• 2019-03-29
  • عمان
  • مسجد زياد العساف

إنهم فتية


الخطبة الأولى :

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً و نذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


تولي أسامة بن زيد إمرة جيوش المسلمين من قِبل النبي الكريم :
دين الله باقٍ إلى قيام الساعة
وبعد فيا أيها الكرام؛ في السنة الحادية عشرة للهجرة وقُبيل انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وكان عمره في ذلك الوقت سبع عشرة سنة، أو ثماني عشرة سنة، أَمَرَهُ أن يذهب بجيشٍ إلى البلقاء من بلاد الشام لِيُدْخِلَ الرعب في نفوس دولة الروم، وليحمي من أذاهم وشرهم القبائل التي كانت تحيط بدولة الروم وهي على الإسلام، أمر بإنفاذ هذا البعث الذي سمي فيما بعد: بعث أسامة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم واجه من بعض المنافقين في المدينة اعتراضاً، فكيف تؤمِّرُ شاباً لا يتجاوز الثامنة عشرة من عمره على جيشٍ فيه كبار الصحابة أمثال أبي بكرٍ وعمر رضي الله عنهما! إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنفذوا بعث أسامة، كان يعلم صلى الله عليه وسلم مَنْ هذا الأمير الشاب، وكان يعلم ما هذه الطاقة الشابة التي يمكن أن تؤدي الدور المنوط بها عندما رُبِّيَتْ في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، فأمر بإنفاذ البعث رغم وجود المعترضين من بعض أهل المدينة، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم وقبل إنفاذ البعث لحق بالرفيق الأعلى، مرض واشتد مرضه فتريث أسامة حتى يطمئن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه، وتولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة، وحصلت فتنة الردَّة، لأن بعض ضعاف النفوس ممن أسلم ولم يدخل الإيمان في قلبه ظن أن الدعوة متعلقةٌ بشخص هذا الرجل، كما سرت العادة في أن الدول تقوم على الرجال، فإذا مات الرجال انهارت الدول، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بالعرف الحديث لم يقم بعملٍ فردي، لكنه قام بعملٍ جماعي مؤسساتي، ولأنه دين الله فهو باقٍ إلى قيام الساعة، ولأنه دين الله فنحن اليوم في هذا المسجد نعبد الله، ونذكر الله، لأن الله أذن أن تكون هذه البعثة إلى قيام الساعة حُجَّةً على كل إنسان، فلمّا لحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، وحصلت فتنة الردَّة، بعض الصحابة الكرام ومن غيرتهم على الدعوة وبعض المنافقين أيضاً من الطرف المقابل بدؤوا يُثَبِّطُونَ العزائم في إنفاذ هذا البعث، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، والدولة الإسلامية في خطر، ولا بدّ أن نبقى جميعاً لحمايتها، إلا أنّ أبا بكرٍ رضي الله عنه قال: لو ظننت أن السباع تَخَطَّفُنِي لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا كانت ثقة أبي بكرٍ لنبيه، رغم أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه كان الرجل الذي وقف أصلب موقف بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه وقف منتصراً للتوحيد وقال: من كان يعبد محمداً ولم يقل رسول الله، وهو رسول الله طبعاً، لكنه أراد أن يجرد الناس بالتوحيد، قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت، فانتصر للتوحيد وهو أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الناس حباً له، لكنه انتصر للتوحيد، إذاً أبو بكرٍ رضي الله عنه نفذ ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنفذ بعث أسامة إلى البلقاء، وتمّ البعث كالخطة المرسومة له تماماً، وانتصر انتصاراً عظيماً، وعاد إلى المدينة بعد أربعين يوماً في أرجح الروايات، وقد حقق البعث أهدافه في تخويف الروم وإبعادهم عن المسلمين الذين كانوا يجاورونهم إلى أمدٍ بعيد، حتى جاءت الفتوحات الإسلامية فيما بعد.
الانتصار للتوحيد
خرج الصديق رضي الله عنه ليودع أسامة بن زيد، الآن أبو بكر وقد بلغ من العمر ما بلغ، يخرج ليودع شاباً في الثامنة عشرة من عمره، قائد الجيش يركب وأبو بكرٍ يمشي، فهمَّ أسامة بالنزول ليركب أبو بكرٍ رضي الله عنه، فقال له أبو بكرٍ: لا والله لا نزلت ولا ركبت، لا والله لا نزلت ولا ركبت، وما عليّ أن أُغبِّر قدميَّ ساعةً في سبيل الله، ثم اقترب منه يستأذنه أن يُبقي معه عمر بن الخطاب، يستأذن خليفة المسلمين أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه أسامة بن زيد الشاب في أن يسمح له ببقاء فردٍ من أفراد الجيش وهو عمر بن الخطاب عنده في المدينة لدرء الفتنة، فتنة الردَّة، فيأذن أسامة ويبقى عمر رضي الله عنه في المدينة مع أبي بكرٍ رضي الله عنهم أجمعين.

الشاب هو كل إنسانٍ طموحه أكبر من واقعه :
الشباب يقاس بالطموح
أيها الأخوة الكرام؛ هذا شابٌ في الثامنة عشرة من عمره، والحقيقة أنني سمعت تعريفاً للشباب طربت له كثيراً، أن الشاب هو كل إنسانٍ طموحه أكبر من واقعه، فقد يبلغ الإنسان الثمانين من عمره وهو ما يزال بروح الشباب، وقد يصبح إنسانٌ في الثلاثين أو الأربعين وقد ماتت كل طموحاته، تزوج وحقق عملاً وانتهى، ولا يطمح لا لخدمةٍ في أمته، ولا لرفعةٍ في دينه، ولا لتحقيق شيءٍ يخدم به دينه أو أمته، فهو شيخٌ في الثلاثين، وهناك شابٌ في الثمانين، هذا تعريفٌ جديدٌ للشباب، لكن عندما نسمع اليوم في وسائل التواصل يخرج علينا شابٌّ حاجاته في الحياة أتفه ما يكون، فيغرد تغريدةً، أو يطلق كلماتٍ تافهة، أو أغنيةً ساقطة، فترى على صفحته ما يقارب من خمسة ملايين مشاهدة في يومين، فأين الأمة إذاً؟ أين الأمة؟ الأمة غائبة، هي حاضرة، مليار ونصف مليون مسلم موجودون، لكن الوجود شيء والحضور في واقع الحياة شيء آخر، الأمة غائبة:

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ
(سورة آل عمران: الآية 110)

فهل هذه الأمة التي فيها هذه الخيرية هي الأمة التي تتبع كل صيحةٍ وكل موضةٍ وكل ناعقٍ من شرق الأرض أو من غربها؟ هل هذه الأمة هي الأمة التي تقلد الغرب في كل شيء؟ هل هذه الأمة هي الأمة التي تقلد الغرب في سيئاته وتدع ما في رأسه؟ قالوا: نأخذ ما في رؤوسهم وندع ما في نفوسهم، أما نحن فأخذنا ما في نفوسهم وتركنا ما في رؤوسهم.

انطلاق الأمة بقوة الشباب و بتوجيه الشيوخ :
إذاً أيها الكرام؛ أنا لا أريد واقعاً سوداوياً، ولا أريد أن أفسد عليكم جلسةً روحانيةً في بيتٍ من بيوت الله، ولكنني إذ أتكلم عن أسامة بن زيد فأنا أتكلم عن تاريخنا، وأتكلم عن أمتنا، وأتكلم عن أجدادنا، فنحن ننتسب لهذا العظيم ننتسب لأبي بكرٍ وعمر، ننتسب لأسامة بن زيد، ننتسب لهؤلاء العظماء، فهل نحن اليوم على قدر هذه المسؤولية؟
الأمة تنطلق بقوة الشباب
أيها الكرام؛ الشباب هم المحرك، فالأمة تنطلق بقوة الشباب، وبتوجيه الشيوخ على الطريق الذي هو شرع الله عز وجل، نحن بحاجةٍ إلى قوة الشباب وإلى حكمة الشيوخ معاً، نحن بحاجةٍ إلى خبرة الشيوخ مع قوة واندفاع الشباب، أمّا أن نجد شبابنا في كل مكانٍ لا يرضي الله تعالى، ويتبعون كل شيءٍ لا يرضي الله، فراغٌ قاتل، فهذه مصبيةٌ كبرى، وهذا الخطأ الجسيم لا أقول: إن الشباب وحدهم يتحملونه، فلنكن منصفين، تتحمله الحكومات التي لم تؤمن فرص العمل كما ينبغي، ويتحمله الشباب الذين لم يتّجهوا إلى الله عز وجل، فلا عذر إن قصّرت الحكومات أن يقصر الأفراد، والعكس صحيح، فأنا لا أحمل المسؤولية على جهةٍ بخلاف جهة.

آيات تبين ما يهم كل شاب في حياته :
قال تعالى في كتابه الكريم:

أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ
(سورة الضحى: الآية 6-7-8)

طرق الانحراف اليوم كثيرة
جمع في هذه الآيات الثلاثة ما يهم كل شاب، فهو أولاً يحتاج إلى الأمن الاجتماعي (يَتِيمًا فَآوَىٰ) اجعلوا بيوتكم أيها الآباء الكرام جنةً بالأنس، فالشاب وحتى الطفل قبل الشاب يحتاج إلى أن يجد الأمن في بيته، أن يجد الحاجات في بيته، أن يجد استقراره في بيته، لا أن يجده مع أصدقائه في الشارع، فالأمن مطلوب (يَتِيمًا فَآوَىٰ) لا بد من أن يأوي الشاب إلى بيته فيجد فيه خيراً وبركة، ثم قال: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ) الهداية؛ لأن طرق الانحراف اليوم كثيرة، وبعض الشباب يتجهون باتجاه التشدد، وبعضهم باتجاه التفلت، وكلاهما تطرف، فالتطرف ليس تشدداً فقط كما أوهمونا، التطرف تفلت، فعندما نرى مظاهر التفلت والعري في شوارعنا، وفي داخل بيوتنا على الشاشات، وفي جامعاتنا فهذا تطرف، ينبغي أن يُحارب كما يُحارب تطرف التشدد، لأن كليهما بعدٌ عن الوسط، والدين هو الوسط.
الفراغ قاتل
إذاً أيها الكرام؛ (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ) هذا تحقيق الحاجة المادية، العمل، ترك البطالة، ترك أوقات الفراغ، لأن الفراغ قاتل (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَىٰ) ثم (وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ) الإيواء والأمن الاجتماعي، ثم الهداية إلى الله بعيداً عن الانحراف، والتفلت التشددي، والتفلت الانحرافي ثم الكفاية المادية.

الموت سنة من سنن الحياة ينال كل إنسان :
أيها الأخوة الأكارم؛ أيها الأحباب؛ الله تعالى شاءت حكمته أن يمر الناس بأطوار، قال تعالى:

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ
(سورة الإنشقاق: الآية 19)

(طَبَقًا عَن طَبَقٍ) هذه سنة الحياة، فنحن كلنا محكومون بالموت مع وقف التنفيذ:

إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ
(سورة الزمر: الآية 30)

نحن محكومون بالموت، والموت سهمٌ وُجِّهَ إلينا، وعمرنا بقدر وصول السهم إلينا، هذه حقيقةٌ لا ينكرها عاقل، شاءت حكمة الله أن نتدرج، قال تعالى:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ
(سورة الروم: الآية 54)

( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) قوة الشباب (ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ).

الشباب قوة ينبغي استثمارها في الطاعات والقربات والخيرات :
قوة الشباب تستثمر في الطاعة
يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم شابٌّ في مقتبل العمر، في قصر سيده وسيدته، تدعوه امرأةٌ إلى مواقعتها بالحرام، ويعد العلماء عشرات الأسباب التي كانت تدعوه ليقترف الفاحشة دون أن يأبه له، أو أن ينتبه له أحد، فهو عبدٌ وهي سيدة، وهي التي يهمها ألا يفتضح أمرها، وهو شابٌّ وهي جميلةٌ، أسبابٌ كثيرة:

وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ
(سورة يوسف: الآية 23)

كانت تدعوه ليفعل الفاحشة لكنه قال: إني أخاف الله رب العالمين

قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ
(سورة يوسف: الآية 23)

أيها الأخوة الكرام؛ موسى عليه السلام:

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا
(سورة القصص: الآية 14)

(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي اكتملت قواه الجسمية (وَاسْتَوَىٰ) اكتملت قواه العقلية (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَىٰ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا).
أصحاب الكهف:

إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى
(سورة الكهف: الآية 13)

يحيى عليه السلام:

يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ۖ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
(سورة مريم: الآية 12)

النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح يقول:

{ اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ }

(أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه)

أحدها (شبابك قبل هرمك) فالشباب قوة ينبغي أن تستثمر في الطاعات، وفي القربات، وفي الخيرات، وينبغي أن يُؤَمَّنَ لهم ما يدفعهم إلى فعل ذلك.

محاسبة كل إنسان على عمله يوم القيامة :
ولكن وأنا أخاطب الشباب: لكن ليس هناك عذر أمام شابٍّ أن يقول: إن الحكومة أو غير الحكومة لم تُؤَمِّنْ لي حاجاتي فأنا الآن شاردٌ، أبداً، نحن نحمّل المسؤولية للجميع ولكن يوم القيامة:

وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا
(سورة مريم: الآية 95)

فسيحاسبك الله عز وجل، وسيحاسب من قصّر في حقك، ولا يعفى أحد من المسؤولية.

{ وعن أبي هريرة قالَ: قالَ رسُولُ اللَّه: سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه؛ اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ }

(متفقٌ عَلَيْهِ)

أحدهم: (شابٌّ نشأ في طاعة الله).

{ لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ؟ }

(أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه)

(عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟) هذ عامة، ثم خصص جزءاً من هذا العمر قال: (وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟)
إذاً أيها الإخوة الأكارم؛ نحن بحاجةٍ إلى قوة الشباب، وبحاجةٍ معها إلى حكمة الشيوخ، وبحاجةٍ قبل الشيئين إلى الطريق المستقيم الذي هو منهج الله عز وجل.
نحن بحاجةٍ إلى قوة الشباب
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الأولى :
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الخير باق في أمتنا إلى يوم القيامة :
الخير باق في أمتنا
أيها الكرام؛ يأبى الله إلَّا أن يتمّ نوره، ويأبى الله أن ينفرد الباطل بالساحة، ويأبى الله تعالى أن تكون الجولات كلها للباطل، لذلك بين الحين والآخر يمن الله علينا بما يجبر خاطرنا، فنرى من شباب الأمة في فلسطين، وهنا في بلدنا المعطاء في هذا الأردن بارك الله به وبأهله وببلاد المسلمين، نرى بطولات تذكرنا بأسامة بن زيد، تذكرنا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، تذكرنا بأن الأمة الخير فيها باقٍ إلى يوم القيامة، وأنه مهما تكالبت الأمم عليها فإن الخير لا بد أن ينبت من بذوره الصحيحة في تربةٍ خصبة، فالأمة بخير إلا أنها نائمةٌ قليلاً لكنها لا تموت، حتى نكون منصفين هناك من بطولات الشباب ما نراه اليوم في واقعنا ما يقيم الحجة على غيرهم ممن آثروا التفلت على اتباع منهج الله عز وجل، فنسأل الله عز وجل أن يردنا جميعاً شباباً وشيوخاً وأطفالاً ونساءً إلى ديننا رداً جميلاً.

الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك ونتوب إليك، نؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك، اللهم بفضلك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم أصلحنا وأصلح بنا، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح فتيات المسلمين، اللهم ردهم إلى دينك رداً جميلاً، اللهم اجعلهم في نصرة دينك، وفي خدمة دينك، وفي خدمة أمتهم يا أرحم الراحمين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عنهم ما أهمهم وأغمهم يا أرحم الراحمين، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم شهداءهم، وآوِ غريبهم، واشف جرحاهم، وعافِ مبتلاهم، واجعل لنا عملاً صالحاً متقبلاً في ذلك يا أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، وانصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على عدونا يا أرحم الراحمين، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، وأقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمنا ويرحمكم الله.