الهجرة النبوية
الهجرة النبوية
الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبرٍ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً. |
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: حديثنا اليوم عن الهجرة، عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. |
أهمية الهجرة النبوية في الإسلام
الحدثٌ الأهم في تاريخ الدعوة الإسلامية
|
هناك أحداثٌ كثيرةٌ في تاريخ الدعوة: منها البِعْثَة وهو حدثٌ مهمٌّ، ومنها الإسراء والمعراج وهي معجزةٌ كبيرةٌ، ومنها فتح مكة وفيها عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة التي أخرجته فاتحاً، ومنها الهجرة، وأحداثٌ أُخرى كثيرة، لكن الهجرة بتفاصيلها وأحداثها وما تلاها فيما بعد كانت الحدث الأهم في تاريخ الدعوة. |
الهجرة هي هجرُ ما نهى الله عنه
لو أردنا أيها الأحباب؛ أن نعرِّف الهجرة بتعريفٍ معاصرٍ لقلنا: إنَّ الهجرة هي حركة، قال تعالى: |
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا(سورة الأنفال: الآية 72)
فالمؤمن يتحرك، لا يمكن للإيمان أن يبقى سكونياً في داخل النفس، بل لا بد أن تعقبه حركة، أن يهجر شيئاً وأن يتجه إلى شيء وهذا المفهوم تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: |
{ المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه }
(صحيح البخاري)
الهجرة في هذا الزمن
|
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(سورة الرعد: الآية 29)
المؤمن يعمل ويتحرك ويهجر ويأتي ما أمر الله تعالى به، هذه هي الهجرة في مفهومها الواسع: إنها حركةٌ مدروسةٌ واعيةٌ لتغيير الواقع، فالتغيير أيها الإخوة ضرورة والذي لا يغيِّرُ لا يغيِّر الله ما به |
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ(سورة الرعد: الآية 11)
ولكن إن كانت هذه الحركة عشوائيةً غير منضبطةٍ بضوابط الشرع أدت إلى كوارث وخيمة فلا بد أن نتحرك ولكن بحركةٍ واعيةٍ مدروسةٍ لنغير هذا الواقع سواءً على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة بأكملها. |
التغيير يبدأ من النفس
أيها الإخوة: النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته علمنا دروس التغيير، فمنطلق التغيير أنه يبدأ من داخل النفس |
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ(سورة الرعد: الآية 11)
فالتغيير ينبع من الداخل. |
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ(سورة آل عمران: الآية 165)
يجب أن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه
|
النبي الكريم غيَّر الأنفس أولاً
|
الهجرة النبوية وفق سنن الله في الكون
أيها الإخوة الكرام: أما ترتيبات هذه الرحلة رحلة التغيير فقد كانت عجباً عجاباً، أيها الأحباب؛ النبي صلى الله عليه وسلم انتقل في الإسراء من مكة إلى بيت المقدس بلمح البصر عبر البراق بمعجزةٍ خالدةٍ |
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ(سورة الإسراء: الآية 1)
ألم يكن من الممكن أن ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم في رحلةٍ شبيهةٍ من مكة إلى المدينة على ظهر البراق؟ كان من الممكن، وَاللَّهُ عزَّ وجلَّ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وكما نقله في الإسراء ينقله في الهجرة، لكن أراد الله عزَّ وجلَّ أن تكون الهجرة حدثاً تغييرياً واقعياً إلى قيام الساعة، لا يتعلق بالمعجزة بقدر ما يتعلق بسنن الله تعالى في الكون، فأراد له أن يعلمنا درساً إلى يوم القيامة فلم ينقله على ظهر البراق، فما الذي حصل؟ |
الأخذ بالأسباب في الهجرة
|
{ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الغَارِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا }
(صحيح البخاري)
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا(سورة التوبة: الآية 40)
التوكل على الله يكون بعد الأخذ بالأسباب
الأخذ بالأسباب سببٌ للتوفيق
|
أما الغرب فقد أخذ بالأسباب، بأسباب القوة والإعلام والتفوق والغلبة والاقتصاد، أخذ بها وألهها ونسي الله |
فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(سورة الأنعام: الآية 44)
أما المؤمن حقاً فيأخذ بالأسباب ثم يتوكل على مسبب الأسباب. |
الثبات على المبادئ من أهم دروس الهجرة
الثبات على المبادئ أثناء التغيير
|
أيها الإخوة الكرام: لقد كانت رحلة الهجرة بكل ما فيها حدثاً مهماً مفصلياً في تاريخ الدعوة، حُقَّ له أن يكون بدايةً للتاريخ الإسلامي، قال تعالى: |
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(سورة الأنفال: الآية 30)
لا بد أن ننطلق للتغيير
|
التغيير يكون وفقاً لقواعد وضوابط
يجب أن يكون التغيير منتظماً
|
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله. |
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ. |
الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قديرٍ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه اللهم لكل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل عصيانك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر عبادك الموحدين المرابطين في المسجد الأقصى، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان واحقن دماءهم في سوريا يا أرحم الراحمين بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد. |