الهجرة النبوية

  • 2018-09-07
  • عمان
  • مسجد الصالحين

الهجرة النبوية


الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبرٍ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: حديثنا اليوم عن الهجرة، عن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة.

أهمية الهجرة النبوية في الإسلام
الحدثٌ الأهم في تاريخ الدعوة الإسلامية
أيها الإخوة الكرام: الهجرة حدثٌ تاريخيٌّ هو الأهم في تاريخ الدعوة الإسلامية، بل إنه من فقه الصحابة رضي الله عنهم أنهم جعلوا هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بدايةً للتاريخ الإسلامي فاعتبروا أن هذه الهجرة نقطة البداية في إقامة دولة الإسلام والمسلمين.
هناك أحداثٌ كثيرةٌ في تاريخ الدعوة: منها البِعْثَة وهو حدثٌ مهمٌّ، ومنها الإسراء والمعراج وهي معجزةٌ كبيرةٌ، ومنها فتح مكة وفيها عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة التي أخرجته فاتحاً، ومنها الهجرة، وأحداثٌ أُخرى كثيرة، لكن الهجرة بتفاصيلها وأحداثها وما تلاها فيما بعد كانت الحدث الأهم في تاريخ الدعوة.

الهجرة هي هجرُ ما نهى الله عنه
لو أردنا أيها الأحباب؛ أن نعرِّف الهجرة بتعريفٍ معاصرٍ لقلنا: إنَّ الهجرة هي حركة، قال تعالى:

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا
(سورة الأنفال: الآية 72)

فالمؤمن يتحرك، لا يمكن للإيمان أن يبقى سكونياً في داخل النفس، بل لا بد أن تعقبه حركة، أن يهجر شيئاً وأن يتجه إلى شيء وهذا المفهوم تحدث عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

{ المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ ويَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه }

(صحيح البخاري)

الهجرة في هذا الزمن
لا هجرة بعد الفتح، فبعد فتح مكة لم يعد هناك من معنى أن ينتقل الإنسان من مكة إلى المدينة وقد أصبحت شعائر الله تقام في مكة كما هي تقام في المدينة، فما مفهوم الهجرة إذاً؟ قال: (المُهَاجِرُ مَن هَجَرَ ما نَهَى اللَّهُ عنْه) فعندما تتحرك فتدع شيئاً إرضاءً لله عندما تتحرك فتترك شيئاً يُسخِط الله فأنت مهاجرٌ في سبيل الله، في هذا الزمن يمكن للإنسان أن يهاجر كل يومٍ عشرات المرات ولا أبالغ، يمكن أن يهاجر من مجلسٍ لا يرضي الله تعالى إلى مجلسٍ يرضي الله، يمكن أن يهاجر من مجلسٍ للهوِ إلى مسجدٍ يؤدي فيه الصلوات، يمكن له أن يهجر معصيةً إلى طاعة، كل دقيقة وكل لحظة أنت في هجرة تهجر ما نهى الله عنه وتأتي ما أمر الله به، فالهجرة أيها الإخوة هي حركة، أن تتحرك، لا يمكن أن يبقى المؤمن سكونياً، لذلك في عشرات الآيات في كتاب الله تعالى:

الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
(سورة الرعد: الآية 29)

المؤمن يعمل ويتحرك ويهجر ويأتي ما أمر الله تعالى به، هذه هي الهجرة في مفهومها الواسع: إنها حركةٌ مدروسةٌ واعيةٌ لتغيير الواقع، فالتغيير أيها الإخوة ضرورة والذي لا يغيِّرُ لا يغيِّر الله ما به

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
(سورة الرعد: الآية 11)

ولكن إن كانت هذه الحركة عشوائيةً غير منضبطةٍ بضوابط الشرع أدت إلى كوارث وخيمة فلا بد أن نتحرك ولكن بحركةٍ واعيةٍ مدروسةٍ لنغير هذا الواقع سواءً على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة بأكملها.

التغيير يبدأ من النفس
أيها الإخوة: النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته علمنا دروس التغيير، فمنطلق التغيير أنه يبدأ من داخل النفس

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
(سورة الرعد: الآية 11)

فالتغيير ينبع من الداخل.

أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ
(سورة آل عمران: الآية 165)

يجب أن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه
في معركة أحد أصابت المسلمين مصيبة (قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا) ضعفها، في بدر، (قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا) سألتم أنفسكم كيف أُصبنا بهذه المصيبة؟ كيف هزمنا في أحد؟ جاء الرد الإلهي القرآني (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) وجَّه القرآن الكريم الإنسان فوراً إلى الداخل لم يقل له: هو من عند أعدائكم ولم يقل له هو من تآمر الصهيونية العالمية عليكم ولا هو من تآمر الرجعية ولا هو من تآمر الماسونية مع أنهم متآمرون ليلاً ونهاراً وهذا لا خلاف عليه، ولكنه وجهه إلى الداخل لأنه عندما يتجه الإنسان إلى نفسه فيصلحها فإن الله تعالى يتكفل بإصلاح المجتمع من حوله.
النبي الكريم غيَّر الأنفس أولاً
أيها الإخوة الكرام: هذه ليست دعوةً للقعود وليست دعوةً للاستكانة وليست دعوةً للخضوع، أبداً، فالمؤمن لا يخنع ولا يستكين ولا يذل، ولكنها دعوةٌ للانطلاق من حيث أمر الله أن ننطلق (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر الأنفس أولاً، غيَّر الأنفس في دار الأرقم فكان يجتمع مع صحابةٍ مع ثُلَّةٍ قليلة هذه الثُلَّةُ القليلة كان منها فيما بعد العظماء والشهداء والسفراء والمصلحون فغيَّروا العالم بأسره، كان يجتمع في دار الأرقم، ثم في بيعة العقبة الأولى، ثم في بيعة العقبة الثانية، يُصلِح الأنفس من الداخل، حتى إنه صلى الله عليه وسلم قد هيأ المجتمع الجديد في المدينة لتقبل دعوة الإسلام، فأرسل قبل الهجرة سفيراً هو مصعب بن عمير رضي الله عنه وأرضاه فكان أول سفيرٍ في الإسلام أرسله بعد بيعة العقبة الأولى ليهيئ الناس في المدينة للإسلام، ليهيئ النفوس لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم، فحينما وصل المدينة استقبله الناس بقلوبٍ يملؤها الشوق لهذه الدعوة الجديدة التي بشَّر بها هذا السفير العظيم مصعب بن عمير.

الهجرة النبوية وفق سنن الله في الكون
أيها الإخوة الكرام: أما ترتيبات هذه الرحلة رحلة التغيير فقد كانت عجباً عجاباً، أيها الأحباب؛ النبي صلى الله عليه وسلم انتقل في الإسراء من مكة إلى بيت المقدس بلمح البصر عبر البراق بمعجزةٍ خالدةٍ

سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ
(سورة الإسراء: الآية 1)

ألم يكن من الممكن أن ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم في رحلةٍ شبيهةٍ من مكة إلى المدينة على ظهر البراق؟ كان من الممكن، وَاللَّهُ عزَّ وجلَّ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وكما نقله في الإسراء ينقله في الهجرة، لكن أراد الله عزَّ وجلَّ أن تكون الهجرة حدثاً تغييرياً واقعياً إلى قيام الساعة، لا يتعلق بالمعجزة بقدر ما يتعلق بسنن الله تعالى في الكون، فأراد له أن يعلمنا درساً إلى يوم القيامة فلم ينقله على ظهر البراق، فما الذي حصل؟
الأخذ بالأسباب في الهجرة
أولاً: جهَّز النبي صلى الله عليه وسلم راحلتين، ثانياً: استأجر رجلاً خبيراً بالطريق هو عبد الله بن أُرَيقط؛ ماهراً عارفاً بالطريق، أخذ معه دليلاً، لم يقل أنا متوكلٌ على الله والله يرشدني إلى الطريق، مع أنَّ هذا حاله صلى الله عليه وسلم لكنه أخذ بالأسباب، الهجرة تحتاج رجلاً ماهراً بالطريق إذاً استأجر رجلاً ماهراً بالطريق، حدد موعد اللقاء بعد ثلاثة أيام حتى يخف الطلب في غار ثور، قامت عائشة رضي الله عنها وأختها أسماء رضي الله عنهما بتجهيز المتاع والمؤن، جهَّز طعاماً لرحلته ومؤنةً، أبقى سيدنا علياً رضي الله عنه وأرضاه في فراشه للتمويه، غادر من الباب الخلفي ولم يخرج على أعين القوم مع أنه كان أشجع الناس صلى الله عليه وسلم، كان الصحابة يقولون: كنا إذا حمي الوطيس(المعركة) احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، خرج من الباب الخلفي، يعلمنا، خرج من مكة قبل أن يطلع الفجر في جنح الظلام، لم يتجه شمالاً وهو الطريق المعهود إلى المدينة بل سار في الطريق الجنوبي، كل هذه الأسباب اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم لرحلة التغيير حتى يعلمنا أنك إذا أردت أن تغير فينبغي أن تتبع سنن الله تعالى في الكون، فالتغيير ليس معجزة، التغيير خطة، التغيير منهجٌ مرسومٌ من الألف إلى الياء، الأخذ بالأسباب واجبٌ على كل مسلم، عندك امتحانٌ غداً هل درست؟! متَّجهٌ إلى نزهة هل تفقدت سيارتك قبل ركوبها؟! لا تقل أنا متوكلٌ على الله فالتوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب أبداً، خذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم توكل على الله وكأن الأسباب ليست بشيء، هذا ما حصل في الهجرة أراد الله تعالى بعد كل هذه الأسباب أن يصل المشركون إلى غار ثور، سمح لهم أن يصلوا جلَّ جلاله، فلما وصلوا ظهر توكل النبي صلى الله عليه وسلم حقاً لأنه قد أخذ بالأسباب، قال له أبو بكرٍ رضي الله عنه: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موطئ قدميه لرآنا، وفي رواية قال: لقد رأونا، ينظرون، وصلوا إلى الغار

{ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الغَارِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا }

(صحيح البخاري)

إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا
(سورة التوبة: الآية 40)


التوكل على الله يكون بعد الأخذ بالأسباب
الأخذ بالأسباب سببٌ للتوفيق
أيها الأحباب: كل هذه الأسباب كان معها كل هذا التوكل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمد على الأسباب بل اعتمد على مسبب الأسباب جلَّ جلاله، ولكنه ائتمر بأمر الله تعالى فأخذ بها بكل الاحتياطات الممكنة، والمسلمون اليوم إذا أرادوا أن ينتصروا وإذا أرادوا أن تكون لهم الغَلَبَة والقُوَّة لا بد أن يمتثلوا منهج الهجرة، فإذا أردت في كل شأنٍ من شؤون حياتك أن تُقْدِمَ على أمر فخذ بالأسباب، أسباب القوة، أسباب النصر، أسباب التقدم، أسباب أن تطيع الله عزَّ وجلَّ في كل ما أمر، خذ بكل سبب ثم توكل على الله تعالى، مشكلة الشرق أيها الإخوة؛ أنهم لم يأخذوا بالأسباب ولم يعبؤوا بها وقالوا نحن متوكلون على الله، وهذا ما حصل مع مجموعةٍ من الناس في عهد عمر رضي الله عنه وأرضاه رآهم لا يعملون قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، بل أنتم المتواكلون، المتوكل من ألقى بذرةً في الأرض ثم توكل على الله، زَرَعَ ثم قال: يارب، أما أن يقعد ويقول: أنا متوكلٌ على الله فهذه طامةٌ كبرى.
أما الغرب فقد أخذ بالأسباب، بأسباب القوة والإعلام والتفوق والغلبة والاقتصاد، أخذ بها وألهها ونسي الله

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ
(سورة الأنعام: الآية 44)

أما المؤمن حقاً فيأخذ بالأسباب ثم يتوكل على مسبب الأسباب.

الثبات على المبادئ من أهم دروس الهجرة
الثبات على المبادئ أثناء التغيير
أيها الإخوة الكرام: هذا أهم درسٍ في الهجرة، بل هو الدرس المفصلي في الهجرة، حتى في أحلك اللحظات وأنت تقوم بعملية التغيير، تغيير مجتمعك، تغيير واقعك، تغيير نفسك، لا ينبغي أن تتغير أنت بمعنى أن تتغير مبادئك وقيمك التي تربيت عليها، النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير تاريخ أمة كان أجدر الناس أن يقول: دعوا المشركين وشأنهم لقد أخذوا من أموالنا ما أخذوا، وعذَّبوا من خيرة شبابنا من عذَّبوا وفعلوا ما فعلوا لكنه لم يفعل، ترك عليَّاً رضي الله عنه في مكة ليؤدي الودائع إلى أهلها، لقد كان صلى الله عليه وسلم عند أهل مكة الصادق الأمين فكانت الودائع تودع عنده رغم اختلافهم معه لمصالحهم وأهوالهم فقد جاء بالمبادئ والمثل العليا لكنه حينما ترك مكة ترك من يؤدي لهم الودائع، فرحلة التغيير لم تغيّره من الداخل صلى الله عليه وسلم بل بقي ثابتاً على الحق والمبدأ، وهكذا هو المؤمن لا تغيره الظروف ولا الأحداث فهو في أحلك الظروف وأشدها متوكلٌ على الله لكنه لا يدع إلا أن يؤدي الأمانات إلى أهلها.
أيها الإخوة الكرام: لقد كانت رحلة الهجرة بكل ما فيها حدثاً مهماً مفصلياً في تاريخ الدعوة، حُقَّ له أن يكون بدايةً للتاريخ الإسلامي، قال تعالى:

وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ
(سورة الأنفال: الآية 30)

لا بد أن ننطلق للتغيير
(ليثبتوك) أي يقيدوك ويحبسوك، فمكر الأعداء لن يتوقف ولكن أين نحن من مكر الأعداء؟ أين نحن من خططهم؟ نقول الأعداء يخططون طبعاً يخططون وما زالوا يخططون، لكن لماذا لا نخطط نحن؟ لماذا لا ننطلق نحن إلى تربية أولادنا والعناية بنشئنا وبناء أسرنا وتماسك مجتمعاتنا وقيام أمورنا بما يرضي الله تعالى؟ لا بد أن ننطلق للتغيير، وإياك ثم إياك ثم إياك أن تقول: وماذا يفعل واحدٌ في هذا الزمن؟ فلو قالها النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي لما خرج الإسلام من مكة، بدأ بنفسه فأصبح الإسلام بعد ذلك اثنين ثم ثلاثة ثم أربعة ثم عشرة أشخاص في دار الأرقم، ثم عشراتٌ في بيعة العقبة، ثم، ثم، إلى أن أصبحنا اليوم نجلس في هذا المجلس نوحد الله تعالى بفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فضل الله تعالى.

التغيير يكون وفقاً لقواعد وضوابط
يجب أن يكون التغيير منتظماً
أيها الإخوة الكرام: إذاً التغيير سُنَّة الحياة، والتغيير له سننه وقواعده التي ينبغي أن يسير عليها المؤمن، فإن سار عليها حقق التغيير أهدافه المرجوة، وإن كان التغيير عشوائياً ليس منتظماً بقواعد ولا ضوابط كانت الكوارث التي نراها اليوم في أمتنا.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءٍ قديرٍ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه اللهم لكل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل عصيانك ويأمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر عبادك الموحدين المرابطين في المسجد الأقصى، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان واحقن دماءهم في سوريا يا أرحم الراحمين بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.