء، فقال: هي في النار، والعياذ بالله.
أيها الأخوة الكرام؛ الزكاة ، يقول تعالى:

{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ }

[ سورة التوبة: 103 ]

فالصدقة من أجل أن تطهر النفس، وأن تنمو النفس، وأن يذهب الغل والحقدُ والشحُ من النفوس، وأن تتجرد لخالقها، هذه الزكاة الحقيقية التي أرادها الله تعالى.
الحج :

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ
[سورة البقرة: 197]

فالحج مرتبط ارتباطاً وثيقاً بترك المنكرات، وترك الفسوق، وترك الجدال الذي لا طائل وراءه:

{ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ، كما قال: صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: يَا رسول اللهِ مَا بِرُّ الْحَجِّ؟ قَالَ: إِطْعَامُ الطَّعَامِ، أن تطعم الفقراء، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ }

[أخرجه ابن عدي في الكامل]

أن تعم بينك وبين الناس كلمة السلام.

العبادات معللة بمصالح الخلق :
العبادات معللة بمصالح الخلق
هذه هي العبادات في الإسلام أيها الأخوة، إنها معللةٌ بمصالح الخلق، إن الله تعالى لم يُرد منا أبداً طقوساً تؤدى، ولم يُرد منا حركاتٍ نتحركها، ولا تمتماتٍ نتمتمها، وإنما هي عباداتٌ راقية، تهدف أول ما تهدف إلى إصلاح المجتمع، فيتحقق المعنى الحقيقي للعبودية لله تعالى، هذه عبادات الإسلام أيها الأخوة الكرام، وبهذا نحقق غايتها، وفي الحديث الصحيح الذي رواه الإمام المسلم يقول صلى الله عليه وسلم،

{ أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ، قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ }

[رواه مسلم]

إنسان مفلس ليس معه لا درهم ينفقه فيشتري به، ولا متاع يكفيه فيستغني به عن المال، لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، مفلس، يقول صلى الله عليه وسلم مصححاً للمفاهيم ومبيناً للحقائق:

{ الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُقْتَصُّ لِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَلِهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ }

[رواه مسلم]

هذا هو المفلس، إنسانٌ يظن أنه على خير:

وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا
[ سورة الفرقان: 23 ]

لكنه أفسد عباداته بظلم الناس، وسفك دمائهم، وبقذف أعراضهم، و بشتمهم، وبالحديث عنهم بالباطل، فيأتي يوم القيامة مفلساً بين يدي الله ليس له حسناتٌ تنجيه من النار.

سلوكان خطيران ينتشران اليوم بين الناس هما :
1 ـ الفصل بين المعاملة و الدين :
بعض وسائل التواصل هدفها تجريد الاسلام
أيها الكرام أيها الأحباب؛ هذا الموضوع قد أصبح واضحاً بين أيديكم، نحن نريد عبادةً شعائريةً تحقق غايتها في المجتمع ليتحقق معنى العبادة الأشمل والأكمل، وأن يتعلق بكل فعلٍ أو قولٍ أو نيةٍ ترضي الله تعالى، لكن هناك سلوكان خطيران ينتشران اليوم بين الناس، أُريد الحديث عنهما، يتعلقان بالموضوع طبعاً، السلوك الأول: شخصٌ يقول لك: إيماني في قلبي، والدين هو المعاملة، بالمناسبة هذا ليس حديثاً، الدين المعاملة ليس حديثاً، ولكن معناه فيه إلى حدٍ كبير صحيح بمعنى أن الدين الذي يراه الناس هو المعاملة، لكنه ليس حديثاً، يقول لك: الإيمان في قلبي، والدين هو المعاملة، فلا حاجة لتلك العبادات التي تقومون بها، يصلي ويكذب ويخون، المهم معاملتي مع الناس، ودعك من هذه العبادات، هذا سلوكٌ خطير، ينتشر اليوم في وسائل الإعلام، ولاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، يريد أن يجرد الدين من شيءٍ مهمٍ جداً بني الإسلام عليه، بني الإسلام على خمسة أركان، هذه الأركان الخمس إذا طعنا بها، أو قلنا للناس: دعك من الحج، طبعاً أقصد حج الفريضة، وأطعم الفقراء، صحيح إطعام الفقراء مهم جداً ولكن أيضاً هناك عبادةٌ وفريضةٌ اسمها الحج، امرأةٌ تقول لك: أنا غير محجبةٌ ولكنني أعامل الناس أطيب معاملة، ما حاجتك إلى حجابي؟ دعك من هذه الخرقة التي أضعها على رأسي، وانتبه إلى معاملة الناس، أما معاملتكِ للناس فإن كانت طيبةً فعلى العين والرأس، وبارك الله بك، أما ترككِ للحجاب فهو معصيةٌ فالحجاب فرضٌ عليك، وقد تركت فرضاً من فروض الإسلام، فلا تسقط الأوراق و لا نريد أن نخلط الأوراق، يقول لك: صحيح أنا لا أصلي ولكنني صادق في عملي، إن كنت صادقاً في عملك فجزاك الله خيراً، ولكنك تترك ركناً من أركان الإسلام، وتترك فريضةً من فرائضه، لا ينبغي أن نخلط الأوراق، صلِّ وكن صادقاً، صلِّ وكن أميناً، والصلاة تعينك على ذلك، والصلاة هي التي تأجرك على ذلك، لأن أعمالك عندها تصبح خالصةً لوجه الله الكريم.
إذاً أيها الأخوة الكرام السلوك الأول الذي نجده اليوم هو سلوك خاطئ، هو أن نفصل، فيقول أحد الناس: إيماني في قلبي ومعاملتي مع الناس، ودعك من الفرائض، هذا سلوكٌ مرفوضٌ شرعاً.

2 ـ الفصل بين العبادة و السلوك :
يجب أن تؤثر العبادات في سلوكك اليومي
أما السلوك الثاني المعاكس له تماماً وهو سلوك خاطئٌ أيضاً فهو ما نراه في واقع الناس من انفصال بين العبادة والسلوك، فتجده في المسجد في الصف الأول في صلاة الفجر، وفي صلاة الجمعة، أو في الصلوات، يصلي ويصوم، ثم يخرج إلى المجتمع، فتجد في كلامه فُحشاً، وفي أفعاله منكراً، و يسب الناس ويشتمهم ويقذفهم، هذا سلوكٌ خاطئٌ آخر، يصوم لكنه لا يدع قول الزور، ولا يدع العمل به، يصوم من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، لكنه أثناء النهار يحلف أيماناً كاذبة في متجره، يبيع الناس و يغشهم، ومعلمٌ يترك أمانته فلا يبديها، وموظفٌ لا يخدم مراجعيه كما هو مطلوب منه، ويقول لك: أنا صائم اليوم فدعك مني إنني متعب، هذا سلوكٌ أيضاً خاطئ، إنسانٌ يذهب إلى حج بيت الله الحرام كل عام، وقد يعتمر في العام مرة أو مرتين، لكنه يأكل الربا، ويتعامل بالربا، ولا يفقه لذلك، ويقول لك: قد رجعت من الحج وذهبت كل ذنوبي ورجعتُ كما ولدتني أمي، هذا خداعٌ ونفاق، إنسانٌ يتصدق ويطعم الناس، يعطي من زكاته اثنين ونصف بالمئة بل ربما يزيد، ولكنه يظلم الناس الآخرين، ولا يعطيهم حقوقهم، ولا يأبه لمشاعرهم، أيضاً هذا سلوكٌ خاطئ.
إذاً أيها الأخوة الكرام؛ هما سلوكان ينبغي التنبه إليهما، العبادةُ في محراب المسجد مطلوبةٌ بل هي أضر الضروريات، ولا يمكن أن نهدم عباداتنا الشعائرية فقد بني الإسلام عليها، وفي الوقت نفسه ينبغي أن ننتقل من محراب الصلاة إلى محراب الحياة ليجد الناس واقعاً وسلوكاً أثمرته عبادتنا في معاملة الآخرين.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وزِّنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذُ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، و تمنى على الله الأماني، أستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك أعنا، وأكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الكتاب الكامل والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا بفضلك وجودك يا أرحم الراحمين، اللهم أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا، حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم بفضلك وكرمك فرج عن أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى، وفي القدس الشريف، اللهم فرج عن أخواننا في كل مكان يُذكر فيه اسمك يا الله، اللهم أطعم جائعهم، واكس عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، واجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، ووفق اللهم ملك البلد لما فيه خير البلاد والعباد.
أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.