أمور تكسبك محبة الرسول الكريم

  • محاضرة في الأردن
  • 2019-11-11
  • عمان
  • الأردن

أمور تكسبك محبة الرسول الكريم

الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسلام على سيدنا محمّد وعلى آل بيته الطيبين الطّاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنّا وعنهم يا رب العالمين.


محبة رسول الله فرضٌ واجبٌ لازمٌ على كل مسلم :
 وبعد فيا أيها الأخوة الكرام، محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ واجبٌ لازمٌ على كل مسلم:

{ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ ووَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ }

(رواه البخاري ومسلم)

محبة رسول الله فرضٌ واجبٌ لازمٌ
وأمسك يوماً بيدي سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال عمر: يا رسول لأنت أحب إليّ من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي- انظروا إلى صراحة عمر رضي الله عنه- فقال صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر حتى أكون أحبّ إليك من نفسك، ثم قال: الآن يا رسول الله والله لأنت أحب إليّ من كل شيءٍ حتى نفسي التي بين جنبي، فقال صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر، أي الآن اكتمل الإيمان، الآن أفلحت، الآن سعدت.

{ كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شيءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ }

(رواه البخاري)

محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فرضٌ واجبٌ على كل مسلم، لأننا إن لم نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قصرنا في مقتضيات الإيمان، ولا يمكن لإنسان أن يتّبع، وأن يهتدي إلا بمن يحب، لذلك كانت محبته صلى الله عليه وسلم فرضاً علينا جميعاً.

خمسة أمور تكسبنا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم :
1 ـ اتباع سنته :
يجب أن تصبح المحبة واقعاً في حياتنا
هذه خمسة أمور تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلنا نتحرق شوقاً له، وشوقاً إلى لقائه، ونحتاج أن ننتقل من التحرق إلى التحرك، التحرق جميل، مشاعر، عواطف، وهي شيء رائع جداً، لكن نحتاج ألا نكون فقط من الذين يتحرقون بل أن نكون من الذين يتحرقون فيتحركون فيتبعون فيفعلون، أن تصبح المحبة واقعاً في حياتنا، اليوم لو جمعت مليار مسلم وسألتهم: هل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليك أم نفسك أحب إليك؟ سيقول لك: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا نظرت في السلوك وجدت أنه يؤثر مصلحة نفسه على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي محصلة الأمر هو يحب نفسه أكثر من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهنا المعادلة التي ينبغي أن ننتبه إليها.
هذه خمسة أمور تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولاً : اتّباع سنته ، قال تعالى: 

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
(سورة الحشر: الآية 7)

وكيف نأخذ ما أمرنا به وكيف ننتهي عما نهانا عنه إن لم نتعلم سنته؟ إذاً لا بد أن نتعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم حتى نأتمر بما أمر، وننتهي عما عنه نهى وزجر.

{ كانَ النَّاسُ إذا نزلوا منزِلًا تفرَّقوا في الشِّعابِ والأوديةِ، فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: "إنَّ تفرُّقَكم في الشِّعابِ والأوديةِ إنَّما ذلِكم منَ الشَّيطانِ"، فلم ينزِلوا بعدَ ذلِك منزلًا إلَّا انضمَّ بعضُهم إلى بعضٍ حتَّى يقالَ لو بُسِطَ عليهم ثوبٌ لعمَّهم- أي لو ألقيت عليهم ثوباً لشملهم جميعاً التزاماً منهم بتنفيذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم- }

(أبو داود عن أبي ثعلبة الخشني)

و:

{ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ- أثناء الخروج من المسجد - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: "اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ- أي ليس من شأن المرأة أن تزاحم الرجال في وسط الطريق، حياؤها يجعلها تأخذ طرف الطريق - عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ" فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ- امتثالاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم- }

(رواه أبو داود)

و:

{ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاتَهُ قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ؟ - انظروا إلى دقة الجواب وفقه الجواب- قَالُوا: رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا- نحن هكذا نصنع، نتّبع، أنت خلعت نحن خلعنا، الآن يبين لهم الحكم العام - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا أَوْ قَالَ أَذًى، وَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا- فبين صلى الله عليه وسلم الحكم العام- }

(أخرجه أبو داود)

أما أغرب ما في الاتباع كما في الصحيح: 

{ لمَّا استوى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يومَ الجمعةِ قالَ: اجلسوا. فسمعَ ذلِكَ ابنُ مسعودٍ فجلسَ على بابِ المسجدِ فرآهُ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقالَ: تعالَ يا عبدَ اللَّهِ بنَ مسعودٍ }

(صحيح أبي داود)

ابن مسعود رضي الله عنه دخل إلى المسجد، فكان على باب المسجد أي لم يدخل بعد، هو قادم إلى المسجد، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بأصحابه يوم جمعة، فقال: اجلسوا مكانكم، يخاطب أصحابه الذين هم داخل المسجد، فما كان من ابن مسعود رضي الله عنه إلا أن جلس في مكانه خارج المسجد، فابتسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: تعال يا بن مسعود. 
علة أي أمرٍ في القرآن أو السنة أنه أمر
أنت ادخل ثم اجلس، أمّا الخطاب فهو لمن هم داخل المسجد، لماذا فعل ابن مسعود ذلك؟ لأن ابن مسعود عوّد أذنيه ألا تسمع أمراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بادرت إلى تنفيذه، ما أحوجنا اليوم إلى فقه ابن مسعود، أن نقول هكذا قال رسول الله، هكذا قال، انتهى، استسلمنا، ربما تتضح لنا الحكمة، ربما نسأل عن الحكمة لكن لا نعلق ولا نربط بين الحكمة وبين تنفيذ الأمر، لذلك قال الفقهاء: علة أي أمرٍ في القرآن أو السنة أنه أمر.
أحياناً تسألني ابنتي الصغيرة في البيت: بابا نحن لماذا لا نأكل لحم الخنزير؟ أقول لها: لأن الله أمرنا ألا نأكل لحم الخنزير، لا أقول لها: إن لحم الخنزير مضرٌّ، بل لأن الله أمرنا ألا نأكل، لماذا لا نشرب الخمر؟ لأن الله حَرّم الخمر، أي يكفي أن يكون الله تعالى الذي هو إلهنا وربنا وخالقنا قد أمر فنأتمر.
الإنسان إذا كان مع طبيب يستسلم فكيف مع أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لكن بعد ذلك قد تتضح الحكم، لا مانع من أجل أن نعزز الإيمان نقول: إنّ من حِكَم تحريم الخمر أنه مضر بالصحة، مُذْهِب للعقل، العلة بعد أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر، نفذ أولاً، التنفيذ أولاً، انظروا الآن سأقارن بين أمرين وتنفيذين، إبراهيم عليه السلام أُمر أن يذبح ابنه، ابنه النبي، لما بلغ معه السعي ليس وهو صغير، بعد أن رآه شاباً:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ
(سورة الصافات: الآية 102)

( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) بادر فوراً، لم يسأل ما الحكمة؟ ما العلة؟ لماذا أذبح ابني؟ أبداً، بالمقابل بنو إسرائيل أُمروا أن يذبحوا بقرة، ليس ابنهم بل بقرة، ما لونها؟ ما هي؟ آخر شيء :

فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ
(سورة البقرة: الآية 71)

لمّا يَعْظُم الآمر يَعْظُمُ الأمر في عينك
أي ما كانوا يريدون أن يفعلوا، سؤال وسؤال وسؤال، ثلاثة أسئلة حتى وصلوا إلى بقرة ليس هناك غيرها في الأرض، أي تعجيز، فعندما نقول: إبراهيم عليه السلام هذا النبي كيف بادر إلى ذبح ابنه وهؤلاء كيف لم يبادروا لذبح بقرة؟ لأن إبراهيم عليه السلام كان الآمر عنده عظيماً، فإذا أمر الآمر وهو عظيمٌ في عينك تبادر إلى تطبيق أمره دون أن تسأل عن شيء، لمّا يَعْظُم الآمر يَعْظُمُ الأمر في عينك، لذلك قيل: (لا تنظروا إلى صغر الذنب ولكن انظروا على من اجترأتم) لا تقولوا: ذنب صغير، أنت اجترأت على خالق الأكوان، فعندما نقول: اتباع؛ ما أحوجنا اليوم إلى فقه ابن مسعود في الاتباع، اتباع سنته، هذا مما يزيد في محبته، بل أقول إن كلاً منها متعلق بالآخر، فمحبتك له تزيد اتباعك له، واتباعك له يزيد من محبتك له صلى الله عليه وسلم، أي بينهما علاقة: 
إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ 
فأولاً: اتباع سنته، نحن بحاجة إلى الاتباع اليوم؛ أن نتبع هديه صلى الله عليه وسلم في كل شؤون حياته.

2 ـ قراءة سيرته :
خمسةٌ تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولاً: اتباع سنته، ثانياً: قراءة سيرته، السيرة من أجل الأفعال، والسنة من أجل الأقوال أكثر، السيرة هي التعبير العملي عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: القصة حقيقةٌ مع البرهان عليها، قد أحدث ابني عن مخاطر التدخين، هذا كلام نظري، وقد آتيه بقصة عن مدخنٍ أصابه ما أصابه بسبب التدخين، الثانية أبلغ من الأولى، لأن الثانية فيها أشخاص، فيها وقائع، فقالوا: القصة حقيقة مع البرهان عليها، فالسيرة هي البرهان العملي على حياة النبي صلى الله عليه وسلم: 

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
(سورة الأحزاب: الآية 21)

وكيف نتأسّى به صلى الله عليه وسلم إن لم نقرأ سيرته؟!
الأسوة أخواننا الكرام كيف تتحقق؟ أولاً تتحقق لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَشر:  

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ
(سورة الكهف: الآية 110)

وفي الحديث كما في صحيح مسلم:

{ إنَّما أَنَا بَشَرٌ، أَرْضَى كما يَرْضَى البَشَرُ، وَأَغْضَبُ كما يَغْضَبُ البَشَرُ }

(صحيح مسلم)

النبي الكريم تجري عليه خصائص البشر
ولو لم يكن بشراً لما أُمرنا بالتأسي به، لأنه كان هناك للخلق حجة على الخالق، لقال الخلق: يا الله كيف نتأسى به وهو ملكٌ من الملائكة ونحن بشر نغضب ونرضى ونعيش ونشتهي ونحب، فحالنا غير حاله؟ لكن أمرنا بالتأسي به بعد أن قال لنا إنه بشر صلى الله عليه وسلم، لكنه صلى الله عليه وسلم انتصر على بشريته فكان سيد البشر، انتصر على بشريته، هو اشتهى كما نشتهي لكنه وجّه الشهوة ضمن الحلال، هو رضي لكن رضي لله، هو غضب لكن غضب لله، هو أحب لكن أحب لله، فكان سيد البشر، فتتحقق الأسوة به صلى الله عليه وسلم في أنه بشرٌ معصوم.

حياة النبي صلى الله عليه وسلم متعددة المواقف و الأحداث :
النبي الكريم ذاق الفقر
ثم هنا أريد أن أفصل قليلاً، شاءت حكمة الله تعالى أن تكون حياته متعددة المواقف، ومتعددة الأحداث، بحيث لا يجري مع أحدنا حدثٌ في الحياة إلا وجد نظيراً أو قياساً له في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، الواحد منا قد يعيش حياته غنياً، وقد يعيشها فقيراً، الفقير ممتحن بفقره، والغني ممتحن بغناه، قد يعيش حياته قوياً فيمتحن بقوته، أو ضعيفاً فيمتحن بضعفه وهكذا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق الفقر حيناً، وذاق الغِنى حيناً آخر، ذاق الضعف حيناً، وذاق القوة حيناً آخر، ذاق مرارة الأسر، وذاق نعمة الحرية، ذاق نعمة الأمن، وذاق شدة الخوف، ذاق فقد الولد، ذاق مرارة أن يتكلم الناس في عرض زوجته الطاهرة المطهرة التي لا يبغضها إلا منافق، حياته سلسلة من المواقف، بحيث كل واحدٍ منا يستطيع أن يجد فيها الأسوة له في أي موقفٍ يكون معه من مواقفه، وسأضرب أمثلةً، ذاق الفقر إلى درجة؛ أنه دخل بيته كما تروي عائشة رضي الله عنها فقال: يا عائشة هل عندنا شيءٌ؟ أي شيء، ولو خبز يابس هذا شيء يؤكل، هل من شيء؟ أي شيء يؤكل، فقالت عائشة: لا يا رسول الله، هذه ما ذاقها أحد منا، أي أن يصل إلى مرحلة من الفقر بحيث لا يجد في بيته شيئاً يؤكل، نحن إذا دخلنا بيوتنا ربما تقول الزوجة: اليوم لا يوجد عندنا شيء، تقصد أنها لم تطبخ اليوم لكن بالمؤونة يوجد أكل لثلاثة أشهر، تقول: لا يوجد عندنا شيء يؤكل، أما النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأل هل عندنا شيء؟ فما قصد هل طبخت؟ قصد هل هناك شيءٌ آكله؟ قالت: ما عندنا شيء، قال فإني صائم، هذا في الفقر.

{ عن عائشة رضي الله عنها: قال لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ذات يوم: يا عائشة هل عندكم شيء؟ فقلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء! قال: فإنِّي صائم }

(أخرجه مسلم)

فلما ذاق الغنى صلى الله عليه وسلم، يقول راوي الحديث: ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً عن الإسلام إلا أعطاه، حتى جاءه بدويٌ فأعطاه غنماً بين جبلين، أعرابي فقير جاءه فأراد أن يكسب قلبه فأعطاه غنماً، مجموعة غنم بين جبلين أي مجموعة كبيرة من الغنم، فرجع إلى قومه قال: يا قوم أسلموا مع محمد فإنه يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة، لا يخشى الفقر صلى الله عليه وسلم، الفاقة هي الفقر.

{ ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ }

(رواه مسلم)

في قمة ضعف النبي كان رحيماً بمن آذاه
إذاً هنا فقر وهنا غنى، كيف وقف بالفقر؟ تجمُّل، إني صائم، ما غضب، لمّا ذاق قمة الغنى، وفتح الله عليه الفتوحات أعطى مما أعطاه الله، فكان أسوةً للفقير، وأسوةً للغني، بالضعف؛ ذاق الضعف صلى الله عليه وسلم، في الطائف هل هناك ضعف أشد من أن تذهب إلى أناس لتدعوهم إلى الله تعالى وحده ليوحدوه ويعبدوه لا تريد منهم لا جزاء ولا شكوراً، فما كان منهم إلا أن أسمعوه كلاماً قاسياً وأغروا صبيانهم وسفهاءهم ليضربوه بالحجارة حتى أوى إلى حائطٍ من بساتين الأنصار يحتمي من بطشهم، هرب منهم من الطائف، وهنا في قمة الضعف يأتيه جبريل عليه السلام، قال صلى الله عليه وسلم: فإذا بغمامة- بغيمة- جبريل فيها يناديني يقول: إن الله سمع مقالتهم لك، وإن الله بعث لك ملك الجبال لتأمره بما شئت، قال: فجاءني ملك الجبال فسلم عليّ ثم قال: إن الله بعثني لأكون طوع أمرك إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين- الأخشبان الجبلان اللذان يقع الطائف بينهما - مكّنه الله أن ينتقم من خصومه في لحظة واحدة، ليس بعدما استقر الأمر، لا، وهو في قمة ضعفه، الآن ما يزال الدم ينزف منه صلى الله عليه وسلم يقول: لا يا أخي عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يوحده ويعبده، وفي رواية اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، يعتذر عنهم لربه وهو في شدة الضعف:

{ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أنَّها قالَتْ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ، قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ، ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ؟ فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ، لا يُشْرِكُ به شيئًا }

(صحيح البخاري)

موقف النبي الكريم عند المصيبة
ثم نأتي إلى القوة، فتح الله عليه الفتوح، الآن عاد إلى مكة، مكة التي ناصبته العداء، التي أخرجته، التي كادت له، التي أخذت بيوت أصحابه وأموال أصحابه، مكة التي آذته إيذاءً لا حدود له، رجع إلى مكة التي فعلت به الأفاعيل، فدخل مكة مطأطئاً رأسه حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره تواضعاً لله تعالى، ما دخلها بنشوة المنتصر المنتقم، أنا جئتكم يا أهل مكة، أبداً، ثم قال: من دخل داره فهو آمن، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، من دخل المسجد فهو آمن، فجعله يوم مرحمة صلى الله عليه وسلم، إذاً هو ذاق الفقر فتجمّل، ذاق الغنى فأعطى، ذاق الضعف فعفا، ذاق القوة فأكرم الناس، وعفا عنهم، هذه هي الأسوة، أنه في كل موقف من مواقف حياته فعل ما يقتضيه كماله صلى الله عليه وسلم، فقد الولد، يفقد ولده الذي هو بضعةً منه، قال: دخلت عليه فإذا إبراهيم يجود بنفسه بين يديه- توفي- فيقول: إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. 

{ دَخَلْنَا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى أَبِي سَيْفٍ القَيْنِ، وكانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ، فأخَذَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبْرَاهِيمَ، فَقَبَّلَهُ، وشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عليه بَعْدَ ذلكَ وإبْرَاهِيمُ يَجُودُ بنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَذْرِفَانِ، فَقالَ له عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: وأَنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَقالَ: يا ابْنَ عَوْفٍ إنَّهَا رَحْمَةٌ، ثُمَّ أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ }

(رواه البخاري)

النبي في قمة الألم ينتصر للتوحيد
شاء الله تعالى أن تنكسف الشمس في يوم وفاة إبراهيم، والعرب يعتقدون أن الشمس تنكسف لموت أحد، أو لحياته إكراماً له، الآن هو في قمة ألمه وحزنه ينتصر للتوحيد فيقف على المنبر ويقول: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحدٍ ولا لحياته، هو في قمة الألم ينتصر لمبدأ للتوحيد، ما ترك الناس يتعلقون بأوهام لأنه ابن النبي صلى الله عليه وسلم فهو كسفت الشمس من أجله، لا، وقف وانتصر لقيمة العقل وقيمة العلم في الإسلام :

{ كَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، فَقالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ }

(رواه البخاري)

تكلم الناس في عرض زوجته عائشة الطاهرة المطهرة المبرّأة من فوق سبع سماوات، فالنبي صلى الله عليه وسلم صبر وتجمّل، ما فعل شيئاً، ما أذاها، انتظر، قالت: كنت لا أعرف اللين الذي أعرفه منه صلى الله عليه وسلم، أي تغير لأنه يسمع الكلام في المدينة يثار حول زوجته هو ينتظر صلى الله عليه وسلم حتى جاء الوحي ببراءتها رضي الله عنها وأرضاها.

{ عَنْ حَديثِ عَائِشَةَ، حِينَ قالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ ما قالوا، وكُلٌّ حدَّثَني طَائِفَةً مِنَ الحَديثِ، قالَتْ: فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ يُبَرِّئُنِي، ولَكِنِّي واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى }

(صحيح البخاري)

أسر في شِعب أبي طالب ثلاث سنوات حتى أكلوا أوراق الشجر، والنبي صلى الله عليه وسلم ما أثنته لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة عن مبدئه وعن دينه، فلمّا تنعم بالحرية، وأصبح قائداً صلى الله عليه وسلم في المدينة أيضاً بقي ثابتاً على المبدأ ما أخرجه ظَفَرُهُ عن مبدئه وعن قيمه، هذه الأسوة تتحقق في أن النبي صلى الله عليه وسلم ذاق كل ما يذوقه البشر فوقف الموقف الأكمل والأمثل من كل ما يجري مع البشر، فكان سيد البشر صلى الله عليه وسلم.

3 ـ الصلاة و السلام عليه :
إذاً خمسة أمور تكسبك محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أولاً: اتباع سنته، ثانياً: قراءة سيرته صلى الله عليه وسلم، ثالثاً: الصلاة والسلام عليه:

{ مَنْ صلَّى عليَّ صلاَةً، صلَّى اللَّه علَيّهِ بِهَا عشْرًا }

(رواهُ مسلم)

{ البخيلُ الذي من ذُكِرْتُ عندَه فلم يُصَلِّ عليَّ }

(أخرجه الترمذي وأحمد والنسائي)

صلّى الله عليه وسلّم: 

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ
(سورة الأحزاب: الآية 56)

الله تعالى يصلي على نبيه بالرحمة
الله تعالى يصلي على نبيه بالرحمة، وبالثناء عليه في الملأ الأعلى، والملائكة يصلون على النبي بالدعاء:

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ
(سورة غافر: الآية 7)

الملائكة تصلي عليه وتصلي علينا عندما نكون في مصلانا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فلا تزال الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه أو كما قال صلى الله عليه وسلم:

{ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي علَى أحَدِكُمْ ما دَامَ في مُصَلَّاهُ الذي صَلَّى فِيهِ ما لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ }

(رواه البخاري)

ما دمت في مصلاك وأنت في المسجد قبل صلاة الفجر، أو في مصلاك ولو في البيت، الملائكة تصلي عليك، أي تدعو لك عند الله تعالى: 

وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ
(سورة التوبة: الآية 103)

الصلاة هنا بمعنى الدعاء:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
(سورة الأحزاب: الآية 56)

الصلاة على رسول الله نزيد من صلتنا به
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، بدأ بالأمر بنفسه، وما بدأ بأمرٍ بنفسه إلا هنا وثنّى بملائكته ثم أمرنا أن نصلي عليه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم تُكفَى بها همّك ويقضى دينك، تكفى همك بالصلاة على رسول الله، فنحن عندما نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم نزيد من صلتنا به من هذا الامتداد الزماني والمكاني، ثم نزيد من محبتنا له صلى الله عليه وسلم، الصلاة والسلام عليه.

4 ـ استشعار فضله علينا :
إذاً اتباع سنته، وقراءة سيرته، والصلاة والسلام عليه، رابعاً: استشعار فضله عليك؛ استشعار فضله عليك: باختصار نحن في هذا المجلس الطيب الآن وإن شاء الله ممن تغشاهم الرحمة، وتتنزل عليهم الملائكة، ويذكرنا الله فيمن عنده، هذا المجلس في صحيفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا مجلسنا في صحيفته صلى الله عليه وسلم، لأنه بسعيه وجهاده في ثلاثٍ وعشرين سنة من بعثته إلى وفاته، هذا العمر الثمين أقسم الله به قال:

لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ
(سورة الحجر: الآية 72)

 (لَعَمْرُكَ) لأنه عمر ثمين، لأن ثلاثاً وعشرين سنة غيرت وجه العالم، فنحن الآن بصحيفته وببركته وبسببه من بعد الله تعالى، قد جعله الله تعالى سبباً لهدايتنا:

وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
(سورة الشورى:الآية 52)

استشعار محبة النبي الكريم لنا يكسبنا محبته
هذا يجعلك تستشعر فضله عليك، يقول تعالى:

لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(سورة التوبة: الآية 128)

يقول تعالى مخاطباً نبيه: 

فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا
(سورة الكهف: الآية 6)

باخع أي مُهْلِكْ، وبخع في الأصل للناقة أي ذبحها، أي تكاد تُهْلِكُ نفسك على آثارهم إن لم يكونوا مؤمنين، هذه رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت عندما تنظر في هذا الفضل العظيم لرسول الله صلى الله عليه وسلم تزيد محبتك له، عندما تذكر كما في الصحيح: 

{ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ قوله تعالى على لسان إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (سورة إبراهيم: الآية 36) فبكى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: أُمَّتِي، أُمَّتِي،( أي ارفق بأمتي وارحم أمتي )، ثم قرأ قوله تعالى على لسان عيسى:  {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(سورة المائدة: الآية 118) فبكى صلّى الله عليه وسلّم وقال: أُمَّتِي، أُمَّتِي، فأرسل الله له جبريل ليسأله وهو أعلم جلّ جلاله، فقال: ما يبكيك يا محمد؟ فذكر له ما كان، فرجع إلى ربه وهو أعلم فأخبره بما كان، فَقَالَ اللَّه: يَا جبريل اِذْهَبْ إِلَى مُحَمَّد وَقُلْ لَهُ: إِنَّا سَنُرْضِيك فِي أُمَّتك وَلَا نَسُوءك }

(أخرجه مسلم)

النبي الكريم حريص على أمته
فأنت عندما تنظر في هذا المعنى، في هذه القضية، وتنظر أن النبي صلى الله عليه وسلم حريصٌ على أمته، يبكي من أجلك، ويبكي من أجلي، فهو رؤوفٌ رحيم بنا، فهذا مما يزيد محبتك له صلى الله عليه وسلم.

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا: أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، فَقَالُوا: كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ أَلَا لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا }

(صحيح مسلم)

{ ليتَ أنَّا نرى إخوانَنا، قالوا: يا رسولَ اللهِ ألسنا إخوانَك؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قومٌ آمنوا بي ولم يرَوني }

(مسند أحمد بسند صحيح)

خمسة تكسبك محبته اتباع سنته، وقراءة سيرته، والصلاة والسلام عليه، رابعاً: استشعار فضله عليك؛ تذكره وتمني رؤيته

{ مِنْ أَشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، نَاسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ }

(صحيح مسلم)

والحمد لله رب العالمين