• 2019-09-20
  • عمان
  • مسجد أحد

يسألونك


الخطبة الأولى :
يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً و نذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).

السؤال عن الله و أمره و نهيه أعظم سؤال على الإطلاق :
وبعد فيا أيها الأخوة الأحباب؛ ما منا واحدٌ إلا يسأل أو يُسأل، ويحصل ذلك في كل يومٍ عشرات المرات، إما أن تسأل عن شيءٍ تجهله، أو أن تُسأل عن شيءٍ تعرفه، وهذه حاجةٌ فطرية تنبع من حب المعرفة، وقد أثبت الله تعالى في قرآنه هذه الحاجة، فقال- يوجد أربع عشرة آية (يَسْأَلُونَكَ) (وَيَسْأَلُونَكَ)-:

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
[ سورة البقرة: 219 ]

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ
[ سورة البقرة: 189 ]

وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ
[ سورة البقرة: 219]

أعظم سؤال أن تسأل عن ربك
فالسؤال لا بد منه، ويوجد آيتان أيضاً قال تعالى: (يَسْتَفْتُونَكَ) أي يطلبون الفتوى في أمرٍ شرعي، فالناس يسألون ويُسألون، يسألون عن الدنيا، ويسألون عن أسعار العملات ارتفاعاً وانخفاضاً، ويسألون عن حركة السوق، ويسألون عن الوضع الاقتصادي، وعن الوضع المعيشي، ولكن أعظم سؤال يسأله الإنسان أن يسأل عن ربه:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
[ سورة البقرة: 176 ]

أن يسأل عن الله كيف يصل إليه؟ كيف يتقرب إليه؟ كيف يحبه؟ كيف يصل إلى مرضاته؟ هذا سؤالٌ عن الله، ثم يأتي بعده في الأهمية أن تسأل عن دين الله، عن أمر الله، وعن نهي الله، ماذا يريد مني حتى آتيه؟ وماذا ينهاني حتى أجتنبه؟ إذاً أعظم سؤالٍ أن تسأل عن الله، ثم أن تسأل عن أمر الله وعن نهي الله، لأنه الطريق إلى الله.

العناية بالدين و إصلاح الخلل في فهمنا له :
أيها الأخوة الكرام؛ النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو كما في الصحيح فيقول:

{ اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي }

[رواه مسلم]

الخلل في فهمنا لدين الله تعالى
وهل الدين يحتاج إلى إصلاح؟ إنه منهج خالق السماوات والأرض، إنه الوحي المطلق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، إن كل منهجٍ من مناهج الحياة مهما عظم في مضمونه، أو في آثاره، فإنه يحتاج إلى إصلاحٍ دائماً، لذلك نجد في قوانين البشر أنه بين الحين والآخر تصدر القوانين التي تعدل المراسيم السابقة، وتصدر القوانين التي تعدل القوانين السابقة وتطورها وفقاً لحاجة المجتمع إلا دين الله فهو من حيث هو دينٌ ووحيٌ مطلق، فإنه لا يحتاج إلى إصلاح، فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي)؟ معنى ذلك أن تَدَيّن الإنسان أو فهمه لدين الله، أو طريقته في فهم دين الله تحتاج إلى إصلاح، ديننا يحتاج إلى إصلاح، وليس وحي السماء يحتاج إلى إصلاح، فقد يفهم الإنسان الدين أحياناً على أنه صلاةٌ وصيامٌ وزكاةٌ وحج، ثم يغش المسلمين في الأسواق، فهذا دينه يحتاج إلى إصلاح، وقد يفهم بعض الناس أن الدين يدعو إلى التفرق وإلى التمذهُب فيذهب كلٌ في مذهبه وفرقته، ويترك الاجتماع والوحدة مع بقية المسلمين، عندها نقول: دين هؤلاء يحتاج إلى إصلاح، لأن فهمهم لدين الله على أنه باعثٌ لفرقتهم، وهو في الحقيقة جاء ليُجَمِّعَنَا، فهو المغلوط فلا بد من إصلاحه، عندما يفهم الإنسان الدين مجتزأً فيؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فدينه يحتاج إلى إصلاح، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي)، يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعتني بديننا دائماً، وأن نصلح الخلل الذي فينا، والخلل في فهمنا لدين الله تعالى.

التجديد في الدين :
أيها الأخوة الكرام؛ التجديد في الدين فكرةٌ رائعة لها بريقها، فمن منا لا يحب التجديد؟ من منا لا يحب أن يجدد أثاث بيته؟ ومن منا لا يحب أن يجدد في حياته؟ فالتجديد كلمةٌ براقة يحبها الناس، فجاؤوا لنا اليوم بالتجديد في الدين لأننا نحب التجديد، هل هناك تجديدٌ في الدين؟ ونحن نتحدث عن السؤال والفُتيا؟ هل هناك تجديدٌ في الدين؟ نعم هناك تجديدٌ في الدين، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود في السند الصحيح:

{ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا }

[رواه أبو داود في السند الصحيح]

قال الإمام أحمد: فنظرنا على رأس المئة الأولى فإذا عمر بن عبد العزيز، ونظرنا على رأس المئة الثانية فإذا الشافعي رحمه الله تعالى، إذاً الله تعالى يبعث لهذه الأمة من يجدد لها دينها، فما معنى التجديد في الدين؟ التجديد في الدين هو إحياء ما اندرس من العمل في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن نحيي الأمور التي نسيها الناس في دين الله، لعلهم نسوا أن الدين في أساسه هو المعاملة، معاملة الناس بالحسنى و بالخير، فنجدد الدين بهذا المعنى، لعلهم نسوا أن الدين ينبغي أن يجمعنا على كلمةٍ سواء على كلمة الحق والخير والهدى، فلا بد من التجديد إذاً، لعلهم تناسوا أن الدين كتلةٌ واحدة، وكُلٌّ لا يتجزأ، فعلينا أن نجدد الدين بهذا المعنى، أن نحيي ما اندرس من العمل بكتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، إذاً التجديد المطلوب في الدين يكون على أربعة مستويات، أولاً: إعادة الرونق والجمال لدين الله، اليوم يحاول أعداؤنا من كل حَدَبٍ وصوب أن يشوهوا صورة ديننا، وأن يظهروه على أنه دين قتلٍ وتدمير، وهم أصحاب القتل والتدمير، فنحن بحاجةٍ إلى أن نجدد في ديننا، بأن نعيد له رونقه وجماله يوم كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام.
التجديد في الدين يكون وفق معان محددة
ثانياً: أن نحيي ما اندرس من العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول، مثلاً: عندما نقول: التوكل، كيف كان التوكل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كان يعني أن يأخذ الإنسان بالأسباب ثم يتوكل على رب الأرباب، لكن بعض الناس اليوم يفهمون أن التوكل هو قعودٌ عن العمل، فلا بد أن نجدد في الدين بهذا المعنى، الزهد يفهم عند بعض الناس اليوم ثياب بالية، ودنيا متروكة، لكن الزهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعني أن تملك الدنيا لا أن تملكك الدنيا، أن تكون الدنيا في يدك لا أن تكون في قلبك، الزهد لا يعني ترك الدنيا:

{ قالوا: يا رسول الله إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً- قال: ليس ذاك، البس الثياب الحسنة والنعل الحسنة- الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ }

[مسلم وأبو داود والترمذي عن عبد الله بن مسعود ]

أن ترفض الحق، وأن تنتقص من قدر الناس، هذا هو الكبر، هذا من التجديد في الدين، أيضاً من التجديد في الدين أن ننشره بين الناس، أن ندعو إلى الله على بصيرة، أن نعلم الناس دينهم، هذا تجديد.
إعادة بناء ثوابت الدين هو هدم للدين
أيضاً أن نجدد في الأساليب، المستوى الرابع: أن نجدد في أساليب الدعوة، فاليوم هناك وسائل حديثة يمكن أن نوصل بها صوتنا إلى الناس، فينبغي أن نجدد في الدين بهذا المعنى، أما من يفهم التجديد على أنه انقضاضٌ على ثوابت هذا الدين لهدمها، وبناء منظومة جديدة، ودين جديد يرضي الأقوياء، ويرضي الغرب، فهذا ليس تجديداً في الدين، هذا هدمٌ للدين، وهنا أصل إلى ما أردت أن أصل إليه، وهو أننا اليوم نسمع بسبب انتشار وسائل التواصل نسمع ونسمع عن فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وعن تجديدٍ في الدين ليس إلا هدماً للدين و لثوابته، فينبغي أن نكون واعين لهذه الهجمة الجديدة على الدين، والتي تعني تفجيراً للدين من الداخل، فتارةً نسمع عن إلغاء أحكام المواريث، وتارةً أُخرى نسمع عن حقوق المرأة بطريقةٍ جديدة لا تعطي للمرأة لا كرامةً ولا حقاً، وإنما تنتقص من قدرها، وفي كل يومٍ نسمع صرعةً جديدة، فلابد أن نكون واعين، لذلك فالتجديد في الدين حق عندما يكون إحياء لدين الله عز وجل كما نزل:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً
[ سورة المائدة: 3 ]

{ يقول صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا }

[ البخاري عن ابن عمرو ]

يجب على المفتي أن يتحلى بمكارم الأخلاق
عن سواء السبيل، ينبغي أن نكون واعين إلى ذلك أيها الأحباب، ينبغي للمفتي أولاً الذي يفتي الناس أن يكون ورعاً متحلياً بمكارم الأخلاق مطبقاً لما يقول، قال تعالى:

سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ
[ سورة الزخرف: 19 ]

عن عبد السلام التنوخي قال: أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره، يفتي للناس في دنياهم ما يروق لهم فيبيع آخرته بدنيا الناس، وما أخسرها من تجارة.

دين الله ينبغي أن يبقى في عليائه :
أيها الأخوة الكرام؛ أيها الأحباب؛ كان ابن هبيرة، عمر بن هبيرة والياً على العراقين، - و العراقان هما البصرة والكوفة - في زمن يزيد بن معاوية، وكانت تأتيه الكتب تلو الكتب، تأمره بتنفيذ الأوامر، وهو ينظر فيها فيجدها أحياناً مجافيةً للحق و لدين الله تعالى، فاستدعى تابعين جليلين هما الحسن البصري وعامر الشعبي يستفتيهما في أمره، فقال عمر بن هبيرة : ما تقولان في هذا؟ فقال عامر الشعبي كلاماً للوالي فيه ملاطفةٌ وملاينةٌ ومسايرة، لاطفه وسايره فهو الوالي، والي العراقين.
فالتفت إلى الحسن البصري قال: وما تقول أنت يا أبا سعيد؟ فقال له : يا بن هبيرة خف الله في يزيد، ولا تخف يزيد في الله، فإن الله يمنعك من يزيد، لكن يزيد لا يمنعك من الله، واعلم يا بن هبيرة أنه يوشك أن ينزل بك مَلَكٌ غليظٌ شديد يُنزلك من سريرك، و يُزيلك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، وهناك لن تجد يزيد، ولكنك ستجد عملك الذي خالفت به رب يزيد، واعلم يا بن هبيرة أنك إن تك مع الله وفي طاعته يكفك بائقة يزيد، وإن تك مع يزيد في معصية الله يكلك الله إلى يزيد، واعلم يا بن هبيرة أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فبكى ابن هبيرة والتفت إلى الحسن وجعل يكرمه ويمتدحه ويثني عليه، وترك الشعبي، فخرجوا إلى المسجد، فاجتمع إليهما الناس يسألونهما عن خبرهما مع الوالي، فوقف الشعبي وقفة حق وبطولة وقال: يا أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على جميع خلقه في كل مقامٍ فليفعل، والله ما قال الحسن لابن هبيرة كلاماً أجهله، هذا كلام التوحيد، وهل الشعبي لا يعلم التوحيد؟ وهو تابعيٌّ من التابعين الأجلاء، قال: ما قال له كلاماً أجهله، ولكنني أردت فيما قلت وجه ابن هبيرة، وأراد الحسن فيما قاله وجه الله، فأقصاني الله من ابن هبيرة، وأدنى الحسن منه، وحببه إليه، يا أيها الناس من استطاع منكم أن يُؤثِرَ الله على جميع خلقه في كل مقامٍ فليفعل.
الدين لا يسخر لخدمة أحد
أيها الأحباب؛ هذا هو التوحيد، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، فالدين لا يُسَخَّر لخدمة الأشخاص، ولا لخدمة الأهواء، ولا للمصالح، ولا للأقوياء، ولا للأغنياء، هذا دين الله، وينبغي أن يبقى في عليائه، إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، إنه سعادة الأبد.

آداب المستفتي :
لا يجب أن تكتفي بسؤال شخصٍ لا تطمئن له
أما المستفتي أيها الأحباب الذي يسأل فينبغي أن يكون له أيضاً آداب عظيمة، فلا يجوز له أن يكتفي بسؤال شخصٍ لا يطمئن له، ثم يقول لك: أخذت فتوى، أنت إذا أردت أن تبيع بيتك فهل تكتفي بسؤال شخصٍ واحد؟ هل تنزل فتقابل شخصاً فتقول له: أريد أن أبيع بيتي، فيقول لك: ثمنه حوالي سبعين ألفاً، فتقول له: قد بعتك أم تذهب وتسأل عشرات المكاتب العقارية حتى تأخذ أعلى سعر؟ لماذا في دين الله يختار الإنسان أحياناً شخصاً لا يثق بعلمه ولا يثق بورعه؟ لابد من علمٍ و ورع، ثم يسأله عن مسألةٍ فيقول لك: أخذت فتوى، قال لي: هذه ليست ربا، وسمعت في القناة الفلانية أن مصافحة النساء ليست حراماً، وسمعت الشيخ الفلاني ولحيته طويلة يقول: إن الاستماع إلى الغناء وهؤلاء الفنانين والفنانات حلالٌ لا شيء فيه، فأصبحت أستمع إلى الغناء، واستمعت إلى فتوى أخرى تقول كذا، والاختلاط بغير ضوابطٍ يجوز، وكذا وكذا وكذا...، ثم تجده قد تخلى عن دينه بفتاوى يسمعها من هنا وهناك دون أن يأخذ للأمر جديته.
إذاً أيها الإخوة الكرام؛ اسمعوا إلى هذا الحديث:

{ عن أم سلمة رضي الله عنها: جاء رجلانِ من الأنصارِ يختصِمانِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في مواريثٍ بينهما، ليس بينهما بينةٌ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنكم تختصِمون إليَّ، وإنما أنا بشرٌ ولعلَّ بعضَكم ألحنُ بحُجَّتِه أو قد قال لِحُجَّتِه من بعضٍ، فإني أقضي بينكم على نحوِ ما أسمعُ، فمن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذْه فإنما أقطع له قطعةً من النارِ، يأتي بها أسطامًا في عُنقِه يومَ القيامةِ، فبكى الرجلانِ وقال كلُّ واحدٍ منهما حقِّي لأخي، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أما إذا قلتُما فاذهبا فاقتَسِما ثم توَخَّيَا الحقَّ ثم استهِما ثم لِيُحلِلْ كلُّ واحدٍ منكما صاحبَه، واللفظُ لأحمدَ وقال أبو داود فاقتسَما وتوخَّيا الحقَّ ثم استهَما ثم تحالَّا }

[ متفق عليه عن أم سلمة]

عن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث لهما - عندهما مشكلة في الميراث- ولم يكن لهما بينة إلا دعواهما، ليس عندهما ورقة مكتوبة ولا يوجد بينة إلا دعواهما، كلٌ يدعي على الآخر فقط، فقال رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم : إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وهو سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهو ليس مفتياً، هو مشرع صلى الله عليه وسلم، ولكنه في هذا المقام يتحدث عن الواقعة، قال:

{ إنكم تختصِمون إليَّ، وإنما أنا بشرٌ ولعلَّ بعضَكم ألحنُ بحُجَّتِه أو قد قال لِحُجَّتِه من بعضٍ، فإني أقضي بينكم على نحوِ ما أسمعُ- إنسان يسوق نفسه، عنده كلامٌ معسول يستطيع أن ينتزع الفتوى من المفتي- فمن قضيتُ له من حقِّ أخيه شيئًا فلا يأخذْه فإنما أقطع له قطعةً من النارِ }

المفتي يقضي وفق ما يسمع
ولو كان من قضى أو من أفتى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه أفتى وقضى وفق ما سمع، لكنك محاسبٌ إن كان هناك حقٌ للعباد فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار، انظروا الآن إلى هذين الرجلين ما أعظم ما ربى النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه عليه، فبكى الرجلان، وقال كل واحدٍ منهما لصاحبه حقي لك، ما عدت أريد شيئاً، لا أريد أن آخذ قطعةٍ من النار، وكل واحد يقول: انتهى الخلاف، حقي لك، فجعل كلٌ منهما يقول: حقي لك، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: أما إن فعلتما كذلك فاقتسما فتوخيا الحق ثم استهما –قرعة، أَجْرِيَا قرعة - ثم تحالَّا ليقول كلٌ منكما لصاحبه قد برئت ذمتك مني حتى يلقيا الله وهو عنهما راضٍ.

النهي عن التبديل أو التغيير في الواقعة لتكون الفتوى صحيحة :
يجب على المستفتي أن يذكر الواقعة كما هي
أيها الأخوة الكرام؛ مما يجب على المستفتي أيضاً أن يذكر الواقعة كما هي، فلا يغير ولا يبدل ولا يعتم على شيء حتى يأخذ الفتوى التي يريدها.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إلى امرأة مغيبة - غاب عنها زوجها- وكان رجل يدخل عليها- أي يريد أن يتحقق عمر رضي الله عنه، امرأة زوجها ذاهب ووصله أن رجلاً يتردد على البيت، يريد أن يتحقق من المسألة فبعث إليها يطلبها- ففزعت و قالت: يا ويلها ما لها وعمر؟! - لماذا يريدني عمر الوالي ففزعت- فبينما هي في الطريق إلى عمر إذ ضربها الطلق، فألقت ولداً فصرخ صيحتين ثم مات، فاستشار عمر رضي الله عنه - انظروا إلى فقه عمر و ورع عمر استشار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ما تقولون؟ قالوا: ليس عليك شيء - أنت لست مؤاخذاً إنما أنت والٍ و مؤدب استدعيتها وهي أسقطت- فسكت عليٌ رضي الله عنه، فالتفت عمر إليه قال: وما تقول أنت يا أبا الحسن؟ فقال عليٌ رضي الله عنه: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم - هذا ليس رأياً صواباً- وإن كانوا قالوا في هواك - من أجلك تكلموا في مصلحتك- فلم ينصحوا لك، إنما عليك نيتها فإنما أسقطت فزعاً منك، فقال عمر: أقسمت عليك ألا تقوم من مقامك حتى تقسّم ديته، ودفعها.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، و أستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيب للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك و أنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، واجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، فرج اللهم عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، أطعم جائعهم، واكس عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، يا أكرم الأكرمين فرج عن إخواننا في القدس الشريف وفي المسجد الأقصى، وفرج عن إخواننا المرابطين يا أرحم الراحمين، انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على عدونا يا أكرم الأكرمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.