نبي الله ابراهيم
نبي الله ابراهيم
الخطبة الأولى
يا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، مِلْء السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ومِلْء ما بينهما وَمِلْء مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْد، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْد، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْد، لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، غِنَى كُلِّ فَقِير، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيل، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيف، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خيرَ ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كثيراً. |
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: ها نحن نتنسَّم بشائر موسمٍ من مواسم الله، موسمٍ من مواسم الطاعات والبركات، إنه موسم الحج. |
أيها الأحباب: هذا الموسم موسم عبادة، هذا الموسم نفحةٌ من نفحات الله التي ينبغي لكل مؤمنٍ سواءً كان من حجاج بيت الله أو لم يكن، أن يتعرَّض لهذه النفحة وألا تفوته خيراتها، يرتبط هذا الموسم باسم نبيٍ كريم نذكره مع نبينا في صلاتنا كل يوم، إنه إبراهيم عليه السلام |
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(سورة النحل: الآية 120)
إبراهيم أيها الأحباب: لم يكن فرداً، لم يعش لنفسه، إبراهيم عاش للناس، فكان أمةً اقتدت به أُممٌ إلى يوم القيامة. |
كل إنسانٍ يمكن أن يكون أُمةً
كل إنسانٍ يُمكن أن يكون أُمةً
|
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ(سورة آل عمران: الآية 110)
يوم كنا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، إذاً مُر بالمعروف وانهَ عن المنكر لتكن أمةً بمفردك. |
(إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ) أي مُطيعاً لله، فكم من إنسانٍ كان إماماً في الشر مقتدياً بفرعون، هذا فرعون |
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ(سورة هود: الآية 98)
هو إمام قومه لكن في الشر، يتبعه قومه إلى نار جهنم والعياذ بالله، فالعبرة أن تكون (أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ) أي مطيعاً لله تعالى، أن تكون إماماً في الخير، إمام إصلاح، إمام خيرٍ ومحبةٍ وسلام. |
الحنيف هو المائل عن الباطل إلى الحق
فضيلة الولاء والبراء يحتاجها كل مؤمن
|
{ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْر ضَبّ لَدَخَلْتُمُوهُ }
(أخرجه الطبراني)
وسائل التواصل الاجتماعي دليلٍ على التبعية
|
أيها الأحباب: نحن حُنفاء، نقتدي بإبراهيم عليه السلام، نميل عن الباطل وأهل الباطل، ونأوي إلى الحق وأهل الحق، وأجرنا أعظم عند الله عندما يكون الحق ضعيفاً ونقف معه، كم من إنسانٍ يقف مع الحق عندما يكون الحق قوياً؟ كُثر، وعندها يظهر النفاق، لكن عندما يكون أهل الحق ضعفاء، فالحق لا يضعف لكن أهل الحق قد يضعفون، وأنت تقف مع أهل الحق بكل قوتك فأنت حنيفٌ تتشبه بإبراهيم عليه السلام. |
التوحيد أعظم العلوم
أعظم علمٍ يمكن أن يصل إليه الإنسان
|
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(سورة الأنبياء: الآية 25)
(لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) نهاية العلم، (فَاعْبُدُونِ) نهاية العمل، فأعظم علمٍ هو التوحيد، وأعظم عملٍ هو العبادة. |
شكر نعم الله تعالى
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(سورة النحل: الآية 120-121)
(شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ) الصفة الخامسة لإبراهيم عليه السلام هي شكر الله تعالى (لِّأَنْعُمِهِ) العظيمة، منحك نعمة الإيجاد أوجدك: |
لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا(سورة الإنسان: الآية 1)
منحك نعمة الإمداد، أمدَّك بكل ما تحتاجه، منحك نعمة الهدى والرشاد، ألا نشكر الله على نعمائه مقتدين بأبي الأنبياء؟ |
أيها الأحباب الكرام: إبراهيم عليه السلام (كَانَ أُمَّةً) يوم كسر الأصنام التي كانت تُعبد كآلهة، فأصبح دين الناس هو التوحيد، إبراهيم عليه السلام (كَانَ أُمَّةً) يوم أسكَن من ذريته بواد غير ذي زرع. |
إبراهيم عليه السلام (كَانَ أُمَّةً) يوم بنى البيت هو وابنه إسماعيل عليهما السلام. |
تنفيذ إبراهيم عليه السلام لأمر الله
روى ابن عباسٍ رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري قال: جَاءَ إبْرَاهِيمُ عليه السلام بهاجر وبِابْنِهَا إسْمَاعِيلَ وهي تُرْضِعُهُ، حتَّى وضَعَهُما عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، أي في ظل شجرةٍ كبيرة، فَوْقَ زَمْزَمَ، التي أصبحت زمزم فيما بعد، في أَعْلَى المَسْجِدِ، الذي أصبح مسجداً فيما بعد، وليسَ بمَكَّةَ يَومَئذٍ أَحَدٌ، وليسَ بهَا مَاءٌ، ليس في مكة ماء، وَضَعَها هُنَالِكَ، ووَضَعَ عِنْدَهُما جِرَابًا فيه تَمْرٌ، كم يسع الجراب من التمر؟ ربما عشر تمرات، وسِقَاءً فيه مَاءٌ، أي قربةٌ صغيرة، ثُمَّ قَفَّى إبْرَاهِيمُ، رجع مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إسْمَاعِيلَ فَقالَتْ: يا إبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وتَتْرُكُنَا بهذا الوَادِي، الذي ليسَ فيه إنْسٌ ولَا شيءٌ؟ فَقالَتْ له ذلكَ مِرَارًا، وجَعَلَ لا يَلْتَفِتُ إلَيْهَا. |
إبراهيم عليه السلام وحُبّه لله تعالى
|
ما دام الله هو الآمر فهو الحافظ والضامن
ما دام هو الآمر فهو الحافظ والضامن
|
قصة جليبيب رضي الله عنه
جليبيب رجلٌ به دمامة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تفقده النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا جليبيب ألا تتزوج؟ قال: ومن يزوجني يا رسول الله؟ فقيرٌ دميم، قال له: أنا إن فعلتُ تفعل؟ قال: نعم، جاءه رجلٌ من الأنصار قال له: إني أخطب إليك ابنتك، رسول الله يَخطب، قال له: نعم ونعمين لرسول الله، أبشر، قال له: ليس لنفسي أريدها، قال: لمن؟ قال: لجليبيب، قال: جليبيب! إذاً أَسْتَأْمِرَ أُمَّهَا، أشاور أهل البيت، ذهب إلى أمها قال: إن رسول الله يخطب إليكِ ابنتكِ، قالت له: نعم لرسول الله، قال: ولكن ليس لنفسه يريدها، قالت: لمن؟ قال: لجليبيب، قالت: جليبيب! لا والله لا أُزوج جليبيباً، منعناها فلاناً وفلاناً ثم نزوجها جليبيباً؟ |
الثقة برسول الله صلى الله عليه وسلم
|
دعا داعي الجهاد وذهب جليبيب للجهاد، وبعد انقضاء المعركة قال صلى الله عليه وسلم: من تفقدون؟ قالوا: لا نفقد أحداً، قال: ولكني أفقد جليبيبا،ً قوموا بنا إلى أرض المعركة فوجده شهيداً، رفعه على يديه وقبله من جبينه، وقال: يا جليبيب أنت مني وأنا منك، قال أنس بن مالك: فحفَرنا قبر جليبيب، وما له فراشٌ إلا ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله ما أحدٌ من الحاضرين إلا تمنى يومها أن يكون مكان جليبيب، أما زوجته أستاذة اليقين فما إن انتهت عدتها حتى خطبها رجلٌ من الأنصار وتزوجها، ولم يجعل الله عَيْشَهَا كَدًّا كَدًّا، وفازت برضا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشاهد أيها الإخوة لا يُضيع الله عباده. |
بناء بيت الله عز وجل
قالَتْ: إذَاً لا يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إبْرَاهِيمُ حتَّى إذَا كانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لا يَرَوْنَهُ، بعد أن غاب عن أنظارهم حتى لا يتعلق قلبه من جديد، وقف هناك، واسْتَقْبَلَ بوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ودَعَا: |
رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(سورة إبراهيم: الآية 37)
الهدف الرئيسي أن تُقيم الصلاة
|
السنَّة التي سنَّتها السيدة هاجر
|
أهل القرآن هم أهل الله
هذا هو الدرس أيها الأحباب ختم به الملَكُ من عند ربّ العزَّة جلَّ جلاله (وإنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَهْلَهُ)، فكن من أهل الله، كما في الحديث الصحيح: |
{ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ }
(رواه بن ماجه)
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیِّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني، واستغفروا الله. |
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ. |
الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللّهم اهدِنا فيمَن هَديْت، وعافِنا فيمَن عافيْت، وتَوَلَّنا فيمَن تَوَلَّيْت، وبارِك لَنا فيما أَعْطَيْت، وقِنا واصْرِف عَنَّا شَرَّ ما قَضَيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ، لَكَ الحَمدُ عَلى ما قَضَيْت، وَلَكَ الشُّكرُ عَلى ما أَنْعَمتَ وَأَوْلَيت، نستغفرك ونتوب إليك نؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هَب لنا عملاً صالحاً يُقربنا إليك، يا وَاصِلَ الـمُنْقَطِعِينَ أوْصِلْنَا برحمتك إلَيْكَ، اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لنا آخِرَتنا الَّتي فِيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر، مولانا ربَّ العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم فرِّج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشدٍ يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم بفضلك ورحمتك فرِّج عن المسلمين يا أرحم الراحمين، أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، وأنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، وفِّق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد. |