ثلاث قراءات للتاريخ

  • 2018-04-13
  • عمان
  • مسجد طارق بن زياد

ثلاث قراءات للتاريخ


الخطبة الأولى:
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضام في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك؟ والأمر كله إليك، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيا أيها الإخوة الكرام، مما لا شك فيه أن قراءة التاريخ أمر مهم، ومما يجدر الإشارة إليه أن الأمة التي تقرأ تاريخها تُحسِن كتابة حاضرها، كما تحسن استشراف مستقبلها، أما الأمة التي يغيب تاريخها عنها فهي أمة غائبة في الحاضر، لا تمتلك رؤية صحيحة للمستقبل، لكن قراءة التاريخ على ثلاثة أنواع:

أنواع قراءة التاريخ:
القراءة الأولى: قراءةٌ لاستحضار خلافات الماضي، والبناء عليها، والاقتتال بسببها، وتسيل الدماء من أجلها، وهذه قراءة مرفوضة بلا شك، هذه القراءة يمليها الأعداء والأدعياء، ويقرؤها الحمقى والمغفلون، وتقوم الحروب من أجلها كما نرى ونسمع في عالمنا الإسلامي، هذه قراءة باطلة، قال تعالى:

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134)
(سورة البقرة)

فإن كنت تريد أن تقرأ الماضي لتستحضر خلافاته وتضخمها وتبالغ فيها وتبني عليها حروباً وسفكاً للدماء فبئست القراءة.
أما القراءة الثانية فهي قراءة الهروب من الواقع، واقع مريض تعيشه الأمة، فيهرب الإنسان إلى التاريخ يقرأ فيه ما يدغدغ عواطفه، وما يشحذ ما أُحبط في داخله، وهذه القراءة أيها الإخوة قراءة المُحبَطين، هي هروب إلى التاريخ لنتغافل عن الحاضر، ونتغافل عما ينتظرنا في المستقبل هذه قراءة الإحباط.
أن نقرأ التاريخ لنأخذ منه الدروس والعبر
ولكن هناك قراءة ثالثة وهي قراءة العقلاء، قراءة العقلاء تعني: أن نقرأ التاريخ لنأخذ منه الدروس والعبر، لنستفيد منه في واقعنا، ونستشرف من خلاله مستقبلنا، هذه القراءة قراءة واعية، هي قراءة العقلاء، يقرؤون لينهضوا بالتغيير، ليضعوا نفوسهم في موضع يستطيعون من خلاله فعل شيء لأمتهم، سواء ببذل مالٍ، أو علمٍ، أو جاهٍ، أو وقتٍ، أو خبرةٍ، فهو يقرأ من أجل أن يعي تاريخه، ليغير حاضره، ويستشرف مستقبله، وتلك هي القراءة الصحيحة، أما القراءتان الأوليتان فالأولى قراءة الحمقى، والثانية قراءة المحبطين لا تغني ولا تسمن من جوع.
أيها الإخوة الكرام في القراءة الثالثة قراءة العقلاء يقول الله تعالى:

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
(سورة يوسف)

هؤلاء أولو العقول الراجحة يقرؤون القصة من التاريخ، من القرآن، من السنة، فيعون نموذجها جيداً ويعتبرون منها، وينطلقون إلى عملٍ فاعلٍ بناء عليها.
أيها الإخوة الكرام، تلك مقدمة لموضوع الخطبة، ففي السنة الخامسة عشرة للهجرة في الخامس من رجب في مثل هذه الأيام كانت معركة اليرموك، تلك المعركة التي تُصنف في التاريخ الإسلامي على أنها من أهم المعارك أو إن لم تكن أهم المعارك الإسلامية، ذلك لأنها كانت أول معركة ناجحة انتصر بها المسلمون بشكل واضح خارج حدودهم، تمت هذه المعركة في بلاد الشام وفي حوض اليرموك على ثرى هذا البلد الطيب اليوم، اليرموك على الحدود السورية الأردنية، هناك تمت هذه المعركة الفاصلة في تاريخ المسلمين، ونحن إذ نقرأ تاريخ هذه المعركة فالكتب حافلة فيه، والمواقع اليوم ترويه لسبب لطيف واضح، ولكن ما يعنيني هنا أن نستخرج منها بعض الدروس والعبر لتكون قراءتنا في التاريخ كما أسلفت قراءة واعية.

الدروس المستفادة من معركة اليرموك:
أولاً: النصر من عند الله:
النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل
أولاً أيها الإخوة أول ما يُستخلص من دروس هذه المعركة، ومن جميع معارك المسلمين، أن النصر من عند الله، النصر مفهوم شرعي أيها الإخوة، فهو من عند الله عز وجل وحده، ينصر من يشاء، قال تعالى في آية جامعة مانعة فيها حصر وقصر، قال:

وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ(126)
(سورة آل عمران)

فالنصر لا يأتي من شرق الأرض ولا من غربها، ولا من دعم دول التحالف، ولا من دول عدم التحالف، ولا من الأمم المتحدة، ولا من مجلس الأمن، فأي نصر يظنّه المسلمون أنه سيأتي من هنا أو هناك فهم لم يعوا النصر جيداً بعد، النصر لا يكون إلا من عند الله عز وجل، ولا يكون إلا أن يدفع المسلم ثمنه، فسنن الله لا تحابي أحد، الله لا يحابي أحد، لا يجابهه أحد، هي سنن، هذه قوانين الله، كيف أن القانون: المعادن تتمدد بالحرارة، هل ممكن لإنسان مهندس رفيع الرتبة أن يحتال على هذا القانون ويبني بناء ولا يضع فواصل للتمدد؟ لا يمكن، سينهار البناء، لابد أن تضع الفواصل شئت أم أبيت هذا قانون، وأيضاً في النصر قانون لا يمكن أن تخالفه.

شرطا النصر في القرآن الكريم:
شرطا النصر في القرآن الكريم واضحان لا يتخلّفان:
1- أن تنصر الله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)
(سورة محمد)

سواء على الصعيد الشخصي أو على صعيد الأسرة، أو على صعيد الأمة، في كل حركة إن تنصر الله ينصرك، هذا قانون، تنصر الله بطاعته، وبإقامة شرعه ودينه، والاعتزاز بشرعه ودينه فينصرك بفضله ورحمته.
2- أن تُعِدّ الأسباب وأن تأخذ بها وكأنها كل شيء دون تهاون ودون تراخٍ:
قال تعالى:

وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ(60)
(سورة الأنفال)

تربية الأولاد قوة
قوة في الإعلام، وقوة في الرمي، وقوة في الجيش، وقوة في التماسك، وقوة في الدوائر الحكومية وقوة في كل شيء، (مِّن قُوَّةٍ) باستغراق أنواع القوة، وليست القوة العسكرية فقط، وتربية الأولاد قوة، وإعداد الأسرة قوة، فلا بد من الشرطين معاً، وكل منهما لازم غير كافٍ.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فيذكر النصر في حديث في البخاري رائع، فيقول صلى الله عليه وسلم:

{ هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ. }

(صحيح البخاري عن مصعب بن سعد)

(هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ) حتى الرزق (إلَّا بضُعَفَائِكُمْ)! هذه الأمة فيها قوي وفيها ضعيف، والقوي قويٌّ في ماله، وفي منصبه، وفي جاهه، وفي علمه، وأنواع القوة المتعددة والضعيف ضعيف بماله، أو بقوته، أو بعلمه، أو بخبرته، فهذا المجتمع أيها الإخوة حينما تهمل الضعفاء تهتز الجبهة الداخلية فيصبح سهل الاختراق من أي جهة أخرى، أما عندما تعتني الأمة بالضعيف فتعلم الجاهل، وتعطي الفقير من مال الغني، وتقوي الضعيف بالعلم والخبرة والمهارات، عندها يتماسك المجتمع فينتصر، هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (هلْ تُنْصَرُونَ وتُرْزَقُونَ إلَّا بضُعَفَائِكُمْ) إن أردت النصر فانصر الضعيف، يكافئك الله من جنس عملك، فينصرك على من هو أقوى منك.
هذا النصر من عند الله، وله شرطان.

ثانياً: التعلق لا يكون إلا بالله وحده:
التوحيد فوق كل شيء
أما الأمر الثاني وهو خاص بمعركة اليرموك، في الأمة المسلمة التعلق لا يكون إلا بالله وحده، ثم بالقيم والمبادئ والدين، ولا يكون بالأشخاص، تعلمون أنه في معركة اليرموك وفي لحظة حاسمة، توفي خليفة المسلمين أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وجيش خالد بن الوليد مرابط على ثرى الشام، على ثرى هذه الأرض الطاهرة المباركة، يرسل عمر بن الخطاب رسولاً يُعلم فيه خالداً بوفاة أمير المؤمنين، ويُعلمه بكتاب عزلٍ بأنه عزله من منصبه كقائد للجيش، وعيّن بدلاً منه أبا عبيدة بن الجراح، هذه في قلب المعركة، ماذا فعل خالد؟ أولاً: لماذا عزل عمر رضي الله عنه خالداً؟ قال: والله ما عزلتك لسخطة، ولا عزلتك لغضب، ولكن الناس فُتنوا بك، فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصاعق، بدأت الأخبار لعمر رضي الله عنه عملاق المسلمين أن الناس بدؤوا يُفتنون بخالد، لأنه ما خاض حرباً إلا انتصر فيها، هو سيف الله المسلول، فبدأ يتسرب إلى النفوس ضعفٌ في التوحيد، أو شركٌ خفيٌّ من حيث لا يدري الإنسان فانتصر عمر للتوحيد، ولم ينتصر لخالد بن الوليد رضي الله عنه، أي قيم هذه عاشها المجتمع المسلم! التوحيد فوق كل شيء، أن أعلم أنه لا إله إلا الله، فلما رأى النفوس قد مالت إلى أن خالداً هو الذي ينصر بخطته المحكمة، وحيلته العسكرية استغنى عمر عن قيادة خالد بن الوليد وهو يحبه، وفي رواية قال: والله إني لأحبك، ولكني خشيت أن يُفتن الناس بك، قال والله إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس فُتنوا به فأحببت أن يعلموا أن الله هو الصاعق.
الانتصار للتمكين أيها الإخوة أصلٌ في دين الله، الأمة تعيش لمبادئها وقيمها، ثم إن ضعفت تعيش لأشخاصها، ولكنها إن ضعفت أكثر وأكثر تعيش لأشيائها فتصبح قيمة المرء متاعه، بل تصبح قيمة المرء من سيارته الفارهة، بل تصبح قيمة المرء من قيمة سيارته وليس من السيارة نفسها، فإما أن تعيش الأمة بالمبادئ أو بالأشخاص أو بالأشياء وأسوأ ما يكون أن نصبح في عصر الأشياء.

القيام بالموقع في الإسلام:
المنصب في الإسلام تكليفٌ وليس تشريفاً
أيها الإخوة الكرام ماذا فعل خالد في المقابل حينما عُزل؟ انتقل مباشرة من موقعه كقائد للجيش، إلى موقعه جندياً في الجيش، بلحظة واحدة، وأصبح تحت إمرة أبي عبيدة ابن الجراح وقاتل واستبسل، لأن المنصب في الإسلام تكليفٌ وليس تشريفاً، وخالد بن الوليد هدفه أن يرضي الله عز وجل، ففي أي موقع وضعته قام بدوره.
أما الإنسان الذي لا يعمل إلا إذا كُرّم، ووُضع في موضع يظن أنه يليق به، فهذا لا يبتغي وجه الله تعالى، المسلم أيها الإخوة يبحث عن موقعه في المجتمع المسلم، فربما يكون شخص يقمّ المسجد أفضل عند الله عز وجل ممن يخطِب على منبر المسجد، أو يخطُب على منير المسجد، وربما يكون موظف في مدرسة يقوم بدوره على النحو الذي يرضي الله عز وجل أفضل من مدير المدرسة الذي يقصر في أداء مهمته.
فالعبرة في الإسلام أن تكون قائماً بموقعك كما يرضي الله عز وجل، بغض النظر عن موقعك فالمناصب تذهب وتأتي، لكن الشخص سيقف بين يدي الله عز وجل ليحاسب على عمله.
لذلك أيها الإخوة لا تغرنّكم المواقع، وطّن نفسك أن تكون في أي مكان في المجتمع المسلم تخدم فيه أمتك، قد ترقى إلى الله عز وجل بمالٍ تنفقه في سبيل الله أكثر من أي إنسان آخر، وقد يمتنع عنه بعلمه، وقد يبقى الموظف بوظيفته.
امرأة أيها الإخوة كما في الصحيح كانت تقمّ المسجد توفيت فلم يُعلِم الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم توفيت ليلاً، فدفنوها دون أن يُعلموا رسول الله فلما أصبح الصباح سأل عنها قالوا توفيت، قال: ألا آذنتموني؟ لمَ لم تخبروني؟ فقام فوقف على قبرها استثناء كي يصلي عليها، فالصلاة على الميت قبل الدفن، فوقف على قبرها وصلى عليها ليشعر العالم بأسره أن هذه المرأة التي لا يقيم لها بعض الناس وزناً هي عند الله بمقام عالٍ، هذه رحمة الإسلام، وهذا رقي الإسلام.
أيها الإخوة الكرام، هذه الأرض أرض الشام والأردن من أرض الشام، هذه الأرض أرض الشام أرض مباركة، رُويت بدماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبنا جميعاً أن نحافظ عليها، على أمنها وأمانها واستقرارها.
وفي الوقت نفسه أيها الإخوة حينما نسمع صيحات من هنا وهناك تتحدث عن الفتوحات الإسلامية، واليوم الفضائيات مفتوحة، والعالم الأزرق مفتوح، في العالم الأسود مع الأسف، حينما تسمع صيحات من هنا وهناك تستحيي وتستحي بفتوحات المسلمين، وتقول ينبغي أن نعيد النظر بهذه الفتوحات؟ ربما كانت احتلالاً أو استعماراً، يستحيي بدينه وبفتوحات المسلمين في عصور الخلافة الراشدة، يُهزم داخلياً أمام الغرب الذين يتهموننا كل يوم بالإرهاب وفي ديننا، ويخرجوننا من الروايات التاريخية، وفعلتم وفعلتم.
أيها الإخوة الكرام، نقول لهذا الشخص الذي ينطلق لسانه بأرض الشام، أو بأرض الجزيرة أو بأي أرض في الإسلام، نقول له هل كنت لتنطلق اليوم وتتكلم بكلمة على هذه الأرض لولا أن هذه الأرض فتحها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح؟ من كنت أنت لولا هذه الفتوحات التي تعترض عليها وتصفها بالإرهاب؟ بئس الكلام.

هدفا القتال في الإسلام:
أيها الإخوة الكرام، الله تعالى في القرآن الكريم حدد هدف القتال بآية لا تدع مجالاً للشك، قال:

وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(39)
(سورة الأنفال)

هما هدفان، حتى لا تكون فتنة، هل أعظم فتنة من هذه القوة التي تدّعي حقوق الإنسان، وقبل أيام يقصفون حفلاً لتخريج طلاب القرآن الكريم في أفغانستان ويقتلون الأطفال! لماذا نستحيي بفتوحاتنا ولا يستحيون بإرهابهم القذر؟ لماذا يتهموننا بالإرهاب فنستغرب من أجلهم، ونستحيي من ديننا إرضاءً لهم، ونغير في مبادئنا وقيمنا، وهم لا يستحيون وهم يقصفون الآن ويضربون المسالمين من أهل فلسطين لأنهم يطالبون فقط بحقهم في أرضهم! أليست هذه فتنة أن يُمنع الناس من أرضهم؟ أليست فتنة أن يُمنع الناس من أداء شعائر دينهم؟ أليست فتنة أن تُهدم البيوت فوق أصحابها؟ أليست فتنة أن تُستباح البيوت الآمنة؟ هذه ليست فتنة؟
الإسلام لا يحارب من أجل الإكراه على الدين
الفتنة في الدين عندما قاتلنا لتكون كلمة الله هي العليا! حينما نشرنا الخير في العالم كله هذه فتنة! (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) وقد وقعت الفتنة حينما استكنا وضعفنا، فتنة عظيمة عظيمة، أيها الإخوة الكرام الإسلام لا يحارب من أجل الإكراه على الدين، بل يحارب ليحقق قوله تعالى:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
(سورة البقرة)

فالمستبدون يتحكمون بالناس ويمنعونهم من الدين، لكن الإسلام يفتح البلاد ليقول للناس دين الله لما شئتم، فإن شئت أن تبقى في كنيستك فابقَ، وإن شئت أن تبقى في معبدك فابقَ، وإن شئت أن تنظر إلى إسلامنا فتعال نعلمك ديننا الذي ينقذك في الدنيا والآخرة.
أيها الإخوة الكرام هذا الكلام كله الذي أردته هو شيء واحد ألا تستمع إلى هؤلاء الذي يصفون ديننا كل يوم، أنت كن قوياً، ثم هم الإرهابيون أنتم تقصفون الطلاب طلاب القرآن الكريم، لم يفعلوا لكم شيئاً، قصفتم وأنتم تعلمون أنه حفل لتخريج طلاب القرآن الكريم، تعلمون ذلك، قصفتم بحجة أن هذا المكان فيه تجمع للإرهابيين وأنتم الإرهابيون، أنتم تقصفون الآن الفلسطينيين المسالمين الذين قالوا فقط سنخرج لنقول لكم: نريد العودة إلى أرضنا ونثبّت حقنا في أرضنا، فتضربونهم وتقتلونهم، أنتم الإرهابيون، لاتتكلموا على ديننا أبداً، أنتم أقذر من أن تتحدثوا بدين الله عز وجل، لا تستمعوا لهم، هؤلاء الذين يخرجون على الشاشات، الفتوحات الإسلامية لا ينبغي أن يُعاد النظر فيها، أعد النظر في نفسك، وفي دينك وفي إيمانك قبل أن تعيد النظر بفتوحاتنا الإسلامية التي نشرت الحب والخير والرحمة والسلام في العالم كله (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) يعني حتى يكون أمر الدين لله وحده فلا يتحكم العباد بالبشر ويمنعونهم أن يدينوا لله عز وجل بدينهم، هذا معنى دين الإسلام، وأنعم به من دين.
أيها الإخوة الكرام معركة اليرموك كانت بوابة للفتح الإسلامي فيما بعد لبيت المقدس وهذا البلد الطيب الذي يحوي على ثراه إخوةً طيبين متعاونين نسأل الله عز وجل في هذا البلد الطيب أن يهيئ له، وأن يعيد إن شاء الله فتح بيت المقدس كما كان في دور الفاتحين الأوائل (حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبو،ا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على الله رب العالمين، استغفروا الله. .

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والشكر لله لا إله إلا هو ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب ومجيب للدعوات، اللهم برحمتك عمّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا نلقاك وأنت راض عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا وعليك اتكالنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام وأوليائه وأهله خيراً فوفقه اللهم إلى كل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله اللهم بنفسه، واكفنا اللهم شره بما شئت وكيف شئت، اللهم أكرم لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُبلى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اللهم انصر إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في القدس على أعدائك وأعدائهم يارب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ووفقنا اللهم لما فيه خير البلاد والعباد.
والحمد لله رب العالمين.