اغزوا باسم الله

  • 2019-01-18
  • عمان
  • مسجد أحد

اغزوا باسم الله

ياربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد ، أهل الثناء والمجد أحقُّ ما قال العبد وكُلّنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجدِّ منك الجَد ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، غِنَى كل فقير ، وعزُّ كل ذليل ، وقوة كل ضعيف ، ومفزَع كل ملهوف ، فكيف نفتقر في غناك ، وكيف نضل في هداك ، وكيف نَذِلُّ في عزك ، وكيف نُضامُ في سلطانك ، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك ، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله ، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً ، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات ، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، وعلى أصحاب سيدنا محمد ، وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كيثراً ، وبعد عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


الخطبة الأولى
وبعد فيا عباد الله: عندما يأتي شهر جمادى الأول يتنسَّم المسلمون عامةً وأهل الأردن خاصةً نسائم غزوةٍ من الغزوات الفاصلة في تاريخ المسلمين ألا وهي غزوة مؤتة والتي وقعت في السنة الثامنة للهجرة بين المسلمين وأقوى قوةٍ في الأرض وقتها وهي قوة الروم ووقعت هذه الغزوة في مؤتة على أرض الشام ، والأردن من الشام.

غزوة مؤتة
الرسول هو السفير بعرفنا الحديث
أيها الكرام: قصة الغزوةِ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رسولاً إلى الروم هو الحارث بن عمير الأزدي بعثه إلى ملك بصرى في كتابٍ فلما نزل بمؤتة عرض له شرحبيل بن عمر الغساني فقال: أين تريد؟ قال: الشام قال: لعلَّك من رسل محمد ، قال: نعم ، أنا رسول رسولِ الله ، والرُّسل لا تمس بسوء ، فضلاً عن أنها لا تقتل ، لا ينبغي مسُّها بسوء ، الرسول هو السفير بعرفنا الحديث ، قال: أنا رسول رسولِ الله ، فأمر به فأوثق رباطاً ثم قدمه فضرب عنقه ، قتل السفير ، سفيرَ المسلمين ، سفيرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر بأن رسوله قد قُتل فأعد العدة، وأخرج الناس ، وهذه الغزوة لم يخرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنها سميت غزوةً لعِظَم شأنها في التاريخ ، خرج النبي صلى الله عليه وسلم يودّع أصحابه فقال: زيد بن حارثة هو الأمير ، زيد بن حارثة أمير الناس ، فإن قتل زيدٌ فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة ، عيّن ثلاثة من القادة على الترتيب زيدٌ فجعفر فعبد الله ، وخرج مودعاً لهم وهذه وصيته كما وردت في عدة أحاديث ترتقي بين الحسن والصحيح:
اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فَقَاتِلُوا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ بِالشَّامِ ، وَسَتَجِدُونَ فِيهِا رِجَالًا فِي الصَّوَامِعِ - في دور العبادة - مُعْتَزِلِينَ النَّاس -لا يقاتلونكم- فَلَا تَعَترضُوا لَهُمْ ، وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً ، وَلَا صَغِيرًا ، وَلَا كَبِيرًا فَانِيًا ، ولا تُغرِقُوا نخلًا - تقطيع النبات- ولا تقطعوا شجراً ، ولا تهدموا بيتاً ، لا تغدروا ولا تغلّوا -السرقة من الغنائم- ولا تُمَثلوا.
هذه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لجيشه وهو يودعه إلى غزوة مؤتة ، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَيِّعًا لِأَهْلِ مُؤْتَةَ حَتَّى بَلَغَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ فَوَقَفَ وَوَقَفُوا حَوْلَهُ ، فَقَالَ:

{ اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فَقَاتِلُوا عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ بِالشَّامِ ، وَسَتَجِدُونَ فِيهِمْ رِجَالًا فِي الصَّوَامِعِ مُعْتَزِلِينَ مِنَ النَّاسِ فَلَا تَعَرَّضُوا لَهُمْ ، وَسَتَجِدُونَ آخَرِينَ لِلشَّيْطَانِ فِي رُءُوسِهِمْ مَفَاحِصُ فَافْلِقُوهَا بِالسُّيُوفِ ، وَلَا تَقْتُلُوا امْرَأَةً ، وَلَا صَغِيرًا ضَرَعًا ، وَلَا كَبِيرًا فَانِيًا ، وَلَا تَقْطَعُنَّ شَجَرَةً ، وَلَا تَعْقِرُنَّ نَخْلًا ، وَلَا تَهْدِمُوا بَيْتًا }

(سنن البيهقي)


الجهاد كلمة مظلومة
الجهاد كلمةٌ مظلومة
أيها الكرام: قبل أن أتابع في الغزوة ، والله لا أعلم في العصر الحديث كلمةً ظُلمت وتعرضت لأشد أنواع الظلم كما هي كلمة الجهاد ، الجهاد كلمةٌ مظلومة ، ظلمها أبناؤها وظلمها أعداؤها ، فكان ظلمها مضاعفاً من الطرفين، أما أبناؤها فقد ظلموها مرتين ، في المرة الأولى عندما حذفوا الجهاد من مناهجهم وألغوا الجهاد من مصطلحاتهم إرضاءً للغرب وللأقوياء وكأن في ديننا ما نستحيي منه (جهاد) حتى إن بعض المسلمين أصبحوا يخافون أن يسمون أبناءهم جهاداً ، حذفناها ، خفنا منها ، فضعُفنا وتفرقنا وأصبحوا هم (يجاهدون ضدنا) ويبيدون أرضنا وينتهكون ثرواتنا فجهادهم لا يسمى جهاداً ، أما جهادنا فنستحيي به ، هذا الظلم الأول.
ثم ظلمناها مرةً ثانية: يوم أن قام بعضٌ من أبناء جلدتنا لكنهم يعملون بأجرٍ لدولٍ خارجية ، فمارسوا الجهاد على غير ما أراده الله ، ومارسوا الجهاد بغير ما أمر الله به ، وعلى غير ضوابط شرعية، فأباحوا للأعداء من جديد أن يغزوا ديارنا لأننا نجاهد ونقتل ونسفك الدماء ، هذا ظلم الأقرباء ، أما ظلم الأعداء فهم ظلموا هذه الكلمة حينما حولوها من جهادٍ إلى إرهاب ، ووالله إنهم لهم الإرهابيون ، فرؤساء دولٍ ثلاثة مروا على بلدٍ واحد في خمس عشرة سنة تقريباً قتلوا أكثر من تسعة ملايين شخص واحتلوا تسعة بلاد عربية وإسلامية ولم يُسمَ فعلهم إرهاباً ، لكنهم متربعين على رأس دول العالم وهم ليسوا إرهابيين ، أما المسلم حينما يطالب بحقه أو يتحرك لنيل مطالبه فهو إرهابي.

أهداف الجهاد في الإسلام
أيها الكرام أيها الأحباب: الجهاد كلمةً مظلومة ، ظلمت ظلماً شديداً ، انظروا إلى هاتين الآيتين لتعرفوا ما معنى الجهاد في الإسلام قال تعالى:

وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
(سورة البقرة: الآية 190)

وقال تعالى:

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
(سورة الأنفال: الآية 39)

هاتان الآيتان تعطيان أهداف الجهاد بشكلٍ واضح.

1. جهاد الدفع
القتال دفعٌ للأذى وللضُر
الآية الأولى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) هذا جهاد الدفع ، بمعنى: إنسانٌ إعتدى عليك، اغتصب أرضك ، انتهك حرمة المسلم ، أخذ أمواله ، ثم يقول قائل لا ينبغي أن تفعل شيئاً ، هذا تخاذل ، (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) القتال دفعٌ للأذى وللضُر ،هذا النوع الأول.

2. جهاد الطلب
الجهاد نصرةٌ للمستضعفين
النوع الثاني: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) ، أحد الظالمين جمع آلاف مؤلفة من الناس وسجنهم في قبوٍ مظلم لا يصل إليه ضوء الشمس ومنع عنهم الطعام والشراب إلا الشيء اليسير الذي يُبقي على حياتهم واستعبدهم ومنع عنهم كل خيرٍ وكل حق ، فجمع المسلمون أنفسهم وخرجوا إليه لعله يُخلّي بينهم وبين هؤلاء المظلومين ، لعله يسمح لهم أن يدخلوا إليهم فيدلّوهم على الحق وينيروهم بنور الشمس ، فأبى ورفض وأصرّ على استعباد الناس ، فهبّوا إليه يقاتلونه ليصلوا إلى هؤلاء الناس برسالة الحق والخير والهدى ، هذا هو النوع الثاني من أنواع الجهاد ، جهاد الطلب ، ولن تجد نوعاً ثالثاً ، إما أننا نقاتل من يقاتلنا ، من يعتدي علينا ، وإما أننا نقاتل من يمنع الحق والخير أن يصل إلى الناس ، فنحن رسالة الحق والخير معنا لأننا مترسِّمون لوحي السماء ، ولا ينبغي لطاغية أو لقاتلٍ أو لمجرمٍ أن يستعبد الناس ويمنع عنهم الحق والخير ، هذه باختصار أهداف الجهاد في الإسلام ، فهل يقول قائلٌ بعد ذلك: إن هذا الجهاد فيه شيءٌ من قتلٍ أو من إرهابٍ أو من تدمير؟ لا والله ، إنه الحياة ، وكما يقول تعالى:

وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ
(سورة البقرة: الآية 179)

فلعلي لا أبالغ إن قِست فقلت ولكم في الجهاد حياة ، لأنه حياة ليحيي الناس.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ
(سورة الأنبياء: الآية 107)

هو جهاد رحمةٍ وخيرٍ وحق وليس قتلاً باسم الدين ولا أن يعيث الإنسان في الأرض فساداً باسم الدين كما تفعل بعض المنظمات المأجورة التي تتقاضى أجرها من دولٍ خارجية لتهديم الإسلام باسم الإسلام وتفجيره من الداخل ، لا نريد أن نُلغي الجهاد من فكرنا ولكن نريد أن نُأطِّره بشكله الصحيح وبطريقه القويم.

قانون الجهاد
إذاً أيها الكرام: النبي صلى الله عليه وسلم عندما ودّع أصحابه وضع لهم قانون الحرب: ليس هناك غلول سرقة ولا غدر ولا تمثيل وليس هناك قطعٌ للنباتات ولا إغراقٌ للنخيل ، ليس هناك قتلٌ لصبيٍّ صغير ولا لامرأةٍ ولا لشيخٍ كبير ، ليس هناك قتلٌ لإنسانٍ اعتزل القتال وجلس في صومعته.

وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا
(سورة الحج: الآية 40)

شرع الجهاد ليترك للناس حرية الاعتقاد
فالجهاد أيها الإخوة شرع ليكون في نور الله من أجل أن يُترك للناس حرية الاعتقاد ، من أجل أن يدين الناس بما يريدون لا لإجبارهم على الدخول في دين الله، لم يشرع الجهاد لتجبر إنساناً على الدخول في دين الله ، فالإنسان يدخل في دين الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، لكن الجهاد شُرع من أجل أن تترك له الحرية لأنك إن لم تترك له الحرية ليعتنق ما يريد فهناك من سيجبره غيرك على أن يكون كما يريد هو ، كما نرى ونسمع بأم أعيننا اليوم.

مجريات غزوة مؤتة والحكمة منها
معركة غير متكافئة
أيها الكرام: إذاً النبي صلى الله عليه وسلم وضع قانون الجهاد ، قانون رحمة ، قانون عدل ، مع أن المسلمين في غزوة مؤتة ثلاثة آلاف وجيش الروم بلغ مئتي ألف ، يعني خمسةً وستين ضعفاً ، يعني كل شخص يقابل خمس وستين شخص ، يعني معركة غير متكافئة أبداً ، فلو أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيح للمسلمين أن يفعلوا ما يشاؤوا حتى يبلغوا الغاية لفعل ، لكنه صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة ، ففي أشدِّ الحالات أوصى بوصيةٍ جامعة تمنع أن يُنَالَ إنسانٌ بسوء إلا إن كان مقاتلاً محارباً.
أيها الكرام: ودّع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ومضى المسلمون حتى نزلوا معان من أرض الشام ، وبلغهم أنّ هرقل قد نزل البلقاء في مئة ألفٍ من الروم وانضم إليهم مئة ألف ، مئتا ألف ، أقام المسلمون ليلتين في معان ، وقالوا بعد ذلك نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإما أن يمدنا بالرجال وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، يعني الوضع لم يعد ضمن الحسابات أبداً ، ثلاثة آلاف مقابل مئتي ألف ، فإما أن يَمُدَّنا بالرجال أو يقول امضوا وأنتم ثلاثة آلاف فنمضي ، يعني الكتابة ليست ضعفاً ولا هواناً لكن نكتب له لنعلمه بالواقع الجديد ، فقام عبد الله بن رواحة فقال: ياقوم والله إنّ التي تكرهون للذي خرجتم تطلبون؛ أنتم خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعددٍ ولا قوةٍ ولا كثرة إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور أي نصر ، أو شهادة ، فقال الناس: صدق بن رواحة ، صدق ابن رواحة ، ثم التقى الجمعان في مؤتة فقاتل زيدٌ حتى استشهد ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى استشهد على أرض مؤتة ثم أخذ الراية ابن رواحة وأنشد بيتين من الشعر:
يا نفسُ إلاَّ تُقتَلي تموتِي هذا حِمَامُ الموتِ قد صَلِيتِ ما تمنيتِ فقد أُعطِيــــــــتِ إِن تَفعَلي فِعْلَهُما هُدِيــــــــــتِ
{ عبد الله بن رواحة }
فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم وأعطاها لخالد بن الوليد ، ونعى النبي صلى الله عليه وسلم زيداً وجعفراً وابن رواحة قبل أن يصل إليه خبرهم وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ صلى الله عليه وسلم.

{ عَنْ أَنَسٍ بن مالك: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَعَى زَيْدًا ، وجَعْفَرًا ، وابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ ، فَقالَ: أخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ: حتَّى أخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ ، حتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم }

(صحيح البخاري)

هناك مدافعة في الأرض
لم يكن عنده صلى الله عليه وسلم حبٌّ لأن يموت أصحابه ، أبداً ، هو يحب أصحابه ويحب أن ينعم الناس بالسلام لكن لن يحصل ذلك لأن هناك مدافعة في الأرض لن يحصل ذلك إلا عندما تكون قوياً هذا هو الجهاد ، لن يعطيك الناس حقك طواعيةً ، ترون اليوم وتسمعون وتشاهدون لا يُقلق أعداءنا شيءٌ في أرض فلسطين الحبيبة إلا شخصٌ يواجههم ، أما شخصٌ يخطب بهم فليخطب بما شاء ، هذه سنة الحياة ، سنة الحياة أنك إن لم تكن قوياً فالطرف الآخر سيصبح قوياً ويقضي عليك ، فإما أن تجاهد أنت أو أن يجاهد هو.

أنواع الجهاد
أخوانا الكرام: الجهاد أنواع ، والجهاد في الأصل هو بذل الجهد.

1. جهاد النفس والهوى
الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى
أول نوعٍ من أنواع الجهاد: جهاد النفس والهوى: أن تجاهد نفسك ، ورد عن بعض الصحابة والتابعين قالوا: رجعنا من الجهاد الأصغر أي جهاد الأعداء إلى الجهاد الأكبر جهاد النفس والهوى.
فالمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملةً ، يعني بعبارةٍ أخرى كما تعلمنا من شيخنا؛ الجهاد: جهاد النفس والهوى هو التعليم الأساسي ، قبله لا شيء ولن يكون بعده إلا بناءً عليه ، فأول جهادٍ أن تجاهد نفسك وهواك ، قال تعالى:

وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
(سورة العنكبوت: الآية 69)

جاهدوا في تطبيق أمر الله ، صلاة الفجر في جماعة تحتاج جهاداً ، غض البصر يحتاج جهاداً، منع اللسان عن أعراض الناس يحتاج جهاداً ، هذا جهاد النوع الأول.

2. الجهاد الدعوي
النوع الثاني بعد جهاد النفس والهوى هو: الجهاد الدعوي: قال تعالى:

وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا
(سورة الفرقان: الآية 52)

المجاهدة بالقرآن
(وَجَاهِدْهُم بِهِ) أي بالقرآن الكريم (جِهَادًا كَبِيرًا) سمى الله المجاهدة بالقرآن (جِهَادًا كَبِيرًا) أن تبين أحكام القرآن ، أن تقرأ القرآن ، أن تُعلِّم القرآن ، ( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)

{ عَنْ عُثْمَانَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ }

(صحيح البخاري)


3. الجهاد البنائي
أن تبني أمتك
الجهاد الثالث: جهاد بنائي: أن تبني أمتك؛ بالعلم ، بالإعلام ، بالإعلام الصحيح لا الإعلام المفسد الفاسد ، أن تربي أولادك ، هذا بناء ، كما فعل صلاح الدين الأيوبي يوم أراد أن يفتح القدس بدأ بالمدارس ، ومدارسه في الشام حتى الآن شاهدةٌ عليه ، مدارس لتعليم الجيل ، فبعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة أنشأ جيلاً هذا الجيل فتح القدس ، فصلاح الدين ليس شخصاً لكنه جيلٌ كامل ، هذا البناء أن نبني ، كل إنسان يبني بما يستطيع.

4. الجهاد القتالي
ثم يأتي الجهاد الآخير؛ الجهاد القتالي: وهو وفق الضوابط التي ذكرناها وتحدثنا عنها ، جهاد دفعٍ وجهاد طلب ، ليس جهاد قتلٍ ولا تدميرٍ ولا إرهابٍ ولا سفكٍ للدماء ولا إدخالٍ للناس في دين الله عنوةً ولا قتل للمسالمين ولا ولا إلخ.

كيف انتصر المسلمون في غزوة مؤتة؟
خطة النصر في الغزوة
أيها الكرام: إذاً نعى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه زيد وجعفر وعبد الله ابن رواحة وعيناه تذرفان ثم قال: ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله هو خالد بن الوليد رضي الله عنه فتح الله عليه فاستطاع خالد رضي الله عنه وأرضاه أن يوهم الروم بأنّ هناك مدداً قادماً فغير الميمنة إلى الميسرة والميسرة إلى الميمنة وأمر البعض أن يأتوا من بعيد ويثيروا الغبار فألقى الله الرعب في قلوب الروم وأحدث فيهم مقتلةً عظيمة ثم التف وعاد إلى المدينة بأقل خسائر ممكنة فرحب به النبي صلى الله عليه وسلم وقال له ولأصحابه: "أنتم الكُرَّار إن شاء الله".

{ فلمَّا سمعَ أَهلُ المدينةِ بجيشِ مؤتةَ قادمينَ تلقَّوْهم بالجرفِ فجعلَ النَّاسُ يحثونَ في وجوهِهمُ التُّرابَ ويقولونَ يا فرَّارُ أفررتم في سبيلِ اللَّهِ فيقولُ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ليسوا بفرَّارٍ ولَكنَّهم كُرَّارٌ إن شاءَ اللَّهُ }

(رواه الألباني)

إذاً أيها الإخوة الكرام: هذه الغزوة الطيبة التي تمت على هذه الأرض الطيبة التي دفن فيها كبار الصحابة الكرام فهي أرض الرباط نسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلاً لأن نعيش فوق ثرى الشام وأن نتنسم عبق هذه الذكرى الطيبة ليدفعنا ذلك إلى عملٍ دؤوب ، إلى جهادٍ بنائي ، إلى إعداد ، لأننا مقبلون على مرحلةٍ قادمة نسأل الله عز وجل أن يجعل فيها النصر والتمكين للإسلام ، وهذا لا نشك فيه أبداً ولا نماري فيه أبداً وليس عندنا أدنى شكٍ به ولكن نسأل الله أن نكون جنوداً في خدمته.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم ، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيَتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات ، اللهم برحمتك عُمَّنا ، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا ، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا ، نلقاك وأنت راضٍ عنا ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين ، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة ، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا ، أنت حسبنا عليك اتكالنا ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخَّرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير ، اللهم لك الحمد ولك الشكر على ما أنعمت به علينا من نعمة الغيث من السماء ، اللهم أتم نعمتك علينا ولا تهلكنا بالسنين ولا تعاملنا بفعل المسيئين برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم فرج عن أخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها فرجاً عاجلاً يا أرحم الراحمين ، أطعم جائعهم ، واكسُ عريانهم ، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم ، وأنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء ، واجعل لنا عملاً صالحاً متقبلاً في خدمتهم يا أرحم الراحمين ، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا ، وانصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين ، إجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، وفِّق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد ، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.