حصائد الألسنة

  • 2018-10-05
  • عمان
  • مسجد مراد

حصائد الألسنة


الخطبة الأولى

ياربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض ومِلء ما بينهما ومِلء ما شئت من شيءٍ بعد، أهل الثناء والمجد أحقُّ ما قال العبد وكُلُّنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعزُّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كيثراً، وبعدعباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته.


جوارح الإنسان ملك لله تعالى
أيها الإخوة الكرام: كلمةٌ كثيراً ما نرددها، ولكن قلَّ من ينتبه إلى معناها وفحواها، نقول كثيراً كما في الآية القرآنية:

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
(سورة البقرة: الآية 156)

كل جوارح الإنسان ملكٌ لله
ولو أخذنا الشطر الأول من هذه العبارة: (إِنَّا لِلَّهِ) نعم أيها الأحباب؛ نحن لله، نحن لسنا ملكاً لأنفسنا، جوارحك ليست ملكاً لك، هي لله تعالى في يدك، كل ما تملكه لا تملكه حقيقةً إنما تملكه مجازاً، يدك عليه يد أمانة وليست يدَ ملك، وإنما الحقيقة التي لا جدال فيها أننا لله، يملكنا الله تعالى خلقاً وتصرفاً ومصيراً، فهذه العين خلقها الله، وأنت لم تشارك أبداً في صنعها، ولم تكن شيئاً مذكوراً يوم أراد الله عز وجل أن يخلق لك الجوارح، وهذا اللسان خلقه الله، فهو ملكٌ له وحده جل جلاله، وهذه اليد وتلك القدم وكل ما في جسمك يملكه الله تعالى خلقاً ثم تصرفاً، فأنت لا تملك خلاياك ولا أنسجتك، ولا تملك قطر الشريان التاجي الذي لو ضاق عن حدٍّ معين لأصبحت الحياة جحيماً لا يطاق، وأنت لا تملك قدماً تسيرك ولا يداً تحركها فالخلق لله عز وجل والتصرف لله في هذه الجوارح، ملك كل شيءٍ خلقاً وتصرفاً ومصيراً فهذه الجوارح مآلها إلى الله وستعود إلى خالقها، أما البشر عندما يقول أحدهم: أنا أملك، ماذا تملك؟! تملك شيئاً لم تخلقه وتملك شيئاً لا تتصرف فيه، وتملك شيئاً في لحظةٍ واحدةٍ يصبح مصيره إلى غيرك، فأين ملك الإنسان من ملك الواحد الديان.
أيها الإخوة الكرام: هذه مقدمة، لأننا نريد أن نتحدث عن اللسان، اللسان ليس ملكاً لك، وبالتالي هل يجوز لك وأنت مؤتمنٌ عليه أن تتصرف فيه بخلاف أوامر من يملكه جل جلاله، هذا هو المعنى، وتلك هي القضية أننا عندما ننظر إلى جوارحنا أنها أمانةٌ في أيدينا وهي في حقيقتها لخالقها فلا ينبغي أن نتصرف فيها إلا وفق ما يأذن خالقها جل جلاله.

نعمة اللسان
أيها الإخوة الأحباب: امتنَّ الله تعالى على عباده بنعمة اللسان فقال جل من قائل مخاطباً ومعاتباً:

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ
(سورة البلد: الآية 8-9)

الإعجاز في خلق اللسان
ألم نخلق لك أيها الإنسان لساناً فيه سبع عشرة عضلة تتحرك مع بعضها لتنطق بكلمةٍ واحدةٍ، فأنا منذ بدأت الخطبة حتى الآن تكلمت بآلاف الحروف وكل حرفٍ أسهم في تكوينه سبع عشرة عضلة، إذاً هذا اللسان بما فيه من غددٍ لعابيةٍ، بما فيه من حليماتٍ ذوقيةٍ، بما فيه من عضلاتٍ متنوعةٍ، هو خلقٌ من خلق الله، امتنَّ الله به علينا، فينبغي أن ننظر حينما ننطق بكلمة ألا ننطقها إلا في رضاه، ألا ننطقها للتفريق، ألا ننطقها للسباب والفحش، وإنما ننطقها للحب وللخير ولتأليف القلوب وللتعاون على البر والتقوى، لا للتعاون على الإثم والعدوان.
أيها الإخوة الكرام: في حديثٍ رواه الترمذي في سننه بسندٍ حسنٍ:

{ عن أَبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَصْبح ابْنُ آدَمَ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسانَ، تَقُولُ: اتِّقِ اللَّه فينَا، فَإنَّما نحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسَتقَمْنا، وإنِ اعْوججت اعْوَججْنَا }

(رواه الترمذي)

(فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا) العين واليد والرجل.. كل الأعضاء، (فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسانَ) تُكَفِّرُ: لا يعني أنها تصفه بالكفر، نعوذ بالله من الكفر ومن يُكفِّر بغير الحجة، وإنما معناها أنها تَذِلُّ وتخضع للسان، الأعْضَاءَ كُلَّهَا تذِل وتخصع للسان، فتَقُولُ الأعْضَاءَ: (اتِّقِ اللَّه فينَا، فَإنَّما نحنُ بِكَ) نصلح إذا صلحت، ونفسد إذا فسدت، (فَإنَّما نحنُ بِكَ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسَتقَمْنا، وإنِ اعْوججت اعْوَججْنَا) فأصل المصائب من هذا اللسان.
كان عمر رضي الله عنه يمسك بلسانه ويقول: )هَذَا الذي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ)، هذا عمر عملاق الإسلام يقولها تواضعاً، يقولها تحذيراً، يقولها تخويفاً لنا ولنفسه: "هَذَا الذي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ".

القول الطيب في الدنيا جزاؤه كبير في الآخرة
أيها الإخوة الكرام: يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا
(سورة الأحزاب: الآية 70)

القول السديد ما توافق مع شرع الله
فقرن جل جلاله بين تقواه والقول السديد، التقوى مع القول السديد، القول المُسَدَّد، القول الذي يأتي وفق ما شرَّع الله تعالى، هذا هو القول السديد، أما في الجنة أيها الأحباب؛ فإن الله تعالى يمتنُّ على عباده بنعمة قد لا ننتبه لها، ننتبه ربما إلى الحور العين وإلى الجنان وإلى الأنهار وإلى الثمار، لكنه يمتن بنعمةٍ معنوية؛ يقول جل جلاله:

لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا
(سورة النبأ: الآية 35)

نحن في الدنيا نسمع لغواً ونسمع كذاباً، لا سيما في وسائل الإعلام القديمة منها والحديثة، نسمع الكذب على الشاشات، ونسمع الكذب في الأسواق، ونسمع الكذب في الطرقات، لكن هذا المؤمن نفسه راقية فلا يحب سماع الكذب ولا المحرمات، لكنه إذا صار يوم القيامة في الجنة امتنَّ الله عليه بهذه النعمة فلا يجد في الجنة كذباً ولا زوراً ولا بهتاناً، قال تعالى:

وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ
(سورة الحج: الآية 24)

(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ) هذا في الدنيا (وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ) فمن يهديه الله تعالى في الدنيا إلى القول الطيب يهديه في الآخرة إلى صراطٍ مستقيمٍ يصل به إلى جنان الخلود.

أثر الكلمة في حياة الإنسان
أيها الإخوة الأحباب:

ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ
(سورة إبراهيم: الآية 24)

أثر الكلمة الطيبة
قد تتكلم الكلمة ولا تنتبه لها، قد تلقي السلام على من لا تعرف وأنت لا تنتبه إلى ما أوقع ذلك في قلبه من أثرٍ طيبٍ، قد تتلكم بكلمةٍ في بيت أختك وزوجها رقيق الحال فتقول لها: ما شاء الله ما أجمل هذا البيت! زوجك يتعب من أجلك وزوجك يؤمن لكِ احتياجاتك، فيمتلئ قبلها سروراً وتفخر بزوجها وتحب بيتها وتحنو على أولادها وتحسن تبعُّل زوجها، وقد يدخل أخ آخر إلى بيتها فيقول: ما هذا البيت! هنا أودعكِ زوجكِ في بيتٍ لا شمس فيه، أين متطلبات الحياة؟ يا ويلي على حظكِ العاثر، ويخرج وقد ألقى قنبلةً في البيت فيكسر قلبها ويبعدها عن بيتها وعن زوجها وعن أولادها بكلمة، كلمةٌ تحيي وكلمةٌ تهوي، كلمةٌ ترقى وكلمةٌ تسقط.

حَصائدُ الألسنة هي السبب الأول لدخول النار
أيها الأحباب:

{ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدْنِي مِنْ النَّارِ، قَالَ: لَقَدْ سَأَلْت عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أَدُلُّك عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ، 32 سورة السجدة / الآيتان : 16 و 17 ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟ قُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذُرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُك بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فقُلْت: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصائدُ ألسِنتهم }

(رواه الترمذي)

هذا هو السبب الأول لدخول النار حَصائدُ الألسنة.

من حَصائدُ الألسنة
أيها الأحباب: إن من حصائد الألسنة؛ الغيبة:

وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
(سورة الحجرات: الآية 12)

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ }

(صحيح مسلم)

هذا بهتان وهو أعظم أنواع الكذب.
ومن حصائد الألسنة؛ النميمة:

{ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ }

(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

(لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ) أي نمام.
ومن حصائد الألسنة: الكذب.
النهي عن اللعن
ومن حصائد الألسنة؛ اللعن، والعياذ بالله، فبعض الناس يكثرون اللعن وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اللعن، حتى عن لعن الرياح، أو لعن شيء من الجمادات والأحياء، كل شيءٍ لا يجوز لعنه إلا ما أذِنَ الله بلعنه.
ومن حصائد الألسنة؛ السباب:

{ عَنْ زُبَيْدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنْ المُرْجِئَةِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ }

(صحيح البخاري)

(سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ) أي خروجٌ عن الطريق (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ)

{ عَن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الْفَاحِشِ، وَلا الْبَذِيء }

(رواه الترمذي)

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ }

(صحيح البخاري)

أيها الإخوة الكرام:

{ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الإِسْلاَمِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ }

(صحيح البخاري)

(لَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ) تشنيعاً على من يلعن بغير سبب.
أيها الإخوة الكرام: كما في الحديث الصحيح:

{ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ }

(متفق عليه)

(لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا) يقول لك: وماذا قلنا! هي كلمة، (يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) نسأل الله السلامة.

تعظيم الله تعالى سببٌ رئيسي للبعد عن حَصائدُ الألسنة
النظر إلى عظمة الخالق
أيها الإخوة الأحباب: وحتى يبتعد الإنسان عن حصائد الألسنة السيئة، وحتى يبتعد عن آفات اللسان التي حذر منها المعصوم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى يبتعد عن كل ذلك هناك علاجٌ أساسيٌّ وعلاجان فرعيان، العلاج الأساسي هو الذي ابتدأت به الخطبة أن ينظر الإنسان إلى عظمة الخالق الذي خلق له هذا اللسان ثم أن يعقد العزم على ألا يستخدمه إلا في طاعة الرحمن المنان، هذا العلاج الأساسي، أن ينظر الإنسان في عظمة الخالق.
قال بلالٌ رضي الله عنه:(لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت)، عندما ينطق الإنسان بكلمةٍ لا ترضي الله تعالى، ينظر إلى عظمة الخالق لا إلى صغر الذنب في نظره، فالآمر هو الله وعندما تعظم الله تعد للمليون قبل أن تعصيه، تعد للمليون قبل أن تسيء إلى مخلوقٍ خلقه الله، ولو كان جماداً ولو كان حيواناً، لا تسيء إلى مخلوقات الله لأن خالقها هو الله، وهو العظيم جل جلاله، هذا العلاج الأساسي لكل مرضٍ تعاني منه الأمة هو التعظيم، فمع غياب التعظيم يغيب تنفيذ الأمر.

العلاجان الفرعيان للبعد عن حصائد الألسنة
وأما العلاجان الفرعيان فهما:
1. الصمت: يقول صلى الله عليه وسلم:

{ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ }

( متفق عليه )

وفي حديث آخر:

{ مَنْ صَمَتَ نَجَا }

( أخرجه الترمذي بسند صحيح )

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ لَبَّى عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ قَالَ: يَا لِسَانُ قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، وَاصْمُتْ تَسْلَمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَنْدَمَ. قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ أَوْ سَمِعْتُهُ قَالَ: لَا، بَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَكْبَرَ خَطَايَا ابْنِ آدَمَ فِي لِسَانِهِ }

( أخرجه البيهقي في الآداب بسند حسن )

الإكثار من الذكر
2. الإكثار من ذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن اللسان متى اشتغل بالذكر والطاعات فإنه يبتعد عن المساوئ والمنكرات.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قدير، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم بفضلك ورحمتك فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عریانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غریبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم انصر المستضعفين في كل مكان، انصرنا اللهم على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسنين ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.