إصلاح الفرد والمجتمع

  • 2018-01-19
  • الأردن
  • مسجد الناصر صلاح الدين

إصلاح الفرد والمجتمع


الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعين به، ونستهديه، ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومن يُضلِل فلن تجد له ولياً مُرشداً، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد الخلق والبشر ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد فيا أيها الإخوة الكرام، كلمةٌ تتوق لها النفوس السليمة، ويرجوها أصحاب العقول الراجحة، ويتمناها أصحاب الفِطَر السليمة، الإصلاح، ومَن منا لا يحب الإصلاح؟ إن الله يحب المصلحين، قال تعالى:

وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ (170)
(سورة الأعراف)

ولا يقف بوجه الإصلاح إلا المفسدون والمنتفعون، قال تعالى:

وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ۚ وَقَالَ مُوسَىٰ لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)
(سورة الأعراف)


الله لايحب المفسدين:
المفسدون لا يحبهم الله تعالى:

وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)
(سورة القصص)

بل إنّ الله لا يصلح عمل المفسدين، وهذا قانون، قال تعالى:

فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ(81)

مهما رأيت من مفسدٍ قد امتدّ، ومهما رأيت من مفسدٍ قد تجاوز حدوده، فتذكر قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) فنتيجته إلى بَوارٍ وهلاك.

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)
(سورة القصص)

فالإفساد أيها الإخوة مصيره إلى الهلاك، والإصلاح مصيره إلى الرفعة والعزة في الدنيا والآخرة.

إصلاح الفرد أولاً:
والإصلاح أيها الإخوة يكون للفرد، ويكون للمجتمع، فكيف يكون إصلاح الفرد أولاً؟ لأن الإصلاح لا يمكن أن ينتشر إلا إذا بدأ كل فرد بنفسه:

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (11)
(سورة الرعد)

إصلاح الفرد أيها الإخوة يكون عندما تصلح علاقته بربه، وتصلح علاقته بالناس من حوله، قال تعالى:

الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)
(سورة الحج)

إصلاح علاقة الإنسان بالناس من حوله
فدائماً هناك ارتباط بين إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، لماذا؟ لأن إقامة الصلاة هي إصلاح علاقة الفرد بربه، لأن الصلاة صلة بالله تعالى، أما إيتاء الزكاة فهو إحسان، والإحسان هو إصلاح علاقة الإنسان بالناس من حوله، فلا تصلح حالة الفرد في مجتمعه إلا إن أصلح علاقته بربه صلة مستمرة يخاف الله، يرجوه، يحبه، يخشى عذابه، يرجو رحمته، ثم لا تصلح علاقته بالآخرين إلا بالإحسان، لذلك في آيات كثيرة:

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
(سورة المائدة)

أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2)
(سورة الكوثر)

إحساناً إلى المخلوقين، هذه علامة إصلاح الفرد، النبي صلى الله عليه وسلم كان إمام المصلحين، أصلح الدنيا كلها يوم أن صلحت علاقته بربه، كان يمضي ليله صلى الله عليه وسلم بإصلاح علاقته بالله، ويمضي نهاره بإصلاح علاقته بالخلق، وبعد 23 سنة أصلح الأمة بأسرها، كانت تتقاتل فيما بينها لأتفه الأسباب، وتسفك الدماء، فصارت تخشى الله في أن تقتل هرة ظلماً وعدواناً، في 23 سنة، السيدة عائشة رضي الله عنها تروي حال رسول الله في إصلاح نفسه، لمّا رأته يقوم الليل حتى تتورَّم قدماه، تعجّبت وقالت: يارسول الله تقوم الليل وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!

{ كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا صَلَّى قَامَ حتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قالَتْ عَائِشَةُ: يا رَسولَ اللهِ، أَتَصْنَعُ هذا، وَقَدْ غُفِرَ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، فَقالَ: يا عَائِشَةُ أَفلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا. }

(صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين)

مم تستغفر؟ لمَ تقوم الليل؟ (فَقالَ: يا عَائِشَةُ أَفلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) لا بد أن أصلح علاقتي بربي.

التوبة والإصلاح:
التوبة باب من أبواب الإصلاح
أيها الإخوة الكرام، بل إن باب التوبة هو باب من أبواب الإصلاح، لأن الإنسان قد تفسد علاقته بربه يوماً، أو بمن حوله يوماً آخر، فهل انتهى المطاف؟ وهل يمشي في طريق الإفساد والمفسدين؟ الجواب: لا، باب التوبة مفتوح على مصراعيه، قال تعالى:

وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (54)
(سورة الأنعام)

تاب وأصلح.

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)
(سورة النساء)

توبة يرافقها الإصلاح، إصلاح الماضي بالندم، وإصلاح الحاضر بردّ الحقوق إلى أصحابها إن وُجِدت، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم العودة إلى المعصية، فديننا دين الإصلاح.
أيها الإخوة الكرام، أما إصلاح الفرد بعلاقته مع الآخرين، فتبدأ بإصلاح علاقته مع الأرحام، مع زوجته:

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)
(سورة النساء)

{ ألا أُخبِرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى . قال : صلاحُ ذاتِ البَيْنِ ، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالقةُ }

(سنن الترمذي عن أبي الدرداء)

وفي رواية: لا أقول حالقة الشعر ولكن حالقة الدين.
أن يفسد ذات البين، بين الأب وابنه، وبين البنت وأبيها وأمها، وبين الزوج وزوجه، وبين الأخ وأخيه، وبين رب العمل والموظفين من دونه، وإلى آخر علاقات ذات البين، بيني وبينك لا بد أن نصلح هذه العلاقة، وأساس إصلاحها الإحسان:

وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
(سورة فصلت)

أيها الإخوة الكرام، هذا صلاح الفرد، يصلح علاقته بربه معرفة واتصالاً وصلة بالله عز وجل، الصلاة أعظم علاقة بين العبد وربه، ثم يصلح علاقته بمجتمعه، وأرحامه من خلال الإحسان، يعطي مما أعطاه الله، فكيف تصلح الأمة؟

إصلاح المجتمع:
البند الثاني: إصلاح المجتمع، الأمة، الدولة، كيف تصلح؟ صلاح الأمة لايكون إلا برفع الظلم والمظالم، الفرد يصلح وينجو أمام الله، لكن أن تُصلح أمة فلا بد من رفع الظلم، ونبدأ بالظلم الداخلي، فالأخ الذي أخذ ميراث أخته لا بد أن يردّه، والأب الذي ظلم ابنه أو ابنته فحرمها من الميراث لابد أن يعيده قبل أن يفوت الأوان، كل ظلم داخلي نبدأ به، ثم ننتقل إلى الظلم الأوسع فالأوسع، حتى ينتشر العدل فيصلح المجتمع، فالمجتمع لا يصلح إلا بالعدل.
أيها الإخوة الكرام، حينما تمسّك المسلمون بالمبادئ والقِيم، وتركوا الأشخاص والأشياء، لأن الأمة دائماً تمر بثلاثة عصور: عصرٌ هو عصر المبادئ:

{ مَن كانَ مِنكُم يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ مَاتَ، ومَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ، فإنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَمُوتُ. }

(صحيح البخاري عن عبد الله بن العباس)

هكذا قال أحب رجل إلى رسول الله أبو بكر رضي الله عنه، هكذا قال لهم لأنه عصر مبادئ وقيم:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)
(سورة آل عمران)

هذا عصر مبادئ، يعيش الناس للإسلام، للمبادئ والقيم.
ثم يأتي عصر هو عصر الأشخاص، فيتمسك الناس بالشخص، فيحسنون إنْ أحسن، ويسيؤون إن أساء.
لا تصلح الأمة إلا بالتمسك بالمبادئ
ثم يأتي عصر هو عصر الأشياء، فقيمة الفرد يستمدها من مركبته الفارهة التي يركبها، بل ربما استمدها من رقم مركبته، فإذا كان رقماً بسيطاً يُباع بالملايين، هذا عصر الأشياء، لكن نحن في أمة الإسلام عصر مبادئ، عصر قيم، لا عصر أشخاص، ولا عصر أشياء، لذلك أيها الإخوة لا تصلح الأمة إلا بالتمسك بالمبادئ، عن عائشة رضي الله عنها:

{ أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّتْهُمُ المَرْأَةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: مَن يُكَلِّمُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيها حتى لا يقام عليه الحد، فقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يكلمه، يحبه رسول الله فَكَلَّمَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، صعد المنبر من أجل هذه الحادثة، لأنه أمر جلل، لأن الأمة تتمسك بالأشخاص وتتخلى عن المبادئ، وقال للناس قَالَ: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّما ضَلَّ مَن قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ، الغني، صاحب المنصب، تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فيهم أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ، لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا. }

(صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين)

بأبي هو وأمي ما أصدقه، هي لا تسرق فاطمة، ولكنه افترض لو أنها سرقت لكان قطع يدها حقاً، لأنه صلى الله عليه وسلم يعيش للإسلام، ولمبادئ الإسلام، ولقيم الإسلام، ولا يعيش للأشخاص كائناً من كانوا.
أيها الإخوة الكرام، إصلاح الفرد يكون بإصلاح علاقته بربه أولاً، وإصلاح علاقته بالناس إحساناً ثانياً.
وإصلاح المجتمع يكون برفع الظلم والمظالم فيما بيننا، ثم بنشر العدل والإحسان وعصر المبادئ والقيم، لا عصر الأشخاص والأشياء.

ركائز الإصلاح:
ختاماً: آية كريمة في كتاب الله تلخص منهج الإصلاح في كلمات، عجيب أمر هذه الآية، قال تعالى:

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ(88)
( سورة هود)

ما منهج الإصلاح في هذه الآية؟
أولاً: وضوح المنهج مستنداً إلى وحي السماء (إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ) أي منهج واضح (مِّن رَّبِّي) فالإصلاح ينبغي أن يستند إلى منهج خالق السماء والأرض جل جلاله (أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي) وضوح المنهج مستنداً إلى وحي السماء أولاً.
كن قدوة لأولادك
ثانياً: المصلحون قدوة لمن حولهم: إذا أردت أن تصلح في بيتك كن قدوة لأولادك، في مجتمعك كن قدوة للناس (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) يعني أنا لا آمركم بأمر ثم عندما تغيبون عن ناظريّ أخالفكم أذهب بعيداً عنكم ثم آتي الذي نهيتكم عنه، فأقول لكم: لا تسرقوا وأسرق! قال علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: لقد عففت فعفّوا ولو رتعت لرتعوا، ، لمّا رأى الفتوحات ورأى ما رأى من الغنائم، عجب لأمانتهم، قال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، قال له: والله يا أمير المؤمنين لقد عففت فعفّوا، ولو رتعت لرتعوا، فالمصلح قدوة في بيته، ومع أولاده، ومع أسرته ومع مجتمعه
الأمر الثالث: الإرادة الصادقة في الإصلاح (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ) لذلك في كتاب الله لا تجد الإصلاح إلا مقروناً بالإرادة (إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا).

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
(سورة البقرة)

فلا بد من الإرادة الصادقة في تحقيق الإصلاح.
الأمر الرابع: بذل الوُسع والجهد كاملاً (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) يعني سأبذل كل استطاعتي لتحقيق هذا الأمر، وتحقيق الإصلاح.
الأمر الأخير: أن يكون التوكل على الله تعالى دائماً رائدنا ونحن نصلح في أسرنا ومجتمعاتنا، لا تقللوا من شأن التوكل (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أي أرجع، فالرجوع إلى الله في كل مسألة، والتوكل عليه، وجعل التوفيق لا يكون إلا به عقيدة وعملاً، هذا أيها الإخوة الكرام خامس ركائز الإصلاح.
إذاً: وضوح المنهج:(بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي).
المصلحون قدوة لمن حولهم: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ).
الإرادة الصادقة: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ).
استنفاد الجهد: (مَا اسْتَطَعْتُ).
أخيراً التوكل على الله والإنابة إليه: (وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

الخطبة الثانية:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبو، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطّى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكَيِّسُ من دان نفسَه وعَمِلَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ من أَتْبَعَ نفسَه هَوَاها وتَمَنَّى على الله الأماني، استغفروا الله.
. الحمد لله رب العالمين، والشكر لله لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

الدعاء:
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب ومجيب للدعوات، اللهم برحمتك عمّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راض عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولأشياخنا ولمن علمنا ولمن له حق علينا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ربنا ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم أحسن لهم كما أحسنوا إلينا، اللهم كن لنا عوناً ومعيناً وناصراً وحافظاً و مؤيداً وأميناً، اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من نعمة الغيث من السماء، اللهم أتم نعمتك وفضلك علينا واسقنا غيثاً هنيئاً مريئاً سقيا رحمة يا أرحم الراحمين، اللهم لك الحمد على نعمائك كلها ما علمنا منها وما لم نعلم، اللهم لك الحمد كما أنعمت فتمم، اللهم لك الحمد كله علانيته وسره يا أكرم الأكرمين، اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانتين، ولا تهلكنا بالسنين ولا تعاملنا بفعل المسيئين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر إخواننا المرابطين في الأقصى وفي القدس على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم حرر المسجد الأقصى من رجس الصهاينة المعتدين، اللهم فرج عن إخواننا المستضعفين في الشام وفي العراق، وفي كل مكان يُذكَر فيه اسمك ياالله، اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وأدِم عليه الأمن والأمان والخير والبركات يا أرحم الراحمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.