• 2018-12-14
  • عمان
  • مسجد أحد

عصمة أمري

ياربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد أحقُّ ما قال العبد وكُلُّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كيثراً، وبعد عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته، واستفتح بالذي هو خير.


إصلاح الدين
أيها الأحباب: في صحيح مسلم دعاءٌ نبويٌّ من الأدعية الجامعة كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به ويكثر منه، هذا الدعاء هو قوله صلى الله عليه وسلم:

{ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ }

(صحيح مسلم)

دعا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء بصلاح ثلاثة أمور وبدأها بالأهم الذي لا تصلح الدنيا ولا الآخرة إلا به وهو صلاح الدين، فقال: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وهل الدين يحتاج إلى إصلاح؟
أيها الأحباب: الدين منهج السماء

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
(سورة المائدة: الآية 3)

الدين توقيفيٌّ من الله
أي: إن عدد القضايا التي عالجها الدين كاملةٌ عدداً تامةٌ نوعاً وأي محاولةٍ للحذف من هذا الدين فهي اتهامٌ له بالزيادة، وأي محاولةٍ للزيادة عليه فهي اتهامٌ له بالنقص، فالدين توقيفيٌّ من الله لا يُزاد عليه ولا يُنقص منه، وإذا سمعتم اليوم في وسائل الإعلام عن التجديد في الدين فهي دعوة حقٍّ أريد بها باطل في كثيرٍ من الأحيان، فإن كان المقصود بالتجديد أن نعيد للدين ألقه وأن ننزع عنه ما علق به مما ليس منه وأن نفهم أحكامه وأن نطبقها في واقعنا وأن ننشر هذا الدين وأن نحيي ما أميت من سننه فنعمَ التجديد وهو مطلوب وإن كان التجديد يعني رؤيةً معاصرةً تخرج الدين عن مدلولاته وتحارب أحكام الله عز وجل بدعوى العصر وتغير الأزمان وتغير الأمكان وأن هذا الدين لم يعد قابلاً للتطبيق في ذلك الزمن فهي دعوى باطلة يريد أعداء الدين أن ينفذوا إلينا من خلالها، فلننتبه.

الدين عصمة الأمر
الصعمة من الوقوع في الزلل
أيها الأحباب أعود إلى الدعاء: (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي) الدين عصمة الأمر لأنه يعصمك من أن تقع في الزلل أو العبث أو الخطل أو الخطأ، يعصمك فلا عاصم إلا دين الله عزَّ وجلَّ، ولن يعصمك في حياتك ولا يوم تلقى ربك ولن يعصمني إلا التمسك بدين الله تعالى فهو عصمة الأمر، كم من إنسانٍ أردى نفسه في المهالك والشقاوة في بعده عن دين الله عزَّ وجلَّ، لم يكن الدين في يومٍ من الأيام إلا باعثاً للوحدة وباعثاً للأمن والأمان وللسلم والسلام.
أيها الإخوة الكرام: أروي لكم قصةً توضح كيف يكون الدين عصمة الأمر وكيف يمكن للإنسان في لحظة سفهٍ وطيشٍ أن يخسر دنياه وآخرته، ميمون بن قيس شاعرٌ جاهليٌّ مكنَّى بأبي بصير ومعروفٌ بالأعشى (لقبه الأعشى)، ولعلكم سمعتم بالشاعر الأعشى وهو من الشعراء الفحول، هذا الشاعر أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يُسلم، مع أنه مدح صلى الله عليه وسلم، الأعشى مدح رسول الله في أبياتٍ تأسر القلوب، أختار لكم منها: يخاطب ناقته، راحلته، فيقول لها:
مَتَى مَا تُنَاخِي عِنْدَ بَابِ ابْنِ هَاشِمٍ تُرَاحِي وَتَلْقَى مِنْ فَوَاضِلِهِ نَــدَى نَبيٌّ يَرَى مَا لا تَرَوْن، وَذِكْـــــــــــــــــــرُهُ أغَارَ، لَعَمْرِي، في البِلادِ وَأنجَدَا إذا أنْتَ لمْ تَرْحَلْ بِزَادٍ مِنَ التّقَــــــــــى وَلاقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَن قد تزَوّدَا نَدِمْتَ على أنْ لا تَكُونَ كمِثْلِــــــــــــــهِ وَأنّكَ لمْ تُرْصِدْ لِما كَانَ أرْصَــــدَا
{ الأعشى }
تلقى الكرم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قصة الأعشى مع الإسلام
المنهج يقتضي افعل ولا تفعل
كلامٌ جميل، لكن الأعشى لم يسلم، رغم أنه أراد أن يسلم، فما الذي حصل معه؟ (خرج الأعشى وفي طريقه إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم اتفقت قريش فقالوا: هذا صنَّاجة العرب ما مدح أحداً قط إلا رفعه فإياكم أن يصل إلى محمد لكي لا يمدحه بشعره) هم يظنون أن الرفعة تكون بالشعر لكن الله تعالى هو الذي رفع ذكر حبيبه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، على كلٍّ (وقفوا في طريقه وأرصدوا له فلما خرج قالوا: إلى أين أنت ذاهب؟ قال أريد صاحبكم هذا لأُسلِم) أنا ذاهبٌ للإسلام، (فقالوا له: إنه يا أبا بصير ينهاك عن خلالٍ ويحرمها عليك، وكلها بك رافق ولك موافق) الإسلام مبدأ، ومنهج، والمنهج يقتضي افعل ولا تفعل، وهذه افعل ولا تفعل إنما هي لصالحنا.
أوامر الدين ضمان لسلامتنا
تماماً لو أنك كنت تمشي في طريق فوجدت محولاً كهربائياً كبيراً كتبت عليه الأمانة ممنوع الاقتراب خطر الموت، هذا التوجيه بمنع الاقتراب هل تشعر أنه جاء حداً لحريتك؟ أم وضِع ضماناً لسلامتك؟ بالتأكيد وضع ضماناً لسلامتك، فتستجيب له، كل أوامر الدين وكل نواهي الدين من هذا الصنف وضعت ضماناً لسلامتنا لا حداً لحريتنا، فمن فقه ذلك فقد فقه حقيقة الدين، عندما ينهانا الله عن الزنا فهو لصالحنا عندما ينهانا عن أكل أموال الناس بالباطل حتى لا يأكل الناس أموالنا بالباطل، عندما يأمرنا بغض البصر عن المحارم حتى يغض الناس البصر عن محارمنا وهكذا، فكل أمرٍ في الدين وكل نهيٍ في الدين هو لصالحنا، لكن غير الفقيه في الدين يظن أن الأوامر تحد من حركته.
الآن هؤلاء قالوا له: (إنه ينهاك عن خلال، كلها بك رافق ولك موافق) تحب أشياء سوف ينهاك عنها (قال: وما هي؟ قالوا: الزنا، فقال: لقد تركني الزنا وما تركته) أنا رجلٌ كبيرٌ في السن وتركت الزنا ولا أريد شيئاً من هذا، (قالوا: هناك أشياء أخرى، قال: وما هي؟ قالوا: ينهاك عن القمار) الميسر (قال: لعلي إن وصلت إليه أصيب منه عوضاً عن القمار) يغنيني الله لا أريد القمار، (قالوا له: ينهاك عن الربا، قال: والله ما دِنت ولا أدَنت) أنا لا أتعامل بالقروض أصلاً، لا أحب القرض، فالربا لا يهمني، قالوا له: وهم يعلمون شدة تعلقه بالخمر، (قالوا له: الخمر، قال: أوه هذه صعبة، أرجع إلى صبابةٍ) شيء من الخمر (بقيت في المهراس فأشربها) أولاً أشرب الخمر ثم أسلم، (قال له أبو سفيان: وهل لك في خيرٍ من ذلك؟ قال: وما هو؟) ما هو الخير من ذلك؟ (قالوا له: نحن الآن في هدنةٍ مع محمد لسنة) صلى الله على محمد، (فارجع سنتك هذه فإن ظفرنا عليه بعد ذلك فقد أصبت عوضاً) نعطيك مئةً من الإبل هدية فقط لا تسلم هذه السنة، (وإن ظفر علينا بعد سنة جئت إليه فأسلمت معه، قال: والله هو خير) هذا الخيار جيد، في نظره هذا الخيار جيد.
(فقال أبو سفيان لقومه: اجمعوا له مئةً من الإبل فوراً، فوالله إنه إن وصل إلى محمدٍ وألقى الشعر ومدحه ليُنْهِضَنَّ العرب عليكم) الشعر كان محرك قوي في الجاهلية، يعني الوسيلة الإعلامية الأولى، يعني كأنك اليوم تقول: إن وصلت إلى القناة المحددة المعروفة التي تنشر الأخبار ونشرت الخبر هناك فقد وصل إلى العالم كله، هذا هو وسيلة الإعلام في عهد العرب، (فقال لهم: اجمعوا له مئةً من الإبل فجمعوها له فرجع وأخَّر إسلامه سنة، أثناء عودته إلى بلده وهو في منطقةٍ تسمى قاع منفوحة رمى به بعيره عن ظهره فداسه فقتله، فكانت الشبان إذا أرادوا أن يشربوا الخمر جاؤوا إلى قبره فشربوا الخمر على قبره وصبوا عليه فضلات الأقداح) كما يقول ابن هشام.
سوف جنديٌّ من جنود إبليس
إذاً أيها الأحباب: هذا الرجل أخَّر أو سَوَّفَ، وسوف جنديٌّ من جنود إبليس، سَوَّفَ عمله، أخَّر عمله، أخَّر إسلامه، فلم يكن الدين عصمةً له من الأمر، ولو أسلم لكان اليوم فلان رضي الله عنه، كما نترضى اليوم عن بلالٍ وعن صهيب وعن سلمان رغم أن ثلاثتهم ليسوا من العرب والأعشى عربيٌّ أصيل لكننا نترضى عن سلمان الفارسي، وعن صهيب الرومي، وعن بلال الحبشي، ونقول: هؤلاء ساداتنا لأنهم اتخذوا قراراً صحيحاً، فالعبرة أن يتخذ الإنسان القرار الصحيح في الوقت الصحيح وفي الزمن الصحيح.

الإصلاح يكون في فهمنا للدين
أيها الأحباب: أعود إلى الدعاء: (اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي) قلت لكم هل يحتاج الدين إلى إصلاح؟ الدين من حيث هو منهج السماء لا يحتاج إلى إصلاح، لكن ديننا نحن أي الطريقة التي ندين الله بها، أي الطريقة التي نفهم الدين بها هذه تحتاج إلى إصلاح، كثيرٌ من الناس فهموا الدين على أنه عباداتٌ شعائريةٌ من صلاةٍ وزكاةٍ وصومٍ وحجٍّ، هذا الدين يحتاج إلى إصلاح، فالدين منهجٌ كاملٌ يبدأ من العلاقات الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، كثيرٌ من الناس لم يفهموا قوله تعالى:

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ
(سورة الشورى: الآية 13)

إقامة الدين في جميع نواحي الحياة
(أَقِيمُوا الدِّينَ) ما معنى (أَقِيمُوا الدِّينَ)؟ (أَقِيمُوا الدِّينَ) أي اجعلوه قائماً في حياتكم، في بيعكم، في شرائكم، في تعاملاتكم، في سوقكم، في محلاتكم، في مدارسكم، في جامعاتكم، في طرقاتكم، (أَقِيمُوا الدِّينَ) كانت العرب تقول: "أقام القوم سوقهم"، ما معنى أقام القوم سوقهم؟ هل تعني أنهم أقاموها جعلوا خيمةً وجعلوا محلات وانتهى الأمر؟ قال: لا، أقام القوم سوقهم أي لم يُعطِّلوها من البيع والشراء، يعني من تحقيق الغاية التي وجدت من أجلها، فإذا كان في السوق بيعٌ وشراءٌ فهي سوقٌ مقامةٌ وإن لم يكن في السوق بيعٌ وشراءٌ فلم تُقَمْ السوق ولو رأيتها مُقامةً في الظاهر، عندما يقول تعالى:

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ
(سورة البقرة: الآية 43)

معنى إقامة الصلاة
(وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) لم يقل: أدُّوا الصلاة، لم يقل: صلُّوا، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) أيها الأحباب؛ يعني ذلك كما يقول ابن عباسٍ رضي الله عنهما: (إقامة الصلاة تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال على الله فيها) هذا معنى إقامة الصلاة، أن تنهاك، وأن تنهاني عن الفحشاء والمنكر

إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
(سورة العنكبوت: الآية 45)

فإن نهت عن الفحشاء والمنكر فقد أُقيمت، وإن لم تنهَ عن الفحشاء والمنكر فقد أُدِّيَت وسقط الوجوب وإن لم يحصل المطلوب.
إذاً أيها الأحباب: ديننا يحتاج إلى إصلاح عندما نفهم الدين بطريقةٍ خاطئةٍ أو عندما نفهم أن الدين نؤمن ببعض ونكفر ببعض فنؤدي من واجبات الدين ما يحلو لنا ونترك ما نجده صعباً علينا وشاقاً علينا هذا الدين يحتاج إلى إصلاح، ديننا نحن عندما نفهم الدين بشكلٍ مغلوط.

الغلو في الدين
أيها الإخوة الكرام أيها الأحباب: أيضاً يُفهم الدين خطأً عندما يغلو الإنسان فيه، قال تعالى:

يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ
(سورة النساء: الآية 171)

وفي مسند أحمد بسندٍ صحيح:

{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:‏ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ }

(رواه الإمام أحمد)

ما معنى الغلو؟ الغُلُوُّ: هو مجاوزة الحد، فكل تجاوزٍ للحد الشرعي فهو غلوٌّ في الدين، فمن يحللون الحرام ويحرمون الحلال فهم غالوا في الدين، الذين يكفِّرون المسلمين لمجرد اختلافهم معهم في الرأي فهم غالوا في الدين.

{ عن عبد الله بن عمر أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلا رَجَعَتْ عَلَيْهِ }

(رواه مسلم)

يعني إما أن تصيب هذا الرجل فهو كافرٌ حقيقةً، وإما أن ترجع إلى الرجل الذي قالها لأنه قالها بغير وجه حق.
لذلك أيها الأحباب: هذا الحديث يُؤثِّر أشدَّ التأثير ممن يُكفِّرون في الدين بغير دليل، هكذا يطلقون الأحكام على عواهنها.

{ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ }

(صحيح البخاري)


الدين هو الوسط
أيها الأحباب: كل بعدٍ عن الدين فهو تطرف، فالدين هو الوسط والبعد عنه باتجاه التكفير والتفجير تطرف، والبعد عنه باتجاه الإنحلال وتمييع أحكام الدين هو تطرفٌ أيضاً، الدين هو الوسط، لا يصح أن نقول: دينٌ وسطيٌّ، لأنه هو الوسط فلا داعي لوصفه بالوسطية، الدين هو الوسط.

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا
(سورة البقرة: الآية 143)

كل بعد عن الدين تطرف
فكل بعدٍ عن الدين باتجاه التكفير والتفجير واستباحة الأموال والأعراض والدماء فهو تطرف وغلو، وكل بعدٍ عن الدين في الطرف المقابل باتجاه تمييع الأحكام ورؤية معاصرة وتجديد في الدين بمفهومه السيء وأحكام جديدة وتطوير وتحديث الدين فهو تطرفٌ أيضاً وهذا يقابل هذا، فعل وردة فعل.
أيها الإخوة الكرام: لم تكن المشكلة يوماً في الدين وإنما في البعد عن الدين، وأختم بهذا، كيف؟.
الذين يتهمون الدين بأنه مصدرٌ للغلو اليوم، ومصدرٌ للمشكلات اليوم، كما نسمع في بعض الإعلام، نقول لهم: يوم كان ديننا مطبقاً في عصوره الزاهرة، يوم كانت الأمة الإسلامية تمتد من شرق الأرض إلى غربها، هل ظهر التطرف؟ يوم كان المسلمون ملتزمين بدينهم حقاً، يوم كانت تطبق أحكام الإسلام كلها بدءاً من العبادات وانتهاءً بالحدود، كل أحكام الدين كانت تطبق، هل ظهر تطرف؟ هل سمعنا تطرفاً وتكفيراً وتفجيراً وقتلاً واستباحةً للدماء؟ كان المسلمون في أمنٍ وأمانٍ ودعةٍ وسلامٍ، متى ظهر التطرف؟ عندما ابتعدنا عن الدين إذاً الدين يجمع ولا يفرق، الدين يحبب ولا ينفر، الدين يؤلف ولا يفرق، لكن الذي يفرق ويكفِّر ويفجر هو البعد عن حقيقة الدين، والبعد عن الطلب العلمي الشرعي المُؤصَّل.
إذاً أيها الإخوة الكرام: دائماً ادعوا الله تعالى أن يصلح لنا ديننا لأنه عصمة أمرنا.
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لنا دِينِنا الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لنا دُنْيَانا الَّتي فِيهَا معاشنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتنا الَّتي فِيهَا معادنا.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.