بين الغيب والشهادة
بين الغيب والشهادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا علمًا وعملًا متقبّلاً يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، وبعد: |
لا ترتبط أفعال الله تعالى بغايات ولا يُسئل عمّا يفعل:
الله عز وجل لا يُسئل عمّا يفعل
|
لَا يُسْـَٔلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـَٔلُونَ (23)(سورة الأنبياء)
ربنا -جلَّ جلاله- لا يُشترط في كل فعل يفعله أن نبحث له عن غاية، وأن نبحث له عن شيء؛ لأن الله مطلق القدرة، ومطلق القدرة -جلَّ جلاله- لا يحتاج أن ترتبط أفعاله بغايات؛ لأنه يصبح محكومًا بالغايات، نحن البشر المخلوقون ترتبط أفعالنا بغايات، فإذا وجدنا إنسانًا فعل شيئًا نسأله لماذا فعلت ذلك؟ تبحث عن الغائية، العقل يدرك أن لكل شيء سببًا وأن لكل شيء غاية، ولا يطمئن إلا إذا فهم السبب أو فهم الغاية من أي فعل، لكن ربنا -جلَّ جلاله- لا يُسئل عمّا يفعل، يكفي أن تؤمن أنه حكيم عدل -جلَّ جلاله- ثم يفعل ما يشاء، وربك يفعل ما يشاء-جلَّ جلاله-، لكن هذا السؤال أو هذه الإجابة قد لا تقنع الكثيرين -كما قلنا- لأن اليوم الناس ليسوا جميعاً على مستوى واحد من المعارف الشرعية، فلا بد من بحث بعض الحكم التي تبدو لنا في هذا الموضوع: |
الاستدلال على وجود الله تعالى مِن خلقه:
كل ما في الكون يدل على وجود الله
|
أَلَمْ نَجْعَل لَّهُۥ عَيْنَيْنِ (8)(سورة البلد)
والأذنين، والفم، والحليمات الذوقية...، في كل جزئية من جزئياتك كل شيء يدل على أن الله موجود؛ لأن الخلق يحتاج خالقاً، لا يُعقل وجود مخلوق من غير خالق، فإذًا الطريق لوجود الله هو وجود خلق الله، هذا الطريق الواضح الذي لا لبس فيه، والطريق لوحدانيته أيضًا هو تناسق الكون. |
لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)(سورة الأنبياء)
في آية أخرى: |
مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍۢ وَمَا كَانَ مَعَهُۥ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ ۚ سُبْحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91)(سورة المؤمنون)
فأنت دخلت إلى غرفة منشأة حديثًا، نظرت في الرخام الذي قد كسا أرض الغرفة وجدت إتقاناً عجيباً وكأنه قطعة واحدة، فقلت: الذي صنع هذا الرخام بهذا التنظيم شخص حكيم لأنه شيء رائع جدًا، قلنا لك: لا، اثنان اللذان اشتغلا، قلت: لا، هناك واحد الذي اشتغل، الثاني يشتغل تحت يده وهو الذي يشغله؛ لأن تناسق الموضوع يدل أنه بدأ من مكان وانتهى بمكان، إذا نظرت لخلية النحل تقول: يوجد إله خلق هذه الخلية؛ لأن هذه النحلة ما عندها ما تُدرك به حتى تصنعها خلايا سداسية بأدق شكل ممكن، الأضلاع هي أقصر أضلاع حتى تُحمى من الكسر، فراغات بينية لا يوجد، لو صنعتها دوائر لكان هناك فراغات بينية، الزوايا منفرجة من أجل إخراج العسل من داخلها، ثلاثة أشكال لا تترك فراغات بينية إذا وضعتها مع بعضها: المسدس، والمثلث، والمربع، لكن المسدس هو الأفضل المسدس لأن زواياه منفرجة فإخراج العسل منه أسهل، فأيقنت بأن هناك خالقاً لهذه الخلية، الآن ربنا-عزَّ وجلَّ- خلق النحل كل نحلة تبدأ من مكان لكن يختمون على خلية سداسية لأنه: |
وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68)(سورة النحل)
أما الإنسان ما أعطاه هذه الغريزة، فدائمًا عندما يكون هناك شيء دقيق يشتغله وحده، يقول لك: لا يوجد أكثر من واحد، هذه القصة -خاصة الأشياء المهنية- يجب أن يشتغلها واحد، فعلى كل حال أنت استدليت على وجود من صنع من خلال المصنوع، واستدليت على حكمته، وأنه واحد، وأنه يدير عمله بشكل صحيح من خلال دقة المصنوع، لذلك قال تعالى: |
أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍۢ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)(سورة النمل)
|
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَٰبِ ٱلْفِيلِ (1)(سورة الفيل)
إذاً الأفعال أحيانًا تدل على حكمة الله لكن ليس على وجوده، هو موجود -جلَّ جلاله-، لكن قد يعطيك بعض الأفعال التي تدلك على حكمته، على قدرته، على عظمته، على انتقامه، على جبروته، يعطيك بعض الأفعال التي واضحة جدًا بأنه أهلك من كان قبلكم مثلًا. |
لا تستقيم العلاقة مع الله -عزَّ وجلَّ- إلا من خلال عَالَمَين؛ عَالَم الغيب وعَالَم الشهادة:
الأمر الثاني أو النقطة الثانية؛ لا تستقيم العلاقة مع الله -عزَّ وجلَّ- والعلاقة مع ما يجري في ملك الله -عزَّ وجلَّ- لا يمكن أن تستقيم من خلال عين واحدة، لا بد فيها من عينين، أقصد بالعينين هنا العين الأولى هي عَالَم الشهادة، والعين الثانية هي عَالَم الغيب، قال تعالى: |
يَعْلَمُونَ ظَٰهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلْءَاخِرَةِ هُمْ غَٰفِلُونَ (7)(سورة الروم)
تكامل الغيب والشاهدة يوضح المشهد كاملاً
|
{ .....قلت: ما بقيَ منْها إلَّا كتفُها، قالَ: بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها }
(أخرجه الترمذي عن عائشة أم المؤمنين)
وزعناها كلها نريد إبقاء شيء للبيت، النبي-صلى الله عليه وسلم- الآن يعلمها كيفية النظر بعَالَم الغيب (قالَ: بقيَ كلُّها غيرَ كتفِها) تغير المشهد كله، كان الذاهب هو الكل والباقي هو الكتف، أصبح العكس تمامًا، ما الذي حصل؟ هو النظر بعينين، انتقل للغيب، بالغيب بقيت كلها؛ لأنه لها أجر بالغيب، صحابي جليل جاءه سهم في ظهره فقتله، فصاح بأعلى صوته:" فزت ورب الكعبة"، المشهد قتل، بعَالَم الشهادة كثير من الناس سيقولون: مسكين، بعز شبابه- رحمه الله-، ما هنئ بالدنيا، بعَالَم الغيب "فزت ورب الكعبة"، فإذًا دائمًا حتى تستقيم النظرة وتكون نظرة متكاملة ينبغي أن تنطلق من عينين معًا؛ عين الشهادة وعين الغيب، قال تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَٰهِرًا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا) حتى الحياة الدنيا لا يعلمونها تمامًا ظاهرًا منها، ما دخلوا في العمق، (وَهُمْ عَنِ ٱلْءَاخِرَةِ هُمْ غَٰفِلُونَ) الآخرة ليست في حسابهم أبدًا، والحقيقة أنه في السنوات الأخيرة ومع طغيان العالم المادي أصبح الكلام في الغيب عند كثير من الناس-للأسف الشديد- كلام يدعو للاستهزاء، حتى يقول لك: هذا فلان غيبي، أنا أفتخر بأني غيبي، أنا أفتخر أن هناك شيئًا أؤمن بوجوده وأنت لا تراه لكنني مؤمن به مئة بالمئة، فأصبح الحديث: أخي دعنا من الغيبيات ودعنا نحكي بالواقع، هو الغيب هو أكبر واقع لأنه الشيء اليقيني، الآن الموت بالنسبة لنا ما يزال غيبًا نحن جالسون الآن، لكن هل يوجد أكثر منه حدثًا واقعيًّا؟! هل يوجد إنسان اليوم يستطيع أن ينكر ويقول: أنا لن أموت؟ يُشك في عقله فورًا، إذاً الموت واقع، الموت حدث واقعي لا بد منه، فليس كل شيء غيبي يقول لك: غير واقعي، كيف غير واقعي؟ أكثر الأحداث واقعية هي التي ستجري يقينًا، ونحن نؤمن إيمانًا جازمًا بأن هناك موت وهناك برزخ، وهناك بعث، وهناك نشور، وهناك حساب، وهناك عرض، وهناك صحف، وهناك جنة، وهناك نار، فهذه الغيبيات أشد واقعية مما نعيشه الآن ونراه بأعيننا، فإذاً النقطة الثانية أن النظر دائمًا بعينين وهما الشهادة من جهة والغيب من جهة يجعل النظرة متكاملة، أما النظر بعين واحدة فالنظرة عوراء والنتائج غير صحيحة، وحينئذٍ يمكن أن يَنشأ ألف سؤال وسؤال عمّا يجري، ولا يجد جوابًا إلا أن ننظر بالعين الثانية التي ستأتي. |
القوانين والسنن الإلهية التي وضعها المالك -جلَّ جلاله-:
الأمر الآخر أحبابنا الكرام؛ ربنا -جلَّ جلاله-، المَلك -جلَّ جلاله-، الإنسان في مُلكه يضع سننًا، يضع قوانين، اليوم هذا البيت ملك لي-الملك لله وحده- لكن لله في يدي كما كان يقول الأعرابي إذا سئل لمن هذه الدار، يقول: "لله في يدي"، يدنا يد أمانة، لكن ربنا من كرامتنا عليه ملّكنا، فأنت الآن في ملكك سواء كان بيتًا أو مصنعًا، أو مزرعة تضع قوانين، تقول: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، تضعهم على الباب، تقول: يجب أن تلتزموا بالقوانين، لماذا؟ لأنك صاحب ملك، المالك يضع قوانين، وربنا -جلَّ جلاله- هو المالك، مالك الملك، كل شيء يُملّك هو مالكه، حتى ما نملكه نحن يملكنا ويملكه معًا، فالمالك العظيم ملك يوم الدين -جلَّ جلاله- وضع قوانين، من القوانين، من السنن الإلهية التي وضعها المالك -جلَّ جلاله- أنه قال لك: الحساب والعقاب والثواب يوم القيامة، ليس في الدنيا، قال: |
كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ ٱلنَّارِ وَأُدْخِلَ ٱلْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ (185)(سورة آل عمران)
أنا أعطيك أجرك يوم القيامة، فأنت عندما تريد أن تستعجل وتأخذ الأجر في الدنيا فقد فهمت سنن الملك خطأ، سنن الملك قد أكافئك في الدنيا بدفعة، قد أعطيك مُشجعًا، وقد أعطي الظالم رادعًا، لكنني أحاسب وأعاقب يوم القيامة (وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ)، من هنا توجد آيات كثيرة في القرآن الكريم وعلى رأسها سورة النبأ التي نقرؤها جميعاً، شيء يلفت النظر، سورة النبأ بدأت بقوله تعالى: |
عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1)(سورة النبأ)
استفهام عن النبأ العظيم، يوجد نبأ عظيم يوم القيامة قادم أو غير قادم؟ هل يوجد بعث أم لا يوجد بعث؟ المؤمنون: يوجد بعث، الكافرون: لا يوجد بعث. |
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَٰمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (16)(سورة الصافات)
انتهينا، فقط نموت ونصير ترابًا، ربنا-عزَّ وجلَّ-: |
عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ (1) عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ (2) ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ (3) كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ (5)(سورة النبأ)
كيف الآيات؟ المشهد كله ذهب لمكان آخر: |
أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا (6) وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا (7) وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا (8) وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا (9) وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا (10) وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا (11) وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا (12) وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا (13) وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا (14) لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا (15) وَجَنَّٰتٍ أَلۡفَافًا (16)(سورة النبأ)
جولة كونية تأخذ بالألباب يحكي لك عن خلقه. |
إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا (17)(سورة النبأ)
يوم الفصل قادم لا محالة، حسناً ما علاقة الآيات الكونية؟ علاقة الآيات الكونية أنك إذا كان لديك إدراك صحيح يامن تتساءل عن يوم القيامة وتقول: هل يوجد أم لا ...؟ يكفيك مشهد الكون كله ليقول لك بأن هناك يوم قيامة. |
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)(سورة المؤمنون)
(خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) كل هذا الكون، وكل عظمة هذا الكون وفي الآخر لا يوجد حساب؟! سوف تحاسبون، فإذاً - وهذا مكرر في كتاب الله، أنا جئت بمثال لكن مكرر جدًا- أن ربنا يتحدث عن البعث والحساب والنشور فينقلك نقلة كونية مباشرة حتى يقول لك: أنه دائمًا الكون وما فيه الذي هو الثابت الوحيد الذي لا يختلف عليه اثنان، لا يوجد إنسان اليوم مؤمن أو ملحد يقول لك: لا يوجد خلق، لا يوجد عظمة، لا يوجد أفلاك، لا يوجد نجوم، لا يوجد شمس؛ ثابت، هذا الثابت الوحيد سننطلق منه إذاً، ننطلق منه لنقول لك: (إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا) أي ضُرب له وقت معلوم وسيأتي عندما يأذن الله تعالى؛ لأن الذي خلق الكون بهذه العظمة لا يمكن أن يترك عباده بغير حساب. |
الإنسان مسيّر أم مخيّر؟
الإنسان مُخيّر فيما كلف به
|
قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)(سورة النور)
إذاً مكلفون، إذاً مخيرون. |
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ (12)(سورة الحجرات)
إذاً يستطيع ألا يغتاب إذاً هو مُخيّر، فقط باختصار، فالإنسان مُخيّر فيما كلف به، لكن مسيّر؟ نعم. |
هُوَ ٱلَّذِى يُسَيِّرُكُمْ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍۢ طَيِّبَةٍۢ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍۢ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ (22)(سورة يونس)
ربنا -جلَّ جلاله- أنا متى أُولد؟ ما اخترت وقت ولادتي، ولا طولي، ولا لون عيوني، ولا والدي، ولا والدتي، ولا مكان ولادتي، ولا زمان ولادتي، يُسيّر الإنسان في كثير من أموره، هذا التسيير هو أقدار الله، نحن نجري ضمن أقدار الله، لا أدري غدًا أموت أم أكون على قيد الحياة؟ أمشي على قدمين، أم -لا قدر الله، نسأل الله العافية للجميع- أُصاب بمرض؟ الله أعلم، أنا مسيّر في كثير من الأمور، لكن هذا التسيير الذي تجري به أقدار الله بعد أن آمنت بوجود الله و وحدانيته وكماله، أقول بعد ذلك: إن ما يجري بنا في الكون من أقدار الله تعالى له حكمة من الحكيم الذي آمنت بوجوده من خلال خلقه، وبوحدانيته، وبكماله، إذاً له حكمة، وحكمة فيها كمال مطلق لكن قد أدركها وقد لا أدركها، وقلنا سابقًا ولا بأس أن نعيد: سورة الكهف التي أمرنا أن نقرأها كل يوم جمعة، التي فيها أربع قصص كل قصة فيها فتنة من الفتن التي نجا منها أصحابها بطريقة معينة، هذه القصص القصة الثالثة منها هي قصة موسى مع العبد الصالح، الذي هو في أرجح الروايات الخضر-عليه وعلى موسى وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- هذا الرجل الصالح فعل أفعالاً وبررها في ختام الآيات قال: |
وَأَمَّا ٱلْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَٰمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِى ٱلْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُۥ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَٰلِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ وَمَا فَعَلْتُهُۥ عَنْ أَمْرِى ۚ ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)(سورة الكهف)
نحن نجري ضمن أقدار الله
|
وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِى نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46)(سورة يونس)
لكن توجد حكمة، سيدركها فيما بعد أبناؤنا، أحفادنا، ندركها نحن يوم القيامة، عندها تقول الخلائق جميعاً: |
وَتَرَى ٱلْمَلَٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ ٱلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِىَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ وَقِيلَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ (75)(سورة الزمر)
جواب السؤال: أين الله مما يجري؟
الدنيا دار ابتلاء وليست للجزاء
|
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)(سورة النساء)
وفيها الثواب للمحسن، جنة فيها: |
{ أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ، ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ }
(أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة)
فالقضية أن فكر المسلم متعلق دائمًا بعالمين، وهو ينظر إلى أي حدث يجري في الكون ينظره من منطلق وجود عالم الشهادة وعالم الغيب، هذا والله تعالى أعلم. |
الدعاء:
اللهم انصر إخواننا المستضعفين في غزة، اللهم وحد كلمتهم، اللهم سدد رميهم وسدد رأيهم، اللهم اجعل الدائرة تدور على عدوهم، اللهم مجري السحاب، منزل الكتاب، سريع الحساب، هازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم يا أرحم الراحمين، اللهم عليك بالصهاينة ومن والاهم ومن عاونهم ومن أيدهم في سرّ أو علن، اللهم اربط على قلوب إخواننا في غزة، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم صبّرهم، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوي غريبهم، واغفر لنا تقصيرنا بحقهم فإنك تعلم حالنا، وحالنا لا يخفى عليك، وبنا من القهر ما لا نشكوه إلا إليك، ففرج اللهم همنا وغمنا وهمهم وغمهم، واجعل الدائرة تدور على عدونا، وانصرنا على أنفسنا وعلى شهواتنا حتى ننتصر لك فتنصرنا على أعدائنا وأعدائك يا رب العالمين، اجعل هذا الجمع جمعًا مباركًا مرحومًا، واجعل التفرق من بعده معصومًا، ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقيًّا ولا محرومًا، بارك اللهم أهل هذه الدار، اللهم بارك لهم، اللهم أنزل عليهم رحماتك وبركاتك وصلواتك، اللهم اجعل الخير يُصب على أهل هذه الدار وأهلها الحاضرين والمشاهدين صًّبا صبًّا، ولا تجعل عيشنا ولا عيشهم كدًا كدًا، وصل إلهي وسلم وبارك على نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. |