نصر الله تعالى للمظلومين

  • 2018-02-23
  • عمان
  • مسجد التقوى

نصر الله تعالى للمظلومين


الخطبة الأولى:
يا ربنا لك الحمد ملء السموات والأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجَد منك الجَد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كل فقير، وعزّ كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟! وكيف نضِل في هداك؟! وكيف نذِل في عزك؟! وكيف نضام في سلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟!
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:

مأساة الغوطة:
الغوطة فسطاط المسلمين
فيا أيها الإخوة الكرام؛ سنوات عجاف مرت على هذه الأمة فهي تنام على مأساة وتستيقظ على أخرى، وآخر تلك المآسي مأساة الغوطة غوطة دمشق الحبيبة، الغوطة التي طالما تغنى الشعراء بجمال طبيعتها ونقاء هوائها ودماثة أهلها وكرم ضيافتهم، الغوطة التي طالما أطعمت أهل الشام من خيراتها وبركاتها، الغوطة التي هي فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى في أرض يقال لها الغوطة قرب دمشق هي خير مدائن المسلمين يومئذٍ كما قال –صلى الله عليه وسلم-.
أيها الإخوة الكرام؛ يعيش أهلنا هناك جوعاً وحصاراً، تلاه قصف وإبادة لم يعرف لها التاريخ مثيلاً إلا ربما في حروب المغول والتتار.
أيها الإخوة الكرام؛ هذه المأساة تقتضي منا تفاعلاً، تقتضي منا دعاء، تقتضي منا أن يرى الله أننا على قلب رجل واحد:
صمتاً أصيخي واسمعي يا أمتي ما عدت أصبر أن يموتَ بياني ما عاد يحويني سكوتي والبكا أنا لست مجبولاً على الخذلانِ أنا مسلمٌ والمجدُ يقطر كالندى والعــزّ كلّ العــزّ في إيمـانـي فـي كـل يـــــوم تُســتـباحُ مـديــــــنـةٌ أـيـــن الّـــذيــــن تهــزُّهـم أحــــزانـي أيــــن الحقوق وقد أــبــيــدَت أمةٌ وأنا المُلامُ إذا صرختُ كفاني سل مدَّعي حفظَ الحقوق لهرّة هــــــــل هــرةٌ أولى من الإنســـــان كل الحقوق مصانةٌ في عرفهم إلا حـــــقــــــوقـــــــك أمـــــــــةَ الـقـــرآنِ
{ الشيخ يوسف القرضاوي }
قتل امرئٍ في غابةٍ جريمة لا تُغتفر وقــتـل شعــبٍ آمـنٍ مسألةٌ فيها نظر
{ أديب إسحاق }

السؤالان اللذان يراودان الذهن عند اشتداد البلاء:
1-متى نصر الله؟
أيها الإخوة الكرام؛ ومع كل مأساة يشتد البلاء ويشتد حتى يقفز إلى الذهن سؤالان؛ أولهما: متى نصر الله؟ ولماذا يؤخر الله الفرج؟ ولماذا لا يستجيب الله الدعاء؟ أولهما: أين الحكمة مما يجري؟ لماذا لا ينتصر الله للمظلومين؟ لماذا لا يرفع البلاء عن الأطفال والنساء والشيوخ؟

2-ماذا علينا أن نفعل ونقدم؟
والسؤال الثاني: ماذا نفعل؟ ماذا نقدم؟ كيف نبرئ ساحتنا أمام الله تعالى؟ وسأجيب في هذه الخطبة -إن شاء الله -عن هذين السؤالين بما ييسر الله تعالى، السؤال الأول: لماذا لا ينتصر الله للمظلومين؟ اقرؤوا قوله تعالى فالجواب في القرآن نفسه، قال تعالى:

ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ(4)
(سورة محمد)

إرادة الله مطلقة لا يحدها شيء
لأن إرادة الله مطلقة لا يحدها شيء، لأن إرادة الله –عزّ وجلّ-تتعلق بكل ممكن، نحن -أيها الإخوة –ممكنو الوجود كان من الممكن أن نُوجد ومن الممكن ألا نوجد، وكان من الممكن أن نوجد على الحالة التي نحن عليها أو على حالة أخرى؛ لأن وجودنا ممكن، لكن الله تعالى واجب الوجود، لذلك فإرادته-جلّ جلاله-مطلقة (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ) ولماذا لا ينتصر منهم؟ (وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) لأننا في دار امتحان لا في دار الجزاء، ولأن الآخرة هي دار الجزاء، نحن في دار عمل، نحن في دار بُنيت على الابتلاء.

ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ(2)
(سورة الملك)

(وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) هذه سنة الله في الحياة، فإن قال قائل: ولكن الفاتورة باهظة الثمن، ولكن الشهداء كُثر-نحسبهم عند الله شهداء-، لكن من قضوا في هذه المعركة -معركة الابتلاء-كثيرون، شيء يدمي القلب، تأتي تتمة الآية (وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ)

سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ(5) وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(6)
(سورة محمد)

فما أعظمه من فوز! وما أعظمها من بشارة تطمئن بها النفوس! أُعيد الآية: (ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ*سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ*وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ).

فهم حكمة الله تعالى في الأرض:
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين
أيها الإخوة الكرام؛ لن تستطيع _والآن الكلام مهم جداً- لن تستطيع أن تفهم حكمة الله فيما يجري في الأرض إلا أن يكون لك علم كعلمه وهذا مستحيل، أنت تدخل إلى الطبيب والطبيب يأمرك بحمية غذائية وبأنواع من الأدوية وبشيء من الرياضة وبشكل من الراحة، يضع لك خطة علاجية ربما لا تستطيع أن تفهم حكمته، أنت تنظر إلى تخطيط القلب وأنا أنظر إليه على أنه خط متعرج فقط، لكن هو نظر إليه نظرة علم مختلفة، فحكمة الطبيب مبنية على علم، ولله المثل الأعلى، كيف تستطيع أن تفهم حكمة الله وأنت لا تملك ذرة واحدة من علمه - جلّ جلاله-؟! لذلك-أيها الإخوة-ليس للمسلم إلا أن يستسلم، ما معنى الإسلام؟ أن تستسلم لله تعالى، أن ترضى، أن ترضى حتى بمكروه القضاء، والرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين، اليقين بالله تعالى، لذلك -أيها الأحباب-حكمة الله مرتبطة بعلم الله ولن تستطيع أن تفهم حكمته إلا إن كان لك علم كعلمه وهذا مستحيل.
أيها الإخوة؛ شيء آخر في الإجابة عن السؤال الأول: ماذا أخذت الدنيا من الآخرة؟ لم تأخذ إلا كما يأخذ المخيط إذا غمس في مياه البحر فلينظر بم يرجع، اذهب إلى البحر وخذ إبرة وضعها في البحر وانزعها، كم تنزع الإبرة من البحر؟ هذه الدنيا، والبحر هو الآخرة، فإذا عانى الإنسان ما عانى في دنيا محدودة ثم لقي الله تعالى وهو عنه راضٍ فماذا فاته؟! وإذا استمتع بمباهج الدنيا ما استمتع، ثم لقي الله -عزّ وجلّ-نسأل الله السلامة، وهو عنه ساخط فما الذي كسبه؟! كما في الحديث الصحيح، المؤمن يوم القيامة إذا دخل الجنة يقول:

{ يُؤْتَى بأَنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيا مِن أهْلِ النَّارِ يَومَ القِيامَةِ، فيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقالُ: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ويُؤْتَى بأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا في الدُّنْيا مِن أهْلِ الجَنَّةِ، فيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فيُقالُ له: يا ابْنَ آدَمَ، هلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هلْ مَرَّ بكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فيَقولُ: لا واللَّهِ يا رَبِّ، ما مَرَّ بي بُؤْسٌ قَطُّ، ولا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ. }

(أخرجه مسلم عن أنس بن مالك)

كل الشرور تذهب في ثانية واحدة عند رؤية نعيم الجنة، والكافر الطاغية المجرم إذا دخل النار للفحة واحدة يقول: لم أرَ خيراً قط، لم يرَ عزاً، ولا جبروتاً، ولا قوة، ولا مالاً، ولا مزرعة، ولا سيارة، لم يرَ شيئاً قط بلحظة واحدة، فماذا أخذت الدنيا من الآخرة؟ نحن عندما نقارن -أيها الإخوة-الدنيا بالدنيا فالنتيجة لن تكون صحيحة والمُؤدى لن يكون صحيحاً، لكن إن قارنت فقارن الدنيا مع الآخرة فتهون أمامك الدنيا وتصغر أمام ما أعدّ الله-عزّ وجلّ-في الآخرة لعباده الصالحين:

{ قالَ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ }

(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة )


قصة ابن الجوزي مع نفسه:
أيها الإخوة الأحباب؛ ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) له قصة جميلة مع نفسه توضح المقصود أكثر فأكثر، يقول ابن الجوزي: "نزلت بي شدة، وأكثرت من الدعاء أطلب الفرج والراحة، وتأخرت الإجابة، فانزعجت النفس وقلقت، فصحت بها-تكلم مع نفسه-: ويلكِ تأملي أمركِ أمملوكة أنتِ أم حرّة مالكة؟ أمدبِّرة أنت أم مدبَّرة؟ أما علمتِ أن الدنيا دار اختبار فإذا طلبتِ أغراضكِ ولم تصبري على ما ينافي مرادكِ فأين الابتلاء؟ وهل الابتلاء إلا الإعراض وعكس المقاصد!!-نحن ألا نقول في القرآن الكريم-

ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ(156)
(سورة البقرة)

الله هو الذي يدبر الأمر
فنحن مالكون أم مملوكون؟ نحن مملوكون، نحن مدبِّرون أم مدبَّرون؟ نحن مدبَّرون لا ندبر شيئاً الله هو الذي يدبر الأمر-جل جلاله-فنحن في ابتلاء، قال-يخاطب نفسه-: فافهمي معنى التكليف وقد هان عليكِ ما عزَّ، وسهُل عليكِ ما استُصعب، فلما تدبرت ما قلته سكنت بعض السكون-سكنت نفسه قليلاً، قال: فقلت لها: وعندي جواب ثانٍ، وهو أنكِ تقتضين الحق -جل جلاله –بأغراضكِ- أنت تريد أغراضك من الله يعني تسأل الله أن يعطيك ما تريد-قال: ولا تقتضين نفسكِ بالواجب له وهذا عين الجهل- ينبغي أن تقتضي نفسك بطاعته ورضاه قبل أن تقتضي نفسك وتريد منه -جل جلاله – أن يجيبك-، وإنما كان ينبغي أن يكون الأمر بالعكس، لأنك مملوكة، والمملوك العاقل يطالب نفسه بأداء حق المالك ولا يطالب المالك بأداء حقه –أنت تؤدي الذي عليك ثم الله-عزّ وجلّ- يتفضل عليك بعد أن تدعوه،-أيها الأخوة الكرام- فسكنت النفس بعض السكون، فقلت لها: وعندي جواب ثالث، وهو أنك قد استبطأتِ الإجابة-وجدتها بطيئة- ، وأنت سددتِ طرقها بالمعاصي ألم تسمعي قوله تعالى:

وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2)
(سورة الطلاق)

قال: فاطمأنت بعض الاطمئنان، فقلت لها وعندي جواب رابع، وهو أنك تطلبين ما لا تعلمين عاقبته، وربما يكون فيه ضررك-الإنسان أحياناً يدعو بالشر دعاءه بالخير، يظن أن مصلحته في شيء، والله -عزّ و جلّ-يعلم أن مصلحته في مكان آخر، قال: كمثل طفل محموم –مصاب بالحمى-يطلب الحلوى-فيمنعه أهله، والمدبر لكِ-عزّ و جلّ-أعلم بالمصالح.

وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
(سورة البقرة)

قال: فاطمأنت قليلاً، فقلت لها: وعندي جواب أخير خامس وهو أن هذا المطلوب-الذي تطلبينه أيها النفس-قد ينقص من أجرك ويحط من مرتبتك عند الله فمنع الله لك قد يكون عين العطاء، -قد يمنعك الله وهو يعطيك وأنت لا تدري، يمنعك من شيء فتصبر فيرفع مرتبتك عنده، فهذا عطاء أم منع؟ هو عطاء لكنه جاء بصيغة المنع، يظن الإنسان أن الله يمنعه وهو يعطيه من السكينة والأجر ورفع المرتبة عنده في الجنان ما لا يحسبه ولا يخطر له على بال، قال: فقالت النفس: لقد سرحتُ في رحاب ما شرحتَ، فهمت ما قلته، فهمت " أي فهمت من هام يهيم في محبة الله تعالى.

إجابة السؤال الثاني:
أيهاالإخوة الكرام؛ هذا الجواب للسؤال الأول، وأما السؤال الثاني فمهم أيضاً، ماذا نفعل أمام هذه المأساة؟
أيها الأخ المسلم، ألا يقتضي انتماؤك لهذه الأمة التي حينما استجابت لربها كانت خير أمة أخرجت للناس، والتي حينما قصرت في أداء مهمتها قال تعالى فيها:

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)
(سورة مريم)

الترف مذموم
ألا يقتضي انتماؤك لهذه الأمة التي لا يُدرى الخير في أولها أم في آخرها أن تشارك إخوانك المستضعفين مُصابهم في كل بقاع الأرض؟ فتلغي كل أنواع البذخ والترف فالترف مذموم والمسلمون في أحسن أحوالهم، فكيف وهم يعانون ما يعانون في شتى أقطارهم وأمصارهم، إن هذه الحفلات التي تُقام في ردهات الفنادق وفي أبهاء المطاعم، والتي تُبذل فيها الملايين والألوف المؤلفة، ينبغي أن تحول أموالها إلى من هُدمت بيوتهم وقُتل رجالهم ونساؤهم وأطفالهم وشيوخهم، وهم في العراء لا يجدون مأوى ولا طعام، ألم تسمع قوله–صلى الله عليه وسلم-:

{ مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى }

(أخرجه البخاري ومسلم واللفظ له عن النعمان بن بشير )

ثم أيها الإخوة؛ هناك باب آخر في وسع كل منا أن يفعله لا يُعفى منه إنسان هو باب التضرع إلى الله والالتجاء إليه والتذلل على أعتابه، عن أبي هريرة-رضي الله عنه-قال: قال –صلى الله عليه وسلم-:

{ يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟ }

(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة )

ألا تملك أيها المسلم أن تتوب إلى الله توبة نصوحة؟ من لا يستطيع ذلك؟! ثم تدعو الله -عزّ و جلّ-في صلاتك وبعد صلاتك وفي ثلث الليل الآخر وتتحين أوقات الإجابة، تدعو الله تعالى أن يفرّج عن إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم، وأن يرفع البلاء والغمة عنهم، وأن ينتقم من أعدائهم أعداء الحق والخير والإنسانية الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصُب عليهم يا ربنا من عندك سوط عذاب إنك لهم لبالمرصاد.

الخطبة الثانية:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، أستغفر الله.

الدعاء:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك عُمّنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا.
يا ربي، قد عم الفساد فنجنا، قلَّت حيلة فتولنا، ارفع مقتك وغضبك عنا، لا تعاملنا بما فعل السفهاء منا، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في الغوطة، اللهم فرّج عنهم ما أهمهم وما أغمهم، اللهم بفضلك ورحمتك اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، اللهم أنزل السكينة على قلوبهم، اللهم أنزل عليهم من السكينة والصبر أضعاف
ما نزل بهم من البلاء، أنت وليهم ولا ولي لهم سواك، اللهم برحمتك عُمّنا ولا تجعل اللهم الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، اللهم فرّج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها ما أهمهم وما أغمهم، اللهم أطعم جائعهم و اكسُ عريانهم، و ارحم مصابهم و آوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين.
اللهم برحمتك يا أرحم الراحمين اجعل هذا البلد آمناً سخيّاً رخيّاً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.