• 2018-05-04
  • عمان
  • مسجد الزميلي

أين الخلل


الخطبة الأولى:
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من بعد، أهل الثناء والمجد، وأحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى لكل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومسعى لكل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نضام في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمر كله بيدك؟
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، أخرجتنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

الخلل في أمتنا الآن يعود إلى أسباب هي:
1 ـ ضعف تعظيم الله:
وبعد أيها الأخوة الكرام؛ إن الناظر المتأمل في أحوال المسلمين اليوم، مقارناً إياها بما كان عليه سلف هذه الأمة في عصورها الزاهرة لا يخفى عليه ما آلت إليه حالنا، فقوتنا قد استحالت ضعفاً، وأمننا قد استحال في معظم بلدان المسلمين خوفاً، ووحدتنا استحالت تفرقاً وتمزقاً، مع أن النظر في ثوابت هذه الأمة يوحي بأنها لم تتغير منذ 1400 ألف عام وحتى اليوم، فإلههم إلهنا، والقرآن الذين يقرؤونه هو القرآن الذي نقرؤه اليوم، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ما زالت محفوظة بين أيدينا، فأين الخلل؟ هذا السؤال الكبير، والإجابة عليه ربما لا تكون في خطبة، أوفي مجموعة خطب، ولكننا نحاول في هذا اللقاء الطيب أن نتلمس بعض الخلل، لعل الله عز وجل يعيننا على تجاوزها.
أيها الأخوة الكرام؛ الخلل الأول يكمن في ضعف التعظيم، في ضعف تعظيم الله تعالى، وتعظيم منهجه.
أيها الأخوة الكرام؛ وتعظيم الله عز وجل لا يكون إلا عن طريق أمرين ؛ الأول: النظر في خلقه، قال تعالى:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)
[ سورة العلق]

علينا أن نقرأ في كتاب الله المنظور وهو الكون بكل ما فيه قراءة واعية تقودنا إلى الخالق العظيم الذي يمتلئ قلبنا حباً وتعظيماً له فننطلق إلى طاعته طوعاً وحباً.
انظروا أيها الأخوة في واقع شبابنا اليوم، في واقع كثير من شبابنا اليوم، يعظمون الغرب، يعظمون الحاسوب، والأجهزة الذكية، وينطلقون إلى تعظيم مخترعيها وأصحابها هذا ما يحصل عادة، فعندما نعظم غير الله عز وجل يكون الخلل الأول، والخلل الأعظم.
تعظيم الله تعالى يكون في أمرين
أيها الأخوة الكرام ؛ تعظيم الله تعالى يكون في أمرين؛ الأول: النظر في الكون، والثاني: القراءة في كتاب الله تعالى المسطور، الكون كتاب الله المنظور، والقرآن كتاب الله المسطور، ومن خلال قراءة الكون والقراءة في القرآن الكريم تنطلق إلى تعظيم الله جلّ جلاله، وعندها تلتزم بمنهجه، وعندها تدافع عن الدين بكل ما تملك لأنك تذوق حلاوة الإيمان، قال تعالى معاتباً:

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
[ سورة يوسف]

وقال في الكتاب الثاني، الكتاب المنظور:

وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)
[ سورة الفرقان]

وليس في القرآن الكريم كله شكوى يشكوها نبينا صلى الله عليه وسلم لربه إلا هذه الشكوى، أن قومه اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، وهجر القرآن لا يعني أننا لا نضعه في بيوتنا ولا يعني أننا لا نعلقه في صدر محلاتنا:

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (1)
[ سورة الفتح]

ولا يعني أننا لا نعلقه في مدخل بيوتنا:

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)
[ سورة الإسراء]

فهذه مظاهر، فهجر القرآن يعني أننا لا نحكمه منهجاً في حياتنا، لا نرتضيه حكماً يفصل بين خصوماتنا، لا نرتضيه منهجاً نقيمه في تربية أولادنا، لا نرتضيه منهجاً نحكمه في خلافاتنا، هذا معنى هجر القرآن الكريم، فضلاً عن هجر تلاوته، وفضلاً عن هجر تدبره وهجر العمل فيه.
أيها الأخوة الكرام؛ إن ترك المسلمين النظر في الكون، وتركهم قراءة وتدبر القرآن كلفهم غالياً كثيراً، فنشأ عندنا جيل يعظم الأقوياء بدل من أن يعظم الله تعالى، ونشأ عندنا أناس يعظمون الطغاة والمجرمين بدلاً من تعظيم خالقهم، فتقول له: انظر ماذا يجري في الكون؟ يقول لك: أمريكا تحكمنا، الأمر كله بيدها، إذا أرادت شيئاً تفعله، جيلنا ينظر إلى الهاتف الذي في يده نظرة تعظيم، ولا ينظر إلى العصفور الذي يطير في الهواء نظرة تعظيم، لا ينتبه إلى آيات الله عز وجل، ينتبه إلى ما صنعه الغرب من التقنيات الحديثة، عندها أيها الأخوة وقعنا في الخلل الخطير الأول وهو عدم تعظيم الله تعالى، أو ضعف تعظيم الله تعالى.

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67)
[ سورة الزمر]

مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13)
[ سورة نوح]

كيف ترجو لله وقاراً؟ قال:

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً (14)
[ سورة نوح]

انظر في خلقك توقر ربك وتعظمه، الغفلة عن الكون، والغفلة عن القرآن دفع المسلمون ثمنه غالياً، هذا هو الخلل الأول أيها الأخوة.

2 ـ غياب المراقبة:
أما الخلل الثاني: وهو نتيجة حتمية للأول، فمع غياب التعظيم تغيب المراقبة، فيراقب الإنسان في صلاته رجلاً ينظر إليه ولا يراقب ربه، يزين من صلاته كما قال صلى الله عليه وسلم:

{ عن محمود بن لبيد: خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ' أيها الناس إياكم وشرك السرائر '. قالوا: يا رسول الله ! وما شرك السرائر؟ قال: يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته جاهداً، لما يرى من نظر الناس إليه، فذلك شرك السرائر }

[أخرجه ابن خزيمة ]

ولكنه لا يزين في صلاته لما يرى من نظر الله إليه، ومن هنا كان بلال رضي الله عنه يقول: لا تنظر إلى صغر الذنب، ولكن انظر على من اجترأت.
غياب المراقبة خلل عظيم
فغياب المراقبة أيها الأخوة خلل عظيم، ها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بستان من بساتين الأنصار، وأنس بن مالك يراقبه من حيث لا يراه، وإذ بعمر يقول: عمر أمير المؤمنين ! بخ بخ، والله لتتقين الله، أو ليعذبنك الله.
يأتيه أعرابي قد قرض الجوع بطنه، وبه من الفقر ما به، يقول:
يا عمر الخير جزيت الجنَّة اكـس بناتـي وأمهنَّــه وكـن لنا من الزمان جُنَّـــــــة أقسـم باللـه لتفعلنـَّـــه
{ أعرابي يحاور سيدنا عمر }
فقال عمر مداعباً له: << فإن لم أفعل يكون ماذا؟ قال: إذاً أبا حفص لأذهبن، فقال عمر: فإذا ذهبت يكون ماذا؟ قال: يكون عن حالي لتُسألنّ، قال عمر: متى؟ قال: يوم تكون الأعطيات جُنة، والواقف المسؤول بينهن إما إلى نار، وإما إلى جنة، فذرفت عينا عمر بدموعه، ودخل بيته فلم يجد إلا كساء له فأخذه وألبسه إياه وقال: خذ هذا ليوم تكون الأعطيات جنة، وموقف المسؤول بينكن، إما إلى نار، وإما إلى جنة.
مراقبة الله تعالى أيها الأخوة هي السبيل الوحيد للاستقامة على أمره، والالتزام بمنهجه.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب ولا تحسبـــــــــن الله يغفل ساعــــــة ولا أن ما يخفي عليه يغيب
{ أبو العتاهية }

3 ـ انتشار المعاصي:
أيها الأخوة الكرام ؛ ومع الخلل الأول، وهو غياب التعظيم، وما نشأ عنه من غياب المراقبة، كان الخلل الثالث نتيجة حتمية للأوليين، وهو انتشار المعاصي، وغياب التوبة، انتشار المعاصي مع ترك التوبة، الكثير من المسلمين اليوم أيها الأخوة يعصون الله جهاراً ونهاراً دون أن يبالوا، ودون أن يتوبوا أو ينيبوا، قال تعالى:

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)
[ سورة الحديد]

المؤمن تواب
تروي بعض الكتب قصة رجل اسمه دينار العيار، وكان هذا الرجل مسرفاً على نفسه في المعاصي والآثام، وكانت له أم تعظه فلم يتعظ، مرّ يوماً بمقبرة، فوجد فيها عظماً نخراً قد خرج منه، فأمسكه بيده فتفتت بين يديه، فخاطب نفسه قائلاً: ويحك يا نفسي، كأني بك غداً قد صار عظمك رفاتاً، وجسمك تراباً، وما زلت مكبة على المعاصي والآثام، ثم ندم وعزم على التوبة من فوره، ورفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي لقد ألقيت إليك مقاليد أمري فاقبلني، واسترني يا أرحم الراحمين، ثم مضى إلى أمه متغير اللون، منكسر القلب، فكان إذا جنّ عليه الليل أخذ بالقيام والبكاء، وهو يقول: يا دينار، ألك قوة على النار؟ كيف تعرضت لغضب الجبار؟ وظل على ذلك أياماً، فرفقت به أمه التي كانت تعظه فلا يتعظ، رفقت به فقالت: ارفق بنفسك قليلاً فقال: يا أماه دعيني أتعب قليلاً، لعلي أستريح طويلاً، يا أماه ! إن لي موقفاً بين يدي الجليل، ولا أدري إلى ظل ظليل، أم إلى شر مقيل، إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخاً لا عفو معه، قالت: بني أكثرت من إتعاب نفسك، قال: يا أماه راحتها أريد، إن لابنك في القبر حبساً طويلاً، ثم إن له وقوفاً بين يدي الرحمن الرحيم.
أيها الأخوة الكرام؛ المؤمن تواب.

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ }

[أخرجه الترمذي]

فلنوطن أنفسنا أيها الأخوة ؛ ونحن على أعتاب شهر جليل هو شهر رمضان المبارك أن نتوب من كل ذنب، وأن نعود إلى الله من كل معصية، وأن نبرأ إليه من كل خطأ أخطأناه بحق أنفسنا، أو بحق غيرنا.
أيها الأخوة الكرام ؛ إذاً الخلل الثالث: هو انتشار المعاصي، وانتشار المعاصي أيها الأخوة يورث الأمة ضعفاً لا يزيله إلا أن ترجع إلى ربها، وإلى دينها، وإلى سنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

4 ـ التفرق في الدين:
المسلمون أُمروا أن يكونوا يداً واحدة
الخلل الرابع أيها الأخوة الذي نحاول أن نلتمسه في هذه الخطبة هو أن المسلمين في الأصل أُمروا أن يكونوا يداً على من سواهم، فكانت كل فرقة منهم يداً على غيرهم، أُمرنا أن نكون وحدةً متكاملة متماسكة، نكون يداً على من سوانا، فكانت كل فرقة ضد الأخرى، فتجد الأخ يخاطب أخاه بمسألة فقهية جزئية، وتجد خلافات بين المسلمين تقوم الدنيا من أجلها ولا تقعد من أجل مسألة خلافية جزئية، فنأتي إلى القضايا الفقهية الفرعية الصغيرة ونكبرها ونكبرها حتى نجعلها كلاً، ونتخاصم من أجلها، وتعلو أصواتنا من أجلها، ولا يعذر بعضنا بعضاً، وهذه طامة كبرى، والحل لا يكون إلا في الإخوة الإيمانية، لأننا نتخاصم ونتصادم أمام الخلافات الجزئية، قال تعالى:

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
[ سورة آل عمران]

شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (13)
[ سورة آل عمران]

نهانا الله تعالى عن التفرق في الدين، نحن في مركب واحد، فلماذا تكيد كل فرقة على الأخرى؟ لك جماعة، لك مسجد، لك انتماء، ولكن انتماءك الأعظم لمجموع المؤمنين، ومع الانتماء لمجموع المؤمنين تصغر الخلافات الفردية، قضية جزئية في الصلاة، في الصيام، تُكبر، ولا يعذر أحدٌ أحداً، وكل يقيم الدليل على الآخرين، وينادي الآخرين بحجته لينتصر لأجله لا لنصرة لدينه، وهذه مصيبة، وهذا خلل خطير.

5 ـ غياب القدوة:
أيها الأخوة الكرام؛ الخلل الأخير الذي سأتكلم عنه في هذا اللقاء تحديداً في جيلي هو غياب القدوة، غياب القدوة الحسنة، لاسيما عند الشباب والأطفال، لتحل محلها قدوات مزيفة مستمدة من عالم لا يقر إلا بالماديات، لا يقر بالقيم، ولا بالمبادئ، وإنما يؤمن بالمادة والمال، حلت القدوات المزيفة محل القدوات الحقيقية، قال تعالى:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)
[ سورة المؤمنون]

غياب القدوة الحسنة
يعاتبنا جلّ جلاله، لماذا لا تتعرف إلى رسولك؟ لماذا لا تعرف أبناءك برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لماذا لم تعرفي أبناءك بصحابيات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لماذا يعجب أبناؤنا بالأقوياء وبلاعبي الكرة ولا يعجبون بعمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه؟ لماذا إذا دخلت الكرة في المرمى تقوم الدنيا ولا تقعد والأمة من شرقها إلى غربها لا تلتزم بتعليم أجيالها سيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
للطرفة: جاءني طالب - والقصة قديمة - وقد وضعه أبوه في مدرسة من المدارس (الراقية) حتى يقول أمام الناس إن ابني في مدرسة كذا، وأدفع له قسطاً مقداره كذا، وهذه المدارس لا تؤمن بلا إله إلا الله، بل تكاد تؤمن بلا إله فقط، وتعلم اللغة الإنكليزية بشكل جيد، يتكلم اللغة الإنكليزية لكنه لا يعرف عن قرآنه شيئاً، لا مشكلة، وأنا أعلم عن هذه المدارس، جاءني قلت له: ما اسمك يا بني؟ قال لي: اسمي أُمر، سماه والده عمراً، قال: أُمر، قلت له: اسمك عمر، قل: عُمر، أربع أو خمس مرات ما استطاع أن يلفظ حرف العين لأنه يلفظها باللغة الأجنبية أُمر، قلت له: حسناً ما شاء الله ! عمر، وما أدراك ما عمر؟! ماذا تعرف عن عمر؟ قال لي: من عمر؟ صدقوا أيها الأخوة أنه جاءني باسم فنان اسمه عمر، قلت له: وعمر بن الخطاب؟ قال: لا أعرفه، وهو يعيش في بلاد المسلمين، ولا يعرف عملاق الإسلام عمر بن الخطاب، بربكم أيها الأخوة لو أن أباه، أو لو أن أمه، أو لو أن مدرسته روت سيرة عمر، وعلمته من هو عمر، أما كان بنى نفسه بناءً مختلفاً يفتخر بدينه وبأمته، ويفتخر بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدل من تعلقه بالفنانين والفنانات، الأحياء منهم والأموات.
عمر بن الخطاب عملاق الإسلام
روى أحمد عن زيد بن أسلم، قال: خرجنا مع عمر رضي الله عن عمر حتى إذا كنا في متسع، إذا بنا بنار بعيدة - نار من بعيد - فقال عمر: يا أسلم! إني أرى هناك ركباً قد حبسهم الليل والبرد فانطلق إليهم، قال: خرجنا نهرول، فإذا هي امرأة معها صبية صغار، وإذا بقدر على النار، وحولها الصبية يتضاغون- يبكون من الجوع - فقال عمر: السلام عليكم يا أهل الضوء، قال: وكره أن يقول: يا أهل النار.

وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً (53)
[ سورة الإسراء]

قال: السلام عليكم يا أهل الضوء، قالت: وعليك السلام ورحمة الله، قال: أدنو؟ - استأذن بالدنو- قالت: ادن بخير أو دع قال: فدنونا، فإذا بامرأة وحولها الصبية، قال لها: ما في هذا القدر؟ قالت: والله ما فيه شيء، إلا ما أسكتهم به حتى يناموا، أوهمتهم أن فيه طعاماً، وهو ليس فيه طعام، حبسنا الليل والبرد في هذا المكان، قالت: الله بيننا وبين عمر، قال: يا امرأة ! وما يدري عمر ما بكم؟ قالت له: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا؟ هي لا تعرف أنه عمر، الله بيننا وبين عمر، قال: يا أسلم قم بنا، قال: فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخذ عدلاً من دقيق، وكبة من شحم، وحمله على ظهره ثم مضى، قال أسلم: يا أمير المؤمنين أحمله عنك؟ قال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ ومضى به حتى وصل إلى المرأة، فوضع الطحين في القدر، ووضع كبة الشحم، وبدأ يحرك الطحين فيه، فلما قلّ النار انبطح ينفخ فيها حتى أطعم الصغار أمام عينه، ثم انطلق وجلس في مرتفعه يراقبهم حتى ناموا، قال له أسلم: لِمَ فعلت هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: والله ما أيقظهم إلا الجوع، فما أحببت أن انصرف حتى أراهم وقد ناموا، قالت له المرأة: أنت كنت أولى من هذا الأمر بعمر؟ قال لها: قولي خيراً، قولي خيراً ثم انصرف.
ومـــــــــــــــــن رآه أمام القدر منبطحاً والـــــــــــــــــــنار تأخذ منه وهو يذكيها وقــــــــــــــــــــــد تخلل في أثناء لحيته منها الدخان وفوه غاب في فيــــــها رأى هـــــــــــــناك أمير المؤمنين على حــــــــــــــــــال تروع لعمر الله رائيـــــها يستقبل النار خوف النار في غده والعين من خشية سالت مآقيــــــها
{ حافظ ابراهيم }
هذا عمر، قصة من قصص عمر، بربكم لو علمنا أبناءنا سيرة عمر وأبي بكر وعثمان وعلي وأبي عبيدة، لو علمنا بناتنا صحابيات رسول الله، أم سلمة، وعائشة، لو بنينا لهم قدوات حقيقية تتشرف الأمم بها، قدوات تؤمن بالروح، بالمبادئ، بالقيم، هل كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني أستغفر الله.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

صيام أيام من شعبان اقتداء بالنبي الكريم:
أيها الأخوة الكرام؛ استقبلنا قبل عشرة أيام شهر شعبان، تقول عائشة رضي الله عنها:

{ عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقولَ: لا يفطر، ويفطر حتى نقولَ: لا يصوم، وما رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قطُّ إِلا شهر رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ومالك ]

ولما سُئل صلى الله عليه وسلم عن صيامه في شعبان قال:

{ عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قلتُ: يا رسول الله، لم أرَكَ تصوم من شهر من الشهور ما تصومُ من شعبان؟ قال: ذاك شهر يَغْفُلُ الناسُ عنه بين رجب ورمضانَ، وهو شهر تُرفَع فيه الأعمال إِلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يرفع عملي وأنا صائم }

[أخرجه النسائي]

وفي هذا الشهر ليلة مباركة هي ليلة النصف من شعبان، حيث يطلع ربنا جلّ جلاله كما في الصحيح على خلقه فيغفر للجميع:

{ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يطلع الله إلى خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن }

[أخرجه الطبراني، وابن حبان]

قاطع رحم في قلبه عداوة وبغضاء للمسلمين، المشاحن بينه وبين أخوته شحناء وبغضاء، استعدوا أيها الأخوة لهذا الشهر الكريم.
أوصي نفسي وإياكم بالتوبة، أوصي نفسي وإياكم بالإنابة والرجوع إلى الله، أوصي نفسي وإياكم بالاستعداد إلى شهر رمضان بالطاعات، والقربات، وبصيام ما استطعنا من هذا الشهر الكريم، ليكون هذا الصيام منطلقاً إن شاء الله لصيام شهر رمضان.

الدعاء:
اللهم بلغنا رمضان، بارك لنا في شعبان، وبلغنا رمضان برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمين الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم اغفر برحمتك أعمالنا، وعلى الكتاب والسنة توكلنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا وعليك اتكالنا، ربنا اغفر لنا وارحمنا وإن لم تغفر لنا لنكونن من الخاسرين، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم لك الحمد والشكر على ما أنعمت علينا من نعمة الغيث من السماء، اللهم أتمم نعمتك علينا واجعلها سقيا رحمة بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين، وانصر أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى على أعدائهم وأعدائنا يا رب العالمين، فرج الهم عن المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها في كل بلد يا الله.
والحمد لله رب العالمين