• 2019-01-25
  • عمان
  • مسجد أحد

الإصلاح


الخطبة الأولى

ياربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكُلّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجَد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومَفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كيثراً، عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


مقدمة
وبعد فيا عباد الله: كلمةٌ تهفو إليها النفوس الراقية ويرجوها أصحاب الفطر السليمة، من منا لا يحب الإصلاح! كل ذي فطرةٍ سليمة يحب الإصلاح ويكره الفساد والإفساد؛ لأن النفوس جُبلت على حب الصلاح، قال تعالى:

حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ
(سورة الحجرات: الآية 7)

كل ذي فطرةٍ سليمة يحب الإصلاح
أيها الأحباب: الإصلاح دعوة الأنبياء، ودعوة المصلحين من بعدهم ومن سار على هديهم، والله تعالى يحب المصلحين ويثيبهم على إصلاحهم أجراً عظيماً، قال تعالى:

وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ
(سورة الأعراف: الآية 170)

ولا يقف في وجه الإصلاح إلا المفسدون المنتفعون بفسادهم، قال تعالى:

وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ
(سورة الأعراف: الآية 142)

والله تعالى لا يحب المفسدين

وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ
(سورة القصص: الآية 77)

والله تعالى لا يصلح عمل المفسدين

إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ
(سورة يونس: الآية 81)

فمهما رأيت مفسداً بدا لك على الشبكية أنه قد سار في الحياة كما يحب ويرضى ويشتهي، مهما بدا لك أن عمله قد سار وفق ما أراد، ففي محصلة الأمر (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) هذا قانون من الله تعالى.

أنواع الإصلاح
أيها الكرام: الإصلاح نوعان إصلاحٌ للفرد، وإصلاحٌ للمجتمع.

إصلاح الفرد
كيف يصلح الفرد؟
أما إصلاح الفرد فالفرد يصلح عندما تصلح علاقته بربه وتصلح علاقته بالناس من حوله، كيف يصلح الفرد؟ عندما يُصلح علاقته بالله ثم يُصلح علاقته مع عباد الله، لذلك في القرآن الكريم يتكرر قوله تعالى: (أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) (أَقَامُوا الصَّلَاةَ): هي الحركة نحو الإله العظيم، إصلاحٌ للنفس بالاتصال بالله بمفهوم الصلاة الواسع وهو حسن الصلة بالخالق، (وَآتَوُا الزَّكَاةَ): هو إحسان للعلاقة مع المخلوقين، (أَقَامُوا الصَّلَاةَ) تعبر عن إحسان العلاقة بالله، (وَآتَوُا الزَّكَاةَ) تعبر عن إحسان العلاقة مع الناس فأعطوا وأنفقوا فأحبوا الناس وأحبهم الناس، هكذا تصلح علاقة الإنسان ويصلح الفرد، يُصلح علاقته بربه ويُصلح علاقته بالناس من حوله.
إمام المصلحين محمد صلى الله عليه وسلم أصلح الدنيا كلَّها في ثلاثٍ وعشرين سنة، يوم أن صلحت علاقته بربه على أعلى مستوى، فهو أقرب الخلق للخالق، أصلح الدنيا كلها، نقلهم من رعاةٍ للغنم إلى قادةٍ للأمم، من أمةٍ تئد البنات إلى أمةٍ تئد الشهوات، هكذا فعل إمام المصلحين صلى الله عليه وسلم عندما صلحت علاقته بربه، كَان يقُومُ اللَّيْلِ حتَّى تتَفطَّرَ قَدمَاهُ:

{ عن عائشة رَضي اللَّه عنها أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَان يقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تتَفطَرَ قَدمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ، لِمْ تصنعُ هَذَا يَا رسولَ اللَّهِ، وقدْ غفَرَ اللَّه لَكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تأخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟ }

(متفقٌ عَلَيهِ)

هذا إصلاح العلاقة بالله، علاقته بالله صالحة فأصلح الدنيا كلها، قال تعالى:

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ
(سورة النساء: الآية 146)


إصلاح ذات البين
ذات البين تعني الناس جميعاً
(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا) فبعد التوبة إصلاح أو مع التوبة إصلاح (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ) ثم أمَر الله تعالى بإصلاح ذات البين، ما معنى ذات البين؟ يعني كل علاقة بينك وبين شخص آخر بدءاً بعلاقتك بأمك وأبيك، ثم علاقتك بولدك، ثم علاقتك بزوجك، ثم علاقتك بالناس جميعاً، بشريكك في العمل، بأخيك في الحي، كل هذه العلاقات تسمى ذات بين، بيني وبينك علاقة شئنا أم أبينا ينبغي أن تُصلح هذه العلاقة، أن تُبنى على مخافة الله، أن يكون الله بين الزوجين وبين الشريكين وبين الأخين وبين الأب والابن، وبين الأب والبنت والأم والابن وهكذا، هذه علاقة بينية ينبغي أن يكون الله بيننا، كيف يكون الله بيننا؟ كل طرفٍ يتقرب إلى الله بخدمة الطرف الآخر ويخشى الله أن يظلم الطرف الآخر، هذا إصلاح ذات البين.
يقول صلى الله عليه وسلم: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ، -ثلاثة أركان من أركان الإسلام، صلاة وصيام وصدقة، وهناك ما هو أفضل منها درجة، ما هو يا رسول الله؟- قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فإنها الحالقة، فإن فَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هو الْحَالِقَةُ لا أقول: حالقة الشعر ولكن حالقة الدين.

{ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ . قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ. لا أقولُ: إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ }

(أخرجه أبو داود وأحمد والترمذي بسند صحيح)

لذلك أيها الأحباب: ينطلق الفرد المسلم في الحياة ليصلح علاقته بربه ويصلح علاقته بالناس من حوله، هذا عن صلاح الفرد تُبنى العلاقات على منهج الله كل طرفٍ يتقي الله أن يظلم الطرف الآخر ويتقرب إلى الله بخدمة الطرف الأخر، بين شريكين، بين زوجين، بين الأب وابنه، إلى آخر العلاقات البينية، ذات البين، أما إصلاح المجتمع، كيف يتم إصلاح المجتمع؟

العصور التي مرت بها المجتمعات
عصر القيم والمبادئ
المبادئ فوق كل شيء
الناس أيها الأحباب؛ في المجتمعات مرّوا بثلاثة عصور، العصر الأول هو عصر القيم والمبادئ، عاشه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام، المبادئ فوق كل شيء وبعدها الأشخاص، الدين أولاً ثم الأشخاص، القيم أولاً ثم الأشخاص ولم ينتبهوا للأشياء أبداً، فالأشياء تذهب وترجع، العصر الأول عصر المبادئ عاشه المصلحون، هذه امرأة مخزومية سرقت فأهمّ بعضَ الصحابة أمرها فقالوا: من يكلم فيها رسول الله؟ قالوا: ومن يجرؤ على تبليغه إلا أسامة بن زيد، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ، ذهب أسامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلمه في شأنها، قال: يا أُسَامَةُ أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ غضب صلى الله عليه وسلم، ثم صعد المنبر وقال: "إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".

{ عن عائشة رضي الله عنها : أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ ، فَقَالُوا : وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؟! ) ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا }

(رواه البخاري)

هذا عصر المبادئ، هذا عصر القيم، هذا عصر الإصلاح، ما يعبر عنه اليوم بسيادة القانون، القانون فوق الجميع.
عصر المبادئ يتساوى فيه الناس جميعاً
رجلٌ من الغساسنة، هو زعيم الغساسنة جبلة بن الأيهم، جاء في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه مسلماً، فرح به عمر، وأدنى مجلسه وأكرمه، ثم بدا له أن يعتمر وبينما هو يطوف بالكعبة داس بدوي من فزارة على طرف ردائه فخلعه عن كتفه فالتفت إليه وأخذته العزة بالإثم وضربه ضربةً هشمت أنفه فما كان من هذا البدوي إلا أن ذهب إلى عمر رضي الله عنه يشكو إليه ظلم هذا الملك الغساني المسلم حديثاً، جاء به عمر وجاء بالغساني، قال له سيدنا عمر: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟.
قال له جبلة: لست ممن ينكر شيَّا أنا أدَّبت الفتى أدركت حقي بيدي.
قال له عمر: أرضِ الفتى لابد من إرضائه ما زال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشــمن الآن أنـفـك وتـنال مــا فعلتـه كفك.
بالأمس كان يكرمه اليوم المبدأ فوق الجميع.
قال: كيف ذاك يا أمير المؤمنين هو سوقةٌ وأنا عرش وتاج، كيف ترضى أن يخرَّ النجم أرضاً؟
قال عمر: نزوات الجاهلية ورياح العنجهية قد دفناها أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً.
قال: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى وأعزّ، أنا مرتدٌ إذا أكرهتني.
قال: عنق المرتد بالسيف تحز، عالَم نبنيه كل صدع فيه يداوى وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
قال: أمهلني حتى الصباح حتى آخذ قراري، فأخذ بعضاً من جنده وهرب في جنح الليل إلى أرض الروم إلى هرقل، ففرح به هرقل فرحاً عظيماً وجعل له قصراً وظن أنه ظفر بشخصٍ ارتد عن دين الله، لكن عمر لم يأبه له، وقد يقول أحد قصيري النظر وماذا كان يضر عمر لو أرضى هذا البدوي بشيء من المال وحافظ على هذا المسلم الجديد؟ كان يضره أن المبادئ والقيم ستسقط، كان يضره أن الناس سيقولون إن الإنسان يُظلم عند الإسلام والمسلمين، لقد دخل في دين الإسلام آلاف مؤلفة لما رأوا من عدل عمر فما الضرر في أن يخسر واحداً من هؤلاء الذين بنوا إيمانهم عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، لأن عصر المبادئ والقيم يتساوى فيه الناس جميعاً، هذا هو الإصلاح والصلاح، هذا الرجل ذهب إلى هرقل وتنصّر وترك دينه، بعد حين أرسل عمر بن الخطاب رسولاً يدعو فيه هرقل إلى الإسلام، تلطّف هرقل مع الرسول ولم يجب لا بنعم ولا بلا، ثم قال له: هل رأيت ابن عمك؟ قال: من، قال: جبلة بن الأيهم، قال: فذهبت إلى قصره فإذا هو أعظم مما حول قصر هرقل، أصبح ذا مكانةٍ في أرض الروم، فدخلت إليه فوجدته يشرب الخمر، ثم سمعت منه أبياتاً يقول فيها جبلة بن الأيهم:
تَنصَّرتِ الأشرافُ من عَارِ لَطْمــــةٍ وَمَا كانَ فِيها، لو صَبرتُ لها ضَرر فَيَا ليتَ أمّي لمْ تَلدنِــــي، وَليتَنِــــي رَجعتُ إلى القَــولِ الذي قالهُ عُمـــــر ويا ليتَنِي أرْعَى المَخاضَ بقَفـــــــــرةٍ وكنتُ أسيراً في ربيعة أو مُضَــــــــــــر ويا ليتَ لي بالشَّامِ أدنى مَعيشـــــةٍ أُجَالِسُ قَومي ذَاهبَ السَّمعِ والبَصـر
{ (جبلة بن الأيهم) }
فلما عاد هذا الرسول إلى عمر رضي الله عن عمر وأرضاه، قال له: ألقيت هرقل؟ قال: نعم، أدعوته إلى الإسلام؟ قال: نعم، قال: وهل لقيت جبلةَ؟ قال: نعم، وجدته يشرب الخمر، قال عمر: أبعده الله، تعجل فانيةً بباقية، أخذ الدنيا وترك الآخرة، خسر عمر جبلةَ لكنه ربح المبدأ.

عصر الأشخاص
يعيش الناس مرتبطين بالشخص
إذاً أيها الأحباب: العصر الأول: هو عصر المبادئ والقيم، العصر الثاني: هو عصر الأشخاص، يعيش الناس مرتبطين بالشخص فإن أخطأ أخطؤوا معه وإن أحسن أحسنوا معه، هذا عصر الأشخاص، في عصر القيم لمَّا تعارضت مع الأشخاص وقف أبو بكرٍ رضي الله عنه وكان أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في الدنيا رجلان أحبّا بعضهما بعضاً كما أحب رسول الله أبا بكر وكما أحب أبو بكرٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك وقف وقال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، من غير أن يقول رسول الله، من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، هذا التوحيد هذا عصر المبادئ والقيم، ثم عصر الأشخاص.

عصر الأشياء
قيمة المرء متاعه
لكننا اليوم بسبب طغيان الفكر المادي نعيش العصر الثالث عصر الأشياء فقيمة المرء متاعه، بل إن الإنسان لا يستمد مكانته لا من علمه ولا من ثقافته ولا حتى من حسبه ولا من نسبه وإنما يستمدها من نوع مركبته، هذا عصر الأشياء، بل قد يستمدها من الرقم الملصق على المركبة فقط، يكفي الرقم ليكون إنساناً عظيماً لأن الرقم واحد خمس أصفار، انتهى هذا إنسان عظيم، عصر الأشياء، قيمة المرء متاعه، هذا أسوأ العصور عصر المادة وهو الذي طغى على حياتنا فأصبحت قيمة الإنسان في متاعه نسأل الله العافية.

ملخص
الكلمة الطيبة تصلح علاقتك بمن حولك
إذاً أيها الكرام: عودٌ على بدء، وتلخيص لما سبق، الإصلاح يعني أن يُصلح الإنسان أولاً علاقته بربه، صلاة، صيام، صدقة، حج، عمرة، ذكر، قراءة قرآن، كل شيءٍ يصلح علاقتك بالله هذا نقطة البداية، ثم أن تصلح علاقتك بمن حولك في أسرتك الصغيرة، في عائلتك الكبيرة، في عملك، في كل علاقة بينك وبين جيرانك أحبابك أهلك إلخ، تصلح العلاقة بهم بالإحسان بالمعروف بالكلمة الطيبة، ثم ننتقل إلى المجتمع فنصلح العلاقة به ما استطعنا بإقامة العدل فوق الجميع دون تمييز، هذا هو الإصلاح أيها الأحباب الذي يرضاه الله تعالى.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات، اللهم برحمتك عُمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكلنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل عصيانك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً مستظلاً بكتابك وشرعة نبيّك صلى الله عليه وسلم، اللهم فرج عن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، انصر اخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.