المرأة في الإسلام

  • 2018-03-09
  • عمان
  • مسجد طارق بن زياد

المرأة في الإسلام


الخطبة الأولى:
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لِما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هُداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نُضام في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك؟ والأمر كله إليك، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

صور مشرقة من السيرة النبوية:
أيها الإخوة الكرام، أبدأ الخطبة بأربع صور مشرقة من السيرة النبوية، تبيّن مقصود هذه الخطبة، الصورة الأولى:
عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها تقول:

{ الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها، وما أسمع ما تقول، فأنزل الله: ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا }

(سنن ابن ماجة عن عائشة أم المؤمنين)

والمجادلة هي خولة بنت ثعلبة امرأة جاءت تشكو زوجها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عائشة في البيت لا تكاد تسمع كلامها، فأنزل الله تعالى فيها وحياً:

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ(1)
(سورة المجادلة)

شكوى خولة بنت ثعلبة في القرآن الكريم
عائشة في البيت لا تكاد تستبين كلامها، وسبحان من وسع سمعه الأصوات، سمعها من فوق سبع سماوات، وأنزل قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) ماذا قالت خولة عن زوجها أوس بن الصامت؟ قالت: يارسول الله أبلى شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني وانقطع ولدي ظاهر مني قال لي: أنت علي كظهر أمي لن أقربك، اللهم إني أشكو إليك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: لا أجد إلا أنك قد حرمت عليه، حتى نزل الوحي يبين حكم الظِّهَار في الإسلام، وسمع الله شكوى خولة بنت ثعلبة من فوق سبع سماوات، هذه الصورة الأولى.
الصورة الثانية: أيضاً عن عائشة رضي الله عنها تقول: حادثة الإفك أيها الإخوة معروفة عندكم، فقد تكلم بعض المنافقين في المدينة في شأن وفي عِرْض أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، واتهموها بالفاحشة، وتأخر نزول الوحي لحكمة بالغة من الله تعالى، تأخر نزول الوحي ليعلم الناس جميعاً أن الوحي من الله تعالى، فرسول الله صلى الله عليه وسلم بقي أكثر من شهر ينتظر وحي الله في شأن عائشة رضي الله عنها، فلما تأخر الوحي ازداد حزن عائشة رضي الله عنها، تقول في نهاية الحديث:

{ عنْ حَديثِ عَائِشَةَ، حِينَ قالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ ما قالوا، وكُلٌّ حدَّثَني طَائِفَةً مِنَ الحَديثِ، قالَتْ: إنِّي بَرِيئَةٌ -واللَّهُ يَعْلَمُ إنِّي لَبَرِيئَةٌ- لا تُصَدِّقُونِي بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ -واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ- لَتُصَدِّقُنِّي، واللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، ثُمَّ تَحَوَّلْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا أرْجُو أنْ يُبَرِّئَنِي اللَّهُ، ولَكِنْ واللَّهِ ما ظَنَنْتُ أنْ يُنْزِلَ في شَأْنِي وحْيًا، ولَأَنَا أحْقَرُ في نَفْسِي مِن أنْ يُتَكَلَّمَ بالقُرْآنِ في أمْرِي، ولَكِنِّي كُنْتُ أرْجُو أنْ يَرَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ، }

هي تجد أنها أحقر من أن ينزل القرآن فيها وهذا من تواضعها، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله منها، ثم نزل الوحي يبرّئ عائشة رضي الله عنها:

إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11)
(سورة النور)

نزول الوحي وتفصيل حادثة الإفك
نزل الوحي يفصّل في صفحة قرآنية كاملة حادثة الإفك بكل تفصيلاتها من أجل براءة عائشة رضي الله عنها، لتبرئة امرأة مُسَّت في عِرْضها وكرامتها، نزل وحي الله عز وجل، تقول عائشة: قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ فَلَمَّا سُرِّيَ عن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَضْحَكُ، فَكانَ أوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بهَا أنْ قَالَ لِي يا عَائِشَةُ، احْمَدِي اللَّهَ؛ فقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ، فَقَالَتْ لي أُمِّي: قُومِي إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُلتُ: لا واللَّهِ، لا أقُومُ إلَيْهِ، ولَا أحْمَدُ إلَّا اللَّهَ. }

(صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها)

هذا هو التوحيد، وهي في بيت رسول الله، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامها ولم يعنّفها، ولم ينكر عليها.
أيها الإخوة الكرام، في الحادثة الأولى نزل الوحي بشأل امرأة تشكو بيتها الذي سينهار بطيش زوج لا يعلم ما يقول، يلقي الكلام جُزافاً.
وفي الحادثة الثانية نزل وحي السماء ليبرّئ امرأة طاهرة عفيفة تُكُلِّم في شأنها.
وأما الصورة الثالثة: الشيماء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، روى البيهقي كما في السيرة أنه لما كان يوم فتح هوازن جاءت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يارسول الله أنا أختك، أنا الشيماء بنت الحارث، فبسط لها رسول الله صلى الله عليه وسلم رداءه، وهذا من أعظم الإكرام، رضعات رضعها مع الشيماء في صغر سنه لم تضِع عند رسول الله، بسط لها رداءه ثم قال لها: سلي تعطَي واشفعي تشفعي، إن أحببت فعندي-تبقين عندي- مُحببة مُكرّمة، وإن أحببت أن أمتّعك وترجعي إلى قومك فعلت، الأمر لك، هذه الأخت في الإسلام، الأخت من الرضاعة.
وأما الصورة الرابعة والأخيرة: ففي حديث: ما رأيت أحداً أشبه دلاً ولا سمتاً ولا هدياً لرسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت إذا دخلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليها، يقوم لابنته فاطمة، فقبلها وأجلسها في مجلسه:

{ ما رأيتُ أحدًا أشبَهَ سَمتًا ولا هديًا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ من فاطمةَ بنتِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ورضي اللَّه تعالى عنها، قالت: وَكانَت إذا دخلَت على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قامَ إليها فقبَّلَها وأجلَسَها في مجلسِهِ، وَكانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا دخلَ عليها قامت من مجلسِها فقبَّلتهُ وأجلَستْهُ في مجلسِها. }

(الترمذي عن عائشة أم المؤمنين)

وفي الحديث الصحيح:

{ مَن كانت له ثلاثُ بناتٍ ، أو ثلاثُ أَخَواتٍ ، أو ابنتانِ ، أو أُخْتانِ فأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ ، واتَّقَى اللهَ فيهِنَّ ، فله الجنةُ }

(أخرجه أحمد)


مساواة المرأة للرجل:
المرأة مساوية للرجل في التكليف والتشريف والمسؤولية
هذه هي المرأة في الإسلام أيها الإخوة الكرام: زوجاً وأماً وأختاً وبنتاً، يقرر الإسلام أيها الإخوة أن المرأة مساوية للرجل تماماً في التكليف والتشريف والمسؤولية، فهي مُكلفة كما هو مُكلف بأركان الإسلام والإيمان والعبادات، إلا بعض الواجبات التي اختص الله بها المرأة كالحجاب مثلاً، أو بعض الواجبات التي اختص الله بها الرجل كصلاة الجمعة مثلاً، ولكن في عموم التشريع المرأة مكلفة كما هو الرجل مكلف تماماً:

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)
(سورة آل عمران)

ثم هي مُشرّفة كما هو مُشرّف، فلها مكانتها عند الله، وتبقى في أعلى عليين مثل الرجل تماماً، وهي مسؤولة كما هو مسؤول:

{ كُلُّكُمْ راعٍ فَمَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، فالأمِيرُ الذي علَى النَّاسِ راعٍ وهو مَسْئُولٌ عنْهمْ، والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِهِ وهو مَسْئُولٌ عنْهمْ، والمَرْأَةُ راعِيَةٌ علَى بَيْتِ بَعْلِها ووَلَدِهِ وهي مَسْئُولَةٌ عنْهمْ، والعَبْدُ راعٍ علَى مالِ سَيِّدِهِ وهو مَسْئُولٌ عنْه، ألا فَكُلُّكُمْ راعٍ وكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ. }

(صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر)

التكليف، والتشريف، والمسؤولية هناك مساواة بين الرجل والمرأة، لكن في الوقت نفسه لا يقبل الإسلام أن الذكر كالأنثى، فتذهب الأنثى لتعمل في مواطن عمل الرجل، ولا العكس، لا يقبل الإسلام أن المرأة والرجل متشابهان تماماً، ولكن الإسلام يقرّ أنهما متكاملان، فكل منهما يكمل نقصه بالآخر، فالمرأة تفتقر إلى قوامة زوجها وقيادته، وهو يفتقر إلى عاطفتها وأمومتها، فالمرأة تقوم بدورها في البيت، والرجل يقوم بدور مكمل لدورها، وليس في هذا انتقاصٌ من قدر المرأة، ولا انتقاصٌ من قدر الرجل:

{ فكل ميسر لما خلق له }

(صحيح مسلم عن علي بن أبي طالب)

هذا ما يقرره الإسلام فهو لا يؤمن بالتساوي المطلق بين الرجل والمرأة، ولكنه يؤمن بالتكامل بين الرجل والمرأة.

القوامة الحقيقية:
أيها الإخوة الكرام: لو سأل سائل للتوضيح: أيهما أفضل السيارة الشاحنة التي تكون مساحة البضائع فيها كبيرة، ومساحة الركاب صغيرة، أم السيارة السياحية التي تكون مساحة البضائع فيها صغيرة، والمساحة للركاب كبيرة؟ أقول له عن هذا السؤال: هذا ليس منطقياً، إن أردت أن تذهب في نزهة مع أهلك فالسياحية أفضل، وإن أردت أن تشحن بضائعك من محافظة إلى أخرى فالشاحنة أفضل، وانتهى الأمر.
لكل من الذكر والأنثى مهمة
تماماً كالذي يقول أيهما أفضل الذكر أم الأنثى؟ كلٌّ لمهمته، فإن أدّت المرأة مهمتها في رعاية بيتها، وأنشأت جيلاً مؤمناً بالله فهي أفضل من ألف رجل، وإن أدّى الرجل مهمته على ما يرضي الله تعالى فرعى بيته، وحقق القِوامة الحقيقية في البيت بأن قاد بيته إلى مرافئ الخير والسلام فهو أفضل من ألف امرأة، فالموضوع أن تؤدي مهمتك وليس أن تسأل من هو أفضل.
أيها الإخوة الكرام النمط الغربي في التعامل مع المرأة فشل فشلاً ذريعاً، وهذا ما تؤكده أرقام إحصائياتهم لا أرقامنا نحن، مراكز دراساتهم لا مراكزنا نحن.
أيها الإخوة في بلد واحد وهو يتربع على عرش بلدان العالم، وهو القوة العظمى في العالم، مليون ونصف حالة إجهاض تكون في العام الواحد، 30% منها لفتيات لم يُجاوزن العشرين من عمرهن- والعياذ بالله- و80% من المتزوجات يُطلَّقن قبل مضي خمسة عشر عاماً على الزواج، 8 ملايين امرأة يعشن وحيدات مع أطفالهن دون مساعدة، 27% من الرجال يعيشون على حساب زوجاتهن، المرأة تعمل وتُطعِم زوجها، في عام 1997 تم اغتصاب امرأة واحدة كل ثلاث ثوانٍ، ست ملايين امرأة يعانين من سوء المعاملة الجسدية والنفسية من قبل الرجال، مليون امرأة تعمل في البغاء في 1995.
هذه إحصائيات سريعة من بلد معروف يتربع على عرش القوة، وقد يقول قائل وفي بلداننا أصبحت القواعد سلبية جداً في التعامل مع المرأة إفراطاً أو تفريطاً، أقول نعم وهذا من بعدنا عن دين الله، لكن أن تذهب إلى الغرب لنتلمس منه الحلول لواقعنا فهذا كالمستجير من الرمضاء بالنار، لا تفيد هذه التشريعات لأننا اليوم نظن بشعور –كثير من الناس- بشعور باطني وباللاوعي أن الغرب قد حقق مكانة للمرأة أي مكانة؟ أين تلك المكانة وهذه الإحصائيات من عندهم ومن دراساتهم؟! الواقع سيئ جداً وواقعنا على سوئه أفضل بمليون مرة من واقعهم، فما زال عندنا أسرة وأم مقدسة، وأب يجلس في بيته معززاً مكرماً يتسابق الأبناء لخدمته، ومازال في واقعنا بما بقي من ديننا زوجة محترمة مصونة يصان شرفها وعرضها، ومازال في واقعنا بنت تُرعى في بيت، وتُنشّأ على الخير، ومازال في واقعنا أخت تُزار وتُمد بالعون، هذا كله من بركات ديننا، لأنه لو كان من عادات عروبتنا انظروا إلى الجاهلية كيف كانت تعامل المرأة.
أيها الإخوة الكرام هؤلاء الغربيون بعد كل هذا الواقع المؤسف في بلدانهم يتشدقون بكرامة وحرية وحقوق الإنسان ثم هم يعيروننا بواقعنا ويدعوننا إلى الانضمام إلى نواديهم المنكرة.

مكانة المرأة في الإسلام:
لذلك لا ينبغي أن نكون في غفلة عن مبادئ وتعاليم ديننا التي أنصفت المرأة أيما إنصاف، النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جامع مانع كما جاء في البخاري:

{ مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا. }

(صحيح البخاري عن أبي هريرة)

ما أعظم هذا التوجيه، فقط ثلاث كلمات: (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا) هذه المرأة الغربية أيها الإخوة إذا قرأت قول الله تعالى:

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15)
(سورة الأحقاف)

إذا قرأت قوله تعالى :

وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)
(سورة لقمان)

ماذا يكون شعورها؟ إذا قرأت دعاء في القرآن الكريم لمسلم يناجي ربه فيقول:

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)
(سورة إبراهيم)

وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)
(سورة الإسراء)

كيف يكون شعورها؟ إذا قرأت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتسابق مع زوجته فتسبقه مرة ويسبقها أخرى، فيقول لها ياعائشة: هذه بتلك. فماذا يكون شعورها؟
إذا قرأت عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستر عائشة بردائه لتنظر إلى الأحباش وهم يلعبون بحرابهم، وهو قائد الأمة وقائد الجيش ماذا يكون شعورها؟

{ رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا التي أسأم }

(أخرجه البخاري)

إذا قرأت في السيرة عن رجل، عن محمد صلى الله عليه وسلم وهو يشرب من مكان شرب زوجته، تشرب من الإناء فيتتبع مكان شربها فيشرب منه، ماذا يكون شعورها؟

{ كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيّ، فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيّ. }

(أخرجه مسلم)

إذا قرأت عن رجل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فيقول: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك. ماذا يكون شعورها؟

{ جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ. }

(صحيح البخاري عن أبي هريرة)

إذا قرأت عن رجل صلى الله عليه وسلم ما ضرب امرأة قط، والمرأة تُضرب في بلاد الغرب، عشرات الأضعاف مما يحدث من جهل بعض المسلمين في بلداننا، وجهلهم في فهم أحكام دينهم، ماذا يكون شعورها؟

حقوق المرأة:
أيها الإخوة الكرام نحن عندما نتحدث عن المرأة فهذا لأن العالم كله اليوم يتحدث عن حقوق المرأة، ولكن في الوقت نفسه نقول إن للرجل درجة القوامة:

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا (34)
(سورة النساء)

الرجل في البيت له درجة على المرأة
فالرجل في البيت له درجة على المرأة، وهذه الدرجة درجة تكليف لا درجة تشريف، لأن أي مؤسسة لا تنهض إلا بوجود قائد، لابد من قائد، المرأة لها قيادة في البيت مختلفة عن نوعية قيادة الرجل، سأضرب مثلاً:
في الطائرة الكابتن ربان الطائرة له مكان لا ينبغي أن يتركه أبداً، ينبغي أن يبقى فيه، لو أن هذا القائد قائد الطائرة ضاق ذرعاً وملَّ من وجوده في غرفة صغيرة والركاب خلفه يأكلون الوجبات، ويضحكون ويمرحون فترك غرفته وأغلق الباب وخرج وقال: أنا مكاني هناك وليس هنا، ستهبط الطائرة وتكون الكارثة لأنه ترك مكانه، هذا ما حصل عندما أوهم الغرب المرأة أنها ينبغي أن تكون في كل مكان بلا ضابط وبلا قيد وبلا شرع، فلمن تُركت دفة قيادة البيت والأولاد؟ لمن تُرك الأولاد ليربوا على طاعة الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ نحن لا ننكر عمل المرأة عندما يكون في ضوابط الشرع، وعندما لا يلهِها عن بيتها وأولادها، هذا عمل مشروع، لكن أن يُترك البيت للا أحد، أو يُترك للخدم فهذه مصيبة وهي المسيئة.

الخطبة الثانية:
أيها الإخوة الكرام حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبو، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على الله الأماني، استغفروا الله. .

الدعاء:
الحمد لله رب العالمين، والشكر لله لا إله إلا هو ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
أيها الإخوة الكرام ونحن نتحدث عن المرأة فلا ينبغي أن يغيب عن ذكرنا تلك المرأة الفلسطينية الصابرة المرابطة في أرض فلسطين، وتلك المرأة المعتقلة في سجون الطغاة وفي سجون الاحتلال والظالمين، فهذه المرأة شأنها عند الله عظيم، ولا يغيب عن أذهاننا أبداً المرأة السورية في دمشق في غوطة الشام وهي تخرج من آثار بيتها المُهدّم لا تتخلى عن حجابها ولا عن عفتها ولا عن طهارتها، لأنها رُبّيت على الخير وربّيت على طاعة الله تعالى ورسوله، فهؤلاء النساء فيما يسمى اليوم يوم المرأة العالمي، على مرأى العالم وسمعه وبصره يُسامون سوء العذاب وهذا العالم الذي يدّعي حقوق الإنسان يقف متفرجاً عليهن دون أن يحرك ساكناً.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما قضيت ولك الشكر على ما أنعمت وأوليت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، ونؤمن بك ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك، اللهم بفضلك عمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة جمعاً توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، يارب قد عمّ الفساد فنجّنا، قلت حيلتنا فتولنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، لا تعاملنا بما فعل السفهاء منا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، يا أكرم الأكرمين، اللهم بفضلك ورحمتك فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم، يارب ارفع الغمة والبلاء عنهم، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً، سخيّاً، رخيّاً، مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين، واصرف الهمّ، وهيّئ للبلاد ما فيه خير للبلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمنا ويرحمكم الله .