لا تؤذوا المسلمين

  • 2019-10-25
  • عمان
  • مسجد الصالحين

لا تؤذوا المسلمين


الخطبة الأولى :

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً و نذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


الله تعالى حييٌّ ستِّير يحب الحياء والستر :
أيها الأخوة الأحباب؛ يقول تعالى في كتابه الكريم:

وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا
[ سورة الأعراف: 180 ]

ما معنى أن ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى؟ قال بعض العلماء: أن تقول يا رحيم ارحمني، يا عفو اعف عني، يا جبّار اجبر كسري، وقال بعضهم: الدعاء بأسماء الله الحسنى أي أن تشتق من كلِّ اسمٍ نصيباً لك، فإذا دعوت الله تعالى باسمٍ من أسماء الله الحسنى فأنت مُتَخَلِّقٌ ببعضٍ من هذا الاسم، فإذا أردت أن تدعو الرحيم فيجب أن تكون رحيماً بخلقه، وإذا أردت أن تدعو اللطيف فيجب أن تكون لطيفاً مع خلقه، هذا من معاني الدعاء بأسماء الله الحسنى، أن يأخذ الإنسان نصيبه من كُلِّ اسمٍ من أسماء الله تعالى، إن أردت رحمة الرحيم فكن رحيماً بخلق الرحيم جلّ جلاله. هذه مقدمة أما الموضوع فقد جاء في سنن أبي داود بسندٍ صحيح:

{ إنّ الله عزّ وجل حييٌّ ستِّير يحب الحياء والستر }

[سنن أبي داود بسندٍ صحيح]

إن الله تعالى حييٌّ ستِّير يحب الحياء والستر، فإن أردت أن تتقرّب إلى الله تعالى السِّتِّير فكن ستِّيراً، استر عورات الناس كما ستر الله عورتك، استر زلّات الناس كما ستر الله تعالى زلّاتك، انظروا إلى هذه الومضة من اسم الله السّتّير، والتي يذوب الإنسان فيها حباً لربّه جلّ جلاله:

{ إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ، قالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ }

[صحيح البخاري]

السّتّير يستر عباده في الدنيا ويوم القيامة
(إنَّ اللَّهَ يُدْنِي المُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عليه كَنَفَهُ ويَسْتُرُهُ، فيَقولُ: أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ - يذكّره بذنوبه التي كانت منه في الدنيا- فيَقولُ: نَعَمْ أيْ رَبِّ، حتَّى إذَا قَرَّرَهُ بذُنُوبِهِ، - أقرَّ بما كان منه من تقصير ومن معاصٍ في الدنيا- ورَأَى في نَفْسِهِ أنَّه هَلَكَ - رأى العبد في نفسه أنه بعد أن أقرَّ بكل تلك الذنوب أنه هالكٌ لا محالة، ولله المثل الأعلى لو أنّ القضاء جاء بك اليوم وقال لك: تذكر فعلت كذا؟ قلت: نعم ونعم ونعم ووقّعت على كلّ أقوالك، فهل هناك نجاةٌ بعد ذلك!؟ والاعتراف سيد الأدلة- قال: ورأى في نفسه أنه هلك، قالَ تعالى: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا، وأَنَا أغْفِرُهَا لكَ اليَومَ، فيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ). هذا هو السّتّير جلّ جلاله يستر عباده في الدنيا ويسترهم يوم القيامة عند العرض عليه.
يستر الله عبده التائب الطائع النادم
روى ابن قدامة في كتابه (التوابون) أنه لحق قحطٌ بقوم موسى على عهد موسى عليه السلام، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يسقينا، فخرج موسى بقومه فدعوا الله يا ربي اسقنا غيثاً مغيثاً، قال: فما ازدادت السماء إلا تقشّعاً وما ازدادت الشمس إلا حرارةً، فأوحى الله إلى موسى إنّ بينكم عبداً يبارزني بالمعصية منذ عشرين سنة فَبِشؤم ذنبه حرمتم القطر من السماء، فمره فليخرج من بين ظهرانيكم، قال: يا ربي أين يبلغ صوتي، هم كثير، قال يا موسى منك النداء وعلينا البلاغ، فنادى موسى في القوم: يا أيها العبد الذي يبارز الله في المعصية اخرج من بين ظهرانينا فبشؤم ذنبك حرمنا القطر من السماء، يبارز الله بالمعصية والعياذ بالله، لا يعصيه غلبةً وضعفاً إنما إباءً واستكباراً، نسأل الله السلامة، فأوحى الله إلى موسى أن هذا العبد التفت يمنةً ويسرة فلمّا لم يجد أحداً قد خرج من القوم جعل رأسه في ثيابه وقال: يا رب عصيتك عشرين سنة وأمهلتني وجئتك اليوم تائباً طائعاً نادماً فاقبلني واسترني بين هؤلاء الخلق يا أرحم الراحمين، فلم يُتِمّ كلامه حتى علت السماء سحابةٌ كأفواه القرب فأمطرت وسقت الغيث، قال موسى في مناجاته: يا رب سقيتنا ولم يخرج من بيننا أحد؟ قال: يا موسى سقيتكم بالذي منعتكم به، إن هذا العبد الذي كان سبب المنع قد أصبح بتوبته سبب العطاء، بتوبته الصادقة، قال: يا رب أرني هذا العبد التائب الطائع النادم؟ من هذا العبد الذي سقينا به؟ قال: يا موسى عجباً لك أستره وهو يعصيني ثم أفضحه وهو يطيعني!

الابتعاد عن تتبع العورات :
أيها الأخوة الأحباب، أحبتي في الله؛ إن الله تعالى ستّير، فهل نتعلم الستر؟ وهل يستر بعضنا عورة بعض؟ وهل يستر بعضنا نفسه قبل أن يستر الآخرين؟ هذا ما أريد أن أصل إليه، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته،ومن فرّج عن مسلمٍ كربة فرّج الله عنه كربةً من كربات يوم القيامة،ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة }

[أخرجه البخاري]

ألا تحبُّ وأنا أحب أن يسترنا الله تعالى يوم القيامة؟ يوم العرض عليه؟ ما ثمن ذلك؟ أن تستر أخاك المسلم في الدنيا، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعْ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ }

[أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني]

المسلم يغض النظر عن العورات
والعياذ بالله، ليس من شأن المسلم أن يتتبع العورات، المسلم يغض النظر عن العورات، لا يتتبعها، فإذا رأى شيئاً منها عرضاً ستره وكأنه لم يره، هذا هو مجتمع المسلمين، ما دام أخوك المسلم لا يجاهر بمعصية، ولا يقوم بها جهاراً نهاراً في الطرقات، فإن في قلبه بقية من خير، فإياك أن تفضحه، إن رأيت منه سوءاً فانصح له، إن رأيت منه شراً فاستر عليه، لعل الله تعالى يستر عليك.

علاقة المؤمن بأخيه المؤمن :
أيها الأخوة؛ يقول تعالى في كتابه الكريم:

وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا
[ سورة الأحزاب: 58 ]

وانظروا الآن في هذه الآية:

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
[ سورة النور: 19 ]

يتوعد الله الذين يحبون أن تشيع الفاحشة
لم يقل تعالى: إن الذين يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا، فهؤلاء والعياذ بالله مفروغٌ من أمرهم وقعوا في شرٍّ عظيم، يشيعون الفاحشة، ينشرون السوء، لكنه الآن يتوعد الذين يحبون أن تشيع الفاحشة هو لا يشيعها لكنه يحب إشاعتها، ويطرب لسماع الشر والسوء عن إخوته المسلمين.

إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ
[ سورة النور: 19 ]

أيها الأخوة الأحباب؛ هذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه لما سرت حادثة الإفك في المدينة، وتحدث الناس في عِرض أُمّنا عائشة الطاهرة المطهرة التي لا يبغضها إلا منافق، يوم تحدث الناس في عِرض أمنا عائشة رضي الله عنها وسرى الحديث في المدينة، قالت أم أيوب لأبي أيوب الأنصاري: يا أبا أيوب أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب - مباشرةً، ما قال ذلك كذب، قال: وذلك الكذب، أي هو الكذب بعينه لا أصدقه، ولا أرضاه، ولا أحب أن يشيع في المدينة، ولا أن يشيع في الذين آمنوا، قال: وذلك الكذب أكنتِ فاعلةً ذلك يا أم أيوب؟ - أنت تفعلين الفاحشة؟- قالت: لا والله ما كنت لأفعله، قال: فعائشة والله خيرٌ منك، فجاء قوله تعالى:

لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ
[ سورة النور: 12 ]

وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَٰذَا سُبْحَانَكَ هَٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ
[ سورة النور: 16 ]

هكذا يقول المسلم يدافع عن أخيه المسلم، ولكن لا يأتيه خبرٌ فيسارع إلى نشره، ويسارع إلى بثه دون أن يتأكد أصلاً من صحته.
كان صلى الله عليه وسلم جالساً بتبوك كما في الصحيح بعد أن خرج في غزوة تبوك، وتخلف عنه قومه، منهم المنافقون، ومنهم أصحاب الأعذار، ومنهم كعب بن مالك، وهو أحد الذين خلّفوا وأرجئ أمرهم إلى الله - لم يذهب إلى تبوك- فالنبي صلى الله عليه وسلم بعد أن وصل تبوك، كان جالساً بين أصحابه قال: ما فعل كعب؟ فقال أحد الجالسين رجل من بني سلمة: يا رسول الله، حبسه برداه ونظره في عطفيه، بعبارة ثانية منعه من الخروج الدنيا وإعجابه بنفسه وثيابه- يتكلم عليه- فقال رجلٌ هو معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً.

{ قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في القوم بتبوك: ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بني سلمة: يا رسول الله حبسه برداه والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه: بئس ما قلت، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرًا، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم }

[متفق عليه]

علاقة المؤمن بأخيه المؤمن
هذا موقف الأخ المؤمن مع أخيه المؤمن، لم يتهمه ولم يتحدث عنه في غيبته.
قال محمد بن كعب القرظي مخاطباً عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المؤمنين عندك أباً، وأوسطهم أخاً، وأصغرهم ولداً، فوقّر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.
هذه علاقة المؤمن بأخيه المؤمن، الكبير أبٌ يوقِّره، والمساوي أخٌ ينصحه، ويتودد له، والصغير ولدٌ يعطف عليه.
وقال لعمر بن عبد العزيز رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غداً من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك.

إيذاء المسلمين وتتبع عوراتهم من أعظم الحرمات عند الله :
أيها الأخوة الأحباب؛ إيذاء المسلمين وتتبع عوراتهم من أعظم الحرمات عند الله، لأنه حقٌ من حقوق العباد، وحقوق الله مبنيةٌ على المسامحة، وكما يقول العوام: الصلحة بلمحة، لكن حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة، فهناك حقٌ للعبد، وهذا العبد لا يتنازل عن حقه إلا أن تؤديه له، أو أن يسامحك، فلذلك كان تتبع عورات المسلمين، وإيذائهم من أعظم المحرمات عند الله تعالى.

صور شتى لتتبع عورات الناس :
إيذاء الناس عبر مصورة الهاتف
واليوم يأخذ هذا التتبع للعورات، وذاك الإيذاء صوراً شتّى مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، ومع انتشار وسائل الإعلام، ومع وجود الهاتف الجوال، أصبح لتتبع العورات صورٌ شتّى، هذه بعضها: أولاً المصورة (الكاميرا) مصورة الهاتف، يصور إنساناً دون أن يعلم، وينشر صوره، وهذا من إيذاء المؤمنين المنهي عنه شرعاً، يصوره وهو على مائدة الطعام يأكل طعاماً، وهو في وضعٍ لا يريد أن يظهر فيه، وينشر صورته على المجموعات دون أن يأخذ إذنه، هذا نوعٌ من إيذاء المسلمين المنهي عنه شرعاً، يصور حوادث السير، والناس فيها ملقون على الأرض حالهم بين الحياة والموت، وبدلاً من أن يسارع إلى إنقاذهم، أو مد يد العون إليهم، يريد أن يأخذ سبقاً صحفياً، فقد أصبح كل إنسانٍ صحفياً مع هذه المصورة، فيأخذ اللقطات السريعة، والناس يطلبون المساعدة، وهو يستعجل لنشر صورهم على وسائل التواصل، هذا نوعٌ من أنواع الإيذاء، وهذا نوع من تتبع العورات الذي نهى عنه الإسلام، لا يجوز هذا بحال، والأسوأ والأبشع منه أن يصور النساء في الحفلات وهنّ كاسياتٍ عاريات، ثم يقال: أين ستنتشر هذه الصور؟ ستبقى في البيت، وتذهب الصورة إلى أم فلان وأم فلان ويراها أبو فلانٍ وأبو فلان والعياذ بالله، هذا من تتبع العورات، ينبغي أن ننتبه إلى مصورة الهاتف.
أيضاً من تتبع العورات ومن التجسس ومن الإيذاء تسجيل المكالمة، يكلمك ويشغل التسجيل فيسجل صوتك الذي تتكلم به وأنت لا تعلم، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ
[ سورة الحجرات: 12 ]

لا يجوز أن نسجل كلام الناس دون إذنهم
(وَلَا تَجَسَّسُوا) أليس هذا تجسساً أن نسجل صوت إنسانٍ دون علمه ثم نرسل إلى فلانٍ وفلان هذه مكالمتي معه؟ هو يكلمك على الهاتف لكنه لم يسمح لك أن تسجل، فإذا أردت فقل له: هل تسمح لي أريد أن أسجل المكالمة؟ فلا يجوز أن نسجل كلام الناس دون إذنهم، الأمر الثالث: تفعيل السماعة الخارجية دون إذن المتكلم، يجلس في مجلسٍ ومعه خمسة من الأشخاص يتصل بصديقٍ له، ويفتح السماعة الخارجية فيستمع إليه الجميع، ومن قال لك إنه يرضى أن يستمع الجميع إلى الكلام الذي يدور بينك وبينه؟ يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح:

{ من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة }

[رواه البخاري]

والآنك هو الرصاص المذاب، يجب أن ننتبه أيها الأحباب إلى حقوق إخوتنا علينا، ومن الإيذاء في صوره الحديثة النظر في خصوصيات الآخرين، يفتح جواله، ويفتح الصور، ويفتح المكالمات، وينظر فيه وهو يتابعه، من سمح لك بذلك؟ لا يجوز النظر في خصوصيات الآخرين ولا يجوز تتبع ما عندهم، فربما يريد أن يخفي ذلك عنك.
يقول صلى الله عليه وسلم في حديثٍ لو طبّقه المسلمون والله لو طبقوا هذا الحديث لكفوا شراً كثيراً:

{ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ }

[رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ]

مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ
أيها الأخوة الكرام؛ أسأل الله تعالى أن يجعلنا أخوةً متحابين فيه، حتى نكون على منابر من نور يوم القيامة يغبطنا عليه النبيون والصديقون والشهداء.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، ووزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيَتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، أستغفر الله.

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن علمنا ولمن لهم حقٌ علينا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا، ربنا ارحمهما كما ربّونا صغاراً، اللهم أحسن لهم كما أحسنوا إلينا، اللهم ارحمهم برحمتك التي وسعت كلَّ شيء، اللهم اشفهم من كلِّ داء، وعافهم من كلِّ مكروهٍ يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم من سبقنا منهم إلى رضوانك يا أكرم الأكرمين، واحفظ من بقي منهم يا أرحم الراحمين، اللهم بفضلك وجودك وكرمك أعل كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآو غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أرحم الراحمين، اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب عملٍ صالحٍ يقربنا إلى حبك، واجعل حبك أحب الأشياء إلينا يا أرحم الراحمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وأبرم لهم أمر رشد، يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل عصيانك، ويُؤمر فيه بالمعروف، وينهى عن المنكر، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.
أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.