ضِمَامُ بن ثَعْلبة (وافد قومِه)

  • 2019-09-27
  • عمان
  • مسجد أحد

ضِمَامُ بن ثَعْلبة (وافد قومِه)


الخطبة الأولى :
يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً و نذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله اتقوا الله فيما أمر وانتهوا عما عنه نهى وزجر:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
[ سورة الصافات:24 ]


الدروس و العبر المستفادة من الحديث التالي :
1 ـ الدور الريادي و الحضاري للمسجد في الإسلام :
أيها الأخوة الأحباب؛ روى البخاري في صحيحه:

{ عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قال: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ- أي ربطه- ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَبْتُكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ - أي ستجد في كلامي شِدةً وربما غلظةً - فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟- لا تنزعج مني- فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ فَقَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ؟ فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ نَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ مِنَ السَّنَةِ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ قَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ ، آللَّهُ أَمَرَكَ أَنْ تَأْخُذَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَقْسِمَهَا عَلَى فُقَرَائِنَا ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: آمَنْتُ بِمَا جِئْتَ بِهِ ، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، (يقول أنسٌ رضي الله عنه راوي الحديث: ثمَّ انصرفَ راجعًا إلى بعيرِهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: حينَ ولَّى إن يصدُقْ ذو العَقيصتَينِ يدخلِ الجنَّةَ - والعقيصتان هما ضفيرتا الشعر، كانت له ضفيرتان في شعره- قالَ: فأتَى إلى بعيرِهِ فأطلقَ عقالَهُ ثمَّ خرجَ حتَّى قدِمَ على قَومِهِ فاجتمَعوا إليهِ فَكانَ أوَّلَ ما تَكَلَّمَ بِهِ أن قالَ بئستِ اللَّاتُ والعُزَّى - صنمان من أصنامكم لا يضران ولا ينفعان- قالوا مَهْ يا ضِمامُ اتَّقِ البَرصَ والجُذامَ، اتَّقِ الجنونَ، قالَ: ويلَكُم إنَّهُما واللَّهِ لا يضرَّانِ ولا ينفعانِ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد بعثَ رسولًا وأنزلَ عليهِ كتابًا استنقذَكُم بِهِ ممَّا كنتُمْ فيهِ وإنِّي أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ إنِّي قد جئتُكُم من عندِهِ بما أمرَكُم بِهِ ونَهاكم عنهُ - جئتكم بقائمة المأثورات وقائمة المحظورات - قالَ: فو اللَّهِ ما أمسَى من ذلِكَ اليومِ وفي حاضرِهِ رجلٌ ولا امرأةٌ إلَّا مسلمًا قالَ يقولُ ابنُ عبَّاسٍ فما سمِعنا بوافدِ قَومٍ كانَ أفضلَ من ضِمامِ بنِ ثعلبةَ }

[ البخاري عن أنس بن مالك]

المسجد يجمع المسلمين على الخير
أيها الأخوة الأحباب؛ سأتلمّس معكم أيها الكرام بعضاً من العبر والدروس التي يمكن أن نستقيها من هذا الحديث الشريف، أولاً: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، لقد كان المسجد أيها الأخوة الكرام في صدر الإسلام مكاناً يجتمع فيه المسلمون، يتدارسون فيه شؤونهم، ويقيمون فيه دولتهم، ويتعاونون فيه على الخير والحق والهدى، فالمسجد في الإسلام ليس شأنه شأناً عادياً كأي مكانٍ في الأرض، إنه بيت الله، بيت مُضاف، أُضيف إلى الله جل جلاله، فعظمة البيت مما أُضيف إليه، فلو قلت: بيت الملك، ملك من ملوك الأرض فإنك تنظر إليه نظرةً مختلفة لأنه بيتٌ لملك من ملوك الأرض، فكيف إذا كان هذا البيت بيتاً لملك الملوك جل جلاله؟ بيت الله، إنها البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، إننا أيها الأحباب إذا أردنا أن ننهض من جديد فلابد أن نعيد للمسجد دوره الريادي، ودوره الحضاري في المجتمع، صحيحٌ أنه مكانٌ لإقامة الصلوات، وهذا من أهم ما أُنشئ المسجد لأجله، ولكنه ليس الشيء الوحيد، المسجد أُنشئ ليكون جامعةً يجتمع بها المسلمون على الخير، يتعاونون فيها على البر، تتعلق قلوبهم بهذه البيوت، يأوون إليها ليسمعوا خطب الجمعة، و ليسمعوا دروس العلم، يأوون إليها لتمتلئ قلوبهم خيراً وحباً وفضلاً.
للمسجد شأنٌ عظيمٌ في الإسلام
يوجد كثير من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبه هذا الحديث، بينما نحن جلوس في المسجد و معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُدار الأمور من المسجد، تتخذ القرارات في المسجد، ينشأ الجيل المؤمن في المسجد، يقرأ القرآن، ويتلى آناء الليل، وأطراف النهار في المسجد، لذلك فالمسجد له شأنٌ عظيمٌ في الإسلام، قال تعالى متحدثاً عن مسجد قُباء الذي كان أول عملٍ قام به النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة إلى المدينة، ما الذي فعله أولاً؟ بنى المسجد، فتحدث القرآن الكريم عن هذا البناء فقال:

لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ
[ سورة التوبة:108 ]


الحكمة من أن المساجد أحبّ البيوت إلى الله و الأسواق أبغضها :
أيها الأحباب؛ في صحيح مسلم:

{ أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا ، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا }

[ رواه مسلم ]

لماذا؟ في السوق أيها الأحباب ينظر الإنسان إلى مئات الأشياء التي لا يحتاجها في مجتمعنا الاستهلاكي اليوم، نحن اليوم في مجتمعٍ استهلاكي تنتشر فيه الدعايات والصور عن آلاف السلع التي لا نحتاج أكثرها، ولكننا إذا دخلنا إلى السوق تشوقنا إليها فنعود إلى بيوتنا وقد امتلأت قلوبنا هماً وغماً وكمداً، فإن دفعنا فقد أسرفنا في شيءٍ لا نحتاجه، وإن لم نستطع عدنا ونحن نطمح إلى هذا الشيء، أما عندما يغدو الإنسان إلى بيت الله تعالى ويدخل إليه فيمتلئ القلب سكينةً وحباً،
المسجد فيه صلةٌ بين الأرض والسماء
يترك المادة والأسواق ويتجه إلى ربنا جلّ جلاله الذي يملأ قلبه بالود و الحب والخير، كل واحدٍ فينا لينظر هذه النظرة، كيف نخرج من المسجد؟ نخرج دائماً وقد امتلأنا بالخير، لأن المسجد فيه صلةٌ بين الأرض والسماء، فأنت تكون في المسجد في الأرض وكأن السماء تكون فيه، تسمع تعليمات ربنا جل جلاله فتنطلق إلى تنفيذها في واقع الحياة، ثم تعود إلى المسجد من جديد فتشعر بالسكينة تقبض الثمن، فالمسجد تتعلم فيه ثم تقبض فيه الثمن.

الإكثار من زيارة بيوت الله في كل صلاة وفي كل وقت :
أيها الأخوة الأحباب؛ كما في الصحيح:

{ مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ في بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ }

[رواه مسلم]

ونحن في المسجد يذكرنا الله في الملأ الأعلى
هل تدرك معي أخي الكريم وتستشعر أن ربنا جل جلاله وأنت في المسجد تسمع كلام الله، وتسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل تستشعر أن رب العزة يذكرنا في الملأ الأعلى؟ والله لو ذكرنا أحدٌ من أهل الأرض ممن له مكانةٌ في مجلسه لطرنا فرحاً وشوقاً إلى لقائه، تقول: فلان يذكرني في مجلسه، إذا كان خالق الكون جل جلاله ونحن في بيوته يذكرنا عنده فما أحرانا أن نكثر من زيارة بيوت الله في كل صلاة، وفي كل وقت.
أيها الأخوة الكرام؛ وفي الصحيحين:

{ من غدا إلى المسجدِ أو راح، أعدَّ اللهُ له نُزُلًا من الجنَّةِ كلما غدا أو راح }

[رواه البخاري]

{ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ: إِمامٌ عادِلٌ، وشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّه تَعالى، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللَّه: اجتَمَعا عَلَيهِ، وتَفَرَّقَا عَلَيهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخافُ اللَّه، ورَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأَخْفَاها، حتَّى لا تَعْلَمَ شِمالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينهُ، ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ }

[متفقٌ عَلَيْهِ]

أحدهم رجل قلبه معلق بالمساجد، يخرج من صلاة الفجر فينتظر الظهر، يأتي قبل الظهر ليتنفل ويصلي الظهر، ثم قلبه معلقٌ بصلاة العصر فالمغرب فالعشاء، يلتقي أخوانه، يؤدي الصلوات في جماعة، يقرأ القرآن في المسجد، قلبه معلقٌ في المساجد، فهو في ظل الله يَوْمَ لا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ:

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ
[ سورة التوبة:18 ]


2 ـ النبي الكريم بين أصحابه كأنه واحد منهم :
يحبك من حولك عندما تكون واحدأ منهم
أيها الأخوة الأحباب؛ إذاً هذه النقطة الأولى في الحديث، وهي التي أحببت أن أركز عليها، وموضوعنا اليوم عن المساجد، وعن بيوت الله، لكن أريد أن آخذ بعض العبر السريعة من الحديث، لما دخل الرجل هذا ضِمامِ بنِ ثعلبةَ قَالَ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ لماذا سأل أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ ألم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مكانٌ خاص يتربع عليه بين أصحابه فما أن يدخل رجلٌ حتى يعلم أن هذا الرجل هو أمين الأمة؟ لا، لم يكن له مجلس خاص، لقد كان بين أصحابه كأنه واحد منهم، هيّأه تفوقه ليعيش فوق الجميع فعاش واحداً بين الجميع.
إذاً أيها الأخوة الكرام؛ أنت في أي منصب قيادي كنت مديراً لشركة، أو مؤسسة، أو مدرسة، أو متجر، أو أي شيء، كن مع الناس يلتفوا حولك، ويحبوك، و يفدوك بأرواحهم:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ
[ سورة آل عمران: 159 ]

لقد كان بين أصحابه فدخل الرجل فما علم أي واحد من هؤلاء هو نبي الأمة فسأل أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟

3 ـ الدعوة إلى الله فن :
أيضاً أيها الأخوة الكرام: لما قال الرجل: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، ماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ هل غضب؟ هل انفعل؟ رجلٌ جاء غريباً يتحدث مع قائد الأمة فيقول له: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ فلا تجد عليّ في نفسك، فماذا قال له صلى الله عليه وسلم؟ قال: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ، هل قام أحدٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنهر الرجل أو قال له: كيف تتكلم ذلك مع رسول الله؟ أبداً، لقد فتح النبي صلى الله عليه وسلم قلب هذا الرجل بإحسانه ففتح الرجل عقله لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أن أسلم.
كل واحدٍ فينا داعيةٌ إلى الله
إذاً أيها الكرام؛ الدعوة إلى الله فن، وكلنا في مكان الدعوة إلى الله، كلنا دعاة إلى الله، ليس فينا أحدٌ ليس داعية، أنت داعية في بيتك، في محلك التجاري، مع شريكك، في الشارع، كل واحدٍ فينا داعيةٌ إلى الله، لكن الدعوة تحتاج إلى فن في التعامل، النبي صلى الله عليه وسلم ما غضب من الرجل، ولا غضب منه أصحابه، بل استمع إليه بهدوء و تؤدة حتى أوصله إلى مبتغاه.

4 ـ الدعوة إلى الله ركنٌ من أركان ديننا :
كن داعيةً إلى الخير
أيضاً أيها الكرام؛ وأنا أقرأ في الحديث لفت نظري، فقال الرجل: بعد أن سمع تعامل الإسلام وآمن به قال: وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، فلا يكفي أن يؤمن الإنسان لا بد أن يسعى لولاية الخلق، قال: وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، من فوره، بعد أربع دقائق تقريباً وهو يستمع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد رأى من إحسانه وتواضعه وجلوسه بين أصحابه وسمع من عذب كلامه، فقال: إنَي رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، لا بد أن أذهب وأدعو إلى ما علمت، فالدعوة إلى الله ركنٌ متين من أركان ديننا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الفريضة السادسة في الإسلام، وما تخلفت الأمة، وما أصبحت في ذيل الأمم إلا عندما تركت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، وَأَنَا رَسُولُ مَنْ وَرَائِي مِنْ قَوْمِي، كن رسولاً لمن ورائك من قومك، سمعت خطبةً، سمعت حديثاً، سمعت آيةً، بلغها لزوجتك، لأولادك، لعمالك في المعمل، كن داعيةً إلى الخير، كن رسولاً لمن ورائك.

5 ـ الصدق في النوايا :
نية المؤمن خيرٌ من عمله
أيها الأخوة الكرام؛ أما قوله صلى الله عليه وسلم: إن يصدُقْ ذو العَقيصتَينِ يدخل الجنة، أيضاً فيه ملمح؛ نحن بحاجةٍ إلى صدقٍ في النوايا، والله يتولى الأمر، فقط انو الخير تأخذ أجره، أعجز إنسان هو الإنسان الذي لا ينوي، نية المؤمن خيرٌ من عمله، ونية الكافر شرٌ من عمله، المؤمن ينوي هداية الخلق كلهم ربما لا يفعل ذلك، أو لا يصل إلى مبتغاه، لكنه ينوي الخير، ينوي الصدقة، ينوي كل ما يستطيعه، ثم يبذل ما يستطيع أن يفعله.
لذلك أيها الأحباب؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن يصدق- إذا كان صادقاً في نيته- يدخل الجنة، والرجل صدق فهدى الله قومه به، فكان أمةً، يقدم يوم القيامة قومه وباقي المسلمين في صحيفته كلهم، من قومه الذين أسلموا بسببه.

6 ـ الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله :
أيها الأخوة الأحباب؛ آخر ما أريد- و العبر كثيرة - أن أستنبطه من هذا الحديث، لما دخل إلى قومه بماذا بدأ؟ هل بدأ فقال: أنا شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ لا، كان من فقه ضمام أنه دخل إليهم فقال: بئست اللات والعزة، بدأ بهدم الباطل قبل أن يبني الحق في نفوسهم، قال تعالى:

فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
[سورة البقرة: 256]

الطاغوت هو كل ما عبد من دون الله
والطاغوت هو كل ما عبد من دون الله، إذا كان هناك في المجتمع فكرةٌ مغلوطةٌ مشبوهةٌ بعيدةٌ عن الحق، فلا بد أن تهدمها لتبني الحق، فهؤلاء قالوا: صه يا ضمام اتق البرص، اتق الجنون، قال: إنهما صنمان لا يضران ولا ينفعان، فلما كانت تلك الصدمة عندهم الآن بدأ في البناء فقال: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، إذاً لا بد من الكفر بالطاغوت قبل الإيمان بالله، ﴿ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ﴾.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، و وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، و أستغفر الله.

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيب للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك و أنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، يا رب قد عمّ الفساد فنجنا، قلت حيلة فتولنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، لا تعاملنا بما فعل السفهاء منا، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، أطعم جائعهم، واكس عريانهم، وارحم مصابهم، وآو غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، انصر اللهم إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على عدونا، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.