دعوة إبراهيم وبشرى عيسى

  • 2019-11-01
  • عمان
  • مسجد أحد

دعوة إبراهيم وبشرى عيسى


الخطبة الأولى :

يا ربنا لك الحمد مِلء السماوات والأرض، ومِلء ما بينهما، ومِلء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكُلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجد، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنَى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذلُّ في عزك؟ وكيف نُضامُ في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك؟ وأشهدُ أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً و نذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).


محمدٌ صلى الله عليه وسلم دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام :
أحبتي في الله؛

{ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ، قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حملت بي كأنه خرج مني نورٌ أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام }

[أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه]

أيها الأحباب؛ في هذا الحديث بعدان أو امتدادان أو عمقان، بعدٌ وعمقٌ زمانيان، وبعدٌ وعمقٌ مكانيان، يعود الحديث إلى البعد الزماني وإلى البعد المكاني، نبدأ بالبعد الزماني: أنا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى عليهم جميعاً وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم، محمدٌ صلى الله عليه وسلم دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، لأن إبراهيم دعا ربه فقال:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
[ سورة البقرة: 129]

المؤمن أمينٌ، صادقٌ، عفيف
هذه دعوة إبراهيم عليه السلام يوم أسكن من ذريته بوادٍ غير ذي زرع، يوم قالت له هاجر: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا، هذه دعوة أبيه إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ)، قال (رَسُولًا مِّنْهُمْ) أي من أنفسهم يعرفهم ويعرفونه، لما أراد جعفر رضي الله عنه أن يحدث النجاشي عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأتي الفواحش، حتى بعث الله فينا رجلاً نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه- إنها مكارم الأخلاق، إنها أمهات مكارم الأخلاق، فالإنسان المؤمن أمينٌ، صادقٌ، عفيف، ويأتي نسبه صلى الله عليه وسلم على رأس هذه الأخلاق الحميدة- نعرف أمانته وصدقه وعفافه، إن عاملته فهو أمين، وإن حدثك فهو صادق، وإن استثيرت شهوته فهو عفيفٌ عن المحارم، هذه أمهات الأخلاق، فكل إنسانٍ يعاملك بأمانة، ويحدثك بصدق، ويعف عن المحارم إذا ثارت شهوته، فهذا أخلاقيٌ ورب الكعبة، نعرف أمانته وصدقه وعفافه ونسبه، فقال: (رَسُولًا مِّنْهُمْ) يعرفونه، وكانوا يلقبونه بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، ثم بدأ بمهمات الرسول، قال: (يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) لكن الله تعالى عندما أجابه إلى هذه الدعوة غير في الترتيب قال:

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
[سورة آل عمران: 164]

التزكية تعني التطهير
فقدم التزكية على التعليم، إبراهيم عليه السلام معلم كنبينا صلى الله عليه وسلم الذي بُعثَ معلماً، فبدأ بالتعليم الذي هو صنعة الأنبياء لكن عندما أجابه جلّ جلاله قدم الأهم على المهم، فقال: (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ) فبدأ بالتزكية، لأننا نبدأ بالتخلية ثم تأتي التحلية، فالإناء لابد أن نزيل عنه ما علق به ثم نملؤهُ بأطيب الشراب، (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) إذاً مهمة نبينا صلى الله عليه وسلم كما في دعوة إبراهيم عليه السلام كانت في ثلاثة أمور: الأمر الأول: يتلو عليهم آيات الله، وهذه المرحلة الأولى مرحلة التلقين، أي لو لفت نظر إنسان إلى عظمة الله في آيةٍ من آياته، في خلقه، فأنت تتلو عليه آيات الله، لو قلت له: انظر إلى عظيم صنع الله في هذه السماء، وفي تلك الأفلاك، وفي هذه النجوم، فأنت تتلو عليه آيةً من آيات الله، لو قلت له: انظر إلى أفعال الله في الكون، كيف جل جلاله يحق الحق بكلماته، كيف أهلك أعداءه، وكيف نصر أولياءه على مدار التاريخ، فأنت تتلو عليه آيةً من آيات الله، هذه تلاوة الآيات المرحلة الأولى التلقينية، ثم تأتي التزكية، والتزكية هي التطهير، وهي النماء، فيزكي أنفسهم، ويحملهم على مكارم الأخلاق، ويُبعد عنهم رذائل الأخلاق:

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا *وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا
[ سورة الشمس: 9-10]

فيطهر النفوس فتتهيأ لقبول الحق فيأتي دور التعليم (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) والحكمة هي السنة النبوية المطهرة.
إذاً أيها الأخوة الكرام؛ تلاوة الآيات ثم التزكية ثم التعليم.

الامتداد الزماني للرسالة المحمدية بشرى عيسى عليه السلام :
أيها الكرام؛ هذه دعوة إبراهيم عليه السلام، أنا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، فما بشرى عيسى عليه السلام؟

وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ
[سورة الصف: 6]

هذه بشرى عيسى عليه السلام؛ بشّر بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، هذا هو الامتداد الزماني للرسالة المحمدية، يعود إلى الوراء إلى إبراهيم عليه السلام يوم دعا لهذا النبي الكريم، وإلى عيسى عليه السلام يوم بشر بمقدم نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا البعد الزماني في الحديث، أما البعد المكاني فهو في قوله: وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حملت بي كأنه خرج نورٌ أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام.
أيها الأخوة الكرام؛ بصرى بلدةٌ معروفة في حوران من أرض الشام، وكانت تحت حكم الرومان، وهي أول مدينة من مدن الشام فُتحت، وكان ذلك سنة ثلاث عشرة للهجرة في عهد أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه، وعلى يد سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، إذاً النبي صلى الله عليه وسلم هذا النور الذي كان عند ولادته كما في الصحيح أضاءت له قصور بصرى، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم عبر البعد المكاني يبشر بأن نور الرسالة سينتشر في الأرض كلها، وسيعم الديار كلها، ونحن اليوم في أرض الشام نجلس في هذا المسجد، وفي مساجد هذا البلد الطيب إنما نجلس بفضل الله تعالى، ثم بفضل رسوله صلى الله عليه وسلم الذي أضاء نوره أرض الشام، يوم ولد صلى الله عليه وسلم، ورأت أمه هذا النور الذي أضاء بصرى من أرض الشام، لم يكن يتخيل إنسان أنه بإمكان هؤلاء البُداة الجُفاة في أرض العرب أن يصلوا فاتحين إلى بصرى، ما كان يتخيل أحدٌ ذلك، كانوا رعاةً للغنم وبفضل اتباعهم لسيد الأنام أصبحوا قادةً للأمم، فوصلت راياتهم خافقةً إلى أرض الشام وإلى ما بعد أرض الشام.
نحن ٌقوم أعزنا الله بالإسلام
أيها الأخوة الكرام؛ يقول عمر رضي الله عنه: نحن قوم أعزَّنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزَّة في غيره أذلَّنا الله.
هذا قانوننا أيها الأخوة؛ أيها الأحباب؛ لا تقل لي كيف أعز الله فيما يبدو للناظر أهل الغرب وهم لا يدينون بدين؟ هذا ليس قانونهم، هم قانونهم:

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ
[سورة الأنعام: 44]

عزة المسلمين في التمسك بمنهج الله
أتحب أن يكون قانونك مع الله كقانونهم؟ نحن مسلمون أيها الأحباب ما أعزنا الله إلا بالإسلام، هذه سنة الله فينا، فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله، فإن عدنا إلى ديننا أعزنا الله، لا خيار آخر أمامنا، لا بعلمانية، ولا بحداثةٍ، ولا بتطورٍ، ولا ببناءٍ، ولا بتقنية حديثة، كله لا ينفع معنا، نحن لدينا قانون من رب العباد أنّ هذه الأمة ما إن تمسكت بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فلها العزة، فإذا أعرضت كانت الذلة والعياذ بالله، وقد ارتضينا هذا القانون لأنه يعني أننا ضمن العناية المشددة الإلهية.
سأضرب مثلاً: لو أن إنساناً ذهب إلى الطبيب، وكان مرضه منتشراً في جميع أنحاء جسمه، ولا أمل بالعلاج، فقال له الطبيب: كُلْ ما شئت، فهل يفرح لأنه سيأكل ما شاء؟ بل إنه سيحزن لأن كلمة كُلْ ما شئت تعني أنه لم يعد هناك ما ينفع للعلاج في علم أهل الأرض، لكن الله هو الشافي، أما عندما يقول له: امتنع عن كذا وكذا وكُلْ كذا وكذا فهذا يعني أنه مازال ضمن العناية المشددة، ومازال هناك أملٌ منه، فنحن ارتضينا هذا القانون لأن هذا القانون ينبئنا أننا نحن المسلمين مازال فينا خيرٌ، فالله تعالى يعالجنا ويؤدبنا حتى نتوب إليه، ونرجع إليه، ونصطلح معه، فتعود لنا العزة، وتعود لنا القوة.
أيها الأخوة الأحباب؛ إذاً هذا الحديث من بشارات النبوة ومن إرهاصات النبوة، (أنا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حملت بي كأنه خرج مني نورٌ أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام)

بصرى في العمق المكاني وصل إليها النبي وبُشِّرَ هناك بالنبوة :
بصرى أيها الأحباب لها قصةٌ ثانية صححها كثيرٌ من أهل العلم، لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة ارتحل به عمه أبو طالب تاجراً من الشام حتى وصل إلى بصرى، ومرّ من هذه الديار من أرض الأردن حتى وصل إلى أرض الشام في بصرى، وفيها راهبٌ عُرف ببحيرى، فلما نزل الركب خرج إليه هذا الراهب وقال لأبي طالب: ارجع بأخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فإنه كائنٌ لابن أخيك هذا شأنٌ، فأسرع به إلى بلاده.
هذه بصرى أيضاً في العمق المكاني وصل إليها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تصل إليها جيوش المسلمين فاتحةً، وصل إليها وبُشِّرَ هناك بالنبوة أيضاً صلى الله عليه وسلم.

المرء مع من أحبّ :
أنت مع مَن أحْبَبْتَ
أيها الأخوة الأحباب؛ أيها الأخوة المؤمنون؛ سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال له صلى الله عليه وسلم: وماذا أعددت لها؟ النبي صلى الله عليه وسلم معلم، بأبي هو وأمي، يصرف الإنسان إلى المهم، متى الساعة؟ ماذا أعددت لها؟ لا تنظر متى الساعة لكن انظر أنت ماذا قدمت للساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فقال: أنت مع من أحببت، قال أنسٌ رضي الله عنه: فما فرِحْنا بشَيْءٍ فرَحَنا بقولِ النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:(أنت مع مَن أحْبَبْتَ)، قال أنسٌ: فأنا أُحِبُّ النبي وأبا بكرٍ وعُمَرَ، وأرْجو أنْ أكونَ معهُم بحُبِّي إياهُم، وإنْ لم أعْملْ بمثلِ أعْمالِهِم.

{ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّاعَةِ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ : لاَ شَيْءَ ، إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ ، فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ)، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ }

[رواه البخاري ومسلم]

هذا أيها الأحباب هو القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحب أن يكون قريباً منه.

من أراد مرافقة النبي في الجنة فعليه الإكثار من السجود :
هذه لمحةٌ في أحاديث كثيرة هذه بعضها:

{ يقولُ ربيعةُ بنُ كعبٍ الأَسْلميُّ رضِي اللهُ عنه كُنْتُ أبِيتُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فأتَيْتُهُ بوَضُوئِهِ وحَاجَتِهِ فَقالَ لِي: سَلْ فَقُلتُ: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ، قالَ: أوْ غيرَ ذلكَ، قُلتُ: هو ذَاكَ قالَ: فأعِنِّي علَى نَفْسِكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ }

[رواه مسلم]

مرافقة النبي تكون بكثرة العبادة
عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه- بالماء الذي يتوضأ منه- وحاجته فقال لي: سَلْ، الله أكبر، هو قريبٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبيت معه، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: سَلْ، بربكم أيها الأحباب لو أن أحداً من أهل الدنيا قال لك: سَلْ، فإنك تكون أسعد الناس، سَلْ، اسأل ما شئت، بيتاً، سيارةً، منصباً، قوةً، رفعةً، أرضاً، سَلْ، النبي صلى الله عليه وسلم يعرف لمن يقول: سَلْ، ويعرف هذا النوع من الرجال الذي لا يسأل إلا عن معالي الأمور، ولا يبتعد إلا عن سفسافها ودنيئها، اغتنم ربيعة هذه الفرصة العظيمة، فجاء بأعلى ما يمكن أن يسأله إنسان، قال: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ، فقد ذاق من طعم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا ما ذاق، فأراد أن يبقى هذا الاقتراب من رسول الله صلى الله عليه وسلم مستمراً لا ينقطع، فقال: أسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ في الجَنَّةِ، قال: أو غير ذلك؟ هل عندك شيء آخر؟ قال: هو ذاك لا شيء غيره، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، فإذا أردت مرافقة الرسول صلى الله عليه وسلم فأكثر من السجود أكثر من الصلاة من الفرائض والنوافل يعينك ذلك على أن ترافق النبي الله صلى الله عليه وسلم في الجنة.

{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدَّل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية وهو مُستَنْتِلٌ من الصف، فطعنه في بطنه بالقدح، وقال: استوِ يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه فقال: استقد، قال: فاعتنقه، فقبَّل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له: استو يا سواد }

[حسَّنه الألباني]

في صف الصلاة ينبغي أن نقف صفاً واحداً
يوم غزوة بدر كان النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح يعدّل صفوف أصحابه وفي يده قدح، عود، يعدل صفوف الأصحاب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بالمظهر والمخبر، لا تختلفوا فتختلف قلوبكم، في صف الصلاة ينبغي أن نقف صفاً واحداً، فكان يعدل صفوف أصحابه في غزوة بدر، فمر بسواد بن غزية وهو متقدمٌ من الصف، خرج عن الصف، فطعنه في بطنه بالقدح، ارجع يا سواد، فقال: استوِ يا سواد، فقال: يا رسول الله أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني، أي أعطني حقي، من القود، قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: استقد، خذ حقك، استقد، فاعتنقه سواد رضي الله عنه وجعل يقبل بطنه، قال: ما حملك على هذا يا سواد؟ لم فعلت ذلك؟ قال: يا رسول الله حضر ما ترى، إنها الحرب، فأردت أن يكون آخر العهد بها أن يمس جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير.

صفات أشدّ الناس حباً للنبي الكريم :
أيها الأخوة الكرام؛ أما نحن فاسمعوا إلى هذا الحديث:

{ قَالَ رَسُولُ الله: مِن أشدِّ أمَّتي لي حبًّا؟ ناسٌ يَكونونَ بَعدي يودُّ أحدُهُم لَو رآني بأَهْلِهِ ومالِ }

[رواه مسلم]

أشدّ الناس حباً للنبي الكريم
مِن أشدِّ أمَّتي لي حبًّا، ناسٌ يَكونونَ بَعدي- أنتم أيها الكرام يا من جئتم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم- ناسٌ يَكونونَ بَعدي، يودُّ أحدُهُم لَو رآني، بأَهْلِهِ ومالِهِ، لو أنه يقدم أهله وماله ويرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا والله تعالى يقول:

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
[ سورة التوبة: 128]

كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم يأتي رافعاً يديه يوم القيامة، ويقول: اللَّهُمَّ أُمَّتِي، أُمَّتِي، فيقول الله تعالى: يَا جِبريلُ اذهَبْ إِلى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلا نَسُوءكَ:

{ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلاَ قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ:﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾فَرَفَعَ يَدَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ:"اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي" وَبَكَى. فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَسَأَلَهُ. فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ بِمَا قَالَ. وَهُوَ أَعْلَمُ. فَقَالَ الله: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ:إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ }

[صحيح مسلم]


صفات أخوان النبي الكريم في آخر الزمان :
ولكن للأمانة لابد أن أقرأ عليكم هذا الحديث وأختم به:

{ يقول صلى الله عليه وسلم: وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا: أَو لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا }

[صحيح مسلم]

المبعدون عن حوض النبي الكريم
يقول صلى الله عليه وسلم: وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا، قَالُوا: أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي، وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ كيف تعرفهم؟ خلقٌ كثير من أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كيف تعرفهم؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، ما معنى ذلك؟ الخيل الغر الفرس الأغر في جبهته بياض، لمعة، غر واضح يضيء وفي ساقيه بياض هذا المحجل، بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ، خيل من عموم الخيل، وخَيْله غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ مضيئة في ساقيها بياض، وفي جبهتها بياض، قال: أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، ينتظرهم النبي صلى الله عليه وسلم على حوضه، نسأل الله أن يجعلنا منهم، يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ آثار الْوُضُوءِ، نورٌ في الوجه، ونورٌ في اليدين، ونورٌ في الساقين من آثار الوضوء، فيعرفهم صلى الله عليه وسلم، لكن تتمة الحديث مخيفة، قال: أَلَا لَيُذَادَنَّ عَنْ حَوْضِي، أَلَا لَيُذَادَنَّ - أي يبعد عن حوض رسول الله- كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ رجال أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ، انظروا إلى رحمته صلى الله عليه وسلم تعالوا إلى الحوض، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فيقول صلى الله عليه وسلم: سُحْقًا سُحْقًا، بَدَّلُوا بَعْدَكَ غيروا منهجك، تركوا صلاتهم، وتركوا عباداتهم، ولم يأتمروا بما أمرت، ولا بما نهيت، انصرفوا إلى دنياهم، وتركوا دينهم، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الغر المحجّلين الذين يرافقون نبيهم صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأن يجعلنا (إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروا الله.

الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الدعاء :
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميعٌ قريبٌ مجيبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم اجمعنا بحبيبك ومصطفاك في الجنة يا أرحم الراحمين، واجعلنا مع الذين أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عن إخواننا في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على عدونا، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.