• 2018-12-07
  • عمان
  • مسجد أم مريم

المجادِلة


الخطبة الأولى

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد أحقُّ ما قال العبد وكُلُّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كيثراً .


قصة المجادِلة
الظِهار عادةٌ من عادات أهل الجاهلية
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: في بيتٍ من بيوت المدينة المنورة زوجةٌ تسمى خولة بنت ثعلبة تراجع زوجها في شأنٍ من شؤون الحياة، تناقشه في شأنٍ من شؤون الحياة، فيغضب زوجها وهو أوس بن الصامت رضي الله عنه فيغضب منها فيقول لها - أنتِ عليَّ كظهر أمي - يشبهها بأمِّهِ في أنه لن يقربها، والظِهار عادةٌ من عادات أهل الجاهلية، ويعني أن يقول الإنسانُ لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي أو كأختي أو غير ذلك، فيغضب فيقول - أنتِ عليَّ كظهر أمي - ثم أراد أن يقترب منها فقالت له: لا، وأبت عليه وقالت - كلا، والذي نفس خويلة بيده لا تخلُص إليَّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه - هذه الزوجة أيها الإخوة خولة بنت ثعلبة زوجةٌ صالحة تحب زوجها كما سيتضح بعد قليل لكنها عندما أصبح الأمر متعلقاً بحُكمٍ لله ولرسوله أبت على زوجها أن يقترب منها، لأنه

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
(سورة الأحزاب: الآية 36)

لا نقاش ولا جدال في أمر الله
فشأن المؤمن مع أمر الله عز وجل أن يقول: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) لا نقاش ولا جدال في أمر الله تعالى، فمادام الأمر واضحاً ثابتاً بنصوصٍ صحيحة فعلى العين والرأس ولو بدت المصلحة المتوهمة بخلاف هذا الأمر، فالمؤمن يركل بقدمه مليون دينارٍ إرضاءً لله تعالى، ويبتعد عن شهوةٍ محرمةٍ مهما بلغت إرضاءً لله تعالى.
أيها الأحباب: إذاً قالت له: لا والذي نفس خويلة بيده حتى يحكم الله بيننا، فالآن القضية شرعية لا مجال للعواطف فيها ولا للحب ولا للزوجية أصلاً.

مسؤولية الزوج والزوجة في تربية الأولاد
ذهبتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقول خولة: فجئتُ أشكو له، تقولُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبابي - تزوجني وأنا شابة ذات أهلٍ وعيال - أَكَلَ شَبابي، ونثرتُ لَهُ بَطني - أنجبت له الأولاد، - حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي، ظاهرَ منِّي - قال لي - أنتِ عليَّ كظهرِ أمِّي -، - ظاهرَ منِّي، ولي منه أولاد - انظروا الآن إلى حوار هذه المرأة الراقي: قالت - ولي منه أولاد إن ضممتهم إليَّ جاعوا وإن تركتهم إليه ضاعوا - لقد لخصت هذه المرأة بكليمات دور الرجل والمرأة وأعطت أساس الأسرة المسلمة، هؤلاء الأولاد - إن ضممتهم إليَّ جاعوا - فهو مسؤول الإنفاق

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
(سورة النساء: الآية 34)

الأم هي أصل التربية
- وإن تركتهم إليه ضاعوا - فأصل التربية هي الأم التي عندما تقوم على بيتها وتحسن رعاية أولادها فقد قدمت أكبر خدمةٍ للأمة وقدمت أكبر عملٍ يمكن أن تعمله امرأةٍ في حياتها وهي أن تقدم نشئاً صالحاً للمجتمع بنين وبنات، قالت - ولي منه أولاد، إن ضممتهم إليَّ جاعوا - هو ينفق عليهم، - وإن تركتهم إليه ضاعوا - أنا التي أربيهم، - اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ - شكت أمرها إلى الله، ورسول الله يقول لها - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِكِ شَيْءٌ - ليس عندي حكمٌ شرعيٌّ في الظِهار، - مَا عِنْدِي فِي أَمْرِكِ شَيْءٌ، قد حَرُمْتِ عَلَيْهِ - أصبحت حراماً عليه لأنه ظاهر منك، - قد حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّه مَا ذَكَرَ طَلَاقًا - تحاور رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا تحاوره؟ لأنه لا يوجد حكم شرعي، لو قال لها: قال: الله، لسكتت، ولو كان الحكم أن تطلق من زوجها، لكن ليس هناك حكم شرعي، فَقَالَتْ - يَا رَسُولَ اللَّه مَا ذَكَرَ طَلَاقًا - لم يطلقني، قال - أنتِ عليَّ كظهر أمي، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو وَلَدِي وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَقَالَ: قد حَرُمْتِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّه فَاقَتِي وَوَجْدِي-

من أداب الزواج عدم إفشاء أسرار الزوجية

{ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: الْحَمْد لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سَمْعه الأصْوَات، لَقَدْ جَاءَتْ الْمُجَادِلَة تَشْكُو إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي نَاحِيَة الْبَيْت، مَا أَسْمَع مَا تَقُول، فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: (قَدْ سَمِعَ اللَّه قَوْل الَّتِي تُجَادِلك فِي زَوْجهَا) }

(صحيح البخاري)

قريبة جداً وبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صغير، هي في ناحية البيت قريبةٌ جداً منها، قالت: - وما أسمعُ ما تَقولُ - أنا بجانبها لا أسمع ما تقول، والله تعالى سمع قولها من فوق سبع سماوات فأنزل قوله تعالى:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
(سورة المجادلة: الآية 1)

عدم إفشاء أسرار الزوجية
في قول عائشة: - وما أسمعُ ما تَقولُ - دليلٌ على أن هذه المرأة كانت تتكلم بصوتٍ منخفض جداً، لأن لا تفشي أسرار بيت الزوجية، جاءت تستفتي فقط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس هناك من مبررٍ لتسمع عائشة وهي داخل البيت، ثم إن الله عز وجل وسِعَ سمعُه الأصواتَ، تبارك وعلا، فسمعها وهي تحدث زوجها ولو أضمرت في سرها لسمعها، كيف لا (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) جلَّ جلاله.

وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
(سورة الشورى: الآية 11)


نزول حكم الظهار
قيمة الأسرة في الإسلام
أيها الإخوة الكرام: نزل قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خولة بعد أن سُرِّيَ عنه وقد نزل الوحي، قال: يا خولة قد أنزل الله فيكِ وفي صاحبكِ، الله تعالى من فوق سبع سماوات يسمع لهذه المرأة، كم هي قيمة الأسرة المسلمة في الإسلام؟ كم هو مهمٌّ أن نحافظ على بيوتنا؟ الله تعالى من فوق سبع سماوات ينزل قرآناً يتلى إلى يوم القيامة لأجل امرأةٍ جاءت تشكو أمرها وتشكو إلى الله أمر زوجها.
تدرج الإعتاق وصولاً لإلغاء العبودية
ثم قال: - مُرِيه فلْيُعتِقْ رقبةً - هذا حكم الظِّهار، من قال لزوجته: أنتِ عليَّ كظهر أمي، فعليه أن يعتق رقبة، أول أمرٍ أن يعتق رقبة، يأتيك اليوم من يقول: إن الإسلام قد استعبد الناس، خسئتم، الإسلام جاء ليحرر الناس من العبودية، فضيَّق المداخل ووسَّع المخارج، العبودية موجودةٌ قبل الإسلام فلما جاء الإسلام لم يكن من الحكمة أبداً أن يقول للناس جميعاً تخلوا عن عبيدكم واتركوهم في الشوارع، من سيطعمهم؟ سيتحولون إلى قطاعٍ للطرق، يقطعون الطرق، وستصبح الدولة المسلمة عُرضةً للمخاطر من هؤلاء الذين أُطلق سراحهم فجأةً دون تنظيمٍ ودون تدقيقٍ، ما الذي فعله الإسلام؟ منع الاستعباد، لم يدخل عبيداً جدداً في الإسلام، ثم وسَّع المخارج، فكل معصيةٍ أو كل أمرٍ من الأمور جعل من كفارته إعتاق الرقاب، حتى يكون الإعتاق شيئاً فشيئاً، وبعد سنوات إلتغت العبودية في ظل الإسلام بشكلٍ كاملٍ، إذاً قال: أولاً - فليعتق رقبة- ، قالت - يا رسول الله، والله ما عنده ما يعتق - ما عنده عبيد، قال - فليصم شهرين متتابعين - كما جاء في سورة المجادلة:

فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
(سورة المجادلة: الآية 4)

قالت: فقُلْتُ - واللهِ يا رسولَ اللهِ إنَّه شيخٌ كبيرٌ ما به مِن صيامٍ - لا يستطيع الصيام، قال - فلْيُطعِمْ ستِّينَ مسكينًا وَسْقًا مِن تمرٍ – فقُلْتُ - واللهِ يا رسولَ اللهِ ما ذلك عندَه - فقير، قالت: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - فإنَّا سنُعينُه بعَرَقٍ مِن تمرٍ- خذي هذا فليطعمه، قالت: فقُلْتُ - وأنا يا رسولَ اللهِ سأُعينُه بعَرَقٍ آخَرَ - فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - أصَبْتِ وأحسَنْتِ فاذهَبي فتصدَّقي به عنه ثمَّ استوصي بابنِ عمِّكِ خيرًا - هذه قصة المجادلة، التي نقرأ قرآناً إلى يوم القيامة في سورةٍ اسمها المجادلة.

بين الجدال والحوار
هناك جدال وهناك حوار، الجدال أيها الأحباب طبيعةٌ إنسانية

وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا
(سورة الكهف: الآية 54)

ذم القرآن الكريم للجدال
وهو يدل على شدة الخصومة، فالذي يجادل يأتي بالحجج ويخاصم ويدافع عن حجته ويتمنى أن يكون الحق في جانبه، هذه طبيعةٌ بشرية، لكن الإسلام والقرآن ذمَّ الجدال في كثيرٍ من المواضع، ذمَّه لأنه لا طائل من ورائه، أو لأنه جدالٌ في آيات الله، وفي أحكام الله الثابتة القطعية، قال تعالى:

وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ
(سورة الكهف: الآية 56)

مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا
(سورة غافر: الآية 4)

أن يجادل الإنسان في آيات الله، تقول له: قال: الله، والآية واضحة قطعية الدلالة، يقول لك: هذا الحكم ليس لهذا الزمن، تغيرت الأزمان، يجادل في آيةٍ من آيات الله، هذه مصيبة

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ
(سورة الحج: الآية 8)

هذا جدالٌ مذمومٌ، وهناك جدالٌ محمودٌ حينما يكون (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال تعالى:

وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
(سورة العنكبوت: الآية 46)

أمر نبيه فقال:

وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
(سورة النحل: الآية 125)

ضوابط الجدال
لا مانع أن يكون عندك حجةٌ فتجادل إنساناً لكن بأن تختار أحسن الألفاظ، وأجود الألفاظ وتختار ما يقرِّب لا ما يبعِّد، وما يقرِّب لا ما ينفِّر الإنسان من دين الله، فالمجادلة موجودة لكن بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى إنَّ الله تعالى جادل الملائكة:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ
(سورة البقرة: الآية 30)

حتى إن الله تعالى جادل إبليس اللعين عندما قال له:

مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
(سورة ص: الآية 75)


أهمية الجدال والحوار
إذاً الجدال والحوار مطلوب، الحوار جاء في القرآن في ثلاث مرات جاء ممدوحاً:

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا
(سورة الكهف: الآية 37)

الحوار مطلوب، أن تحاور، حتى أن تحاور زوجك في البيت وأولادك، ضمن ضوابط الأدب، ضمن ضوابط الأب والابن، الأب أبٌ، والابن ابن، لكن لا مانع من الحوار

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
(سورة المجادلة: الآية 1)

الحاجة إلى الحوار
قال: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) لأنها كانت شديدة تريد حقها، فسماه جدالاً، فلما قال: (وَاللَّهُ يَسْمَعُ) عدل عن الجدال إلى الحوار، لأنه أرقى للإنسان أن يحاور، حجةً بحجةٍ، كلمةً بكلمةٍ، (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا)، إذاً أيها الأحباب الكرام: نحن بحاجةٍ إلى الحوار، لكن الحوار الهادف البناء، لكن الحوار الذي لا يعبث بمبادئ ديننا، الناس مختلفون

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً
(سورة هود: الآية 118)

لكن هذا الاختلاف ينبغي أن يكون اختلاف تنوع ورقي، نرقى به، لا أن يكون اختلاف تضاد وتزاحم، نتقاتل عليه وتسفك الدماء من أجله ونتقسَّم حزباً ونتقسَّم شيعاً

كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
(سورة الروم: الآية 32)

بل نتحاور، بل نتعاون فيما اتفقنا، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، نتناصح في الله، نتحاور حتى نرقى إلى الله جميعاً.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدیرٍ، اللهم برحمتك عُمَّنا وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم لك الحمد ولك الشكر على ما أنعمت به علينا من نعمة الغيث من السماء، اللهم أتم نعمتك وفضلك علينا واجعلها سقيا رحمة يا أرحم الراحمين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلي كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يُعَزُّ فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل عصيانك، ويُأمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم بفضلك ورحمتك انصر إخواننا المرابطين في القدس الشريف وفي المسجد الأقصى على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها فرجاً عاجلاً غير آجل، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عریانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غریبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.