كيف يقع المسلم بالربا!!

  • محاضرة أكاديمية وعجلت إليك رب لترضى
  • 2024-03-03
  • محاضرة في الأردن
  • الأردن

كيف يقع المسلم بالربا!!


المُذيعة:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المُرسلين، سيدنا وإمامُنا وحبيبنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحابته الجُلّ الميامين، نُحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم أخواتي الكريمات ورحمة الله وبركاته، يُسعدنا ويُشرّفنا أن نلتقي بالشيخ الدكتور الفاضل بلال نور الدين، في هذا اليوم المُبارك، حيّاكم الله شيخنا المُبارك، نرحب بكم في أكاديميتنا، أكاديمية وعجِلت إليك ربي لترضى، لننهل منكم مِن العِلم ما يَمنُّ الله به علينا، حديثنا اليوم عن موضوع من أخطر المواضيع في شريعتنا، الإسلامية.
شيخنا المُبارك، كنّا قد وصلنا مع طالبات الأكاديمية إلى آيات الرِبا، تفسيرها، وتدبُّرها، ثم حِفظها ولله الفضل والمِنَّة، وكان لا بُدّ لنا من الوقوف هنا، عند هذه الآيات وقفات، نتعرف فيها ونتعلّم عن الأحكام الفقهيّة المُتعلقة بهذا الموضوع، ونُسقطه على واقعنا، ونُفعِّل هذه الآيات منهاجاً وسُلوكاً في حياتنا، فهذا طبعاً موضوع جدير بالعناية، كيف لا وقد لَعَن الله آكل الرِبا وموكله، وشاهديه، وكاتبه.

{ لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِبا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ. }

(صحيح مسلم)

وأعلن جلَّ جلاله الحرب عليه، على مَن يفعله، وقد تورّط فيه كثيرٌ من الناس، عالِمين به أو جاهلين، وإن كان بحمد الله سبحانه وتعالى، هناك من يَحذَر منه، ولكنه يعني عمَّ وطمّ، وقلَّ مَن يَسلَم منه، وقد جاء في الحديث الصحيح في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ يَأتي على النَّاس زَمانٌ يَأكُلون فيه الرِبا. قال: قيلَ له: النَّاسُ كُلُّهم؟ قال: مَن لم يَأكُلْهُ منهم؛ نالهُ مِن غُبارِهِ. }

(شعيب الأرناؤوط إسناده ضعيف)

فكيف نتقي فضيلة الشيخ هذه الكبيرة العظيمة، حتى إن شاء الله يَعصمنا الله سبحانه وتعالى من هذا الذنب العظيم، وهذه الكبيرة العظيمة؟ تفضّلوا بارك الله بكم.

الدكتور بلال نور الدين:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللهم عَلِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما عَلَّمتنا وزِدنا عِلماً، وأرِنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرِنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جَنَات القُربات وبعد:
أيَّتها الأخوات الكريمات، أيُّها الإخوة الأكارم، أسعد الله صباحكم بكل خير، وأسأل الله تعالى أن يجعل في هذا اللقاء النفع والخير، والبركة والقبول.

الله تعالى توعَّد من لم يترك الرِبا بحربٍ من الله ورسوله:
بادئ ذي بدء، كما تفضّلت أختي الكريمة التي قدَّمت لهذا اللقاء الطيب، فإنَّه ما مِن معصيةٍ توعَّد الله عليها بحربٍ من الله ورسوله إلا معصيتان، الأولى في كتاب الله تعالى وهي الرِبا قال تعالى:

فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)
(سورة البقرة)

كما في سورة البقرة في الآيات موضع البحث، فتوّعد الله الذين لم يتركوا ما بَقيَ من الرِبا مهما كان قليلاً، بالحرب من الله ورسوله، ومن يُريد الحرب فليعرف مَن الطرَف المقابل الذي يخوض الحرب معه، فإذا كان الله تعالى هو الذي يُحاربه، فإنَّ معركته خاسرةٌ لا ريب في ذلك، والمعصية الثانية جاءت في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث القدسي يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَ }

(صحيح البخاري)

وجعلها نكرةً للدلالة على عَظَمتها، وهذا تنكير التهويل والتعظيم، فمن عادى وليّاً لله تعالى، ولي لله، يؤمن بالله، يتقي الله، يخاف الله، ثم هو وقف يُعاديه ويُناصبه العِداء، ويؤذيه، ويُلحِق به الضَرَّر، فإنَّ الله تعالى يعلِمه بحربٍ والعياذ بالله.
فلم يَرِد في القرآن والسُنَّة إلا هاتان المعصيتان، أذِن الله تعالى بحرب العاصي فيهما، للدلالة على عِظَم الذنب الذي يقترفه مَن يفعلهما.
هذه مقدّمة، ثم أقول وبالله تعالى المُستعان، وبالله تعالى التوفيق.

الرِبا مُحرَّم في كل الشرائع وحُرِّم في وقت مُبكر من الشريعة الإسلامية:
فإنَّ الله تعالى قد حرَّم الرِبا، وجاء ذلك في وقتٍ مُبكّرٍ من الشريعة الإسلامية، حيث ذَكر الله تعالى ابتداءً، أنَّ الرِبا كان موجوداً عند أهل الكتاب، عند اليهود فقال تعالى:

وَأَخْذِهِمُ الرِبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(161)
(سورة النساء)

فما جاءت شريعةٌ كما قال الماوردي رحمه الله:" ما جاءت شريعةٌ إلا بتحريم الرِبا" يعني الرِبا مُحرَّم في كل الشرائع، قال: (وَأَخْذِهِمُ الرِبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ)، وجاء مبدأ التحريم في مكَّة، وهذا قد لا يعرفه الكثيرون، الرِبا بدأ تحريمه أو الإشارة إلى تَحريمه في مكَّة، فسورة الروم سورةٌ مكيّة، وجاء فيها قوله تعالى:

وَمَا آتَيْتُم مِّن رِبا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (39)
(سورة الروم)

مَن المُضعِف في دنيا الناس؟ الذي له الضِعف، يعني إذا إنسان دخل في تجارة بمائة وخرج بمائتين هذا مُضعِف، فكيف لو دخل بمائة وخرج بألف؟! فالمُرابي مُضعِف إذاً، لأنه يُقرِض مائة وترجِع مائة وعشرون، وفي الغالب لا يستطيع المُقترِض السَداد، فيجعلها مائة وأربعين، ثم مائة وثمانين، ثم مائتين وعشرين، إلى أن يبيع المَدين أرضه ليسُدَّ دينه، إذاً المائة تضاعفت أضعافاً مُضاعفة، هذا حال الرِبا، يؤول إلى أضعافٍ مًضاعفة، لذلك قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)
(سورة آل عمران)

لأنَّ الرِبا حاله أنه يَؤول إلى أضعافٍ مُضاعفة، لكن الله تعالى في الآية يُبيّن أنَّ العكس هو الصحيح يقول: الزكاة التي هي دفع جُزءٍ من المال (فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)، أمَّا الرِبا (لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ) ليَزيد في أموال الناس قال: (فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) فهل نُصَدِّق قواعد السوق، أم نُصَدِّق قواعد ربِّ السوق، هذا هو التحدي، التحدي أنَّ الله تعالى يقول لك:

{ ما نقصَ مالٌ من صدقةٍ }

(أخرجه الترمذي)


الصدقات يُبتغى بها وجه الله أمّا الرِبا فهو أكل أموال الناس بالباطل:
أنت تدفع جزء من مالك، والله يُضاعِف لك مالك في الدنيا، ويُضاعِف لك الأجر في الآخرة، والمُرابي يقول لك: ادفع مائة وخُذّ مائة وعشرين فأنت الآن مُضعِف، لأنَّ مالك يتضاعف، فمَن نُصدِّق؟ هذا هو التحدي، هل نؤمن بالغيب حقاً؟ هل نؤمن أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى؟ هل نؤمن أنَّ الله تعالى يُضاعِف الصدقات ويَمحق الرِبا؟ فإذاً أول ما نزل في الإشارة إلى تحريم الرِبا بشكل واضح هي (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِبا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ) هذه في سورة الروم المكيّة، ثم بعد ذلك توالت الآيات فجاء قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِبا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278)
(سورة البقرة)

وجاء قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) كما في سورة آل عمران.
فإذاً أيَّتُها الأخوات الكريمات، وأيُّها الإخوة الأكارم، نحن أمام معصيةٍ عظيمة، بَدأ تَحريمها من الشرائع السابقة وبَدَأ تَحريمها في مَكّة، واختُّتِم تحريمها في آخر ما نَزَل من القرآن الكريم في المدينة، وفي سورة البقرة، لمَّا ذكر الله تعالى في سورة البقرة الإنفاق، وفضل الإنفاق في سبيل الله، وما يُعطي الله تعالى للمُنفقين، وما أعدَّ الله تعالى لِمَن يبذلون أموالهم للفقراء والمساكين، وبيَّن ذلك في آيات كثيرة، جاء بعد ذلك بالآيات التي تُحرِّم الرِبا، لأنَّ الرِبا نقيض الإنفاق، الإنفاق هو بَذل المال يبتغي الإنسان به وجه الله تعالى، والرِبا هو بَذل المال يبتغي الإنسان به الإضرار بالآخرين، وأكل أموالهم بالباطل، فإمّا قرضٌ حَسن أجره عند الله، وإمَّا قرضٌ رِبويٌ يَمحقه الله:

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
(سورة البقرة)

فجاءت آيات الرِبا في سورة البقرة مباشرةً، عَقِب آيات الإنفاق للدلالة على أنَّ الله تعالى هنا يتكلم عن النقيضين، الإنفاق الذي يُبتغى به وجه الله، والرِبا الذي يُراد به الإضرار بالناس، وأكل أموالهم بالباطل، هنا أعود مرةً ثانية لأقول: يجب أن نُصدِّق الله:

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)
(سورة النساء)

بالآلة الحاسبة الإنفاق نقص مال والرِبا زيادة مال، عند الله الرِبا مَحق مال، مَحقُ بركته وذهاب خيره، والإنفاق مُضاعفة مال، هذه لا يعرفها ربما الاقتصاديون من غير المسلمين، لأنّهم ينظرون بعين المادة فقط، لكن الله تعالى يُخبرنا عنها ونحن نؤمن بالغيب.

الإنسان لا يُقدِّم شيئاً بلا مقابل فهو جُبل على محبة المال:
أُريد أن أضيف شيئاً هنا على الهامش، لا يوجد إنسان في الأرض يبذُل شيئاً لا يُريد في مقابله شيئاً، نعم أنا أعيّ ما أقول، حسناً والذي يُنفِق ماله ولا يريد شيئاً من الناس، هذا لا يريد شيئاً من الناس، لكنه يُريد شيئاً أعظم وأعمق وأجلّ، من الله، لا يُقدِّم الإنسان شيئاً بلا مقابل، لا تُصدّقوا أحد يُقدِّم شيء هكذا لأنه يُريد أن يُقدِّم شيئاً، الإنسان جُبِل على محبة المال، على محبِّة الأشياء التي يملكها، فهو عندما يَبذُلها يُريد ما يُقابلها، الدليل في سورة الإنسان قال تعالى يتحدث عن المؤمنين:

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8)
(سورة الإنسان)

حسناً الآن:

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)
(سورة الإنسان)

قالوا لا نريد منكم، ما قالوا لا نريد جزاءً قالوا منكم، نُريد جزاءً ونريد شُكوراً ولكنَّنا لا نريده منكم، بعد أن أعطاهم الله تعالى ما أعطاهم لقاء ذلك، وبعد أن أثابهم جنَّةً وحريراً:

وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا (12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ ۖ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا (13( وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا (14) وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا (15)
(سورة الإنسان)

إلى آخر الآيات، ماذا قال المولى جلَّ جلاله؟ قال:

إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا (22)
(سورة الإنسان)

أنتم ما أردّتم من البشر جزاءً على أعمالكم، ولا أردّتم كلمة شُكر، أعطيتموهم المال وانصرفتم، لكن الله تعالى أعطاكم الجزاء وأعطاكم الشكور، فشكر لكم عملكم وجزاكم عليه خيراً كثيراً، فالإنسان يُنفِق يُريد شيئاً في مُقابله، يبذِل يُريد شيئاً في مُقابله، فإمَّا أن يُريده من الله، وهذه هي الصدقة، وهذا هو العقل والفهم العميق، وإمَّا أنَّه يُريده من الناس فيُرابي، فأيهما تُريد؟ أنت اختار لنفسِك، إن كنت تُريد الأجر، والثواب، والشُكور، والجزاء من الله، فاجعل صدقتك قرضاً حسناً، فالذي يُقرِض الناس قرضاً حسناً يُضاعفه الله له أضعافاً كثيرة، والذي يُقرض الناس قرضاً حسناً كأنما تصدَّق عليهم، كما ورد في الصِحاح، وإن أراد الإنسان الرِبا فإنَّه يُريد الجزاء المَحدود، ومَذمّة الناس وعذاب الله تعالى.
فإذاً أيَّتُها الكريمات وأيُّها الكرام، الرِبا هو من المُحرَّمات لا ريب في ذلك، وهذا من مسائل الإجماع.

ما هو الرِبا؟
ما هو الرِبا؟ الرِبا في اللغة من الزيادة، وهذا مثله قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)
(سورة الحج)

من الزيادة، النمو، الفَضل، ومنه الرابية، فنحن نقول هذه رابية، لأنّها قد سالت على الأرض المستوية، ارتفعت فهي رابية، رَبَت، وورد هذا المعنى في القرآن قال تعالى: (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) أي يزيدها ويُنمّيها، مع أنها نقصٌ بالمال، لكن الله يُربيها، أي يزيدها.
وذكر هذا المعنى أيضاً ربُّنا في القرآن الكريم فقال:

وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)
(سورة النحل)

أي أزيَّد منها في العطاء، في الخير، في النماء، (أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ ) أي أزيَّد من أُمَّة، فإذاً الرِبا هو الزيادة، هذا المعنى اللغوي، أمَّا الرِبا في الشرع فهو زيادةٌ أيضاً، لكنها زيادةُ مخصوصة في أشياء مخصوصة، يعني ليست كل زيادة في الشرع رِبا، أنا لو اشتريت هاتف بمائة وبعته بمائة وعشرة هذا بيع، فهو فيه زيادة، لكن ليست كل زيادة في الشرع رِبا، هذا بيع.

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِبا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)
(سورة البقرة)

لكنه زيادة في أشياء مخصوصة، وهي القروض والأصناف الرِبويّة الأُخرى، الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فالرِبا في اللغة هو الزيادة في كل شيء، قد تكون زيادةً حسنة أو سيئة، الشرع خصَّص معنى الرِبا في الاصطلاح، ليكون زيادةً في شيءٍ مخصوص مُحدد.
والرِبا كما أسلفت لكم، مُحرَّمٌ في كل الشرائع التي سبقتنا ومُحرَّمٌ في شريعتنا، والأدلة على تَحريمه كثيرة، ومنها الآيات التي ذكرناها وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِبا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) كما في سورة البقرة.
ومنها قوله تعالى في سورة آل عمران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
ومن جهل البعض ممن يُريدون أن يُحِلّوا ما حرم الله تعالى، أنهم قالوا: إنما نهى الله تعالى عن الرِبا عندما يكون أضعافاً مُضاعفة، وأمّا عندما يكون شيئاً يسيراً فإنَّ الله تعالى لم ينهى عنه! فالله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً)، وهؤلاء نُجيبهم بجوابين، الجواب الأول سهل جداً وهو أنَّ الله تعالى أنزَل بعد ذلك قوله: (اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِبا) فحرَّم الرِبا كله بنَصٍّ صريحٍ قاطع، والإجابة الثانية: أنَّ هذا القيد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) ليس قيداً احترازياً، بمعنى ليس المقصود أن لا نأكل الرِبا عندما يكون أضعافاً مُضاعفة، ولكنه قيدٌ لبيان الحال، بمعنى أنَّ الله تعالى يُبيّن ما يؤول إليه الرِبا فيُبيّن شناعته، لأنَّ الرِبا غالباً ما يبدأ بشيءٍ يسير، ثم يَتضاعف أضعافاً مُضاعفة.

أصل الرِبا ومنشأه من عند اليهود:
سابقاً كان المُرابي رجُلاً له ثيابٌ رثَّة، وبالمناسبة الرِبا في أصله نشأ عند اليهود، وكلمة البنك في الأصل كلمة من عند اليهود، فهم من أنشؤوا الرِبا.
أنا كنت في دمشق مُدرّس لغة عربية في أيامٍ خَلت، فعندنا كان في كتاب الصف الثامن، نَص عن الرِبا يتحدث عن مُرابي، والحقيقة النَص جميل ويُبيّن فظاعة وشناعة المُرابي، وكيف يتحكّم بالمزارعين وكيف يبيعون أراضيهم من أجله، لكن للأسف فيه خطأ، وهو أنَّ مفتتحه، فتح أحمد تفاحة دكانه، سَمّوا المُرابي أحمد تفاحة، فعندما قرأت النَص على التلاميذ، قرأت فتح شاؤول دُكانه، فضاج الصف، قالوا أستاذ النَص أحمد تفاحة، من أين جئت بشاؤول؟! قلت لهم هناك تعديل، يبدو النَص عندكم لم يُعدَّل بعد، يعني ضعوا خطّاً فوق أحمد تفاحة، اشطبوه وضعوا فوقه الاسم الجديد شاؤول، لأنَّ أحمد المفترض أنَّه لا يُرابي، لأنه مُنتسبٌ إلى أُمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أمَّا الرِبا فأصله من عند شاؤول من عند اليهود، فعلاً هذه هي الحقيقة، حتى لا يقع في أذهانهم بأنَّ الرِبا مُرتبط بإسم أحمد، فأصل الرِبا من اليهود قال تعالى: (وَأَخْذِهِمُ الرِبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ).
فإذاً كيف كان وضع الرِبا في الأضعاف المُضاعفة؟ المُرابي شخص رثّ الثياب، مُتّسِخ البنك الذي أمامه يعني الطاولة، يُقرِض المزارعين، يأتون إليه وهم بحاجةٍ إلى المال من أجل أن يسقوا مزروعاتهم، ومن أجل أن يأتوا بالبذور ويقلبوا الأرض فيُقرِضهم المال، ويقول لهم خذوا هذه المائة وتعيدونها لي بعد عام مائة وعشرون، فيأخذونها بحكم أنهم لا يجدون ما يفعلون غير ذلك، فيأخذونها ويزرعون أرضهم، يأتي الموسم فيه إشكال، فيعودوا إليه بعد عام، والله لا نستطيع السَداد هذا العام، ما زرعناه أكلناه، فيقول لهم إذاً أبقوا المال عندكم سنةً أُخرى، وسيصبح بدل المائة والعشرين هذه المرة مائة وثمانين، ثم مائتين، ثم ثلاثمائة، ثم يقول لهم: أُريد مالي بعد ثلاث أو أربع سنوات، فلا يجد المزارع إلا أن يبيع أرضه ويُعطيه المال، ثم يعمل عنده بدراهم محدودة، فيكون هذا المظهر الذي يُقزّز وتشمئز منه النفوس.
اليوم وأعني ما أقول، لم يَعُد هذا المنظر موجوداً ربما في بلادنا، موجود ومازال في بعض البلدان، لكن عندنا قلَّ كثيراً أن تجد من وحده يُرابي، لكن اليوم أصبح هناك بنك، جعلوا لها مؤسسة، وهذه المؤسسة تدخلها بثيابك الأنيقة، ويستقبلك الموظف بثيابه الأنيقة، ويُعطيك أوراق مطبوعة، وهو يلبس ربطة العنق، والطقم غالي الثمن، لم يعد المُرابي كما كان سابقاً، فتوقّع أوراقاً وتأخُذ قرضاً، ويَزيد هذا القرض، وتُعاد جدولته كل سنه أو سنتين حتى في النهاية المائة التي دفعتها، والله أعرف شخص هنا في عمّان، امرأة سمعتها على الإذاعة، اتصلت لتستفتي الشيخ قالت له: أنا اقترضت قرض بالرِبا منذ خمسة وثلاثين سنة، حتى اليوم هي تتكلم عن إعادة جدولة الديون، كيف يُعيدون الجدولة بحيث لم تَعُد تستطيع أن تُسدّد فقالت له: حتى اليوم أنا لم أُسدّد إلا ثمنه الأصلي، وبقيَّ عليَّ ما يُعادل الثمن الأصلي فوائد، فالرِبا يؤول إلى الأضعاف المُضاعفة، ليس المقصود (لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً) بمعنى أن تأكلوه ضِعفاً واحداً، لا، المقصود أنَّ الرِبا حاله أنَّه يؤول إلى أضعافاً مُضاعفة، هذه حاله، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِبا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

الرِبا من السبع الموبقات كما جاء في السُنَّة النبوية:
أمّا في الحديث، من الأحاديث الشريفة التي حرَّمت الرِبا، الحديث الذي رواه البخاري ومسلم وفي صحيحهما، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:

{ اجتَنِبوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ. قيل: يا رَسولَ اللهِ، وما هُنَّ؟ قال: الشِّركُ باللهِ، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفسِ التي حرَّم اللهُ إلَّا بالحَقِّ، وأكْلُ الرِبا، وأكْلُ مالِ اليَتيمِ، والتوَلِّي يومَ الزَّحفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المُؤمِناتِ. }

(صحيح البخاري ومسلم)

الموبقات أي المُهلكات، وهذه السبع من الكبائر، فعدَّ من السبع الموبقات أكل الرِبا، أن يأخُذ الإنسان ما يُسمّى اليوم بالفوائد، فيضع ماله في البنك ويقول أعيش من فوائده، أيَّ فوائد تلك؟! هذه ليست فوائد هذه مضار، اليوم المُصيبة أنهم يُسمّوا الأشياء بغير مُسمّياته.

{ ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ }

(أخرجه ابن داوود وابن ماجه وأحمد)

كما قال صلى الله عليه وسلم، فاليوم المشروبات الخمر والعياذ بالله، الكحول تُسمّى مشروبات روحيّة، أيُّ روح؟!! اليوم المرأة التي لا تتقيد بشرع الله تعالى في لباسها، وفي حركاتها، وفي مشيتها، تُسمّى امرأة سبور، أي سبور هذا؟! هذه امرأة مُتفلّتة بمنهج الله، هذا الوصف الصحيح الذي هو وصف شرعي، اليوم الشخص المُنافِق لا يُسمّى مُنافِقاً، يُقال عنه لَبَق، أي لباقة في أن تأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه؟! فإذاً الناس يُسمّون الأشياء بغير مُسمّياتها، من ذلك أنهم اليوم لا يُسمّون الرِبا رِبا، يُسمّونه فوائد، أيُّ فوائد تأكلها؟! أنت تأكل الرِبا.
فقال: (اجتَنِبوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ) وعدَّ منها أكل الرِبا، والقرآن الكريم كما في سورة البقرة ونحن في الحديث عنها، قال في أول آية التي ذكرت آيات الرِبا في سورة البقرة، وصف الله آكلي الرِبا فقال (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِبا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) هبّ أنَّ إنساناً مُسَّ بجنون، كأن الشيطان قد مَسَّه بجنون أو بصرَع، فقام من نومه وبدأ يتخبط يَمنةً ويَسرةً، هذا حال المُرابين عندما يقومون من قبورهم للحساب يوم القيامة (إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ)، ما الجريمة التي ارتكبوها؟ قال: (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِبا)، ما الذي فعلوه؟ تخيلوا ما قالوا الرِبا مثل البيع، بل قالوا البيع مثل الرِبا، البيع هو الأصل جعلوه فرعاً، وجعلوا الرِبا أصلاً، فقالوا: البيع مثل الرِبا، نحن نُشبّه الفرع بالأصل فنقول: الفتاة كالوردة في الجمال، لكن لا نقول الوردة كالفتاة، إلا بحالات نادرة عندما نريد مُبالغة بموضوع، فهُم ما قالوا الرِبا مثل البيع، البيع الأصل، ونحن نُرابي والرِبا قريب من البيع، لا بل قالوا (قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِبا)، وكأنَّ الرِبا هو الأصل، والبيع أصبح تَبَعاً، (قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِبا)، ماذا أجابهم المولى جلَّ جلاله؟ قال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِبا)، لأنكم لا تفهمون حكمة الباري، فهذا ما يناسبكم، أن نقول لكم أحلَّ الله البيع وحرَّم الرِبا، يكفي أنَّ الله أحلَّ البيع وحرَّم الرِبا حتى تتركوه.
هُم ماذا قالوا؟ البيع تشتري بمائة وتبيع بمائة وعشرون، ونحن نُعطيه مائة ويعيدها مائة وعشرون، لا، هذا ليس كذاك، سنأتي على ذلك في الأدلة العقلية، لكن هذا ليس كذاك، قال: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِبا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ)، انتهى عن الرِبا، الماضي قبل التحريم عفا الله عنه، طبعاً هذا قبل التحريم، أمَّا اليوم لا بُدَّ أن يتخلص من المال الحرام، لأنَّه يفعل الحرام والحُكم قد نزل (فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) حتى هنا قال (وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ)، (وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، معصية يتوَعّد الله تعالى عليها بالنار لأنَّها من الكبائر، من عاد إلى الرِبا بعد أن نُهيَّ عنه (وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

الله تعالى يُضاعف الصدقات ويمحقّ الرِبا:
(يَمْحَقُ اللَّهُ الرِبا) يمحق بركته مهما بدا أنَّه شيءٌ فيه الخير (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) ويُضاعِف الصدقات ويزيدها عنده جلَّ جلاله، (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ثم يقول المولى جلَّ جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِبا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، وفي حجة الوداع وقف النبيُّ صلى الله عليه وسلم فقال:

{ كنتُ آخذًا بزمامِ ناقةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أوسطِ أيامِ التشريقِ في حجةِ الوداعِ فقال فيما يقولُ أيُّها الناسُ إنَّ كلَّ رِبا موضوعٌ إنَّ أوَّلَ رِبا يُوضَعُ رِبا العباسِ بنِ عبدِ المطلِبِ لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظلِمونَ ولا تُظلَمونَ }

(الهيثمي إسناده صحيح)

حتى لا يقول قائل أنَّ هناك رِباً مسموح، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِبا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)، فقط خُذ رأس مالك.

وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (280)
(سورة البقرة)

ما الحل؟ ما عنده ما يوفيه، أنظِره، أمهله، ألا تبتغي شيئاً عند الله؟ (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ) المدين مُتعسِّر لا يستطيع السَداد ماذا أفعل معه؟ قال: (فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ) أمهِله حتى تتيسّر أموره، (وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ) وإذا كنت غني تصدَّق عليه، قل له سامحتك بالدَين يا أخي، والأجر عند الله،(وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) إن كنتم تعلمون ما أعدَّ الله عزَّ وجل من الثواب العظيم، ثم يقول المولى جلَّ جلاله:

وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
(سورة البقرة)

وهذا آخر ما نَزَل من كتاب الله، عَقِب آيات الرِبا.

لعن الله تعالى كل من شارك في جريمة الرِبا لأنهم يُعينون على أكل الرِبا:
فهذه الآيات حرَّمت الرِبا، وتلك الأحاديث حرَّمت الرِبا، والنبي صلى الله عليه وسلم، كما في البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ( لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِبا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ).
(آكِلَ الرِبا) الذي يأخُذ ما يُسمّى الفوائد، المال الرِبويّ، (وَمُؤْكِلَهُ) الذي يقول لك أنا لا آكل الرِبا، لكن أخذت قرض وأُعطي فوائد عليه، (وَكَاتِبَهُ)الذي يكتب العقد بين الطرفين، (وَشَاهِدَيْهِ) مَن يشهد عليه، لأنَّ هؤلاء الكاتب والشهود، يُعينان على أكل الرِبا، والله تعالى يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)
(سورة المائدة)

(وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ) كلهم عند الله سواء، كل من شارك في هذه الجريمة فهو سواء في هذا الأمر.

جاء الإسلام بتحريم القروض كلها:
اليوم هناك شُبهة قبل أن أدخل في تفاصيل أنواع الرِبا، هناك شُبهة مطروحة اليوم على وسائل الإعلام كثيراً، وهذه الشُبهة مفادها أنّ الله تعالى عندما حرَّم الرِبا، إنّما حرَّمه في القروض الاستهلاكية وليس في القروض الإنتاجية، واليوم البنوك تُقرِض قروضاً إنتاجية، وتأخذ أموالاً للإنتاج، يعني هذا الأمر الآن فطِنتم له، على مدى ثلاثة عشر قرناً، لم يفطَن له أحد، وأنتم الآن ما شاء الله فطِنتم أن تُميزوا بين القرض الإنتاجي والقرض الاستهلاكي، وأعطيتم لكل واحدٍ منهم وصفاً، وقلتم الآن هذه قروض إنتاجيّة! طبعاً ماذا يقصدوا بالقروض الاستهلاكية؟ الاستهلاكية أن يأخُذ الإنسان المال ليأكل، ويشرب، ويلبس، ويتعالج من مرضٍ ألمَّ به، يعني يستهلك المال، والإنتاجي يأخذه ليعمل به ويربح، فقالوا هناك فرق بينهما، والحقيقة أنَّه لا فرق، عِلماً أنَّ أكثر القروض التي كانت تؤخذ في الجاهلية، ومنها قروض العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنه، كانت قروض كما يُسمّونها إنتاجية وليست استهلاكية، وجاء الإسلام وحرَّمها لأنَّ الذي يأخذ القرض الاستهلاكي قليل ليأكل ويشرب، كانوا يأخذونها من أجل أن يعملوا بها، ولو كان من أجل أن يأكلوا ويشربوا لَمَا حرّمها الله، لأنَّ الإنسان إذا اضطر للأكل والشرب، وليس معه مال، له أن يأخُذ القرض الرِبوي ليأكل ويشرب، وسنأتي على الضرورة وأحكامها، لكن هي قروض إنتاجيّة في الأصل أكثرها، الناس لماذا يأخذوا القروض؟ لأنه يقول لك أُريد أن أفتح مشروع، أُريد أن أوسِّع المعمل، هكذا تؤخذ القروض، ليس الآن، من الجاهلية، فالإسلام جاء ليُحرِّم كل قرضٍ يَجرُّ نفعاً للدائن.

{ كُلُّ قَرضٍ جَرَّ نفعًا فهو رِبا. }

(أخرجه الديلمي والحارث حكمه ضعيف)

فجاء بتحريم القروض كلها، ولم يُميّز الإسلام بين قرض إنتاجي وقرض استهلاكي، كلاهما فيه استغلال لحاجة الناس، سواءً أخذها من أجل أن يأكل بها، أو أخذها من أجل أن يتداوى بها، أو أخذها من أجل أن يُتاجِر بها، كلّها قروض، البديل هو الربح الحلال، تُشاركه، تدخل معه بمالك مُضاربةً، منه الجهد ومنك المال، والأرباح مناصفةً، أو حسب النسبة المُتفق عليها، سبعون، أربعون، ستون، ثلاثون، حسب ما تتفقون عليه بينك وبينه.

لماذا حرَّم الله تعالى الرِبا ؟
الآن أخواتنا الكريمات وإخوتنا الكرام، قد يسأل سائل ما الحكمة من تحريم الرِبا؟ لماذا حرَّم الله تعالى الرِبا؟
بادئ ذي بدء أود أن أُميّز بين شيئين، الشيء الأول: هو الحكمة، والثاني: هو العِلَّة، عِلَّة أيُّ أمرٍ أنَّ الله تعالى أمر به، فيكفينا أن نقول إنَّ الله حرَّم الرِبا حتى ننتهيَّ عنه، فقط يكفي، الله حرَّم الرِبا ماذا تريد غير ذلك؟ يعني إذا كان هناك أبٌ مُحسِن وقال لابنه: يا بُنيّ هذه الغرفة لا تدخلها، الابن البار لا يسأل والده لماذا، يقول له: حاضر، أنت أبي وأنت أعلم بمصلحتي، وأنت أعلم بالخير، وتريد لي الخير فأنا لن أدخل الغرفة وانتهى، ولا يسأله لماذا أصلاً، لذلك نقول يكفي أنَّ الله حرَّم شيئاً حتى نتركه، ويكفي أنَّه أحلَّه حتى نأتيه، لكن لا مانع أن نتلمّس الحِكَم، لكن الحِكَم لا يتوقف عليها الشيء، يعني لو افترضنا جدلاً حتى أوضح، ما العِلَّة التي سمح الله تعالى فيها أو أجاز فيها القصر للمسافر في الصلاة، قصر الصلاة للمسافر، العِلة أنَّه مُسافر، فإذا سافر يقصِر الصلاة، ما الحكمة؟ وجود المشقّة، لكن الآن لا يوجد مشقّة، السفر سهل جداً، ينزِل بفندق خمس نجوم، انتهى الأمر مسافر، يجوز لك أن تقصِر، وجِد السفر وجِد القصر، الحكمة شيءٌ آخر.
مثال أوضَح لماذا حرَّم الله لحم الخنزير؟ ما العِلَّة؟ لأنَّه لحمٌ لا يجوز أكله فقط، حيثما وجد لحم الخنزير فهو مُحرَّم، ما الحكمة؟ مُضر، فيه دودة شريطة لا تموت حتى بدرجات حرارة عالية، حسناً إذا ربيناه بمزارع خاصة، وطهوناه طهواً خاصاً، وعقمناه تعقيم خاص، اليوم لدينا وسائل للتعقيم، هل يصبح حلالاً؟ لا هو لحم خنزير فهو حرام، فعندما نتلمّس الحِكَم لا يعني ذلك أننا نربِط الحكمة بالحُكم، الحُكم موجود لارتباطه بالعِلَّة، أمَّا الحكمة شيءٌ آخر، نتلمّسُها حتى نعلم بعض أسرار التشريع لعلّنا نفهم شيئاً، وهناك أشياء قد تغيب عنّا.

الحِكَم من تحريم الرِبا:
فما الحِكَم من تحريم الرِبا؟
أولاً: من الحِكَم أنَّ الرِبا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عِوض، كل شيءٍ يُقدّمه الإنسان يُقدّمه في مقابل عِوض، يعني أنا آخذ منك مائة مقابل أن أُعطيك سِلع، أمَّا عندما آخذ منك عشرين فوق المائة فهذه ما عِوضها؟ ليس لها عِوض، الآن تقول لي: الزمن، أو انخفضت قيمة العملة، لا هناك قرض حَسَن، هذا إذا ما أردت، ولم تُرِد أن تُقرِض فلا تُقرِض، لكن لا تأخُذ شيء من أموال الناس بالباطل من غير عِوض، حُرمة مال الإنسان كحُرمة دمه.
ثانياً: وهو الأهم في قضية تحريم الرِبا، أنَّ الله تعالى عندما خلق المال، أراد للناس أن يشتغلوا بالمكاسب لتحصيل المال، فالمال في شريعة الإسلام لا يلد المال، ولكن المكاسب والأعمال تَلِد المال، يعني اليوم أنا أُريد ألف دينار، عندي نقص ألف دينار ماذا أفعل؟ أذهب إلى وظيفة، فأتوظف فأكسب آخر الشهر ألف دينار، فعملي ولَّد لي مالاً، أو معي ألف أُتاجر فيها فتصبح في آخر السنة ألفين، فالعمل ولَّد المال، فالأعمال تَلِد المال، المكاسب تَلِد المال، لكن ما هو الرِبا؟ المال يلِد المال، يعني أنا أُتاجر بمالي وليس بالسِلع، وليس بالعمل، وليس بالجُهد، معي مال أضعه بالبنك وأجلس في البيت، معي مال أُعطيه لإنسان ويعيده لي آخر السنة مضافاً له عشرون بالمائة، فأنا هنا أُتاجِر بالمال الذي هو مادة الحياة، ما الذي يحصُل؟ يتجمّع المال في أيديٍ قليلة، وتُحرَم منه الكثرة الكثيرة، يقال في بعض الدراسات اليوم، أنَّ عشرة بالمائة من سكان أهل الأرض، يملكون تسعون بالمائة من ثروات الأرض، وأنَّ تسعون بالمائة من أهل الأرض، يملكون عشرة بالمئة فقط من ثروات الأرض، ويقال أنَّه لو وزِع المال توزيعاً عادلاً في الأرض دون رِبا، ودون تجارات غير مشروعة، لأخذ كل فرد في الأرض يومياً مائة دولار، فتخيّل حجم تكدُّس الأموال بين الأغنياء وحِرمان الفقراء، هذا من أعظم أسبابه الرِبا، والله تعالى لا يُريد للمال أن يكون دُولةً بين الأغنياء، قال:

مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)
(سورة الحشر)

المال لا ينبغي أن يُتداول بين عشرة أشخاص، وتسعين شخص ما عندهم ما يأكلون، ينبغي أن يُتداول بين مائة شخص، فكلما عمل الإنسان بالمكاسب تداول المال أكثر.
يعني أنا اليوم أُريد أن أُنشِئ مشروعاً صغيراً جداً جداً، من أجل بيع مُنتج، عندي مُنتج، أنا أُنتِج في البيت صابون، قطعة صابون فأُريد أن أبيعها وأربح بها، أنا الآن بحاجة مواد أولية، فسأحتاج مثلاً لثلاثة تُجّار ليبيعوني المواد الأولية، بعد ذلك أُريد كيس لأُغلِّف، فأُريد معمل الأكياس، وأُريد أن أطبع الاسم التجاري الذي أخذته فأُريد مطبعة، وأُريد بطاقة فأحتاج كرتون، وأحتاج إلى فواتير من أجل أن أُقدِّر، فسأطبع فواتير عند المطبعة، وأحتاج إلى مندوب، وأحتاج إلى سيارة، وأحتاج إلى سائق يقود السيارة، لاحظوا كم شخص، عملت مع عشرة حتى أنا أبيع المُنتج، حتى أحصل على ربح العشرة بالمائة الذي أُريده، فعمِلت مع عشرة كل واحدٍ منهم عنده عائلة خمسة أشخاص، فأنا بمشروع صغير أشغلت خمسون شخص وأنا أَعمَل، فالله يريد اليد العُليا التي تعمل، لا يُريد الشخص الذي يجلس في بيته ويدفع المال وينتظر في نهاية الشهر، فيصبح المال عندها مُتداولاً، البنوك تُمسِك الأموال، عندها تكثر الأموال في أيديها، والناس لا يجدون ما يأكلون وتعمُّ البطالة في المجتمع، لذلك حرَّم الإسلام الرِبا.

حرّم الإسلام الرِبا لأنه يؤدي إلى انقطاع المعروف بين الناس:
وقيل من الحِكَم في تحريم الرِبا، أنَّه يُفضي وهذا أمر مهم إلى انقطاع المعروف بين الناس، أين المعروف بين الناس؟! كيف نستغل حاجة الناس؟! شخص يُريد مائة ليأكل أو ليشرب أو ليُتاجر بشيء بسيط، فآتي إليه وأقول له: لن أُعطيك حتى تزيد المال، انقطع المعروف بين الناس.
وأخيراً المُقرِض غالباً يكون غنياً، المُقرِض معه مال فهو غنيّ، والمُستقرِض غالباً يكون فقيراً، فعندما نُجوِّز عقد الرِبا نُمكِّن الغني من رقبة الفقير، وهذا لا يجوز برحمة الله تعالى الرحمن الرحيم، هذه بعض الحِكَم التي نتلمّسها لكن أهمّها و احفظوها.
أهم حكمة في تحريم الرِبا، انتبهوا لا أقول عِلَّة بل أهم حكمة في تحريم الرِبا، أنَّ الإسلام في فلسفته للمال، لا يقبل أن يَلِد المَال المال، وإنّما المال ثمن، ينبغي أن تَلِد السِلع المال، أن تَلِد المكاسب المال، أن تَلِد الأعمال المال، وليس أن يَلِد المَال المال.

أنواع الرِبا:
الآن ما أنواع الرِبا؟ باختصار الرِبا نوعان: رِبا القروض أو الديون، ورِبا البيوع.
رِبا الديون: هو الذي جاء القرآن بتحريمه، وهو الذي كان سائداً في الجاهلية، وهو الذي تفعله البنوك اليوم، رِبا القروض يُقرِضه ويزيد في المال الذي أقرضه إياه، سواءً كان هذا القرض لأكله وشربه أو كان هذا القرض من أجل أن يعمل به، المهم أنه أنا أُعطيه مالاً وآخذ عليه نسبة ثابتة، البديل الشرعي الشراكة، المُضاربة، أنت تملِك المال وأنا أملِك الجُهد، أعطني مالك لأُتاجر به كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم بمال خديجة فيُضارب به، هو يستطيع أن يُتاجِر وخديجة رضي الله عنها لا تستطيع ذلك، فأعطته مالها فأصبح يُتاجِر به ويعود إليها، رأس المال مائة، وربحنا أربعين، عشرون لكِ وعشرون لي، فيُضارب بمالها، وإذا خَسِر، تخسَر مالها، هو لا يخسَر لأنه هو جُهد، إلا إن قصَّر، الإنسان إذا قصَّر أو تعدَّى ولم يحفظ المال يُحاسَب، لكن إذا بذل جهده وصار هناك أمطار غزيرة وسيول، فتلَفِت البضاعة، أو زلزال وضاعت البضاعة، أو احترقت، أو انخفض سعرها فجأةً، فهذا هو غير مسؤول عنه، فهو يخسَر جُهده، وصاحب المال يخسَر جُزءً من مالهِ أو ماله، هذه طبيعة التجارة والحياة ربح وخسارة، أمَّا أن نُقرِض المال ونُسمّيه فائدة، أو نُسمّيه ربح، البعض يُسمّيه ربح، يقول يُعطيني أرباح، كل شهر يُعطيني أرباح ألف، هذه ليست أرباح هذا رِبا لأنّه نسبة ثابتة، الربح نقول عشرة بالمائة، فكم تكون هذه العشرة بالمائة، سبعمائة ثمانمائة لا نعرف، لي عندك عشرون أو خمسون بالمائة من ربحك، نسبة شائعة في الربح وليست من أصل المال، يعني لا أُقرِضك ألف وأقول لك أُريد عشرة بالمائة على الألف، لا، بل أُريد عشرة بالمائة من ربح الألف، فالربح يَحلُّ مكان القرض الرِبوي، أو القرض الحَسَن، إذا شخص تُحبّ أن تُقرِضه قرضاً حَسناً تبتغي به وجه الله، أو الشراكة، الشراكة مال مع مال، أو مال مع جُهد، أو مال وجُهد مع مال وجُهد كله جائز، لكن ينبغي أن أكون شريكاً أتحمّل الربح والخسارة، فرِبا الديون هو أشدُّ أنواع القروض وهو المعروف اليوم، لكن للأمانة العلمية والموضوع لنستكمله هناك رِبا البيوع.
ورِبا البيوع: باختصار يكون بالأموال الرِبوية التي بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

{ الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ. }

(صحيح مسلم)

والبُرّ أي القمح.
هذا الموضوع يحتاج إلى تبسيط وإلى وقت، فأنا سأختصره لأنَّ هذا النوع لم يَعُد شائعاً اليوم، أو أعتقد أنَّه نادر إلا بقضية الذهب بالذهب، أحياناً يُخطئ البعض، على كل حال (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ) هذه لأنها أثمان وينوب عنها اليوم الدرهم، والدينار، والدولار، والجنيه، والفرنك الفرنسي، وكل أنواع العُملات، فأنا اليوم إذا عندي قطعة ذهب عشرة غرامات قديمة جداً، وصديقتي عندها قطعة ذهب خمسة غرامات وجديدة جداً، ونوع جديد، وماركة جديدة ومميزة، فقلت لها أُعطيكِ قطعة الذهب التي لدي عشرة الغرامات الرديء، وآخُذ مقابلهم خمسة الغرامات التي لديكِ الجديدة، هذا لا يجوز، ممكن أن أُبدِّل سيارتي بسيارة، طقم الكنب الذي عندي بطقم آخر هذا يجوز، لكن بالذهب والفضة لا، الجنيه بالجنيه لا يجوز، الدولار بالدولار، بلبنان مثلاً هذه المائة دولار القديمة لا يأخذوها مع أنها فعّالة، لكن كعُرف المائة دولار القديمة لا يأخذوها، فلا يصح أن تقول له أُعطيك مائة وعشرة دولار قديمة، وتُعطيني مائة جديدة، لا يصح، لأنَّ هذا المال مادة الحياة، الذهب والفضة وما يقوم مقامها اليوم، لا يجوز أن أبدله ببعضه إلا أن يكون متساوي، يعني مائة دولار بمائة دولار، أُعطيك عشرة ليرات تُعطيني عشرة ليرات حديد، أُعطيك إياهم ورق تُعطيني إياهم حديد بنفس القيمة، (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ)، (سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ)
حسناً هذه التي عندها سوار قديم لا تُريده ماذا تفعل؟ لا تُريد القديم تقوم ببيعه وتأخُذ ثمنه، وثم تشتري سوار جديد، حتى لا يُصبح ذريعة للرِبا أبداً، فالإسلام يُغلِق كل منافذ الرِبا.
الآن مثل الذهب بالذهب والفضة بالفضة هناك أربع أصناف، هي المطعومات المَوزونة أو المكيلة، المكيلة مثل الحليب الموائع، والموزونة مثل الجوامد التي هي البُرّ، القمح، الشعير، التمر، فالمطعومات أيضاً لا تُباع إلا مِثلاً بمثل، لا يمكن أنا أن أقول لك خُذ طن قمح رديء وأعطني بدلاً عنه نصف طن قمح جيد لا، أبيع الرديء الذي لدي، وأشتري الجيد الذي عندك، حتى لا نعبث بأقوات الناس، بيع وشراء لكن لا أُبدّل، تُريد أن تُبدّل يجب أن يكون طن بطن، أمَّا طن بنصف الطن لا يجوز، قد يستغرب البعض هذه المسألة هل يجوز ذلك؟ نعم يجوز، مثلاً عندنا في سوريا في الجنوب السوري، عندنا قمح سميد قاسي جداً جداً لا يوجد مثله في العالم، في إيطاليا يصنعونها معكرونة اسباغيتي، هذه تحتاج إلى قمح قاسي جداً لأنَّ أطيب أنواع المعكرونة تحتاج إلى قمح قاسي، يُعطوننا طِنان من القمح الطري مقابل طن من القمح القاسي، موجود حتى اليوم، هذا لا يجوز شرعاً، لا يجوز أن أبيع طن بطِنان لأنَّ هذا رديء، هذا خفيف، هذا نوعه فاخر، وهذا نوعه أقل، لا أبداً، أبيع ما لدي وأشتري ما أُريده، هذا الرِبا حرّمته السُنَّة، رِبا البيوع وهو يجري في هذه الأصناف الستة وما يُماثلها، الذهب والفضة وما يُماثلهم من العملات، والأربعة أصناف، القمح والشعير والتمر والملح، وكل ما يُماثلها من المطعومات التي تُقاس عليها.
حسناً إذا أردت أن أبيع تمر بقمح لا يوجد مانع، تقول له: أنا أُعطيك عشرة كيلو تمر، تُعطيني بدلاً عنه مائة كيلو ملح لا مانع، لأنَّه اختلفت الأصناف، لكن ينبغي أن يكون البيع حالّاً وليس مؤجلاً، يعني فوراً أنا أُعطيك وأنت تُعطيني، ( فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ).
حسناً إذا غير هذه الأصناف لا يوجد مشكلة أبداً، أنا أُريد أن أبيع سيارة بسيارة وأدفع له الفرق لا مانع، أُريد أن أبيع طاولة عندي بطاولة لدي صديقي، هو طاولته أجمل من طاولتي فأنا سأُعطيه طاولتان صغيرتان ويُعطيني واحدة بدل عنها، لا مانع، أُعطيه طاولة ويُعطيني ثمنها بعد شهرين فرق الزيادة بعد شهرين لا مانع، التحريم فقط بالأصناف الرِبويّة، وهي الثمنيّة والطُعميّة، التي فيها الطُعم، من أصناف الطعام الموزونة والمكيلة، بتفصيل طويل عند الفقهاء لن أدخل فيه، لأن اليوم لم يَعُد له تطبيقات كثيرة، كان موجود بعصر النبي صلى الله عليه وسلم، أو بالأثمان، لكن بالأثمان ينبغي أن ننتبه، لأن اليوم يجري بالذهب والفضّة و الثمن.
حسناً إذا دولار بجنيه، لا مانع لكن يداً بيَد، يعني لا يوجد تأخير بالصرافة، اليوم محلات الصرافة ماذا تفعل؟ يقول له أعطيني مائة دولار، أُعطيك سبعين دينار، لا مانع من ذلك، ويأخُذ أجر على ذلك، لكن يجب أن يكون يداً بيَدّ، يعني قبض فوراً، أُعطيك وتُعطيني، أو قبض حُكمي، أضعهم في حسابك أو أُسلِّمَك إياهم في الشام، يعني نُحدّد السعر ونسير عليه.

الإنسان يحتاج في حياته إلى ضروريات وحاجيّات وتحسينيات:
على كل حال هذا الرِبا وهو رِبا البيوع، حرَّمته السُنّة وهو النوع الثاني مِن الرِبا، الآن من الأمور التي ينبغي أن نذكرها في هذا المجال، موضوع الضرورة، لا أُريد أن أُطيل كثيراً لضيق الوقت، لكن الأمور التي يحتاجها الإنسان في حياته، تُقسَم إلى ضروريات وحاجيّات وتحسينيّات.
الضروريات هي: الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها أبداً، يعني مثلاً الهواء ضرورة، الخبز ضرورة.
الحاجيّات هي: الأشياء التي يمكن أن يستغني عنها الإنسان، لكن يلحقه بالاستغناء عنها مشقّةٌ شديدة، يمكن أن يستغني عنها، لكن يلحقه بالاستغناء عنها مشقّةٌ شديدة، يعني مثلاً الرُز، يستطيع الإنسان أن يعيش بِلا الرُز، لكن هو من الحاجيّات الأساسية، اليوم الثلاجة في البيت من الحاجيّات، ممكن أن يعيش الإنسان بِلا ثلاجة؟ ممكن لكن هناك مَشقّة.
التحسينيّات هي: الفواكه، الكاجو هذه تحسينيّات، يعني لا يلحقه بتركها مَشقّة ولا يُضَطر إليها، فالضروريات والحاجيّات والتحسينيّات، هذا في الأصل.
الضرورة كما عرّفها الفقهاء: هي النازل مِمَا لا مَدفع له، يعني شيءٌ ينزل بِك لا تستطيع دَفعه عنك، وعرّفها الفقهاء أيضاً بأنها، أن يبلغ الإنسان حدّاً إن لم يتناول الممنوع هَلَك أو قارب الهلاك، كالمُضطر للأكل أو الُلبسِ، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلِفَ منه عضوٌ من الأعضاء، وهذا يُبيح تناول المُحرّم، قال تعالى:

وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119)
(سورة الأنعام)

وقال:

إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (173)
(سورة البقرة)


الضرورة تُقدَّر بقدرها فليست كل الضرورات تُبيح المحظورات:
يعني إنسان لا يوجد عنده ما يأكله، إلا قطعة من لحم الخنزير، فأكل جزءً منها ليُقيم أَوَدَهُ، والضرورة تُقدّر بقدرها، فلا يأكل حتى الشِبع، وإنّما يأكل ما يدفع عنه الضرر الذي لحق به، اليوم توسّع الناس في مفهوم الضرورة، حتى أنزلوا الحاجيّات مَنزِلة الضرورات، وللأسف هناك مَن أنزل التحسينيّات مَنزِلة الضرورة، يعني هناك شخصٌ اليوم يقول لك أنا أخذت قرض رِبوي، لماذا؟ لأنَّه نزل الآيفون خمسة عشر، وأنا ما عندي غير الآيفون الثلاثة عشر، ورفاقي كلهم عندهم الآيفون خمسة عشر، فأخذت القرض لذلك، هذه ليست ضرورة، أو أنا بيتي مائة متر، وأُريد بيت مائة وخمسون أو مائتي متر، لأننَّا لسّنا مرتاحين في البيت، هذه ليست ضرورة، قد تكون حاجة ولكنها ليست ضرورة، فالناس اليوم يتوسّعوا بمفهوم الضرورة، وهذه مشكلة كبيرة، فارتكبوا الرِبا بإسم الضرورة، فكل شخص يأخُذ مال بالرِبا يقول لك أنا مُضَطر، كيف مُضَطر!؟
فالضرورة لسنا نحن مَن نُقدّر الضرورة، الضرورة لها قواعد شرعيّة، "الضرورات تُبيح المحظورات" لا خِلاف في ذلك، لكن أي ضرورة؟ كل إنسان يقول أنا مُضَطر، نقول له أنت مُضَطر؟ الضرورة هي الشيء المُلجِئ لكَ الذي لا تستطيع دفعه مِن ضُرٍّ نزَل بِك، ممكن يقول إنسان أنا عَلَيَّ ديَن، قرض لشخص، وأنا مُهدّد بالسجن غداً، وسأترك عيالي بلا طعام وبلا شراب، وما عندي مال أؤدي به الدين، أو سيارة أبيعها وأدفع القرض، ما عندي شيء، هذه قد تكون ضرورة، يعني المُسّتفتي يدرُس الحالة ممكن تكون ضرورة، ممكن إنسان يقول أنا لا يوجد عندي في البيت ما آكله، هذه ضرورة، ممكن إنسان يقول أنا ابني مريض، وما أحد أعطاني مالاً، وطرقت باب الجمعيات ولم يقبلوا، ويجب أن أدفع لأُجري العملية لابني، العلاج ضرورة اليوم، أولادي لا يجدوا ما يسترهم برد الشتاء، ثيابهم باليَة وهُم يمرضون، أُريد أن أقترض مائة دينار، حتى لو دفعتها مائة وعشرة، لكن أُريد أن أُحضِر لأولادي، ضرورة، أنا أُعطي أمثلة، تشبه تماماً حالة المُضَطر التي ذكرها القرآن، الذي لا يجد ما يأكله، أمّا أنه كل إنسانٍ يتوسّع، أو أنه أُريد أن أشتري بيت، ضرورة، لكن قبل ذلك، أنت هل يوجد عندك سَكَن أو سقف يأويك؟ نعم عندي ولكن بالأُجرة، أُريد أن أنتهي من موضوع الإيجار، لا، أبقى أدفع الإيجار ولا آخُذ قرض بالرِبا، ولا أدخُل بالحرام ما دمت أستطيع، كثير من الناس مستأجرين للبيوت، فالضرورة تُبيح المحظورات صحيح، والضرورة تُقدّر بقدرها، والله عز وجل قال: (غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ) يعني لا يتعدّى حدود الله تعالى، ولا يبغي في ضرورته فلا يتجاوز حدّها، فينبغي الانتباه إلى الضرورة التي تُبيح المحظور، فليست كل ضرورةٍ تُبيح المحظورات، والضرورات تقدّر بقدرها.

ما هي المُرابحة؟
بَقيَ أمرٌ يجب ذِكره، وهو ما وَرَد في الإعلان عن قضية المُرابحة، المرابحة بيعٌ مِن بيوع الأمانة عند الفقهاء، وهو يعني أن أشتري السِلعة بعَشر، ثم أقول لِمن يُريد أن يشتريها مِنّي، هذه قد اشتريتها بعَشر، وأبيعها لكَ باثني عشر، على أن توفّيَني ثمنها خلال ستة أشهر، في كل شهرٍ درهمين، هذا اسمه بيع المُرابحة، يعني ربح، من الربح، هذا ليس رِبا لأن فيه سِلعة، ما دام السِلعة تولِّد المال لم يَعُد رِبا، أنا أشتري السِلعة وأبيعك إياها، (قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِبا)، هذه المُرابحة ليست كالرِبا، هذه مُرابحة، أشتري السِلعة وأبيعها، ما الفرق؟ بالسِلعة يوجد مخاطر، أنا اشتريت السِلعة، قد أبيعها وقد لا أبيعها، قد تَتلَف قبل أن تصل إليه،وقد أحملها إليه فتسقط على الطريق فتُكسَر مثلاً، في عنصر مخاطرة، أنا أعمل، وأحرِّك السوق، أشتري وأبيع، مجرد ما أصبح هناك سِلعة حقيقية، شراء وبيع، انتقل الحُكُم من قرض رِبوي إلى تجارة وربح، فالمُرابحة بيع مِن بيوع الأمانة، كيف من بيوع الأمانة؟ عندنا بالفقه ثلاث من بيوع الأمانة، مُرابحة وتولية ووضيعة.

أنواع بيوع الأمانة:
المُرابحة: اشتريت السِلعة بعشرة وسأبيعك إياها باثني عشر، أوضّح له، هذه سعرها عشرة و بإمكانك أن تشتريها بعشرة من المصنع، ولكن أنا أُريد أن أربح فيها، وسأعمل لك مقابل هذا الأمر تقسيط، أو ليس تقسيط، لكن أنت لا تُريد الذهاب إلى المحل، وأن تقوم بتشغيل سيارتك، تقول لي سوف أشتريها من عندك بدِرهم إضافي، لا مانع من ذلك.
التولية: بيع بنفس السعر، يعني أنا اشتريت السِلعة بعشرة ولا أُريدها، وسأبيعك إيّاها بنفس السعر، هذه اسمها التولية.
الوضيعة: اشتريتها بعشرة، وأنا اليوم بحاجة للمال، وسأبيعك إياها بثمانية، يعني وضعت، فهذه بيوع الأمانة يُسمّونها الفقهاء، وهذه البيوع جائزة لا خِلاف فيها، أشتري السِلعة وأبيعها بزيادة، أو بنفس السعر، أو بأقل، (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِبا).

ما الذي تفعله البنوك الإسلامية؟
بَقيَ موضوعٌ أخير ذُكر في الإعلان، حتى أستوفي الموضوع، وهو البنوك الإسلامية، والحقيقة أنا لم أدخل في حياتي بقضية البنوك الإسلامية، لم أدخل بها شخصياً، بمعنى أنني أنا شخصياً تعاملت مع البنوك الإسلامية، إلا بالإيداع والسحب فقط، يعني بالبطاقات الفيزا، يعني لتيسير الأمور فقط، ضمن مبالغ بسيطة، لم أشترِ سيارة من بنك إسلامي ولا بيت، ولم أدخل فيها بمعنى أنني حرّمت أو حلّلت مُطلقاً، و ربما الآن لن أدخل بها بالعمق، لأنني لا أُريد أن أُضيّق على الناس في مسألة من مسائل البنوك الإسلامية، ولا أُريد في الوقت نفسه أن أحمل شيئاً على عاتقي، وأصدقكُم القول، لكن البنوك الإسلامية لو أرادت أن تتحول إلى بنوك إسلامية ليس عليها أي شُبهة نهائياً، لكان ذلك ممكناً، لكن أنظمتها العامة لا تسمح لها بذلك، يعني اليوم البنك باستطاعته أن يشتري مائة سيارة ويبيعهم، ويربح بِهم، لكنه لا يريد أن يفعل ذلك، وسألت بعض القائمين على بعض البنوك الإسلامية، قالوا نحن فعلناها مرّة ولن نفعلها مرّةً ثانية، لأن فيها متاعب، التجارة متاعب، لكن هُم قالوا لن نفعلها، يعني لن نشتري البناء ونبيع الشُقَق، ونربح بهم.
ما الذي تفعله البنوك الإسلامية؟ تفعل شيئاً آخر، تنتظر الزبون حتى يأتي، ويقول أنا أُريد شراء سيارة، وتأخُذ منه مواثيق على أنه سيشتريها، وتوقّعه على أوراق، ثم تذهب وتشتري له السيارة، وتقول له استلمها أصبحت جاهزة، وعوضاً من أن يكون ثمنها مائة، سنأخُذ منك ثمنها مائة وخمسون أحياناً، أي بزيادة خمسون بالمئة أحياناً، لخمس سنوات، هذه أشهَر معاملة من معاملات البنوك الإسلامية، يعني هي وسيط بين بائع ومُشتري، تشتري وتبيع، وكل بنك له هيئته الشرعيّة التي تُفتي له.

نصيحة اشتري بما تملك ولا تشتري بالدين:
ما استطعنا أن لا نشتري بالدَين،أن نشتري بِما نملِك فقط فلنفعل، هذه نصيحتي، ما استطعنا أن نشتري بأموالنا فلنفعل.
أنا اليوم معي عشرة آلاف، ويوجد سيارة بعشرة آلاف، أشتريها، ولا أشتري سيارة ثمنها عشرون، لا ببنك إسلامي، طبعاً ببنك رِبوي مَعاذ الله أن نقترب منه، ولا عن طريق أحد يشتريها لي، أنا أشتريها بمالي.
ثانياً: إذا استطَعنا أن نشتري من الشركات فوراً، بلا تسهيلات البنوك، وهذا أصبح قليل جداً، لكنه لا يزال موجود ببعض الشركات، يعني أنا بيني وبينك أيها الشركة، أنا هذه رواتبي، وهذه أموري، وأُريد أن أُقسّط على سنة، هذا حلٌّ أفضل.
دعوا اللجوء إلى البنوك الإسلامية، إلى آخر المطاف، عندما أكون محتاجاً لهذه السيارة أو لذاك البيت، ولا أجِد لا قرضاً حسناً، ولا بيتاً أصغر أو سيارة ضمن مالي الذي أملكه، ولا شخص يُقسّط لي بشكل مباشر، من شركات الإسكان مثلاً اليوم، هناك شركات تقول لكَ بيني وبينك التقسيط، دعوها الخيار الأخير، لماذا أقول ذلك؟ لأن البنوك الإسلامية، اعتمدت بطريقة أو بأُخرى، وهُم باعترافهم وليس بكلامي أنا، على أضعف الفتاوى الموجودة في كل مذهب من المذاهب، يعني استخرجوا من هنا فتوى ضعيفة ومن هنا فتوى ضعيفة، حتى وصلوا لصيغة مُرابحة لا تُحمّل البنك مسؤولية إلا واحد بالألف، يعني وصلوا لصيغة البنك يكون مَحمي لا يخسر، لا أقول لا يخسر، لا يوجد شيء ما فيه خسارة، لكن خسارته الحد فيها ضعيف جداً جداً جداً، ومع ذلك أنا أترك الإفتاء فيها، للقائمين على كل بنك من البنوك.
لكن أنصح أن نحاول جَهدنا ألّا نوقِع أنفسنا تحت وطأة الدفعات والقروض، يعني بمعنى أنه أنا اليوم بشكل طبيعي، إذا أردت أن أشتري سِلعة، إذا ليست ضرورية، لا تشتريها بالتقسيط، لا تضع نفسك تحت وطأة أنه أنا عندي دفعة كل شهر، لا يعرف الإنسان ما سيكون معه الشهر القادم، يحتاج شيء خاص، لا سمح الله، يمرَض أحد أفراد الأسرة ويحتاج علاج، تتراكم عليه الأقساط، إلا بالحالات الأساسية الضرورية، شخصٌ يريد الزواج وما معه ما يملكه، يحتاج لغرفة نوم، يأخذ الغرفة المحدودة، أمّا أنه يُريد أن يقترض من أجل أن يعمل حفل زفاف، وتتكلم الناس عليه، أو يُحضِر المناسف ويدعو الناس على الرُز واللحم، فلنُحاول جهدنا قدر الإمكان أن لا نقترض، أن لا نضع أنفسنا تحت وطأة الديون، تحت وطأة الأقساط، تحت وطأة الدفعات كل شهر، هذه نصيحة لوجه الله تعالى، أنصح بها نفسي، و أنصح لكم بها.
أسأل الله تعالى أن أكون قد قدّمت في هذا اللقاء الطيب، مادةً علميةً وتربويةً فيها النفع، وفيها الخير، وأنا بانتظار أي مناقشة، وأي سؤال، حتى الأسئلة التي ظهرت على الشاشة، أُختي الكريمة إذا أردّتي أن تسأليني هذه الأسئلة، أنا جاهز للسؤال، والحمد لله رب العالمين.

المُذيعة:
ما شاء الله، ما شاء الله، تبارك الرحمن، شيخنا المُبارك، ما شاء الله ما شاء الله، أجَبتُم وأفدّتُم، جزاكم الله خيراً، يعني محاضرة قيّمة جداً جداً، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبّل منكم، ويكتُب أجّرَكُم يا رب العالمين، يعني موضوع مُهم جداً في حياتنا، واستفدنا كثيراً مِن هذه المحاضرة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا مِمن يستمع القول فيتّبع أحسنه، اللهم آمين.
الآن نرى أسئلة أخواتنا الكريمات.

أسئلة المتابعين:
تقول السائلة: السلام عليكم، كرت البنك، أوقات تأتي هدية عند تعبئة الكرت، أو شِراء أغراض مِن الماركت، مثلاً عشر ليرات زيادة، وتقول هي في تركيا، ما حكم هذا؟

الدكتور بلال نور الدين:
الهدايا التي تُقدّمها البنوك، إذا لم يكن في مقابل دفعات يدفعها الإنسان، يعني الهدايا نوعان، هناك هدايا تنشأ عن شِراء بقدَر مُعيّن، عن دفع مُعيّن، فهذه يانصيب لا تجوز شرعاً، يعني أنا أدفع عشرة، والثاني عشرة، والثالث عشرة، ويوجد هدية لواحد، هذا لا يجوز شرعاً، وهو مِن الرِبا، وهو ما يُسمّونه اليانصيب، أمّا إذا جاءت الهدية بشكل طبيعي، أنا أشتري السِلع التي أُريدُها وأحتاجُها، لكن هناك ما يُسمّونه استرداد نقدي، يعني هم أعادوا لي هدية، فهذه لا مانع منها إن شاء الله، والله تعالى أعلم.

المُذيعة:
تقول السائلة: المُحاسِب الذي يكتب للموظفين عقد القرض، ويوقّع عليه، ما حُكم عمله عند الدولة؟ هل يترك عمله؟
طبعاً هي لم تذكر هل بنك رِبوي، أم بنك إسلامي.

الدكتور بلال نور الدين:
يبدو أنه ما دام قرض وعند الدولة، يبدو أنه قرض رِبوي، النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِبا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ) فكاتب العقد مُحرّم فِعله، وهو مِن الإعانة، لكن هل يترك عمله أو لا يتركه، هنا لا بُدّ من تفصيل.
أولاً: نقول له ابحث عن عمل، لا نقول له اترك عملك الآن، وغداً تَكفَّ في الناس، لأنه لا يوجد عندك ما تأكله أنت وأولادك، لكن نقول له إنَّ وجودك كاتب للعقد الرِبوي بين طرفين، وأنت تكتب على الكومبيوتر أو باليَد، بأنه إذا تأخر يزيد كذا وإذا تأخر يزيد كذا وهذا يصبح كذا، وتُجدّول وتُعيد جدّولة الديون والقروض، فهذا واضح النص فيه (لَعَنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ آكِلَ الرِبا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ) فإن كنت لا تجد عملاً آخر، إذا كنت تجد عملاً آخر فانصرف إليه فوراً، بلا خِلاف، وإذا كنت لا تجد عملاً آخر، فنُنظِرُك من باب الحاجة إلى العمل، نُنظِرُك حتى تجد عملاً آخر، ولكن ابحث عنه بجد، وحتى ذلك الوقت إذا استطعت أن تنتقل في نفس المؤسسة إلى عملٍ آخر، ليس له علاقة بالقروض فافعل.

المُذيعة:
بارك الله بكم، جزاكم الله الفردوس الأعلى.
تقول إحدى الأخوات: اشتريت قطعة ذهب وبَقيَ مبلغ قليل جداً، وأعطيته المبلغ الباقي بعد يوم، هل يجوز؟

الدكتور بلال نور الدين:
يُتسامح في هذا الأمر إن شاء الله، ما دام السعر تحدّد، يعني هذه قطعة ذهب، ثمنها ألف، وأنا معي تسعمائة وخمسون، وغداً أُحضِر لكَ الخمسون، يعني إن شاء الله يُتسامح في هذا الأمر، وإن كان الأفضل (سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ) لكن الأمور البسيطة هذه، مع تثبيت السعر وعدم الزيادة، يُتسامح بها إن شاء الله، لا مانع.

المُذيعة:
شيخنا هل هناك فرق عندما أنا أشتري قطعة ذهب، وأؤجل إعطاء المبلغ، غير أن أتبادل ذهب بذهب؟

الدكتور بلال نور الدين:
طبعاً، هو الذهب بالذهب اتحَد الجنس، فلا بُدَّ مِن شرطين معاً، المُماثلة يعني غرام بغرام، والتقابُض فوراً، يعني أُعطيك الغرام وتُعطيني الغرام، إذا اختلّ شرط مِن هذين الشرطين، العقد رِبوي، عشر غرامات بعشر غرامات، والتسليم الآن يداً بيَد، أمّا عندما تختلف الأصناف، الذهب بالدينار، فلم يَعُد هناك مشكلة، عشر غرامات بألف دينار، عشر غرامات بألفين دينار، حسب الاتفاق، لكن يداً بيَد، يبقى شرط واحد وهو التقابُض، عند اتحاد الجنس شرطان، التقابُض والمُماثلة، عند اختلاف الجنس بين الأمرين، يسقُط شرط المُماثلة، بيعوا كيف ما شئتم، عشر دولارات بسبع دنانير، عشر دولارات بخمس غرامات ذهب، لكن يبقى شرط التقابُض، ( يَدًا بيَدٍ).

المُذيعة:
يعني التأجيل غير وارد، يعني هذا بالنسبة للذهب فقط، أم عند شراء أي سِلعة.

الدكتور بلال نور الدين:
لا فقط (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعيرُ بالشَّعيرِ، والتَّمرُ بالتَّمرِ)

المُذيعة:
أنا أقصِد شرط يداً بيَد، يعني في الحال.

الدكتور بلال نور الدين:
فقط في الأصناف الرِبوية، يعني أنا أُريد أن أشتري طقم كَنَب للبيت، أشتريه بالتقسيط، آخذه وأقول له سأُعطيك ثمنه بعد عشر سنين، لا مانع، فقط الأصناف الرِبويَّة، فقط، (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والفِضَّةُ بالفِضَّةِ،).

المُذيعة:
تقول إحدى الأخوات: وهذا مُنتشِر كثيراً، لو اشترت سِلعة، لو اشترتها نقداً، تكون أرخص فيما لو اشترتها بالتقسيط، فهل هذا يدخل ضمن الرِبا؟ إذا اشترت بالتقسيط؟

الدكتور بلال نور الدين:
لا، من أجل هذا قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِبا)، لأنَّ الذي أشّكل على الجاهليين، أنهم قالوا: نحن نأخُذ بمائة ونبيع بمائة وعشرون إلى أَجَل، وأنتم تُعطون مائة، والرِبا نُعطي مئة ونأخُذ مائة وعشرون، فما الفرق بينهما؟
قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِبا) فالبيع بالتقسيط مع زيادة الثمن جائز على المذاهب الأربعة، بلا خِلاف، هناك بعض الأقوال فيه لكن لا يُعتَدّ بها، الأصل هو أن المذاهب الأربعة أجازت البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن، اليوم في قيمة للزمن بالسِلعة، إذا أردت الآن أن آخذ ثمن الهاتف ألف دينار، فمن المؤكد إذا كنت ستعطيني الثمن على سنة، سأقول لك أُريد ألف ومائتين، لأنه لم يعد هناك ربح إذا أخذته بألف، بنفس الشيء، انتهى ربحي، فزيادة الثمن في السِلعة في مقابل تأجيل السَداد، لا شيء فيه.

المُذيعة:
تقول إحدى الأخوات: شراء البيت وبيعه للعميل بسعر أغلى، على أن يُسدّده على أقساط ثابتة خلال سنوات، يعني بعض الناس تقول هذا اسمه بيع بالمُرابحة.

الدكتور بلال نور الدين:
هذه المُرابحة التي تحدّثنا عنها، هي المُرابحة عندما تكون بين طرفين، فهي لا شيء فيها بلا خِلاف، يعني أنا أشتري بيت وأبيعك إياه، أو أنت تقول لي: أُريد أن أشتري بيت، فأقول لكَ: أنا أشتريه وأبيعك إياه، فأذهب وأشتريه بألف، وأبيعه لكَ بألفين، أو بألف وخمسمائة، بما يُيَسّر الله عز وجل.

المُذيعة:
لو أتى العميل إلى البنك، وقال له: أُريد أن أشتري بيت، وأُريد أن تساعدني بالسَداد، فيشتري البنك البيت مقابل زيادة طبعاً، والعميل يسدّده بالأقساط للبنك.

الدكتور بلال نور الدين:
هذه الحالة الثانية، في هذه الحالة أصبح هناك وسيط بين البائع والمشتري، يعني أنا بلال أُريد بيت، وأحمد عنده بيت، فيأتي البنك الإسلامي ويتوسّط، والآن حتى البنوك الرِبوية تفعل ذلك، لكن نحن نتكلم عن البنك الإسلامي، فيأتي البنك الإسلامي و يتوسّط بين بلال وأحمد، فيشتري البيت من أحمد ويبيعه لبلال، هذه معاملات البنوك الإسلامية، ولهم فيها مَن يُفتي لهم شرعاً بها، وإن كان لها شروط دقيقة جداً، كثير من البنوك الإسلامية للأسف لا تلتزم بها، يعني اليوم أنا بلال أُريد أن أشتري البيت من أحمد، إذا اشتريته منه مباشرةً لا يوجد أي مشكلة، وبالتأكيد سوف يأخُذ مِنّي زيادة، وسَنتفِق على مُدّة السَداد وانتهى الأمر، عندما يأتي البنك ماذا يفعل؟ يشترط على بلال أن يشتري البيت، لكي لا يذهب هو يشتري ولا يجد أحَد ليشتري، ويأخذ منه وعود، مع العِلم أنه هو لم يشترِ بعد، وأحياناً لا يتملّك البيت، يأخذه مباشرة ويعطيه لبلال، هذا لا يجوز، يجب على الوسيط وهو البنك، أن يشتري البيت لنفسه أولاً، ويُصبح بإسم البنك، ثم يبيعه لبلال بعقد جديد وباتفاق جديد بينهما بعد ذلك، هذه ما تُسمّى المُرابحة التي تُجريها البنوك الإسلامية، وأنا كما قلت في البداية، دعوها الخيار الأخير، لِمن وصل إلى مرحلة يُريد أن يأخُذ قرض رِبوي، لا، بالتأكيد يجب أن يذهب للبنك الإسلامي.

المُذيعة:
بارك الله بكم شيخنا المُبارك، هناك أخت تقول: أخٌ لها مات، وكان يعمل ويقوم بتشغيل أمواله بالرِبا، هل ماله الذي بقي فيه، مال حرام؟ مع العِلم أنه ترك أولاده أيتام صغار.

الدكتور بلال نور الدين:
يعني هو ترك مالاً جزءٌ منه حلال وهو رأس المال، وجزءٌ منه رِبا، وهو الفوائد البنكية.

المُذيعة:
يبدو أنه كان يتعامل بالرِبا، ومات وبَقيَ عنده مال، طبعاً ترك أولاد أيتام صغار، فهل ماله يُعتَبر حلال أم حرام؟

الدكتور بلال نور الدين:
أولاده يرثون المال حلالاً، بغض النظر عمّا كان يعمل هو، ما دام لا يوجد حقوق للعباد، إلا إذا كان هناك فوائد بنكية واضحة، يعني الأموال موجودة بالبنك وعليها فوائد، فالفوائد لا يأخذونها، يوزعونها للفقراء ويأخذوا أصل المال، أمّا إذا المال تركه معه، يعني ماله هذا، ترك بيت، وترك عقار، وترك أموال بالبيت، وبالصندوق، ورصيد بالبنك، فهذه الأموال هُم لا علاقة لهم بما كان يفعله الأب، يرثونها حلالاً ويستغفرون لوالدهم لَعلَّ الله يغفر له.

المُذيعة:
إذاً: إذا تميّز مال الرِبا، فأنه يُتَخَلّص منه

الدكتور بلال نور الدين:
إذا تميّز يُتَخَلّص منه، أما إذا أصبح مُختلط ببناء، بعقار، بأشياء البيت، فهُم لا علاقة لهم بأصله.

المُذيعة:
سائلة تقول ما حكم العمل في شركة DXN عِلماً أنهم يقولون أنها ليست هَرَمية.

الدكتور بلال نور الدين:
المشكلة أن شركات التسويق الشَبكي أو الهَرمي، كل يوم تُغيّر في آليات عملها، لتستخرج فتاوى جديدة، فلم نَعُد نلحق الرَكب، دائماً عندنا مستجدات بالشركات جديدة وتعاملات جديدة، وهذه مشكلة الحقيقة DXN و QNET وغيرها من الشركات، وكل شخص عندما يستفتي ويسأل عن شركة، يقولوا أريد هذه بعينها.
الحقيقة أنه الحُكم العام، أنا ما عندي تفاصيل جديدة عن كل شركة، حتى أسمع، بغض النظر عن الهَرمي أو الشَبكي، اليوم هذه الشركات تقوم على فكرة، وهي أنَّ السِلعة فيها غير مقصودة بذاتها، إنّما المقصود فيها هو الاتّجار بالمال والزبائن الجُدُد، سواءً كانوا على شكل شَبكي، أو على شكل هَرمي، فهذه الشركات تكون منتجاتها عبارة عن عطور معيّنة، ساعات معيّنة، كروت طائرة، رحلات سياحية، عندها منتجات معيّنة، فيشترطوا على العميل حتى يشترك معهم، أن يشتري المُنتج، وهذا المنتج أحياناً يكون سعره حقيقي، وأحياناً يكون سعره زائد عن الوضع الطبيعي، لا مشكلة، فيشترطوا عليه شِراء المُنتج من أجل الاشتراك، ومن هنا تبدأ المشكلة الشرعيّة، من لحظة أنهم يشترطوا على السمسار، هُم يُسمّونه سمسار يعني دلّال، يعني هو سوف يدعو مشتركين جُدُد، سواءً هَرمياً أو شَبكياً، هذا شيء آخر، فسيدعو مشتركين جدد لينضمّوا لهذه الشَبكة أو لهذا الهَرم، ولكي يصبح سمسار عند الشركة يجب أن يشتري هذا المُنتج، وهنا تبدأ المشكلة الشرعيّة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ من باعَ بيعتينِ في بيعةٍ فلَهُ أوْكسُهما ، أوِ الرِّبا }

(صحيح أبي داوود)

لذلك نَهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن بَيعَتين في بيعة، فأنا إذا كنت سمسار، فلماذا تجعلني آخُذ المُنتج، وإذا كنت مُشتري فما علاقة السمسرة بالمُنتج، هُم يسمحوا لأحدهم بأن يدخل ويشتري بدون أن يُصبح سمسار، وإذا أعجبتك السِلعة وأردّت أن تشتريها وكان سعرها مناسب، اشتريها مع العِلم أنه الناس عموماً لا يدخلون لهذه الشركات لشِراء سِلع، شِراء السِلع يوجد أرخص وأفضل، وهناك مَتاجر وأكثر من ذلك، الناس يدخلوا من أجل أن يصبحوا سماسرة، يعني ليأتوا بالزبائن للشركة، وكل زبون يُشتَرَط عليه حتى يُصبح سمساراً، أن يشتري السِلعة، فهذه اللعبة التسويق الشَبكي أو الهَرمي، بغض النظر عن أنَّ كثير من الشركات أثبتت وجود إشكال قانوني فيها، فيها إشكال شرعي، وأنا شخصياً أجِد أنَّ فيها حُرمة، وأنه لا يجوز التعامل معها، لِما يكتنِفُها مِن غَرر، و ضَرر، وأحياناً شَبَه بالميسِر والقِمار والله أعلم.

المُذيعة:
تقول السائلة: استدان مِنّي شخص من عشر سنوات تقريباً مبلغ من المال، على أساس السَداد القريب، لكن تأخر في السَداد إلى اليوم، والآن العُملة انهارت جداً، فأصبحت الأموال التي استدانها مِنّي لا قيمة لها، بعد أن كانت ذات قيمة، ثم قرّروا أن يكون السَداد بالدولار، هل هذا رِبا أم لا؟

الدكتور بلال نور الدين:
الأصل في الديون أن تُرد بالمِثل وليس بالقيمة، لأنه إن رُدّت بالقيمة فهذا هو الرِبا، يعني بمعنى أنَّ إنسان قال أُعطيك مائة وترُدّها لي مائة وعشرون، لأن قيمة العملة سوف تنخفض، هذا رِبا، لا شك في ذلك، فالديون تُرَد بالمثل وليس بالقيمة، لكن في حالات الحروب والكوارث كما جرى في بلدنا، نسأل الله أن يُفرّج عنه، سوريا والعراق وغيرها، انهارت العملة انهياراً شديداً، بحيث كان الدولار بخمسين ليرة فأصبح اليوم بأربعة عشر ألف وخمسمائة، فاليوم الذي كان مستدين بمليون أي بقيمة عشرون ألف دولار، اليوم المليون لا يعادل مائة دولار، فتخيلي بين عشرون ألف دولار، و بين مائة دولار، فاليوم لو قُلنا للمَدين أعيد مليون، فنحن عملياً نَضّر الدائن، يعني بعد عشر سنين أو اثني عشر سنة، يأخُذ العشرون ألف دولار، سبعون دولار، يعني هذا ضرر عظيم، لا يُبيحه الشرع، وفي الوقت نفسه لو قُلنا لامرأة كان مهرها مائتين ألف، أي أربعة آلاف دولار، خُذي اليوم مائتين ألف أي عشر دولارات، أيضاً هذا ظلم للمرأة و لمهرها ولكرامتها، فلذلك اتفق الفقهاء في المجالس الفقهية المعتمدة، على أنه عندما تتغير قيمة العملة تغيُّراً فاحشاً، ووصفوا التغيُّر الفاحش بالثُلث، أي انخفضت قيمة العملة للثلث وأقل من ذلك، وعندنا انخفضت إلى واحد بالمائة، فعندها يمكن أن تُردّ الديون بالقيمة، فإذا اتفق الطرفان على أن يُرَدّ الدَين بالدولار، لا مانع من ذلك إن شاء الله، وإذا اتفقوا على تقاسم الخسارة، إذا وجَدَه مُعسِراً وعنده مشكلة وتقاسموا الخسارة، يعني المليون كانت تعادل عشرون ألف دولار، اليوم تعادل مائة دولار، أعطِني عشرة آلاف دولار، يعني حل وسط بين الطرفين، فهذا جيد، فيتفِق الطرفان على شيء مُرضي للطرفين إن شاء الله، وليس هناك مشكلة، لأن الشريعة تمنع الضَرر والضِرار، وعندها حلول لكل مشكلة.

المُذيعة:
بارك الله بكم، تقول الأخت السائلة: رجل يعمل في شركة أموالها فيها شُبهة ورِبا، وترك العمل لهذا السبب، فهل له أن يأخُذ ما تبقى له من مال؟

الدكتور بلال نور الدين:
هذا أمرٌ فيه خِلاف فقهي، لكن الذي أُرجّحه فيه وأجِده أيسَر على الناس وأقرب إلى روح الشريعة، هو ما أفتى به ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقال:" توبته تُطّهر ماله"، ما دام المال ما فيه حقوق للآخرين، إذا في حقوق للناس يجب أن أرُدّها، لكن إذا الشُبَه مُتعلّقة بحقوق الله عز وجل، فإن توبته تُطّهر ماله إن شاء الله، ونقول له خُذّ مالَكَ ومستحقاتك مِن هذه الشركة، على أن تتصدّق بشيءٍ تستطيعه لوجه الله تعالى، من باب التوبة.

المُذيعة:
بارك الله بكم، تقول شركات تطّلُب منك مبلغ للدخول معها، وتُعطيك بالشهر شيءٌ بسيط، على أن تُدخِل خلفك أشخاص، والربح بالنقاط، ما الحكم؟

الدكتور بلال نور الدين:
هذا حرام بلا خِلاف، كل معاملة يكون فيها دفع للمال، من قِبَل شخص دون مقابل مُعيّن واضح، سِلعة أو مُنتج فهذا هو الرِبا، مثل اليانصيب تماماً، فأنا اليوم لا أدفع مال من أجل الدخول في مسابقة، ولا أدفع مال من أجل أن آتي بزبائن وأربح، ما دام في البداية هناك دفع مبلغ مالي للاشتراك فهو حرام.

المُذيعة:
بارك الله بكم، تقول السائلة: ما حكم شِراء البيت في أوروبا عن طريق البنك؟

الدكتور بلال نور الدين:
الأحكام لا تتغير إلا بحروب نادرة بتغيُّر الأماكن، المجلس الأوربي للإفتاء، وكان برئاسته الشيخ يوسُف القرضاوي رحمه الله، وغيره من العلماء، نظر في الغرب لِحال المجتمعات الإسلامية هناك، فوجد أن البيت في الغرب هو حاجة تتنزل منزِلة الضرورة، هو ما قال ضرورة، لأن من الممكن أن يستأجر ويعيش، لكن قال هذه حاجة ماسّة جداً، أصبحت تتنزل منزِلة الضرورات، بحكم أن الإيجار صعب وغالي، وينتقل سَكَنه من مكان إلى مكان كل ما انتهى العقد، وأولاده بالمدارس، فأصدروا فتوى المجلس الأوربي للإفتاء بشروط، وضعوا على رأسها أن لا يكون لديه بيتٌ آخر، وأن لا يكون قادراً على الشراء بالنقد، وأن يكون هناك مَشقّة عليه في الإيجار، فوضعوا شروط، وأباحوا من خلالها للمقيم في أوروبا أن يشتري بيتاً عن طريق البنوك، لعدم وجود البدائل الإسلامية، وعدم وجود القروض الحسنة، ووجود الحاجة المُلِّحة التي تتنزل منزِلة الضرورة، وفتواهم منشورة على موقعهم في المجلس الأوربي للإفتاء، يمكن الاطلاع عليها من خلال البحث في ملف غوغل، وأنا هنا أنقلها ولا أُنكِرُها ولا أتبنّاها.

المُذيعة:
بارك الله بكم، تقول إحدى الأخوات: رهن البيوت هل تدخل في مسألة الرِبا؟ حتى لو كان هناك إيجار بسيط كل شهر، طبعاً هذا بالاتفاق.

الدكتور بلال نور الدين:
لا أدري على أي شيء السؤال، لأن هذا السؤال يذهب بنا باتجاهين، الاتجاه الأول ما تقوم به البنوك أحياناً، أو حتى البائعون العاديون، إذا هناك أقساط على البيت يضعوا رهن، وهذا حقّ للطرف البائع أن يضع رهن، لأن أنا لا أستطيع أن أسمح لك بالتصرُّف في البيت، وأنت لم تُسدّد ثمنه كاملاً، فأنا أنقله إلى اسمك، وأضع رهن عليه لصالح الجهة البائعة، إلى حين سَداد المبلغ وعند نهاية السَداد، تُقدِّم الإيصالات وبمقابلها يُفَك الرهن فهذا لا شيء فيه.
الحالة الثانية التي يذهب ذهني لها، هو ما كان يجري عندنا في حلب، ما يُسمّى الرهنيَّة، وهو أنه أنا أرهُن البيت لفلان من الناس، وآخُذ أجر بسيط جداً، على أنه أجر، يعني أنا أُعطيك مائة ألف وتُعطيني بيتك، يعني هذا البيت رهن، بمقابل المبلغ المالي الذي سأُعطيك إياه، يعني أُعطيك مائة ألف وتُعطيني بيتك رهن، وأسّكُن فيه، وأُعطيك كل شهر عشر ليرات، يعني مبلغ لا علاقة له بالإيجار نهائياً، هذا رِبا، لا يجوز شرعاً.
يعني هو قرض جَرَّ نفعاً، يعني أنا أنتفع بالرهن، آخذ البيت لأسّكُن فيه على أنه رهن، لكن حتى يظنّوا أنهم جعلوه حلالاً، يدفع الذي يسكن فيه أجر هذا رهن البيت عندي فلا يجوز أنتفع فيه فسأدفع لك أجره، ولكن يكون هذا الأجر لا علاقة له بالبيت نهائياً، البيت أجره خمسة وعشرون ألف، ويعطيه ألف بالشهر، فهذا احتيال على الرِبا لا يجوز.

المُذيعة:
أو ممكن يكون قصدها السائلة أنه استدان أحدهم من الأخر، والآخر أخذ رهن، ما جعل هذا البيت رهن، فأجّره وأخذ أجره.

الدكتور بلال نور الدين:
الانتفاع بالرهن، يعني أنا أرهُن بيتي فيأخُذه، إذا لم يكن هناك اتفاق مُسبق في الأصل، على أن ينتفع به ثم سمح له الانتفاع به، لا مانع من ذلك.

المُذيعة:
بارك الله بكم، أحدهم أخَذ قرضاً من بنك رِبوي، واشترى به منزلاً، ولكن بسبب الحرب في سوريا لم يستطيع سَداد هذا المنزل كاملاً، ما العمل؟ بعضهم قال له، البيت لك ولا تَسدُّه كون المال الذي تَسدُّه سوف يذهب للسلاح والحرب، هل يوجد هنا رأس مال؟

الدكتور بلال نور الدين:
أحياناً يكون السؤال بمعنى، هل يستطيع أن لا يَسدُّه، يعني اليوم نحن المسلمون عند شروطهم، فأنا اليوم اقترضت من بنك واشتريت بيت، هذا لا يجوز شرعاً، لكن اليوم أنا مُلّزَم بالسَداد، يعني هذه القروض سوف تُلاحقني، وأنا مُلّزَم فيها، وإلا سوف يأخذوا البيت، وهُم عندهم أساليب بتحصيل القرض، فأنا أقول إذا إنسان تورّط واشترى بيت من بنك، يستغفر ربنا عز وجل، لكن لا بُدَّ من سَداد ثمنه، المسلمون عند شروطهم، لكن أين ستذهب الأموال، في أي بلد لو كان بها حرب وفيها سلاح، أيضاً في نهاية الشهر هناك رواتب سوف تدفع، وطُرقات بحاجة لتعبيد، وحدائق، يعني مصروفات الدولة لن تتوجه بقروض الأشخاص إلى السلاح، السلاح له مصادر أُخرى معروفة وكثيرة، والدول اليوم هي التي تُمد بالسلاح نسأل الله السلامة والعافية، فما دام الإنسان اقترض فالسَداد واجب عليه، وإن كان آثماً بالاقتراض في الأصل، فليستغفر الله، ويُسدِّد ما عليه.

المُذيعة:
بارك الله بكم، تقول إحداهن أنا عندي ذهب قديم، لكن الآن وضعي صعب جداً، وليس لدي زكاتهم، هل أبيع من الذهب وأدفع زكاتهم؟

الدكتور بلال نور الدين:
إذا كان الذهب في الأصل اشتُريَ للزينة والحليّ، وليس معها مال، فمن الممكن أن تأخُذ بقول الحنفيّة وهو قول مُعتَبَر، بأن الذهب الذي اشتُريَ بقصد التزيُّن، هو من المقتنيات الشخصيّة التي لا زكاة فيها، يعني عندها سوارين وحلق وعِقد، اشترتهم في الأصل للزينة، أو زوجها قدّمهم لها بزفافها، أو اشترتهم من أجل حفلة وتزيّنت بهم، فهذا عند الحنفية لا زكاة فيه، وهذا القول مُعتَبَر، فمن المُمكن أن تأخُذ بأنَّ الحُليّ لا زكاة فيها، ومَن أخذت بدفع زكاته، مأجورة إن شاء الله، أما إذا كانت قد اشترته في الأصل بقصد الادخار، يعني اشترت سبائك أو حُليّ بقصد الادخار، يعني أنا معي نقود لا أُريد أن أُبقيهم نقود، فاشتريت بهم، فهذا إذا بلغ فوق ثمانون أو خمس وثمانون غرام، ففيه الزكاة، ونَعم إذا لم تجد المال، فيجب عليها بيع جزءٌ منه ولو بسيط غرامات، وتدفع زكاتها.

المُذيعة:
بارك الله بكم، تقول السائلة: بما يخص شركات الأسهُم التي تدّعي عدم خسارة رأس المال، وتعطي أرباح بنسبة وليس مبلغ ثابت، هل هذا مال حلال أم حرام؟ وأيضاً سؤال بما يشبه البورصة في هذه الأيام انتشر.

الدكتور بلال نور الدين:
الآن الأسهُم أولاً يجب أن تكون أسهم بشركات حلال، يعني أن لا تكون أسهُم بشركات مُحرّمة أو مختلطة أو معظم عملها بالحرام، فإذا كانت الأسهُم بشركات حلال، فهذه الأسهُم ترتفع وتنخفض مثلها مثل السِلع، إذا كان اشتريت سهم بشركة حلال وارتفع فهذا حقّي، اشتريته بألف وأصبحت قيمته السوقيّة اليوم ألف وخمسمائة أو ألفين أو ثلاثة آلاف، أبيعه متى شئت وآخُذ، أما إذا كان لي سهم بهذه الشركة فأُعطى عليه مبلغاً ثابتاً شهرياً، هذا رِبا لا يجوز.

المُذيعة:
بارك الله بكم، الآن تقول السائلة: بما يخص أماكن بيع الملابس وأدوات المنزل، عند الحساب والدفع يأخذوا رقم الهاتف، ويضعوا لها نقاط، وبعد جمع هذه النقاط، بأن تصبح كثيرة، يستبدلونها بعد ذلك بسِلع تخص المتجَر

الدكتور بلال نور الدين:
لا حَرج أبداً، هذا من باب المكافئات، والتشجيع والإعلان والدعاية، ما دام لا أدفع شيئاً مقابله، وإنّما المال الذي أدفعه مقابل السِلع التي أشتريها، فيُضاف لي نقاط، لا يوجد أي حرج إن شاء الله،على العكس، هذا سلوك جيد لتشجيع الزبائن بطرق حلال على ارتياد هذه المتاجر.

المُذيعة:
تقول السائلة: الدَين بغرامات الذهب، استدان شخص غرامات ذهب على شرط عند سَداد الدَين يكون نفس الغرامات هل يجوز؟

الدكتور بلال نور الدين:
يعني هو إذا اقترض ذهب يُعيده ذهب، يعني أنا اقترضت من شخص أخذت منه عشر غرامات ذهب، وأُعيدها له عشر غرامات ذهب، لا مانع من ذلك، أما إذا اقترضت منه مالاً فأُعيده له مالاً، لا أُقيّمه على الذهب، يعني لا نربِط أثناء القرض، أقول له أنا الآن أُعطيك مليون ليرة، يعني قيمتهم تُعادل عشرون ألف دولار، أو قيمتهم ذهب تُعيدهم لي ذهب، لا يجوز، لكن أذا أقرضته ذهب، أسترجع ذهب، إذا أقرضته مال أسترجعه مال، إلا بالحالة التي ذكرناها في البداية، التي هي التغيُّر الفاحش بقيمة العملة هذه لها بحث خاص.

المُذيعة:
إحدى السائلات تقول: اللاجئون في أوروبا يعيشون على رواتب من هذه الدول والمعروف أن هذه الدول تتعامل بالرِبا في بنوكها، ما حكم هذه الرواتب التي يتقاضونها؟

الدكتور بلال نور الدين:
يعني هذا من البلوى العامة، حتى نحن في دولنا العربية وليس في الغرب، كل الناس يتقاضون الرواتب من المصرف التجاري، وهذا إن جئنا إلى قواعد الشريعة ففيه إشكال، لكن هذا من البلوى العامة التي أصبحت لا فِرار منها، والشرع نظر في هذا الأمر، وأعتقد أنه لا حَرج فيه إن شاء الله،لا حَرج.

المُذيعة:
لعلّ الأخت ابتسام لم تفهم جواب السؤال بالنسبة لشراء البيت في أوروبا، حرام؟ يعني هل إذا اشترت بيت بناءً على الفتوى التي ذكرتموها، قد تكون قد وقعت في الرِبا؟

الدكتور بلال نور الدين:
يعني أنا كما ذكرت، أنا ذكرت الفتوى التي أصدرها المجلس الأوربي للإفتاء، أنا أعتقد من نفسي ليس تواضعاً، ولكن حقيقةً، أنني غير قادر على استيعاب الحياة في الغرب، لأنني رُبما زيارات نادرة وسريعة جداً للغرب، أنا غير قادر على استيعاب الحاجة هناك، فإذا أصبحت حاجة عند الإنسان تتنزل منزِلة الضرورة، فله أن يأخُذ بفتوى المجلس الأوربي للإفتاء في تلك البلاد.

المُذيعة:
بإذن الله، السؤال الأخير شيخنا ونعتذر أثقلنا عليكم، في كارثة الزلزال وزّعت الدولة مبالغ من المال على كل عائلة حسب عنوان منزلهم، وكانت أُخت لا تعيش في هذا المنزل المُستأجَر، ولكن يوجد اسمها في عقد هذا المنزل، وجاء المال على اسمها لوجودها في هذا العنوان فقط، لا تعيش فيه، جاء المال على هويتها، هل يجب عليها إعادة المال لصاحب المنزل الذي لا تعيش فيه، أم هو حلال وحقّ لها؟

الدكتور بلال نور الدين:
يعني هي مُستأجِرة أم ماذا؟ صاحب الحق هو صاحب المنزل الذي تضرّر منزله، لكن إذا حصل خطأ يجب أن تسأل عن القوانين، فإذا كانت القوانين تُعطي المال للمُستأجِر ولا أظن ذلك، فلها أن تأخُذه، أما إذا كانت القوانين تُعطي صاحب البيت، فيجب أن تُراجع صاحب البيت وتستأذنه، بأنه قد وصلني مبلغ بالخطأ، فهذا يتبَع للقوانين، يعني هو القانون ما الذي، توزيع المساعدات كيف وضعه القانون، كتبت القانون تُعطي صاحب البيت، يعني وصوله للمُستأجِر إما بطريق الخطأ، أو بطريق أنهم ظنّوا أنها مالِكة، فيجب مُراجعة مالِك البيت، ويقال له أنا جاءني مبلغ من المال، فإذا أراد أخذه فهو لصاحب البيت،لأنه هو الذي تضرّر.

المُذيعة:
بارك الله بكم شيخنا المُبارك، الله يكرمكم، ويبارك بكم، وجزاكم الله خير الجزاء، الله يضاعِف لكم المثوبة ويزيدكم وإيّانا عِلماً وهدى.

الدكتور بلال نور الدين:
آمين يا رب، بارك الله بكم.

المُذيعة:
إن شاء الله، نتشوّق في لقاء معكم آخر، بل لقاءات، جزاكم الله خيراً

الدكتور بلال نور الدين:
حيّاكُم الله، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته