الأحكام الشرعية لوسائل التواصل الاجتماعي

  • 2018-03-30
  • عمان
  • مسجد طارق بن زياد

الأحكام الشرعية لوسائل التواصل الاجتماعي


الخطبة الأولى:
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضام في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟ وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً، وبعد فيا أيها الإخوة الكرام:

خطورة وسائل التواصل الحديثة:
الوسائل الحديثة سلاح ذو حدين
وسائل التواصل الحديثة بدءاً بالجوال المحمول وما يستتبعه من وسائل تواصل ومراسلة ونشر، هذه الوسائل الحديثة أيها الإخوة سلاح ذو حدين، كما هي معظم أمورنا الحياتية، فإن استخدمها الإنسان في ضوابط محددة، ووفق شرع الله عز وجل فإنه يحقق استفادة منها دون ضرر، وقد تُستخدم هذه الوسائل استخداماً غير صحيح، أو استخداماً غير شرعي، فيشقى الإنسان بها، فهي سلاح ذو حدين، يمكن أن يرقى بها الإنسان، و يمكن أن يهوي بها الإنسان، هذا اللسان يرقى به الإنسان إلى أعلى عليين يرقى به في الجنة، ولا قدّر الله قد يهوي به في جهنم سبعين خريفاً، واللسان هو اللسان، كذلك هذه الوسائل وسائل التواصل الحديثة ممكن أن يرقى بها الإنسان، ويمكن أن يهوي بها، فلا بد أن نتحدث عن الأحكام الشرعية المتعلقة بوسائل التواصل الحديثة، انطلاقاً من أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ ليس شىءٌ يقربكم إلى الجنة إلا وقد أمرتكم به وليس شىءٌ يقربكم إلى النار إلا وقد نهيتكم عنه }

(البزار عن ابن مسعود، والبيهقي في شعب الإيمان)


توجيهات عامة تنطبق على وسائل التواصل الحديثة:
(شىءٌ) كلمة عامة بل هي أعم كلمة في اللغة، إذاً لا بد في أن تجد في كتاب الله تعالى وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم توجيهات عامة تنطبق على وسائل التواصل الحديثة.

1. اختيار الزمان والمكان المناسبَين للاتصال
أولاً أيها الإخوة: اختيار الزمان والمكان المناسبَين للاتصال أو لاستخدام وسائل التواصل عموماً، قال تعالى:

وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتِ بِغَيْرِ مَا ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا(58)
(سورة الأحزاب)

الاتصال في وقت غير مناسب إيذاء للآخرين
بعض الناس أيها الإخوة لا يختار زمان الاتصال المناسب، فيتصل في وقت متأخر من الليل، أو في وقت مبكر من الصباح، أو في وقت القيلولة، أو في وقت أداء الصلاة، فلا يختار زمان الاتصال المناسب، وفي هذا إيذاء لمن يتصل به، أو يتواصل معه، وفي الحديث الشريف:

{ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ. }

(رواه أحمد وأبو داود وابن حبّان)

أيها الإخوة الكرام، أيضاً الاتصال في وقت متأخر لغير حاجة قد يروّع أخاك المسلم ويخيفه، فيظن الظنون ريثما يفتح الهاتف وقد صحا من نومه.
المكان المناسب للاتصال مهم جداً
المكان المناسب للاتصال مهم جداً، فبعض الناس في المجالس العامة، في مجلس علم في مجلس فيه أهل فضلٍ، أو في المسجد، أو في خطبة الجمعة، أو في درس علمٍ يفتح جواله ويرسل الرسائل ويستقبلها، أو يأتيه اتصال في داخل الصلاة، فما أن تنقضي الصلاة حتى يعود خلف الصفوف ويفتح الهاتف، ويجري اتصاله بشكل سريع، ويتحدث بصوت عالٍ، والناس يؤدون السنة البعدية، أو يذكرون أوراد الصلاة، وفي هذا إيذاءٌ للمسلم لا ينبغي.
أيها الإخوة الكرام النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن }

(رواه أحمد)

يعني: إذا كان شخص يقرأ في كتاب الله تعالى وأنت أمامه في المسجد فاخفض صوتك، لئلّا تجهر عليه بالقرآن، فتشوش عليه وأنت تقرأ كتاب الله، فكيف إذا شوّش عليه وهو يجري اتصالاً هاتفياً، أو يستقبل إشعارات متتالية تؤذي من هو داخل المسجد.
أيها الإخوة الكرام أيضاً من الأماكن غير المناسبة للاتصال أن يكون الإنسان يقود سيارته ويجري اتصالاً، ويندمج في اتصاله، وربما يقع محظور وحادث أليم بسبب إجرائه للاتصال أثناء القيادة، والله تعالى يقول:

وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى ٱلتَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوٓاْ ۛ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ(195)
(سورة البقرة)

أيها الإخوة الأمر الثاني من الأمور الشرعية في استخدام وسائل الاتصال الاجتماعية:

2. فتح الهاتف في وضعية الرنين أثناء الصلاة:
أيها الإخوة الكرام، مما ينبغي التنبه إليه أنه في مجالس العلم وأثناء الصلوات لا ينبغي للجوال أن يرن أو يصدر صوتاً يشوش على المصلين صلاتهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إذا ثُوِّبَ لِلصَّلاةِ فلا تَأْتُوها وأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ، وأْتُوها وعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَما أدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وما فاتَكُمْ فأتِمُّوا، فإنَّ أحَدَكُمْ إذا كانَ يَعْمِدُ إلى الصَّلاةِ فَهو في صَلاةٍ. }

(صحيح مسلم عن ابي هريرة)

لا بد من إطفاء الجوال في الصلاة
يعني وأنت تدخل إلى الصلاة ينبغي أن ترافقك السكينة، في مشيتك، وفي حركتك، وفي صوتك، إجلالاً لبيوت الله، وإجلالاً للوقوف بين يدي الله، فإذا كان مطلوباً من المسلم أن يأتي إلى الصلاة وعليه السكينة، فكيف ينبغي أن يكون داخل الصلاة؟ لا بد أن يطفئ جواله، لكن أيها الإخوة الإنسان ينسى، وقيل إنه سُمي الإنسان من النسيان، فقد ينسى جواله وهذا واقع يقع معنا جميعاً، فيرن الجوال أثناء الصلاة، فالبعض يظن خطأً أنه لا ينبغي أن يتحرك في الصلاة لئلا يبطل صلاته ويغلق جواله، فيبقي الرنين إلى آخر الصلاة، فيشوش على الإمام والمأمومين، نقول له: أيها الأخ الكريم نص الفقهاء على أن الحركة لإصلاح الصلاة لا تبطل الصلاة، لو كنت في الصف الثاني وهناك فراغ نشأ في الصف الأول فينبغي أن تتقدم وتتحرك وتملأ الثغرة في الصف الأول، فهل يبطل ذلك الصلاة؟ الجواب: لا، لأنها حركة لإصلاح الصلاة، وأيضاً أن يتحرك الإنسان فيخرج جواله ويضعه وضع الصامت، أو يلغي المكالمة فهذا لا شيء فيه أبداً، بل ينبغي عليه أن يفعل ذلك، لئلا يبقى يشوش على المصلين إلى نهاية صلاتهم، هذا أيها الإخوة ونحن نفترض أنه لابد ممن يدخل المسجد أن تكون نغمة الجوال والرنين في جواله هي نغمة بسيطة تعبر عن خروج مكالمة، لا كما يفعل البعض من الشباب - نسأل الله للجميع الهداية - فيضع في جواله نغمات وأغانٍ فاضحة لا ترضي الله عز وجل في حال، فهذا ليس من شان المسلم، والشيء بالشيء يُذكر فالبعض يضع نغمة جواله آيات من القرآن الكريم، وهذا أيضاً لا ينبغي:

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ ۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٌ(41)
(سورة فصلت)

(عَزِيز) ومن عزة هذا القرآن ألا تستخدمه إشعاراً لجوالك، فإذا جاءت مكالمة قُرئت آيةٌ فتقطعها من منتصفها، وترد على المتصل، فهذا ليس موضع كتاب الله تعالى، وكل هذه الأمور ينبغي الانتباه لها.

3. الصور المصوِّرة في الهاتف:
الأمر الثالث أيها الإخوة وهو من الأهمية بمكان كبير: ثالثاً: الصور المصوِّرة في الهاتف والصور التي تُنشر عبر وسائل التواصل، هذا مهمة جداً أن نتنبّه لها:
أولاً: ليس من شأن رواد المساجد أن يكون في جوالاتهم صور فاضحة، والعياذ بالله، فنسأل الله العافية، ينبغي التنبّه إلى ألّا يكون في الجوال، أو فيما تنشره على الجوال صور تثير الغرائز لأن الإنسان:

إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَٰرَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَٰهُ فِىٓ إِمَامٍۢ مُّبِينٍۢ(12)
(سورة يس)

فمن آثار إرسال تلك الصور التي قد ينشرها حيناً، ولا ينتبه لها فيُضلّ بها إنساناً أو ينظر إليها إنسان نظرة محرّمة، فتكون في صحيفته إلى يوم القيامة، إلّا أن يتوب فلذلك نقول: المسلمون في المساجد ليس من شأنهم أن يضعوا صوراً مُحرّمة في جوالاتهم، لكن ينبغي أن نشير إلى أمرين اثنين:
بعض المسلمين من حسن ظنٍّ يصورون في البيت محارمهم من النساء، ويحتفظون بالصور في الجوالات، فيقع الجوال في يد إنسان من الأصدقاء، أو الأقارب، ممن لا يحق له النظر إلى محارم هذا الرجل، وهذه مصيبة كبرى.
أو أن يسقط الجوال من يده في الشارع، أو في الطريق فيقع في يد إنسان لا يخاف الله عز وجل، وكم من مشكلات وقعت لا حصر لها سببها هذه الصور، واليوم وكلكم يعلم في الوسائل الحديثة، والبرامج الحديثة تُؤخَذ صورة، ويُركّب عليها صورة أخرى، وجرائم قتلٍ تقع وتسمعون بها لأسباب من هذه الصور، فلابد من الانتباه الشديد لهذا الأمر.
والأمر الثاني في الصور أن بعض الناس يصوّر أناساً لا يريدون أن يُصوَّروا، وهذا من قلة الأمانة، فيكون في مكان وهو لا ينتبه إليه فيصوره، وقد ينشر الصورة بعد ذلك، وهذا لا يجوز شرعاً، وهو من نقص الأمانة، أو يصوره وهو يأكل على مائدة الطعام، وهذا ليس من الذوق، فلا بد من الانتباه إلى هذه النقطة.
أيها الإخوة الكرام، الأمر الرابع والمهم جداً، والذي بسببه تقوم أحياناً حروب، ومشكلات لا حصر لها وهو نشر الشائعات.

4. نشر الشائعات:
نشر الشائعات يدمر أوطاناً وأمماً نشر الشائعات والإنسان يقول: نشرت الخبر ومعظم النار من مستصغر الشرر ، أيها الإخوة الكرام يقول تعالى:

وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِى ٱلْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنۢبِطُونَهُۥ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ لَٱتَّبَعْتُمُ ٱلشَّيْطَٰنَ إِلَّا قَلِيلًا(83)
(سورة النساء)

نشر الشائعات يدمر أوطاناً وأمماً
يذيعه مباشرة، سمع أن هناك مشكلة يركض فوراً (أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ) سواء كان شيئاً حسناً أو سيئاً، ينشره فوراً دون أن يتثبّت منه، يقول صلى الله عيه وسلم كما ورد في الصحيح: كفى بالمرء كذباً -انتبهوا الآن أيها الإخوة- كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع.

{ كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع }

(رواه مسلم)

يقول لك وصلتني الرسالة على الواتس أب، لا أدري صحتها من عدمها، أنا بعثتها لكل المتصلين في المجموعة عندي جميعاً على مسؤولية من بعثها، لا يا أخي ليس على مسؤولية من بعثها، على مسؤوليتك أنت ، فأنت الذي أرسلتها وهي شائعة لا أصل لها سواء في الدين أو في الدنيا، فنشر الشائعات أيها الإخوة لا ينبغي في حال، وفي الحديث الصحيح أيضاَ:

{ بئس مطيّة الرجل زعموا }

(النووي عن عبد الله بن مسعود)

المطية: ما يركبه الراكب فيقول لك أنا أقول زعموا، هكذا قالوا، زعموا يعني أنا غير متأكد، لكن هكذا قالوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بئس مطيّة الرجل زعموا) الرجل الذي يمتطيها ليبرّر أخطاءه، ونقلاً كاذباً أن يقول زعموا، لا تقل زعموا، تثبّت من القول إن أردت أن تنشره أو ترسله لأحد.
أيها الإخوة الكرام ما الحل مع الشائعات؟ لا بد من منهج، المنهج في أمرين اثنين:
أولاً التأني: يقول صلى الله عليه وسلم:

{ التأني من الله والعجلة من الشيطان }

(رواه البيهقي وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح)

أولاً تأنَّ، لا تستعجل جاءك شيء تنشره فوراً على صفحتك، على مجموعات اتصال لديك، تأنَّ، إذا جاءك حديث تأنَّ، أولاً: التأني.
ثانياَ: التثبت والتبين: قال تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌۢ بِنَبَإٍۢ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًۢا بِجَهَٰلَةٍۢ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَٰدِمِينَ(6)
(سورة الحجرات)

وفي قراءة أخرى: (فَتَثَبَّتُوا)، يقول الحسن البصري رحمه الله: المؤمن وقّاف حتى يتبيّن.
أيها الإخوة أعظم ما ينبغي التثبّت منه قبل نشره حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اليوم تأتينا عبر وسائل التواصل، بدأ شهر رجب، من هنأ أخاه وقال له سيأتي شهر رمضان حُرّمت عليه النار، من أين جاء بهذا الكلام؟ أحياناً أحاديث في العقيدة، في صلب عقيدة المسلم لا أصل لها:

{ سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. }

(صحيح البخاري عن المغيرة بن شعبة)

فأهم ما ينبغي التثبت منه الحديث، لا ترسل حديثاً إلا إذا وجدت له تخريجاً صحيحاً مقبولاً حتى لا تُسأل عنه.

5. إلزام الناس بما لم يلزمهم به الشرع:
أيها الإخوة الكرام الأمر الخامس: إلزام الناس بما لم يلزمهم به الشرع، كيف ذلك؟ يرسل لك رسالة يقول لك: أرسلها لعشرة من عندك فوراً، وإن لم تفعل تأثم، وأنت أقسمت بالله أن ترسلها، وقرأت أن ترسلها فأرسلها الآن فوراً، واكتب الله أكبر عشر مرات، ومساء سوف تسمع خبراً سعيداً، وهذه كلها خزعبلات لا أصل لها، المرسل آثم والذي أرسلت إليه غير ملزم بما قرأه أن يرسله أبداً ولو كان صحيحاً، فأنا لست ملزماً أن أنشر ما ليس بودي أن أنشره، ولا أن أكتب لك تعليقاً لا أريد أن أكتبه لأجمع لك مجموعة من الإعجابات لتحصّل لك أموالاً فيما بعد، أنا لست ملزماً بما لم يلزمني به الشرع، ولو قرأت قسم بالله أن أرسها، هذا القسم لا يقع لأنه غير مقصود بذاته.

6. تسجيل المكالمات:
أيها الإخوة الكرام الأمر السادس: تسجيل المكالمات أو تفعيل السماعة الخارجية بحضرة أناس: يعني إنسان تكلم معك تسجل له صوته وهو لا يدري، هذا لا يجوز:

{ آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ }

( صحيح البخاري عن أبي هريرة)

من الأمانة في الاتصالات
هذه آية المنافق، هو لا يريد أن يسجل صوته، استأذنه قبل ذلك، قل له: أنا أريد أن أسجل الصوت لأنقله إلى فلان، هل تأذن؟ أو إذا كنت في مجلس وجاءك اتصال، ومعك خمسة من زملائك فتفتح الاتصال على السماعة الخارجية وتحدثه، والناس يسمعون صوته وهو لا يدري، هو يظن أنه يحدثك وحدك، قل له يا أخي سأحدثك من السماعة كي يسمع الآخرون، فإن أذن فافعل، وإلا فلا تفعل، هذا أيضاً من الأمانة في الاتصالات، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ عن ابنِ عبَّاسٍ قال من تَسمَّعَ إلى حديثِ قومٍ وهُم له كارهونَ ، صُبَّ في أُذنِهِ الآنُكُ ، ومن تحلَّمَ بِحُلُمٍ كُلِّفَ أن يعقِدَ شعيرَةً. }

(الألباني عن ابن عباس)

الآنك: النحاس المصهور يوم القيامة، هو لا يريد أن يسمع كلامه، فلا تُسمعه للآخرين دون إذنه.

7. النظر في جوالات الآخرين:
أيها الإخوة الكرام: الأمر السابع: النظر في جوالات الآخرين وأساريرهم دون إذنهم: يعني يتصفح جواله فيأتي شخص وينظر إليه، أو يدع جواله في مكان فيمسكه ويفتحه، لا يجوز، هذه أمانة، وفي حديث وإنما فيه ضعف:

{ من نظرفي كتابِ أخيِه بغيرِ إذنِه فإنما ينظرُ في النارِ }

(أبو داوود عن عبد الله بن عباس)

وفي حديث صحيح:

{ إذا حدَّثَ الرَّجُلُ بالحديثِ ثُمَّ التَفَتَ فهي أمانةٌ. }

(شعيب الأرناؤوط عن جابر بن عبد الله)

(إذا حدَّثَ الرَّجُلُ بالحديثِ) حدثك بشيء (ثُمَّ التَفَتَ) يعني التفت إلى ورائه ليُعلمك بلطف أنه لا يريد أن يسمعه أحد، (فهي أمانةٌ). أصبح الحديث أمانة لا يجوز نقله، ولو لم يخبرك صراحة، مجرد أنه التفت فالحديث أمانة.

8. إعادة الاتصال بشكل متكرر:
أيها الإخوة الكرام الأمر الثامن: إعادة الاتصال بشكل متكرر: يتصل فلا يجيبه ومباشرة يعيد الاتصال للمرة الثانية والثالثة والرابعة، وهو في الصلاة، أو بين أهله، أو في قيلولة، ما ضابط ذلك أيها الإخوة؟ هذا في كتاب الله، ما ترك الشرع من شيء، اسمعوا إلى كتاب الله:

فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ(28)

كيف يستأذن الإنسان؟ مرة، مرتين، ثلاث، كم بين الاتصال والثاني؟ قال: ما يفرغ المتوضئ من وضوئه، أو المصلي من أربع ركعات، إنسان يصلي حتى يفرغ من صلاته، أو متوضئ حتى يفرغ من وضوئه، روى البخاري ومسلم قال أبو سعيد الخدري:

{ كُنْتُ في مَجْلِسٍ مِن مَجَالِسِ الأنْصَارِ، إذْ جَاءَ أبو مُوسَى كَأنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ علَى عُمَرَ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لي فَرَجَعْتُ، فَقالَ: ما مَنَعَكَ؟ قُلتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لي فَرَجَعْتُ، وقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إذَا اسْتَأْذَنَ أحَدُكُمْ ثَلَاثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ له فَلْيَرْجِعْ فَقالَ: واللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عليه ببَيِّنَةٍ، أمِنكُم أحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالَ أُبَيُّ بنُ كَعْبٍ: واللَّهِ لا يَقُومُ معكَ إلَّا أصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أصْغَرَ القَوْمِ فَقُمْتُ معهُ، فأخْبَرْتُ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ ذلكَ. }

(صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري)

تتصل في المرة الأولى، وتنتظر عشر دقائق، ثم الثانية وتنتظر عشر دقائق، ثم الثالثة، ثم تتركه لعله لا يستطيع الإجابة فيتصل بك بعد حين، إلا في الحالات الطارئة وشيء له خصوصية.

9. ترك السلام أو التحية بغير تحية الإسلام:
الأصل فتح الهاتف والبدء بتحية الإسلام
أيها الإخوة الكرام الأمر التاسع: ترك السلام أو التحية بغير تحية الإسلام: يفتح الهاتف ويبدأ بالكلام فوراً، أو صباح الخير ويبدأ، أو هاي ويبدأ، والأصل أن يفتح الهاتف ويقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه تحية الإسلام فلماذا نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟ لماذا ندع الخير ونأخذ الأسوأ ؟! سلم، حتى بالرسائل النصية قل السلام عليكم ثم اكتب ما تريد، فهذا من تحية الإسلام ، قال النبي صلى الله عليه وسلم

{ لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ. }

(صحيح مسلم عن أبي هريرة)

من الأمور المهمة أن يعرّف المرء بنفسه
أيضاً من الأمور المهمة ألا يعرّف بنفسه، يرسل لك طلباً من شخص لا تعرف من هو، ثم يبدأ ويقول لك من أنا؟ حاول أن تعرفني ويطيل في ذلك ثم يمزح في ذلك، أو يتصل دون أن يعرف بنفسه، انظروا إلى هذا الحديث الجميل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:

{ اسْتَأْذَنْتُ علَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن هذا؟ فَقُلتُ: أَنَا، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: أَنَا أَنَا. وفي روايةٍ : كَأنَّهُ كَرِهَ ذلكَ }

(صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله)

يعني من أنت؟ أنا، أنا كل الناس أنا، وأنا أنا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل منه أن يقول أنا، بل يجب أن يقول أنا جابر بن عبد الله، يعرف عن نفسه.

10. خضوع المرأة في القول:
ومن الأمور أيها الإخوة المتعلقة بالنساء، وأستعجل الآن في دقيقة: خضوع المرأة بالقول، المرأة عندما تتكلم ينبغي أن تطلب بطلب -طبعاً من الغرباء من غير محارمها- حازم، وبصوت ليس فيه تكسر وبوضوح تطلب طلبها:

وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ(23)
(سورة القصص)

لم يعد هناك سؤال آخر (لَا نَسْقِى حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ) ولماذا لا يأتي رجل؟ مباشرة قالت: (وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) انتهت المسألة، ليس هناك كسر أو خضوع بالقول أو كلام يطمع الذي في قلبه مرض، هذا وضع خاص بالنساء، أيضاً عندما المرأة تتعامل مع وسائل التواصل فتنشر صورها وتضعها على أنها لصديقاتها، ثم يشاهدها الرجال وينقلونها من مجموعة إلى أخرى -والعياذ بالله- فهذا مما يحرم أن يتناقل الناس صور النساء.

11. الانتباه للأولاد:
الأمر الأخير أيها الإخوة متعلق بالأولاد: ابنك في سن لا يحتاج جوالاً لا تعطِه جوالاً، أصبح في سن يدرك أعطِه لكن راقبه:

{ كُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، والأمِيرُ راعٍ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ.. }

(صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر)

نستغرب في بعض مجالسنا أن نجد طفلاً معه جوال بأحدث طراز، وهو في الصف الخامس أو السادس، وقد ملأه بأغانٍ وصور، وبمقاطع تشوه الفكر، وتشوه النفس، وتشوه العقيدة، وتشوه الفطرة، فأين أبوه وأين أمه؟ لماذا لا ينظرون في جواله ويوجهونه إلى ما ينبغي حفظه، وما لا ينبغي حفظه! وما ينبغي سماعه، وما يحرم سماعه! فلابد من الانتباه، فبكبسة زر واحدة تقع مصيبة،

الخطبة الثانية:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا.

{ الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على اللهِ . }

(الألباني عن شداد بن الأوس وهو ضعيف)


الدعاء:
الحمد لله رب العالمين، والشكر لله لا إله إلا هو ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك، اللهم بفضلك عمنا، واكفنا اللهم ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، نسألك اللهم حسن خاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمّهم وما أغمّهم، وما أنت أعلم به منا يا أرحم الراحمين، اللهم كن لهم عوناً ومعيناً، وحافظاً، وناصراً، ومؤيداً، وأميناً، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اجعل اللهم هذا البلد آمناً، سخيّاً، رخيّاً، مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، واصرف الهمّ، وهيّئ للبلاد ما فيه خير للبلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمنا ويرحمكم الله .