• 2018-02-09
  • الأردن
  • مسجد التقوى

الابتلاء


الخطبة الأولى:
يا ربنا لك الحمد ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غنى كل فقير، وعز كل ذليل، وقوة كل ضعيف، ومفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟ وكيف نضل في هداك؟ وكيف نذل في عزك؟ وكيف نضام في سلطانك؟ وكيف نخشى غيرك والأمر كله إليك؟
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً.

الابتلاء سنة الله في الحياة:
الحياة مبنية على الابتلاء
وبعد فيا أيها الأخوة الكرام؛ لقد خلق الله الإنسان، وخلق الحياة، وخلق الموت، واقتضت حكمته جل جلاله أن تبنى الحياةُ على الابتلاء، بمعنى أنه لا يستحق أهل الجنةِ الجنة إلا بالابتلاء وبالامتحان، ولا يستحق أهل النارِ النار إلا بالابتلاء والامتحان، فالابتلاء ليس قضية تكون أو لا تكون، لكنه قضية لا بد أن تكون، لأن الحياة مبنية على الابتلاء، فإن لم يكن هناك ابتلاء فليس هناك حياة، نظام الحياة مبني على أن يبتلى الإنسان.
سُئل الإمام الشافعي رضي الله عنه: أندعُو الله عز وجل بالتمكين أم بالابتلاء؟ قال: لن تمكن قبل أن تبتلى، ادعُ بما شئت، التمكين يأتي بعد الابتلاء.
فلذلك أيها الأخوة الكرام؛ لا يمكن للإنسان أن يتخيل أن تمضي الحياة الدنيا فيه دون أن يتعرض لامتحانات متكررة، ربما في كل يوم، ربما في كل ساعة، لا بدَّ من أن يبتلى الإنسان.
والابتلاءات أيها الإخوة ليست نوعاً واحداً، فالامتحانات في الحياة كثيرة، فالصحيح مبتلى بصحته، والسقيم مبتلى بسقمه، والغني مبتلى بغناه، والفقير مبتلى بفقره، والقوي مبتلى بقوته، والضعيف مبتلى بضعفه، لا بدَّ من الابتلاءات، وقد تتنوع الابتلاءات إلى أن نصل إلى مرحلة يجد فيها الإنسان أهل الباطل وقد انتفشوا، وقد أصبحت لهم قوة وشوكة، وأهل الحق قد ضعفوا، وأصبحوا يعانون العذاب في مشارق الأرض ومغاربها فما ينجح في هذا الابتلاء إلا المؤمن الذي يرى وعد الله حقاً، إلا المؤمن الذي لا تثنيه سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة عن دينه.
اليوم أيها الإخوة؛ بتنا نسمع بعضاً من الناس قد أنستهم المتغيرات ثوابت دينهم، فالنصر والهزيمة من المتغيرات، لكنهم يتابعون على الشاشة الصغيرة أناساً لا حول لهم ولا قوة يسامون العذاب من أهل الباطل، وهم ينتفشون بقوتهم وغرورهم، فيقول ضعاف الإيمان: أين الله؟ لكن الله عز وجل سيظهر آياته، ويحقُّ الحقَّ بكلماته، ويبطل الباطل حتى يقول الملحدون: لا إله إلا الله، هذه سنة الله في الحياة، الابتلاء.
أيها الإخوة الكرام:

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
[ سورة المؤمنين]

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
[ سورة الملك]

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)
[ سورة الأنبياء]


قصة تمثل حقيقة الابتلاء:
ومن أنواع الابتلاءات أيها الأخوة؛ الابتلاء بالفقر، قال تعالى:

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
[ سورة البقرة]

الفقير مبتلى والغني مبتلى
كثير من الناس إذا رأوا الفقير في فقره يقولون: هذا مبتلى، لكن قلة منهم إذا رأوا غنياً في غناه يقولون: هذا مبتلى، والحقيقة أن الفقير مبتلى، والغني مبتلى، وقد ينجح الفقير في امتحان الفقر، ويرسب الغني في امتحان الغنى، فيفوز الفقير، ويخسر الغني، وقد يكون العكس.
لذلك أيها الأخوة، يروي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة من بني إسرائيل كما في الصحيح، أبرص، وأقرع، وأعمى، الأبرص مرض في الجلد، الأقرع مرض في الشعر، والأعمى مرض في العين، قال: أراد الله عز وجل أن يبتليهم ابتلاءً شديداً، أو كانوا مبتلين، كل في امتحانه، لكن أراد الله عز وجل أن يغير نوع الامتحان، فماذا فعل؟
قال: فأرسل إلى كل واحد منهم ملكاً، فجاء الملك إلى الأول، الأبرص، قال له: أي شيء أحب إليك؟ ماذا تحب؟ ماذا تريد؟ قال: جلد حسن، أريد جلداً حسناً ويذهب عني هذا الأذى، قد قذرني الناس، قال: فمسحه، فأعطي جلداً حسناً.

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
[ سورة البقرة]

بقدرة الله، قال: فأي المال أحب إليك؟ هو فقير، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل، قال: فأعطي ناقة عشراء، أي ناقة تنتج إبلاً كثيرة، ثم قال له: بارك الله لك في مالك.
انصرف إلى الأقرع، قال له: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن، ويذهب عني ما بي قال: فمسحه فأعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر، فأعطي بقرة حاملاً، وقال له: بارك الله لك في مالك.
ثم ذهب إلى الأعمى، وما أهون عمى البصر أمام عمى البصيرة، فكم من أعمى في بصره لكنه مبصر في قلبه فائز برضوان ربه؟! قال له: أي شيء أحب إليك؟ قال: بصر أرى به الناس، قال: فمسحه فأصبح بصيراً، فقال: أي المال أحب إليك؟ قال: الغنم، فأعطي غنماً والدة تلد له، وقال: ليبارك الله لك في مالك.
الآن إخواننا الكرام؛ تحول امتحان هؤلاء الثلاثة من امتحان الفقر والمرض إلى امتحان الغنى والصحة، اختلفت المادة فقط، الامتحان، لكن كانت مادة الامتحان فقراً زائداً، مرضاً، أصبحت مالاً زائداً وصحة فقط، قال: كان لهذا واد من الإبل، وهذا واد من البقر، والثالث واد من الغنم، أصبحوا أغنياء.
بعد حين بعث الله عز وجل هذا الملك، لكن الآن سوف يأتي بصورة رجل أبرص للأول، جاءه على أنه رجل أبرص مريض عنده مرض في الجلد، قال له - قال لهذا الرجل الذي كان أبرص -: رجل تقطعت به السبل، أنا عابر سبيل، لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك هذا الجلد الحسن ناقة واحدة، وعنده واد، أتبلغ فيها في سفري، قال له: الحقوق كثيرة، أي السوق صعب، يوجد التزامات كثيرة، لا أستطيع أن أعطيك، قال له: ناقة واحدة، قال له: قلت لك الحقوق كثيرة، قال له: كأني أعرفك! قال: ألم تكن أبرص يقذرك الناس، وفقيراً فأغناك الله من فضله؟ قال: لا، إنما ورثته كابراً عن كابر، هذا جهد أبي عن جدي، هذا عملي، قال له: إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت إليه.
ثم انطلق إلى الرجل الأقرع، فقال له مثل ما قال للأول، فأجابه بمثل ما أجابه الأول، قال: صيرك الله إلى ما كنت إليه إن كنت كاذباً.
ثم جاء إلى الأعمى قال له: رجل تقطعت به السبل، لا سبيل ولا بلاغ لي إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك بصراً تبصر به الناس غنمةً أتبلغ بها في سفري، قال: والله لقد كنت أعمى فردّ الله إليّ بصري، وكنت فقيراً فأغناني الله من فضله، فخذ ما شئت والله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله، قال له: أمسك عليك مالك، إنما ابتلاك الله فرضي الله عنك وسخط على صاحبيك.
هذه القصة أيها الأخوة تمثل حقيقة الابتلاء، مادة الابتلاء غنى وفقر، فكانوا ربما في امتحان الفقر قد نجحوا، وفي امتحان الغنى رسبوا.

عطاء الله ليس إكراماً وحرمانه ليس إهانة:
أيها الأخوة الكرام؛

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
[ سورة الفجر]

يظن أن هذا إكرام، رب يحبني ويعطيني.

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
[ سورة الفجر]

قتر عليه في ماله (فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ).

كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
[ سورة الفجر]

ما معنى كلا هنا؟ لا يا عبادي، ليس عطائي إكراماً، ولا منعي إهانة، أنا لا أمنع لأهينك، ولا أعطيك لأكرمك، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، أنا أعطيك لأمتحنك، وأمنع عنك لأمتحنك، فإما أن تنجح، وإما أن تخسر الامتحان.

اليد العليا خير من اليد السفلى:
أيها الإخوة الكرام؛ لكن هل يدعو الإسلام إلى الفقر؟ الجواب: لا، أبداً الإسلام لا يدعو الإنسان إلى أن يكون فقيراً.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلّ خير، احرِصْ على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزْ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل، فإن ' لو ' تفتحُ عَمَلَ الشيطان }

[ أخرجه مسلم ]

الإسلام لا يدعو إلى الفقر
بل يدعه ليكسب، ويعمل، وينتج، ويحصل مالاً، وينفق منه، ويفيض على حاجته، ويعطي منه للفقراء والمساكين، هذه دعوة الإسلام، فالإسلام لا يدعو إلى الفقر.
لكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لو كان الفقر رجلاً لقتلته، لأن الفقر إرهاب كما يسمونه بمصطلحات اليوم، ولأن الفقر حينما تجتمع الأموال بأيدٍ قليلة، وتحرم منه الكثرة الكثيرة يؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه في المجتمع، وفي الحياة، لكن الإسلام ينهى عن الترف، الترف وليس الغنى، الغنى مطلوب، لكن الترف مذموم، والغنى أحد أسباب الترف، فما كل غني بمترف، لكن الترف إسراف في المال، لكن الترف تعالٍ على عباد الله، لكن الترف أن ينسى المنعم وينشغل بالنعمة، لكن الترف أن يمنع حق الله في ماله، لكن ما أتى الترف في القرآن إلا مذموماً دائماً، الذين أترفوا في الحياة ذمهم الله تعالى، أما الغنى فمطلوب وأنعم في المال عندما يكون في خدمة الأمة، وفي خدمة الناس، والفقراء، والمساكين.
أيها الإخوة الكرام؛ عمر رضي الله عنه عملاق الإسلام، قال لوال من ولاته: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب؟ إنسان سرق، قال: أقطع يده، حدٌّ من حدود الله، قال: وإن جاءني من رعيتك من هو عاطل أو جائع فسأقطع يدك، إن الله قد استخلفنا عن خلقه لنسد جوعتهم، ونؤمن لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإن لم تجد في الطاعة عملاً، التمست في المعصية أعمالاً، اشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية.

الاستعاذة من فتن الدنيا:
لذلك أيها الإخوة الكرام؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من شر فتنة الغنى وفتنة الفقر، ففي الصحيح: اللهم إني أعوذ بك من شر فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر، كلاهما فتنة، أيضاً في الحديث الصحيح:

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اللَّهمَّ إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَنِ، وأعوذُ بك من العجْزِ والكَسَلِ، وأَعوذُ بك من البخْلِ والجُبْنِ، وأعوذ بك من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهرِ الرجال، فقلت ذلك، فأَذهَبَ الله همِّي، وقضى عني دَينْي }

[أخرجه أبو داود ]

همّ يركب الإنسان، تصبح حياته جحيماً، والحزن، والحزن دائماً منهي عنه في القرآن، حتى في الغار قال:

{ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) }

[ سورة التوبة]

(أعوذ بك من الهَمِّ والحَزَنِ، وأعوذُ بك من العجْزِ والكَسَلِ، وأَعوذُ بك من البخْلِ والجُبْنِ، وأعوذ بك من غَلَبَةِ الدَّيْنِ وقَهرِ الرجال) غلبة الدين؛ أن تركب الإنسان ديوناً لا يطيق سدادها، فاستعاذ النبي من ذلك.
(وقَهرِ الرجال) ولعلكم ترون اليوم في أرض الشام، في غوطة الشام، في شمال سوريا، في بلاد كثيرة (قَهرِ الرجال) والعياذ بالله.
نسأل الله أن يثبتهم، وأن يجعل امتحاننا يسيراً سهلاً، لأن الامتحان الصعب قلما ننجو منه.

ضرورة معالجة مشكلة الفقر:
أيها الأخوة الكرام؛ وحتى يعالج الإنسان مشكلة الفقر في المجتمعات حث على العمل والإنتاج، قال تعالى:

هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)
[ سورة الملك]

لا بد من الإرسال إلى الفقير
وجميعكم تعلمون حديث الرجل الذي جاء يتسول فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يحتطب فيبيع، فيكسب، خير ما يكسب المرء من عمل يده، لكن ليس هذا كافياً وحده، لا بد من أن يرسل إلى الفقير.

{ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءَ رجل على رَاحِلَة له، قال: فجعل يَصْرِفُ بصره يمينا وشمالا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضلُ ظهر فلْيَعدُ به على من لا ظهر له ومن كان له فضل من زاد فليَعُد به على من لا زاد له، وذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حَقَّ لأحد منا في فضل }

[أخرجه مسلم وأبو داود]

{ عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الأشعريِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، وقَلَّ طَعَامُ عِيالهم بالمدينة: جَمَعُوا ما كان عندهم في ثَوْب واحد، ثم اقْتَسَمُوا بينهم في إناء واحد بالسَّويَّةِ، فهم مِنِّي وأنا مِنْهُم }

[أخرجه البخاري ومسلم]

يقول صلى الله عليه وسلم: (فهم مِنِّي وأنا مِنْهُم) أن تتقاسم لقمة عيشك مع أخيك.

{ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به }

[أخرجه الطبراني، والبزار]

ويتركه جائع، وينام هو شبعان.
أيها الإخوة الكرام؛ أيضاً لابد لأولي الأمر أن يأخذوا دورهم في معالجة مشكلة الفقر، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم:

{ اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئا، فَشَقَّ عليهم، فَاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ منْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئا فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُق بهِ }

[أخرجه مسلم]

شيئاً، أي لا تقل هذا شيء عظيم لا يعنيني، إذا ولاك الله شيئاً، مسألة صغيرة، بيتك، الأكبر، الأكبر، الأكبر، الوزارة، رئاسة الوزراء، إلى آخره (ومَنْ وَلِيَ منْ أَمْرِ أُمَّتي شَيْئا فَرَفَقَ بِهِم، فَارفُق بهِ) يدعو له صلى الله عليه وسلم.
والعياذ بالله: (مَنْ وَلِيَ من أمْر أُمَّتي شَيْئا فَشَقَّ عليهم فَاشْقُقْ عليه).

الزكاة ومعالجة الفقر:
الزكاة أعظم وسيلة لمعالجة الفقر
أخيراً معنا تجار، والتجار يمكن أن يبنوا منزلة عالية عظيمة بأموالهم، وما جعل الله الغنيَّ غنياً إلا ليصل إلى أعلى الجنان بغناه، لذلك أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، كسب طيب، لكن أي تاجر مسؤول في المجتمع أن يعين، وأن يشغل، وأن ينهض بالمجتمع.
والزكاة أيها الأخوة؛ أعظم وسيلة سنها الإسلام لمعالجة الفقر.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.

الدعاء:
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات، اللهم برحمتك عُمنا، وقنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه اللهم لكل خير، ومن أراد بهم غير ذلك فاشغله بنفسه يا أرحم الراحمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمراً رشداً، يعز به أهل طاعتك، ويهدى به أهل معصيتك، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم فرج عن أخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم فرج عنهم ما أهمهم، وما أغمهم يا أرحم الراحمين.
اللهم فرج عن أخواننا في الشام، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآو غريبهم، واجعل لنا في ذلك كله عملاً متقبلاً وعملاً صالحاً يا أرحم الراحمين، اللهم انصر أخواننا المرابطين في المسجد الأقصى على أعدائك وأعدائهم يا أكرم الأكرمين.
اللهم انصرنا على أنفسنا، وعلى شهواتنا، حتى ننتصر لك فنستحق أن تنصرنا على أعدائنا، اجعل اللهم هذا البلد آمناً، سخياً، رخياً، مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين.
وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.
والحمد لله رب العالمين