اعرف رسولك

  • 2017-12-01
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

اعرف رسولك

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقراراً بربوبيته، وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد الخلق والبشر، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيا أيها الإخوة الكرام، فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم:

أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69)
(سورة المؤمنون)


مراتب المعرفة:
﴿أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ هذا استفهام تقريري، والمراد منه: اعرفوا رسولكم، والمعرفة أيها الإخوة على أنواع، وعلى مراتب،
• فأنت قد تلتقي بإنسان لأول مرة، فلا تعرف منه إلا صورته، ثم تُسأل هل تعرف فلاناً؟ فتقول: نعم، أعرفه، التقيت به يوماً في مكان كذا لدقائق، وربما لم تسمع منه كلمة،
• وقد تسمع من شخص آخر كلاماً، فتعرفه من كلامه، وتقضي معه برهة من الزمن، ساعة، ثم تُسأل هل تعرفه؟ فتقول: نعم، أعرفه، سمعت منه محاضرة لمدة نصف ساعة، فعرفت عن فكره شيئاً،
• وقد تخالط إنساناً سنوات وسنوات، وتسافر معه، وتستيقظ وتنام معه في غرفة واحدة، وبعد سنوات تُسأل هل تعرفه؟ فتقول: لا أعرف غيره، ومن مثلي يعرفه؟ سافرت معه، أكلنا معاً، جلسنا معاً، سمعت من كلامه، رأيت من خصاله، أحدثكم عن إحسانه، عن عدله، عن خدمته لإخوانه، وكلهم قالوا نعرف فلاناً، لكن كل معرفة تختلف عن المعرفة السابقة.

معرفة رسول الله المطلوبة:
معرفة رسولنا المطلوبة
لذلك أيها الإخوة، معرفة رسولنا المطلوبة ليست أن تعرف أنه رسول الله وفقط، هذه يعرفها كل مسلم، معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعني أنك تعلم بضعاً من أحاديثه وكفى، معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني أن هذا الرجل تعرف عنه كل ما تستطيع من كلامه، وأخلاقه، وفعاله، وخصاله، معاملته لزوجه، لأبنائه، لجيرانه، لمن حوله، لأعدائه، لأصدقائه، للحيوان، رفقه بمن حوله، رفقه بأهله...إلخ.
فأنت عندما تقول أريد أن أعرف رسول الله فلا تكفي المعرفة السطحية، والدليل أن الله تعالى يقول:

مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7)
(سورة الحشر)

فأنت إن لم تعرف ماذا آتاك رسول الله، وعمَّ نهاك رسول الله؟ فكيف تقول أعرفه؟ كيف تفهم مدلول هذه الآية؟ كيف تنفذ ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ وأنا لا أعلم ماذا آتاني رسول الله، كيف أنفذ؟
الآية الثانية:

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21)
(سورة الأحزاب)

الأسوة هي القدوة
الأسوة هي القدوة، فإن لم تعلم كيف عامل زوجته، فكيف تعامل زوجتك؟ إن لم تعرف كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، كيف تكون في بيتك؟ هذه سنته العملية، السيرة.
إذاً لابد أن تكون المعرفة عميقة، حتى يكون رسول الله أسوة لنا وحتى نأتي ما أمرنا، وننتهي عما نهانا عنه، وإلا فالمعرفة السطحية لا تؤدي إلى تطبيق مضمون هاتين الآيتين الكريمتين.
أيها الإخوة الكرام، النجاشي لما سأل جعفر بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أجابه جعفر قال:

{ كنَّا قَومًا أهلَ جاهليَّةٍ؛ نَعبُدُ الأصنامَ، ونَأكُلُ المَيْتةَ، ونَأتي الفَواحشَ، ونَقطَعُ الأرحامَ، ونُسيءُ الجِوارَ، ويَأكُلُ القَويُّ منَّا الضَّعيفَ، فكنَّا على ذلك حتى بعَثَ اللهُ إلينا رسولًا منَّا، نَعرِفُ نَسَبَه وصِدقَه وأمانتَه وعَفافَه. }

(سير أعلام النبلاء)

هذه معرفة، ما قال: بعث فينا رجلاً نعرفه، هذه معرفة قد تكون سطحية، قال نعرف أمانته: رأينا أمانته وعرفناها، نعرف صدقه، نعرف عفافه، فإن حدثنا نعلم أنه صادق، وإن عاملنا نعلم أنه أمين، وإن أُثيرت شهوته نعلم أنه عفيف، ونعلم عن نسبه والنسب يأتي تاجاً فوق هذه الأمور، فهو لا ينفع بدونها، لكن معها يزيد الحق وضوحاً وجلاء، هذه معرفة صحابة رسول الله لرسول الله في أول البعثة.

حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم علينا:
أيها الإخوة الكرام، ما واجباتنا نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ما حقوق المصطفى علينا؟ أنت لأبيك حق عليك، البر والطاعة، لا ينبغي أن تقصر فيه، ما حقوق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليك؟

الحق الأول- الطاعة:
مع رسول الله لا خيار إلا الطاعة
الحق الأول هو الطاعة، لكن إخواننا الكرام، هناك طاعة تختلف عن طاعة، ليس كل طاعة طاعة، أنت في الدنيا قد تطيع إنساناً في بعض الأمور، وتعصيه في أخرى، تقول هذه قبلتها، وتلك لم أقبلها، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار واحد وهو القبول:

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا(36)
(سورة الأحزاب)

لا نختار بعد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه:

وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ (3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ(4)
(سورة النجم)

لأن كلامه وحيٌ، لكنه وحي غير متلوّ، مع البشر لا يوجد معصوم، لا يوجد كلام وحي، يقول لك إنسان شيئاً، تقول: هل كلامه منزَّلٌ؟ لا والله ليس مُنزَّلاً، يصيب ويخطئ، لكن مع رسول الله نعم كلامه مُنزَّل؛ لأنه ينطق بوحي من الله تعالى، ولأن الله أمرنا بطاعته، فهنا لا خيار إلا الطاعة، فالطاعة هنا لا تعني الخيار، أن أطيع في شيء وأعصي في شيء، لكن الطاعة المطلقة، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)

يطاع رسول الله في كل ما أمر
التفت العلماء إلى ملمح في هذه الآية، لم يقل الله تعالى: وأطيعوا الله والرسول، قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ فجعل طاعة رسول الله خاصة، لكي لا يأتي شخص في آخر الزمان فيقول: ما وجدنا في كتاب الله أطعناه، ويقول: نحن نتبع كتاب الله فقط، وأطيعوا الله في قرآنه، وأطيعوا الرسول في سنته، لكن ما قال: وأطيعوا أولي الأمر منكم، قال﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ لأن أولي الأمر إن أمروا بخلاف طاعة الله وطاعة رسوله لا يُطاعون، لا يطاعون استقلالاً، يُطاعون تبعاً، أولو الأمر هو الأمراء والعلماء، فإذا قال لك عالم: افعل كذا، وهو خلاف منهج الله هل تطيعه؟ لا ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ بالتبع لا بالاستقلال، أما طاعة رسول الله استقلالاً، يطاع رسول الله في كل ما أمر.
أيها الإخوة الكرام، وفي الآية الثانية يقول تعالى:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ(158)
(سورة الأعراف)

الاتباع خطوة بخطوة، كيف تصرف مع أعدائه نتصرف مع أعدائنا، كيف عامل جيرانه نعامل جيراننا، كيف أمرنا أن نتعامل مع زوجاتنا نتعامل مع زوجاتنا، ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ قال تعالى:

لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)
(سورة النور)

﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في البخاري ومسلم:

{ من أطاعَنِي فقَدْ أطاعَ اللَّهَ، ومَن عَصانِي فقَدْ عَصَى اللَّهَ. }

(صحيح البخاري)

وفي حديث آخر:

{ كُلُّ أُمَّتي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى، قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَن يَأْبَى؟ قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى. }

(صحيح البخاري)

هل أحد يأبى دخول الجنة؟! (قالَ: مَن أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَن عَصَانِي فقَدْ أَبَى) هو أرسل رسالة بحاله لا بمقاله، لا أريد الجنة، إن كنت تريدها فاتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة الكرام، والآية التي تحدثنا في الأسبوع الماضي:

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(31)
(سورة آل عمران)

هذه من الطاعة، وفي الحديث كما في البخاري ومسلم:

{ فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي. }

(صحيح البخاري)

أيها الإخوة الكرام، إذاً أول حق من حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم أن تطيعه طاعة لا أقول عمياء، أقول طاعة مبصرة؛ لأن النور والبصيرة والرؤيا في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن طاعة مطلقة من دون تلكؤ، تقول: ما الحكمة من الأمر؟ لا مانع أن تفهم الحكمة بعد حين، قد تغيب عنك الحكمة وقد تفهمها، لكن أن تنتظر فهم الحكمة حتى تنفذ الأمر فهذا ليس إيماناً، هذا ليس يقيناً، هذا شك، يعني أنت تذهب إلى الطبيب، الطبيب يقول لك عندك مشكلة في الأمعاء ينبغي أن تمتنع عن كذا وكذا وكذا، وأن تأخذ الدواء كذا وكذا، لا تناقشه، لا تقول له أنا لن آخذ الدواء حتى أفهم آلية عمله، وكيف يستطيع أن يشفيني من هذا المرض، ولماذا هذا الدواء وليس ذاك، اشرح لي حتى آخذه، تسلم له وتقول له الطبيب عالم، درس في جامعة مرموقة ويفهم ما الذي يقوله، تنفذ أمره فوراً، هذا مع طبيب، فكيف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما يأمرك بأمر بوحي من الله تعالى، هل تتلكأ وتقول حتى أفهم الحكمة؟ أبداً، سمعاً وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحق الثاني- المحبة:
أيها الإخوة الكرام، أول حقوق المصطفى الطاعة، وثاني حقوق المصطفى المحبة، وهذا قد بيناه في الخطبة السابقة، محبة رسول الله فرض على كل مسلم:

{ عن أنس أنَّ رَجُلًا مِن أهْلِ البَادِيَةِ أتَى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ؟ قالَ: ويْلَكَ! وما أعْدَدْتَ لَهَا؟ قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: إنَّكَ مع مَن أحْبَبْتَ. }

(صحيح البخاري)

محبة رسول الله فرض على كل مسلم
هذا من أساليبه صلى الله عليه وسلم، سأل عن شيء لا أحد يعلمه، فوجهه إلى ما ينفعه، متى الساعة؟ ما أعددت لها؟ (قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا إلَّا أنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ) مقل في العمل، لكن عنده محبة لله ورسوله (قالَ: إنَّكَ مع مَن أحْبَبْتَ).
وروينا حديث عمر رضي الله عنه:

{ كنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ :فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ. }

الآن اكتمل الإيمان بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأول حقوقه أن تطيعه، ثم المحبة، والحقيقة أن بين المحبة والطاعة ارتباطاً وثيقاً:
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لَأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ
{ الإمام الشافعي }
أما تحبه وتعصيه! لا أقول: أنها محبة فارغة، لا أتهم إنساناً بذلك، فأحياناً الإنسان يقصر، لكن أقول محبة دون اتباع أبداً، أبداً، أي تفلت في المنهج؛ النساء بلا حجاب، البيت لا يمُتّ إلى الإسلام بصلة، المعاملات التجارية كلها ربوية، الحياة كلها بنمط غير إسلامي أبداً، ثم يقول: أحب الله ورسوله، ففيها بعد عن التأدب مع هذا الحب، الأدب مع الحب أن تطيع من تحبه قدر الاستطاعة.

الحق الثالث- توقيره ونصرته:
أيها الإخوة الكرام، ومن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم توقيره ونصرته، قال تعالى:

لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(9)
(سورة الفتح)

وفي آية أخرى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(1)
(سورة الحجرات)

هذه الآية أيها الإخوة كيف نفهمها اليوم؟ كيف نوقر رسول الله؟ ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ رسول الله له حكم في مسألة، فأنت عندما تقدم رأيك بين يدي الله ورسوله فأنت تخالف مضمون هذه الآية، وتخالف توقير رسول الله صلى الله عليه وسلم، اليوم على الشاشات حينما يخرج إلينا بعض أدعياء الدين، ويقدمون بين يدي الله ورسوله رأيهم وثقافتهم، ويقدمون بين يدي الله ورسوله الحداثة والتقدم والتطور، وكأن زماننا لم يعد يصلح لتطبيق شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم يتهمون دين الله عز وجل، يتهمونه بالنقص حيناً وبالزيادة حيناً، وتعدوا السنة إلى القرآن أحياناً، هذا يقدم بين يدي الله ورسوله ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾.

لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63)
(سورة النور)

رسول الله له مكانة عالية، لا ينبغي أن تجعل دعاءه كدعاء بعضكم لبعض.

الحق الرابع- الصلاة والسلام عليه:
أيها الإخوة الكرام، ومن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم الصلاة والسلام عليه:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(56)
(سورة الأحزاب)

{ مَن صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عليه بها عَشْرًا. }

(صحيح مسلم)

{ لا تجعلوا بيوتَكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلُّوا عليَّ، فإنَّ صلاتَكم تبلغُني حيث كنتم. }

(رواه أبو داوود)

وأنت في بلدك، في بيتك، في مصلاك، قل: الصلاة والسلام عليك يا رسول الله، وصلاتك وسلامك يبلغان رسول الله صلى الله عليه وسلم، استشعر هذا المعنى؛ لأنه يزيد من محبتك ومن صلاتك وسلامك على رسول الله.

الحق الخامس- التحاكم إليه والرضا بحكمه:
الحق الخامس إخواننا الكرام، التحاكم إليه والرضا بحكمه، وهذه ذكرنا آيتها قبل قليل:

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(65)
(سورة النساء)

هل يكفي ذلك؟ ﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ﴾ هل يكفي ذلك؟ ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾. انظر إلى التأكيد في الآية:
﴿فَلَا وَرَبِّكَ﴾ يقسم جل جلاله وإذا أقسم العظيم فعلى أي شيء يقسم؟ ﴿فَلَا وَرَبِّكَ﴾ يا محمد
﴿لَا يُؤْمِنُونَ﴾ لا يتحققون من إيمانهم.
تحكيم شرع الله وشرع رسوله دليل الإيمان
﴿حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ أنت لك مشكلة مع أخيك، مشكلة تجارية، مشكلة عائلية، من تحكم؟ إن كنت تحكّم شرع الله وشرع رسوله فأنت مؤمن ورب الكعبة، وإن كان شخص يحتكم إلى كل شيء إلا شرع الله فهذا نقص كبير في الإيمان، ﴿حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ من خلافات.
﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا﴾ تخرج وأنت راضٍ، ولو كان الحكم كلفك ألف دينار، تخرج وأنت راضٍ لأنه حكم الله ورسوله، انتهى الأمر.
﴿ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ﴾ ولا يوجد حرج ولو شيء بسيط في قلبه
﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ أي يبصم بالعشرة.

الحق السادس- إنزاله مكانته من غير غلو ولا تقصير:
أيها الإخوة الكرام، ومن حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ونكتفي بهذا الحق الأخير: إنزاله مكانته من غير غلوٍّ ومن غير تقصير.
الرسول الكريم بشر لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً
يعني إخواننا الكرام، كأن على عمود خطين أحمرين، لكل مسألة ينبغي أن تكون بينهما، فالارتفاع عن الخط الأعلى غلو، والنزول عن الحد الأدنى تقصير، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن تُنزِله مكانته من غير غلو، فإذا كان هناك غلو فهذه إساءة له صلى الله عليه وسلم، كيف ذلك؟ هو عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأنبياء، وصاحب المقام المحمود، والحوض المورود، لكن هو بشر، لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً، إلا ما شاء الله:

قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ۚ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)
(سورة الأنعام)

فعندما يكون هناك شطحات في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم، اهتز العرش طرباً لمولده، حصل كذا وكذا، هو يعلم ما سيكون، وما كان، هذه صفات الإله، مقام النبوة شيء، ومقام الألوهية شيء آخر، فأنت من حقوق المصطفى عليك أن تعرف حقه من غير غلو ولا تقصير، لا تقصروا في معرفته، ولا تزيدوا عن أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء، وخاتم الرسل، وصاحب المقام المحمود، والشفاعة بالمعنى الحقيقي للشفاعة، لكن، من غير غلو يؤدي إلى شيء لا ينبغي أن يقال في بشر، وإنما هو لخالق البشر جل جلاله.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن تُوزَن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيِّس من دان نفسه وعمل إلى ما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، استغفروا الله.

دعاء الختام:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سميع قريب مجيب للدعوات.
اللهم برحمتك عُمّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا.
اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام وأعز المسلمين.
اللهم بفضلك ورحمتك أبرم لهذه الأمة أهل رشد يُعز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أمر معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر.
اللهم يا أكرم الأكرمين اجعلنا نخشاك حتى كأننا نراك، أسعدنا بلقياك، اجمعنا بحبيبك ومصطفاك.
يا أكرم الأكرمين اجعل جمعنا هذا جمعاً مباركاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً.
اللهم فرج عن المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء.
اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
وفق اللهم ولاة أمورنا لما فيه خيرنا، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.
والحمد لله رب العالمين.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)
(سورة النحل)

أقم الصلاة وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.