يوم من أيام الله
يوم من أيام الله
يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِ منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُكله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد ، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كيثراً، وبعد عباد الله اتقوا الله فيما أمر، وانتَهوا عما عنه نهى وزجر، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.
أيام الله نوعان؛ عام و خاص :
أيها الأخوة الكرام؛ يقول تعالى في كتابه الكريم مخاطباً نبيه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم: |
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ[سورة إبراهيم:5]
لكل مسلم يوم من أيام الله
وهناك نوع آخر من أيام الله، نوعٌ عام؛ أيام رمضان أيام الله، وأيام العشر من ذي الحجة هي من أيام الله، ويوم عرفة يومٌ من أيام الله. |
يوم عرفة يومٌ من أيام الله وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة :
يوم عرفة يومٌ من أيام الله
|
{ ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، ثم إنه ليدنو جل جلاله، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ }
هو يوم من أيام الله لأنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة. |
{ عن عمر رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: أي آية؟ قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}. قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائم بعرفة يوم جمعة }
يوم عرفة يوم إتمام الدين
|
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[سورة المائدة: 3]
الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم
|
{ يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب }
[حديث مرفوع]
وهو يوم من أيام الله لأن فيه الركن الأعظم من أركان الحج، يقول صلى الله عليه وسلم: |
{ الحج عرفة }
[أخرجه أحمد]
رَاحُوا إلى التَّعريفِ يَرجُونَ رَحْمَةً وَمَغفرةً ممنْ يَجُـودُ ويُكْــرِمُ فَللهِ ذاكَ المَوقفُ الأعظمُ الــذِي كَموقِفِ يومِ العَرضِ بَلْ ذَاكَ أَعْظَمُ وَيَدنُو بِـهِ الجَبَّارُ جـلَّ جَـلالُـهُ يُباهِي بهم أَمْلاكَهُ فهـو أَكْـرَمُ يقولُ: عِبادِي قد أَتَونِي مَحَبَّــةً وإنِّي بهم بَرٌّ أَجـودُ وَأَرحــمُ فَأُشهِدُكُم أنِّي غَفَرتُ ذُنُوبَهُـــم وَأَعْطَيْتُهُم مَا أَمِلُـوهُ وأَنْعَــمُ{ ابن قيم الجوزية }
أيها الأخوة الكرام؛ وهو يوم من أيام الله لأن صيامه لغير الحاج، فالحاج لا يسن له صيام عرفة، لأن صيامه يكفر سنتين ماضيةً وباقية: |
{ يقول صلى الله عليه وسلم: صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ }
[رواه مسلم]
حقوق العباد لا تغفر إلا بالمسامحة
|
{ خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير }
عباد الله فلنغتنم جميعاً هذا اليوم المبارك، لنغتنمه بالطاعات والعبادات والقربات والذكر، لعل الله عز وجل يطلع علينا فيغفر لنا جميعاً، إنه رحمن رحيم . |
سنة أبينا إبراهيم الخليل عليه الصلاة و السلام :
المناظرة تكون بالحجة والبرهان
أولاً أيها الكرام؛ إن إبراهيم عليه السلام كان الخليل، ونحن أبناء الخليل، ونحن في كل صلاة نذكر أبانا إبراهيم عليه السلام مع نبينا صلى الله عليه وسلم، لماذا نخص أبانا إبراهيم بهذا الذكر؟ لقد كان إبراهيم خليلاً لربه، ونحن ينبغي أن نكون إبراهيميين فنتعلم من إبراهيم عليه السلام، ونخطو خطاه فهو أبو الأنبياء. أيها الأخوة الأحباب؛ إبراهيم الخليل ناظر قومه بالحجة و البرهان، ودعا أباه إلى الواحد الديان، وقدم جسده للنيران، وقدم طعامه للضيفان، وقدم ولده للقربان، وبنى ورفع قواعد بيت الرحمن، هذه ستة أمور، أولاً: ناظر قومه بالحجة والبرهان، ثانياً: دعا أباه إلى الواحد الديان، ثالثاً: قدم جسده للنيران، رابعاً: قدم طعامه للضيفان، خامساً: قدم ولده للقربان، سادساً: بنى ورفع دعائم بيت الرحمن. أيها الأخوة الكرام؛ إذا كنا نريد أن نكون إبراهيميين ننتسب إلى أبينا إبراهيم فعلينا أولاً إذا حججنا أن نحاجج بالحجة، وبالبرهان، وباللين، وباللطف، وبالرفق، انظروا إلى إبراهيم عليه السلام يقول له أبوه: |
قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ * لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ * وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا[سورة مريم: 46]
فبماذا أجابه؟ |
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ * سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي * إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا[سورة مريم: 47]
في سبيل رضا الله يجب أن نضحي
|
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ * قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ * سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[سورة الصافات: 102]
لقد ذبح إبراهيم ابنه وإن لم يذبحه. أتدرون أيها الأحباب لماذا لا تفعل هذه القصة فعلها في النفوس كما ينبغي؟ لأننا جميعاً نعلم بهذا، نعلم أن الله تعالى قد فداه بذبحٍ عظيم، لكن حينما بادر إبراهيم إلى ذبح ابنه فهل كان أمر الفداء وارداً في مخيلته؟ أبداً، هو بادر إلى الذبح، ولولا أن الله سلب السكِّينة قدرتها على الذبح كما سلب من قبل النار قدرتها على الإحراق، فهو جل جلاله القيوم الذي لا يتحرك شيءٌ في الكون إلا بأمره، لولا أن ذلك حصل لكان الذبح هو النتيجة، لكن الله تعالى أراد أن يتخذ إبراهيم خليلاً، فلما تجرد إبراهيم من كل شيء، وضحى بكل شيء في سبيل مرضاة ربه، انتهى الإمتحان: |
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ[سورة الصافات: 107]
أيها الأخوة الكرام؛ |
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ[سورة الصافات:103-107]
طاعة الله أعظم شيء
﴿وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ |
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا * وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا[سورة النساء: 125]
التخلي عن الارتباطات المادية لتكون علاقتنا مع الله علاقة قرب و أنس :
نحن معرضون دائما إلى امتحان
كلنا أيها الأحباب وفي كل لحظة نحن في امتحان استجابة لأمر الله، فإذا كنا نقول: لبيك اللهم لبيك، فنحن إبراهيميو النزعة، نتعلم من أبينا إبراهيم، ونلتزم بمنهج أبينا إبراهيم عليه السلام، لا طاعة فوق طاعة الله، ولا أمر فوق أمره: |
{ ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما }
[ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن أنس بن مالك ]
حكم الأضحية :
أيها الأخوة الكرام؛ أيها الأخوة الأحباب؛ الأضحية سنة أبينا إبراهيم، وحكمها أنها سنة مؤكدة في الصحيح من أقوال أهل العلم، قال تعالى: |
فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ[سورة الكوثر: 2]
الأضحية سنة مؤكدة
|
{ ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمَّى وكبر }
[ البخاري عن أنس]
وفي الصحيح: |
{ من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا }
[ أحمد و ابن ماجه]
وهذا للدلالة على فضل الأضحية، وعظم مكانتها في الإسلام. ويبدأ وقت الأضحية من بعد صلاة العيد وينتهي وقتها بثالث أيام التشريق، أي رابع أيام العيد في أصح أقوال العلماء قبل غروب شمس اليوم الرابع من أيام العيد، فبادروا إلى الأضحية، وبادروا إلى التضحية، وبادروا إلى تنفيذ أمر الله تعالى في هذه الأيام، لعل الله عز وجل يجعلنا فيها من عتقائه من النيران. حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، واستغفر الله. الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. |
الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب، مجيب للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، وأكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا، عليك اتكالنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر، وأنت على كل شيء قدير، اللهم بفضلك ورحمتك اغفر لنا، ولآبائنا، ولأشياخنا، ولمن علمنا، ولمن له حق علينا، اللهم جازهم عنا بالإحسان إحسانا يا أرحم الراحمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، وانصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى، والقدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، فرج عن المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، أطعم جائعهم، وانصر بلادهم، وارحم مصابهم، و آوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً و سائر بلاد المسلمين، ووفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. |