ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

  • 2018-12-28
  • عمان
  • مسجد أحد

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ


الخطبة الأولى

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكُلّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر، أوصيكم ونفسي بتقوى الله.


دعوة محتملة من ملك من الملوك
دعوة من شخصية مهمة
أيها الأحباب: لو أن ملكاً من ملوك الأرض واعد الناس في بلدٍ من بلاد الأرض، والمثل إفتراضي، واعدهم في ساحةٍ معينة، في وقتٍ معينٍ قبيل صلاة الفجر، ليلتقي بهم فيستمع إلى شكواهم ووعدهم بأن يلبي منها ما يستطيع، بربكم كم شخصاً سيحضر هذه المقابلة من أهل البلد؟ كم شخصاً سيبيت قبل الموعد بليالٍ ليكون عند الموعد موجوداً ويعرض شكواه بين ملكٍ من ملوك الأرض؟ ربما تزحف البلدة كلها برجالها ونسائها وأطفالها، ثم اسمحوا لي أن أسألكم سؤالاً: هل مجيئه مؤكد أم محتمل؟ إنه مجيءٌ محتمل، لأنه يمكن أن يأتي ويمكن ألا يأتي فكلما سوى الله ممكن، وواجب الوجود هو الله وحده، الآن لو أنه أتى، هل سيستطيع أن يسمع كل الشكاوى في وقتٍ واحد؟ إن هذا من المستحيل على بني البشر، وسأفترض أنه سمعها فهل هو قادرٌ على تلبيتها جميعها دون استثناء؟ لا والله، يلبي طلباً وعشرةً ومئةً وألفاً ثم يتوقف، وهناك طلباتٌ يعتذر عنها، فلو جاءه من يقول له: اشفِ لي ابني، فهل يستطيع أن يشفي له ابنه؟!
إذاً أيها الأحباب: مجيئه محتمل، وسماعه محتمل، وقدرته محدودة، وزحفت البلدة كلها من أجل أن تُسمعه شكواها، اسمعوا إلى الحديث الشريف المتفق عليه في صحيحي البخاري ومسلم:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ }

(رواه البخاري ومسلم)

تلبية دعوة الله
(يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ) ينزل نزولاً يليق بكماله، الله أعلم به، لن ندخل فيه، ينزل نزولاً يليق بكماله ليس كمثله شيءٌ جل جلاله.
يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ).
قل: نعم يا رب أنا السائل فأعطني، أنا المستغفر فاغفر لي، أنا العاري فاكسني، أنا الجائع فأطعمني، أنا الضال فاهدني، أنا الحائر فأرشدني، أنا الفقير فأغنني، أنا الذليل فأعزَّني، أنا الضعيف فقوني، لَبِّ دعوة الله.
أيها الكرام :
للهِ قومٌ أَخْلَصُوْا في حُبِــــــــــــــهِ فَكَسَا وجُوهَهُمُ الوَسِيْمَةَ نُـــــوْرًا قَامُوا يُنَاجُونَ الإلهَ بِأَدْمُـــــــــــــعٍ تَجْري فَتَحْكِيْ لُؤلُؤًا مَنْثُــــــــــــوْرًا عَمِلُوا بِمَا عَلِمُوا وَجَادُوْا بِالـــذِي وَجَدُوا فَأَصْبَحَ حَظهُم مَوفُـــــورًا وَإِذَا بَدَا لَيْلٌ سَمِعْتَ حَنِيْنَهُـــــــــمْ وَشِهَدْتَ وجْدًا مِنْهُمُوا وَزَفِيـــــــرًا تَعِبُوا قَلِيلاً في رِضَا مَحْبُوبِهِــــــم فَأَرَاحَهُم يَوْمَ اللِّقَاءِ كَثِيْـــــــــــــــــرًا
{ منقول }

الدعاء هو العبادة
الدعاء أيها الأحباب هو العبادة، كما في الحديث الصحيح:

{ الدُّعاءُ هو العبادةُ ، ثمَّ قرأ قوله : (وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)-(سورة غافر : الآية 60) }

(صحيح الترغيب والترهيب)

(الدُّعاءُ هو العبادةُ، ثمَّ قرأ صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (وَقال رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) ولم يقل دعائي، لأنّ الدعاء هو العبادة (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).
أيها الكرام: في الحديث الصحيح:

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاءِ) }

(أخرجه الترمذي وابن ماجة)

الدُّعاءُ هو العبادةُ
(ليس شيءٌ) على الإطلاق، وشيء أعمُّ كلمةٍ في اللغة العربية.
(ليس شيءٌ أكرمَ على اللهِ من الدعاءِ) لأن من يدعو الله عز وجل يعرفه، ولأن من يدعو الله عز وجل يوقن بأن الله يسمعه، ولأن من يدعو الله عز وجل يوقن بأن الله عز وجل قادرٌ على إجابته، فهو في أعلى أنواع العبادة وهو يلتجئ إلى ربه ويحسن الصلة به ويقول له يا رب.

لا يجب أن تُربط العبادة بالنتائج
لا ينبغي أن تربط العبادة بنتائجها
وهنا ملمحٌ أيها الأخوة لا بد منه: أحياناً يدعو الإنسان بدعاءٍ فيظن أنه لم يستجب له فيتوقف عن الدعاء، هل هذا الموقف صحيح؟ الجواب: لا، لأن العبادة لا ينبغي أن تربط بنتائجها.
بمعنى أنني أصلي إن حصل لي ما أريد، وأترك الصلاة عندما لا يحصل ما أريد، والدعاء عبادة، فكيف نترك عبادةً بزعمٍ منا وبقصر نظر بأنه لم يستجب لنا ؟!
أيها الكرام: يقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح:

{ ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ، فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا، وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا، ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي }

(أخرجه مسلم والترمذي وأحمد)

(ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ) (ما) و(إلَّا) تفيد الحصر والقصر، مثل أن نقول: لا إله إلا الله، أي لا معبود بحقٍّ إلا الله وحده، فهذا للحصر والقصر.
(ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ) إذاً الاستجابة محققة، كيف تقول: لم يستجب لي؟!، لكن الاستجابة لها طرقٌ ثلاثة:
1. (فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا) يقول يارب ارزقني فيُرزق فوراً، وهذا حاصل يعلمه من ذاقه، يأتيه الجواب في الدنيا.
2. (وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ) أنت تريد شيئاً وتحبه وتظن أنَّ مصلحتك به

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا
(سورة الإسراء : الآية 11)

من معاني الآية: أنَّ الإنسان قد يدعو بشيءٍ يظن أنه خير وهو في حقيقته شرٌّ له، لأنه لا يعلم والله يعلم، فمن ضعف وقصر نظر الإنسان قد يدعو شيئاً فيه شرٌّ له وهو يظنه خير، فيُدَّخَرُ له في الآخرة.
3. (وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا) هو مذنب، عنده ذنوب، وقد تحجب عنه الإجابة بالنوع الأول، فيجاب إلى دعائه بمغفرة الذنوب.
أنت الرابح في الحالات الثلاث
إذاً أنت الرابح في الحالات الثلاث، فإن أجاب الله دعاءك في الدنيا فقد ربحت، وإن ادخره في الآخرة فما أعظم الأجر عندما يدخر ليوم الحساب، وإن غفر لك ذنوبك فنعم ما حصل، فالإنسان رابحٌ بالدعاء بغض النظر عن طريقة الإجابة.
تتمة الحديث قال: (ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ) الدعاء بالإثم لا يستجاب، والدعاء بقطيعة الرحم لا يستجاب.
(أو يستعجِلْ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي) هذا يحجب الإجابة (دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي).

واقع الأمة الحالي من خلال الدعاء
أيها الأحباب الكرام: لكن لا بد الآن من إضاءة على واقعنا من خلال الدعاء، الأمة اليوم منذ مئة عامٍ وأكثر قليلاً تعيش محنةً وتعيش واقعاً مؤلماً، والمسلمون كثيرٌ منهم أو بعضهم يدعون الله عز وجل أن يفرج الله الهم وأن يكشف الله الغم وأن يقسم الطغاة والمجرمين وأن يحق الحق بكلماته وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وهذا أمرٌ مهم وينبغي أن نستمر عليه.
لكن يقفز إلى الذهن سؤال: لماذا هذا الواقع لم يتغير؟ لماذا نحن من مطبٍّ إلى آخر؟ لماذا نحن من مشكلةٍ إلى أخرى؟ لأننا ضمن العلاج.
لا بد من علاج إلهي
كنت مرةً عند طبيب أسنان، والقصة قبل سنوات، يوم اشتدت الأحداث في الشام، فرج الله عن الشام وأهلها، كنت على كرسيه وقد خدَّر الأسنان وبدأ يعمل عمله، فسألني قال: ما بال الأوضاع لا تتغير ونحن ندعو الله عز وجل؟ السؤال الذي طرحته الآن: قلت له: والله يا أخي ولله المثل الأعلى إن حالنا مع الله عز وجل كحالي الآن بين يديك، قال: كيف؟ قلت له قد خدَّرت وبدأت بالعمل وإنه ليزعجني جداً أن تتابع العلاج لأنني متألم ومنزعج ولكنني صابر لأن بعده فرجاً بعد أن أصابني الألم في الليل، فلو قلت لك الآن أوقف العلاج وقد أخذتُ المخدِّر هل ستوقفه؟ قال: لا سأتابع عملي، قلت له: ولله المثل الأعلى؛ إن حالنا اليوم مع الله عزو جل أننا قد قصرنا لمئة عامٍ ماضية، قصرنا تقصيراً شديداً، تركنا ديننا، أعرضنا عن كتاب ربنا، وسنّة نبينا صلى الله عليه وسلم، فكان لابد من العلاج لنعود إلى الجادة الصواب، فنحن عندما ندعو ربنا، وموسى وهارون (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا)

قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا
(سورة يونس : الآية 89)


سنن الله ماضية وينبغي للعلاج أن يستمر
فمتى أجيبت دعوتهما؟ بعد أربعين سنة (قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) لكن لا بد أن ينتهي العلاج، لا بد أن يعود المسلمون إلى ربهم، لا بد أن يصطلحوا معه، لا بد أن يربوا أولادهم، لا بد أن ينشئوا جيلاً، لأن القدس لا تستعاد بالكلمات ولا بالخطب المنبرية تستعاد بجيلٍ مؤمن، لأن الله له سننٌ في الكون، فليست الإجابة محجوبةً، ولكن نحن محجوبون عن وعد الله بتقصيرنا، فلا يَقل قائلٌ: قد حجب الدعاء عنا وحجبت الإجابة، بل يقول: قد حُجِبنا بتقصيرنا عن أن يحقق الله موعوده لنا، لأن لله سنناً في الكون لا تتخلف ولا تتغير.
واسمعوا الآن إلى الحديث الشريف في صحيح البخاري:

{ وعنْ أبي عبدِاللَّهِ خَبَّابِ بْن الأَرتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟ فَقَالَ: قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ }

(رواه البخاري)

سنن الله ماضية وينبغي للعلاج أن يستمر
(عن خَبَّابِ بْن الأَرتِّ قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ ﷺ وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ ﷺ، فَقُلْنَا: أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو لَنَا؟) هم الآن لا يطلبون شيئاً غير شرعي حاشاهم صحابة رسول الله، يطلبون أن يستنصر لهم رسول الله، يارب انصرنا، يارب، ادعوا لنا، وقد تتخيلون أنه رفع يديه وهو تحت الكعبة وقال: يارب انصر المسلمين، لماذا لم يفعل ذلك رسول الله؟ مع أنه مطلوب وهذا لا يقلل فيه من أهمية الدعاء بالنصر والتمكين، لكن ماذا قال رسول الله ﷺ؟ قال لهم: (قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، مَا يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر),
الإجابة قادمة: (واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لاَ يخافُ إِلاَّ اللهَ والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) لأنه لمح في ثنايا كلامهم أن الموضوع ليس طلب دعاء فحسب وإنما هم استعجالٌ ومللٌ وضجر، فعلمهم درساً بأن سنن الله ماضية وينبغي للعلاج أن يستمر لكن {الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}.

إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ


في التاريخ انتكاسات كثيرة للمسلمين تلاها نصرٌ من الله
أيها الكرام؛ أيها الأحباب: نحن دائماً ننظر إلى الزمان والمكان نظرةً ضيقة، فنصاب بالإحباط وبالهزيمة النفسية، وأعظم هزيمةٍ هي هزيمة النفس، هزيمة الأعداء يمكن منها أن يتغلب الإنسان عندما يأذن الله فأمره بين الكاف والنون، لكن هزيمة النفس هي المصيبة الكبرى، لماذا ننظر إلى الزمان والمكان نظرةً ضيقة؟!
منع الصلاة في المسجد الأقصى
اقرؤوا التاريخ: لقد هجم التتار على المسلمين في العراق، فرج الله عن أهل العراق، فمُلئت شوارع بغداد بأكوام وأشلاء اللحوم ولم تصلى صلاةٌ واحدة في مسجدٍ من مساجد بغداد أربعين يوماً، ولا صلاة، ثم سلَّط الله على التتار من هزمهم شر هزيمة وغيَّر الله الواقع وبدل الله الحال.
الصليبيون هجموا على المسلمين ومنعت الصلاة في المسجد الأقصى، لم يحصل هذا حتى اليوم من اليهود لعنهم الله، لكن منعت الصلاة في المسجد الأقصى واحداً وتسعين عاماً، لم يُصلَّ في المسجد الأقصى، ثم قيَّض الله للصليبيين من قضى عليهم وظهر جيل صلاح الدين وأعاد القدس.
لَئِن عَرَفَ التَّأرِيخُ أَوسًا وَخَزرَجًا فَللهِ أَوسٌ قَادِمُونَ وَخزَرَجُ
{ من الشعر القديم المنقول }
أيها الكرام : القرامطة، أنا أستقرئ التاريخ، القرامطة هجموا على المسلمين وهم يطوفون حول الكعبة في بلد الله الحرام وهم بلباس الإحرام وقتلوا منهم من قتلوا، وهجم أبو طاهرٍ القرمطي المجرم واقتلع الحجر الأسود من مكانه ورفع رأسه إلى السماء متحدياً قال: أين الطير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟.
بقاء الحجر الأسود بعيداً عن الكعبة
وبقي الحجر الأسود بعيداً عن الكعبة أربعين سنة، ثم هزم الله القرامطة، وغير الله الواقع، وبدل الله الحال. لا ينبغي أن ننظر إلى الزمان والمكان نظرةً ضيقة، نحن المسلمين في علاجٍ إلهي فمتى حِدنا عن الطريق أعادنا إليه، لأننا ضمن العناية المركزة، لكن ينبغي أن نصطلح مع الله وأن نعود إليه ليغير الله الواقع وليبدل الله الحال

ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ
(سورة محمد : الآية 4)

من أجل تحقيق الامتحان ومن أجل إتمام العلاج، لكن يارب فاتورة الدماء كبيرة! اقرؤوا تتمة الآية:

وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ
(سورة محمد : الآية 4-5-6)

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا علیك اتكالنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدیر، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها فرجاً عاجلاً يا أكرم الأكرمين، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عریانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غریبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمة الغيث من السماء، اللهم يا أكرم الأكرمين أتم نعمتك وفضلك علينا من كرمك يا أرحم الراحمين، اللهم فرج عن المستضعفين في كل مكان، اللهم فرج عن إخواننا في القدس الشريف، وفي المسجد الأقصى المبارك يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.