الثقة بالله
الثقة بالله
ياربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكُلّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجَد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كيثراً، وبعد عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوا الله وأحثكم على طاعته (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).
الخطبة الاولى :
الثقة مبدأٌ عظيم
|
الثقة بموعود الله
الثقة بموعود الله في أحلك الظروف
|
{ أنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، حَدَّثَهُ قالَ: نَظَرْتُ إلى أَقْدَامِ المُشْرِكِينَ علَى رُؤُوسِنَا وَنَحْنُ في الغَارِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، لو أنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إلى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقالَ: يا أَبَا بَكْرٍ ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا }
(صحيح مسلم)
هذه هي الثقة، تابع طريقه، أرسلت قريشٌ في طلبه من يأتي به حياً أو ميتاً وله مئة ناقة، أصبح مهدور الدم، تبعه سراقة ليفوز بالجائزة صوّب سهمه اتجاهه فساخت قوائم فرسه في الرمل، مرةً ومرتين، فانقلب من مطاردٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منافحٍ عنه، قال له صلى الله عليه وسلم: كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟، يعني بذلك أنني يا سراقة سأصل المدينة كما أمرنا الله تعالى وسأنشئ فيها دولة الإسلام، وسأنشئ للدولة جيشاً يحميها وسيغزوا هذا الجيش كسرى الفرس أعظم دولة في وقتها، سيغزوها في عقر دارها وستأتي الغنائم إلى ديار المسلمين ومن هذه الغنائم سوار كسرى وستلبسه أنت يا سراقة، وهذا ما كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، هذه هي الثقة. |
أخطر هزيمةٍ يمكن أن يصاب بها الإنسان
|
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ(سورة آل عمران: الآية 140)
هزيمة الإنسان من الداخل
هذه سنّة الله، لكن إيانا أن نهزم من داخلنا، فالمهزوم من داخله لا يستطيع أن يواجه نملةً لا جيشاً عرمرماً، المهزوم من داخله الذي ينظر إلى دينه على أنه إسلامٌ في قفص الاتهام هذا الإنسان لا يستطيع أن يواجه عدواً، ولا يستطيع أن يقيم للإسلام دولةً، فالقوة من الداخل في ثقتنا بربنا وفي ثقتنا في ديننا وفي عزتنا بكتاب ربنا وسنّة نبينا صلى الله عليه وسلم. |
اليأس أول أسباب الهزيمة النفسية
الصراع بين الحق والباطل مستمر
|
{ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ }
(صحيح مسلم)
قال النووي: فَهو أهْلَكُهُمْ وهو أَهلَكَهُم، روايتان أشهرهما الرفع، فهو أهلكُهم أي هو أهلكُ الناس لأنه زعم أن الناس قد هلكوا، ما تسمعونه اليوم الأمة قد انتهت لن تقوم لنا بعد اليوم قائمة، أعداءٌ شرسون ينفذون ما يريدون، صفقة القرن ماضيةٌ ماضية سيحصل ما يريدون، أملوا إرادتهم على الشعوب، هم القوة العظمى في الأرض، هذه كلمات الانهزام من الداخل هذه كلمات اليأس والقنوط لا تنبغي لمؤمن، فهو يعمل إلى آخر لحظة من حياته، (إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ) أي هو أهلكُ واحد فيهم، أو هو أهلكَهم أي هو جعلهم هالكين بقوله لكنهم في الحقيقة ليسوا هالكين، فما يزال في الأمة بذور خيرٍ، |
لَئِنْ عَرَفَ التَّاريخُ أَوْساً وخَزْرَجاً فَلِلَّهِ أَوْسٌ قادِمُونَ وخَزْرَجُ وإنَّ كُنوزِ الغيْبِ لَتُخْفِي طَلَائِعـاً حُـرَةٍ رَغْـمَ المـكائِـــدِ تـَـخْـــــرُجُ{ من الشعر القديم المنقول }
اليأس القاتل أول أعراض الهزيمة النفسية. |
الدفاع عن الإسلام وكأنه في قفص الاتهام
لا تجعل إسلامك في قفص الاتهام
|
اقرأ التاريخ الإسلام لا ينتج إرهاباً، يوم كان المسلمون متمسكين بدينهم بنوا حضارةً عجزت الدنيا اليوم عن بنائها، فالحضارة ليست في ناطحات السحاب ولكنها في قيمٍ وأخلاق، بنوا أمةً تعجز الأمم اليوم عن أن تتمثل بها أو تتشبّه بها، تشبُّهاً، يوم كان يطبق الإسلام، أيوم تخلينا عنه أصبح دين إرهاب؟! لو كان يريد أن ينتج إرهاباً لأنتجه في عصوره الزاهرة، لكنه لم ينتج إرهاباً يوم كان قوياً عزيزاً متمكناً، لكن لما ضعف أهله وهانوا اُتُّهِمَ بالإرهاب فأصبحنا بدلاً من أن ندافع عنه ونزيد من تمسكنا به أصبحنا نتنازل عن شيءٍ منه لعله يرضي الغرب، وهذه هزيمةٌ كبرى. |
السلبية القاتلة
إذاً اليأس القاتل أحد أعراض الهزيمة النفسية، الدفاع عن الإسلام وكأنه في قفص الاتهام أحد أسباب الهزيمة النفسية، دافعوا عن الإسلام لكن لا بنفسيةِ المنهزم وإنما بنفسيةِ القوي، لا بنفسيةِ الضعيف الذي يخشى على دينه من هؤلاء ولكن بنفسيةِ القوي الذي يعتز بدينه ويفخر به ويباهي به الدنيا، من أعراض الهزيمة النفسية التي أصابت بعض المسلمين اليوم السلبية القاتلة، يقول صلى الله عليه وسلم: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) |
{ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً ) }
(رواه البخاري)
{ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ }
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
التغيير وعدم الاستسلام للسلبية
|
{ عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقاً وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعاً" }
(صحيح البخاري)
هذه قصة نبوية رواها صلى الله عليه وسلم في الصحيح، لأننا في قاربٍ واحدٍ جميعاً، فعندما نترك المنكر ليستشري ونقول لا دخل لنا به ولسنا مسؤولين عنه، في عملك في بيتك هذا أقل القليل، في أهل بيتك، ابنة أخيك، أهل بيتك، أسرتك الكبيرة، عملك الذي تعمل به، الموظفون الذين عندك، لابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أعراض الهزيمة النفسية السلبية القاتلة. |
التقليد الأعمى
نحن مفتونون بالغرب
|
كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(سورة آل عمران: الآية 110)
بنى الإسلام حضارة لم يبنِها أحد، لأن الحضارة لا تكون بالبناء ولا تكون بتشييد المصانع، هذا جزءٌ من المدنية لكن الحضارة تكون بالقيم وبالأخلاق، هذه هي الحضارة. |
لذلك أيها الكرام: الغرب بنى مواطناً صالحاً لكنه لم يبني إنساناً صالحاً، ومن ذهب إلى هناك يعلم ذلك، فالمواطن الصالح لا يلقي قشرةً من نافذة السيارة، نعم وينبغي أن نكون كذلك، ونشدُ من أزركم أن نكون كذلك، والمواطن الصالح لا يقطع إشارة المرور، لكن الإنسان الصالح الذي بناه الإسلام لا يؤذي مخلوقاً من مخلوقات الله لا في بلده ولا خارج بلده، لا يقصف الناس بالمتفجرات ولا يبني مجده على أنقاض الشعوب ولا يحتل أراضي الشعوب، هذا هو الإنسان الصالح، فرقٌ كبير بين أن تبني مواطناً صالحاً يعيش في وطنه لخدمة وطنه وأن تبنيَ إنساناً صالحاً همه الإنسان يعيش للإنسان. |
النظرة الضيقة للزمان وللمكان
لا تنظر للزمان والمكان نظرةً ضيقة
|
هجم التتار على المسلمين، لم تقم صلاة واحد في بغداد أربعين يوماً، لم تقم صلاة جماعة في بغداد، فرَّج الله عن العراق، لم تقم صلاة واحدة لأربعين يوماً، بلغ من حجم الهزيمة النفسية أن المسلم كان يقف أمام التتاري حتى يذهب ويحضر سلاحه ليقتله ومع ذلك غيّر الله الواقع وبدّل الحال، ثقوا بالله. |
الصليبيون واحدٌ وتسعون عاماً منعوا الصلاة في المسجد الأقصى، مع الصهاينة أعداء الحق والخير والإنسانية حتى الآن لم تمنع الصلاة واحدٌ وتسعين عاماً، في جمعة يمنعون دخول الكبار وهذا ظلمٌ لا أخفف منه لكن أقصد أن النظرة الواسعة للزمان والمكان تعطينا أفقاً واسعاً، واحداً وتسعين عاماً لم تقم صلاةً في المسجد الأقصى، ثم غير الله الواقع وبدل الحال وسلط على الصليبين من هزمهم شر هزيمة. |
القرامطة هجموا على بيت الله الحرام والمسلمون بملابس الإحرام وانطلق المجرم أبو طاهر القرمطي وانتزع الحجر الأسود من مكانه ورفع رأسه إلى السماء وقال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟ يتحدى خالق السماوات والأرض في جوف الكعبة، عشرون عاماً بقي الحجر الأسود بعيداً عن الكعبة المشرفة، ثم هُزِم القرامطة وبدَّل الله الواقع وغير الله الحال، إذاً الكرة في ملعبنا ثقوا بالله، لكن الكرة في ملعبنا نحن الذين ينبغي أن نسعى وأن نعمل وسيغيُّر الله الواقع وسيبدِّل الله الحال لا محال. |
لابد أن نعتز بديننا
|
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله. |
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. |
الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعليّ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لدينك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم فرج عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم، واكسُُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوي غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله. |