فمن يعيدها اليوم؟

  • 2019-03-01
  • عمان
  • مسجد ناجح خلف

فمن يعيدها اليوم؟


الخطبة الأولى :

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً و نذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


قضية القدس ليست قضية هامشية بل هي قضية في صلب إيماننا :
الأقصى في صلب إيماننا
أيها الكرام؛ قرأت على صفحة من صفحات ما يسمى بمواقع التواصل الاجتماعي جملةً أو سؤالاً، كتب أحدهم: القدس فتحها عمر وحررها صلاح الدين فمن يستعيدها اليوم؟ فأجبت في نفسي وقلت: يستعيدها اليومَ رجلٌ منا أو من أبنائنا، يسير على نهج عمر، أو على نهج صلاح الدين الأيوبي، وهو نهجٌ واحد، لأن هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها، وأولها إنما صلح بالإسلام حين أقيم منهجاً في حياة الناس، حين حكم الناس بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله في معاملاتهم، في أفراحهم، في أتراحهم، في مناسباتهم، في غضبهم، في رضاهم، حينما حكم الناس شرع الله صلح أمر هذه الأمة، وآخرها يصلح برجلٍ يسير على نهج هذين؛ عمر الفاتح وصلاح الدين المحرر.
أيها الكرام؛ حينما نتحدث عن القدس وعن المسجد الأقصى فنحن نتحدث عن موضوعٍ في صلب إيماننا، لا نتحدث عن قضية هامشية ولا جانبية بل نتحدث عن قضية في العمق.

{ عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قُلتُ يا رَسولَ اللهِ: أيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أوَّلُ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ، قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: المَسْجِدُ الأقْصَى، قُلتُ: كَمْ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أرْبَعُونَ سَنَةً، وأَيْنَما أدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ فَهو مَسْجِدٌ }

(صحيح مسلم)

ثم أُلحق بالمسجدين ثالثٌ، فقال صلى الله عليه وسلم:

{ لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِد: المَسْجِدِ الحَرَام وَمَسْجِدِي هَذَا وَالمَسْجِدِ الأَقْصَى" }

(متفق عليه عن أبي هريرة)

{ وعن البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ، أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صَرَفَهُ الله نَحْوَ القِبْلَةِ }

(صحيح البخاري)

وفي مطلع سورة الإسراء يذكر الله المسجد الأقصى صراحةً فيقول:

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
(سورة الإسراء: الآية 1)

وأرض الشام هذه أرضٌ مباركة ببركة هذا المسجد المبارك، وفي الحديث الشريف أيضاً:

{ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" }

(رواه الإمام أحمد)

لابد من بعض المتاعب، لابد من بعض الجهد، هذه سنّة الله في الحياة، إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاء، من شِدَّة وتعب وجهد، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وما أعظمها من بشرى للمرابطين حول المسجد الأقصى.

{ صفوةُ اللهِ من أرضِه الشَّامُ وفيها صفوتُه من خلقِه وعبادِه، وليدخُلنَّ الجنَّةَ منكم من أمَّتي ثُلَّةٌ لا حسابَ عليهم ولا عذابَ }

(أخرجه الطبراني)


قراءة التاريخ ليست للتغني بالأمجاد الماضية و لكن لأخذ العبر و الدروس :
قراءة التاريخ ليست للتغني بالماضي
أيها الكرام؛ إذاً كما قلت لكم حينما نتحدث عن المسجد الأقصى، وعن الفاتح والمحرر، فلابد أن نقرأ التاريخ، لأننا إن قرأنا التاريخ بأمانةٍ لأخذ العبر والدروس استشرفنا المستقبل بالشكل الصحيح، فقراءة التاريخ ليست للتغني بالأمجاد الماضية، وليست من أجل أن نقول: كان جَدِّي وجَدُّك، ولكن لنقول: كان جِدِّي وجِدُّك، ما الذي سنصنعه نحن اليوم؟ لا تقل: كان جَدّي ولكن قل: كان جِدّي وعملي وجهدي.
أيها الكرام؛ عندما نقرأ في التاريخ عن فتح عمر لبيت المقدس، وقد سمع الروم بأن جيش المسلمين يتقدم إليهم بقيادة أميرهم أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة كما سماه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكانوا في الشام في بيت المقدس يسمعون أن هذا الجيش لا يقف أمامه أحد، لا بقوة عدده وعتاده، وإنما بقوة إيمانه، فقالوا لقائد الجيش لأبي عبيدة: إنه مكتوب عندنا ألا نسلّم مفاتيح بيت المقدس إلا لأميركم، أمير المؤمنين، وظنوا أن الأمير لن يأتي، أرسل أبو عبيدة رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه يخبره الخبر، فوافق عمر وأعدّ العُدّة وخرج هو وغلامه على بعيرٍ واحدة يتناوبان على ركوبها، وقال لغلامه: أركب ساعةً وتركب ساعةً، قال الغلام: تنازلت لك عن دوري، اركب أنت يا أمير المؤمنين فرفض عمر.
عمر تلميذٌ من تلاميذ المدرسة المحمدية، معلمه صلى الله عليه وسلم، كما جاء في السيرة: ذهب هو وعلي وأبو لبابة على راحلة، في معركة بدر يتناوب هو وعلي وأبو لبابة على الراحلة، فلما جاء دوره بالمشي توسل إليه صاحباه أبو لبابة وعلي أن يبقى راكباً فقال لهما: لا، ما أنتما بأقوى مني على السير، وما أنا بأغنى منكما عن الأجر.

{ كنَّا في غَزوَةِ بَدرٍ كلُّ ثلاثةٍ منَّا على بَعيرٍ، كان عليٌّ وأبو لُبابةَ زَميلَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا كان عُقْبةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالا: اركَبْ يا رسولَ اللهِ حتى نَمشيَ عنك، فيقولُ: ما أنتما بأقوى على المَشْيِ منِّي، وما أنا بأغنى عن الأجرِ منكما }

(أخرجه النسائي وأحمد)

هذه الأمة لا يعزها الله إلا بالإسلام
فعمر تلميذ هذه المدرسة، يركب ساعةً وينزل ساعة، وكان في الأرض يوم بلغوا المقدس مطرٌ وطينٌ، وجاء دور عمر بالمشي، وطلب منه غلامه أن يبقى راكباً فرفض، ونزل، وغاص في الطين، وأخذ نعله ووضعه تحت ردائه، قال له أبو عبيدة عندما خرج إليه: يا أمير المؤمنين عظماء القوم سوف يستقبلونك، عظماء الشام سيخرجون إليك وأنت في هذه الحال؟! اركب، قال له: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة- ليتني سمعتها من غيرك- أنت أمين هذه الأمة أنت تعرف بماذا نعتز، وتعرف كيف أعزنا الله، لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، "نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزَّة بغيره أذلَّنا الله"، هذا عمر أيها الكرام؛ يضع لنا سُنَّةً من السنن، وقانوناً من القوانين، بأن هذه الأمة لا يعزها الله إلا بالإسلام، دعك من الأمم الأخرى، نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، عزتنا لا تكون لا من شرق الأرض ولا من غربها، عزتنا لا تكون لا بالتعامل مع فلان ولا مع علان، قوتنا وعزتنا في التمسك بديننا فقط، فإن حِدنا عنه -نسأل الله السلامة- أذلنا الله، هذا قانون عمر، لماذا لا نقرأ قانون عمر وهو الذي دانت له الدنيا يوم كان أميراً للمؤمنين؟ فهو أحق أن نقرأ قوانينه بدل أن نستورد القوانين من شرق الأرض ومغربها.
"نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزَّة بغيره أذلَّنا الله".

بطولة الفاتح صلاح الدين الأيوبي :
لا تمييز في الإسلام
أيها الكرام؛ إذاً هذا عمر الفاتح، فماذا عن صلاح الدين المحرر؟ تعالوا بنا نعود إلى الوراء عبر البعد الزماني إلى السنة الثالثة والثمانين بعد الخمسمئة للهجرة، في يوم الجمعة في السابع والعشرين من رجب، وعبر البعد المكاني إلى المسجد الأقصى الذي لا يبعد عن هنا كثيراً، وها نحن ندخل المسجد الأقصى فإذا المسلمون وبينهم صلاح الدين وجنده يجلسون على الأرض، لا تتفاوت مقاعدهم، ولا يمتاز أميرهم عن أحدٍ منهم، وها هو خطيب المسجد محي الدين القرشي قاضي دمشق يومها يصعد المنبر ليلقي خطبته أمام صلاح الدين الأيوبي، افتتحها بقوله:

فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
(سورة الأنعام: الآية 45)

وهذه مقتطفات سريعة من خطبته، فيها من العبر ما فيها، قال:
"أيها الناس أبشروا برضوان من الله، الذي هو الغاية القصوى، والدرجة العليا، لما يَسَّرَهُ الله على أيديكم من استرداد هذه الضالة من الأمة الضالة، وردها إلى مقرها من الإسلام بعد ابتذالها في أيدي المعتدين الغاصبين قريباً من مئة عام، وتطهير هذا البيت الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه من رجس الشرك والعدوان، ثم قال: (انظروا هنا) إياكم عباد الله أن يستزلكم الشيطان فيخيل إليكم أن هذا النصر كان بسيوفكم الحداد، أو خيولكم الجياد، لا والله، وما النصر إلا من عند الله، فاحذروا عباد الله بعد أن شرفكم الله بهذا الفتح الجليل أن تقترفوا كبيرة من مناهيه، انصروا الله ينصركم، خذوا في حسم الداء، وقطع شأفة الأعداء".
هذه خطبة القرشي قاضي دمشق أمام صلاح الدين الأيوبي يوم تحرير بيت المقدس.

الظلّام والطغاة بيد الله تعالى وحده :
أيها الكرام؛ هذا من التاريخ، فماذا عن الحاضر؟ نأتي إلى العمق، أيها الكرام؛ الظلّام والطغاة بيد الله تعالى وحده، وفي الحديث الشريف الصحيح:

{ قَالَ رَسُولُ اللَّه: إِنَّ اللَّه لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ }

(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)

فهؤلاء الظلام والطغاة الذين يخيل إلينا أحياناً لضعفٍ في إيمانينا إنهن يتحكمون، ويفعلون ما يريدون، هؤلاء أزمتهم بيد الله تعالى، هم وحوشٌ نعم لكنهم مربطون بأزمّةٍ قويةٍ محكمة، وهم بيد المولى جل جلاله، فإذا أراد أن يأخذهم لم يفلتهم.
إذاً قضية أن ينتصر الله منهم قضية كن فيكون، الأمر سهل، أسهل مما تتصورون، ودونكم التاريخ، الأمر أسهل مما تتصورون:

ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ
(سورة محمد: الآية 4)


النصر بيد الله ولن ينصرنا إلا بإزاحة الظلم الداخلي من بيننا :
النصر بيد الله
إذاً أيها الكرام؛ النقطة المهمة أن النصر بيد الله، وأنه إن شاء جلّ جلاله أهلكهم في ثانية، ودونكم قوم عاد وثمود، أين قارون! أين فرعون! أين هامان! لكن هذا الظلم الواقع علينا من أعدائنا، هذا الاحتلال والقصف لديارنا، متى يرفعه الله؟ هل يرفعه بغير سنّة أم بسنّة؟ أقصد بالسنّة أي بطريقةٍ يرسمها الله لنا، بالقانون أي بالمصطلح العلمي كيف يرفعه؟ يرفعه عندما نرفع الظلم الداخلي بيننا، هناك ظلمٌ خارجي؟ نعم، ولكن ما بيننا من مظالم كثيرٌ وكبيرٌ جداً- بربكم أيها الأخوة واسمحوا لي بهذه الكلمات- الأخ الذي يغتصب بيتاً من نصيب أخته ليس له، أو يأكل حصةً من الميراث ليست له لأنها ضعيفة لا تملك من أمرها شيئاً، لماذا يقف ويقول: إن هؤلاء الصهاينة عليهم من الله ما يستحقون قد غصبوا ديارنا؟
ظلم الإنسان للإنسان
نقول له: ألست غاصباً؟ هم غاصبون بلا شك عليهم من الله ما يستحقون، لكن أنت لماذا اغتصبت دار أختك؟ لماذا منعتها حقها في الميراث؟ أنت أيها الشريك لماذا لا تنصف شريكك؟ أنت أيها الابن لماذا لا تبر أباك وتنصفه؟ أنتِ أيتها الزوجة لماذا تغضبين زوجك؟ وأنت أيها الزوج لماذا تظلم زوجتك؟ لماذا الذي في أيدينا لا ننظر إليه وننظر إلى القوى الخارجية التي تتحكم فينا؟ هنا المشكلة أيها الكرام، إذاً حينما نرفع الظلم مما بيننا نستحق أن يرفع الله الظلم عنا، ويهيئ الله عمراً ويهيئ الله صلاح الدين، فالأمة لا تموت لكنها نائمةٌ قليلاً، فمتى صحت أنجبت كأمثال صلاح الدين، وأنجبت كأمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذاً المشكلة عندنا الكرة في ملعبنا، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ مَنْ ضَرَبَ مَمْلُوكَهُ ظَالِمًا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

(أخرجه الطبراني)

{ مَنْ ضَرَبَ سَوْطاً ظُلْماً اقتُصَّ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَة }

(أخرجه البزار والطبراني)

{ عن عائشة رضي الله عنها، (أنَّ رجلاً مِنْ أصْحابِ رسولهِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلسَ بينَ يديْهِ، فقال: يا رسولَ الله! إنَّ لي مَمْلوكين يكذِّبونَني وَيخونونني وَيعْصونَني، وأضْرِبُهم وأشْتُمهمْ، فكيفَ أنا منهم؟ فقالَ له رسولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُحسَبُ ما خانُوك وعَصَوكَ وكذَّبُوك وعِقابُك إيَّاهُم، فإنْ كان عِقابُك إيَّاهُم دُونَ ذُنُوبِهمْ؛ كان فَضْلًا لكَ، وإنْ كان عِقابُك إيَّاهم بقدرِ ذُنوبِهمْ؛ كان كَفَافًا ولا لكَ ولا عليكَ، وإنْْ كان عِقابُك إيَّاهُم فَوقَ ذُنُوبِهِمُ اقْتُصَّ لهمْ مِنكَ الفَضلُ الذِي بَقِيَ قِبَلَكَ فجَعلَ الرجلُ يبْكِي بين يَدَيْ رسولِ اللهِ ويَهتِفُ فقال رسولُ اللهِ مالَكَ؟ ما تَقرأُ كتابَ اللهِ {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] ؟ فقال الرجلُ يا رسولَ الله! ما أجِدُ شيئًا خيرًا من فِراقِ هؤلاءِ، أُشْهِدُكَ أنَّهم كلَّهم أحْرَارٌ) }

(سنن الترمذي)

لنبدأ بإزاحة الظلم الداخلي من بيننا
إذاً أيها الأخوة الكرام؛ الأحاديث كثيرةٌ في ذلك، ولكن ما أردته كموقف عملي من هذه الخطبة، أننا اليوم ينبغي أن نبدأ بإزاحة الظلم الداخلي من بيننا، ألا نسمح للظلم الداخلي أن يستشري بيننا، لا لأخٍ، ولا لأختٍ، ولا لأبٍ، ولا لزوجةٍ، ولا لأمٍ، ولا لابنٍ، ولا لابنةٍ، ولا لشريك، ينبغي أن نرفع الظلم من بيننا، عندها يتكفل الله برفع الظلم الخارجي عنا، ويهيئ لنا من يعيد القدس، ويفتح المسجد الأقصى.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم بفضلك ورحمتك انصر أخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عن أخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآو غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اللهم انصر أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.