الهداية حقيقتها وأسبابها ومعوقاتها
الهداية حقيقتها وأسبابها ومعوقاتها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين..
أنواع الهداية :
1 ـ الهداية العامة :
أخواننا الكرام؛ ما منا أحدٌ إلا ومرّ بتجربة، قدم طلباً وانتظر جواباً، كلنا قدم طلباً من أجل سفر، من أجل تجارة، من أجل شيء، قدم أسبابه، الأسباب المُعينة على تحقيقه، حاول أن يبعد كل المعيقات، ثم انتظر الجواب على أحر من الجمر، فإن جاء الجواب بالقبول طار فرحاً، وإن جاء بالرفض امتعض وتغير وجهه، كلنا مرّ بهذه التجربة، هناك طلب يقدمه كلٌّ منا في كل يوم عشرات المرات، كل يوم، كلنا يقدم يومياً طلباً لكن قلة من الناس من تنتبه إلى تقديم الأسباب المعينة لتحقيق الطلب، وقلة منا من تبتعد عن المعوقات، وقلة من تنتظر الجواب على أحر من الجمر، الطلب نقدمه في الصلاة عندما نقول: |
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(سورة الفاتحة: الآية 6)
الهداية لغة هي الدَّلالة
|
قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ(سورة طه: الآية 49)
فرعون يسأل موسى عليه السلام ويسأل أخاه هارون {فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ}؟ |
قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ(سورة طه: الآية 50)
لولا النور لا يوجد إبصار
|
القلب ينبض ثمانين نبضة في الدقيقة، لو أصبح هناك خوف يرتفع النبض إلى مئة وثمانين نبضة في الدقيقة، وجيب الرئتين، الكليتان، العظم، العظم ينمو ينمو ينمو، قال العلماء: كأن هناك خطاً وهمياً، شيئاً غير مفهوم يتوقف عن النمو، لو أنه ينمو دائماً كان الإنسان تعملق، عملاق، لا يتوقف النمو، الآن العظم توقف عن النمو بمرحلة معينة، وكأن هناك خطاً وهمياً، نسأل الله السلامة سقط الإنسان كسرت يده، تستيقظ الخلايا العظمية فوراً، والذي يجبر اليد ما عليه إلا أن يضع العظمتين أمام بعضهما فقط، أما الخلايا فهي تنمو وتعيد التجبير، تعود وتنمو من جديد بعد أن توقفت لسنوات وسنوات، {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ} الجنين ينزل من بطن أمه لا يدرك شيئاً في الحياة: |
وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ(سورة الملك: الآية 23)
لا يدرك شيئاً في الحياة ينزل لكنه يعرف شيئاً واحداً وهو أن يستدل على مكان رزقه، يذهب إلى ثدي أمه ويحكم الإغلاق، ويسحب الهواء، فيأتيه الحليب الدافئ في الشتاء، والبارد في الصيف، هذا معنى {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ}. |
تهاجر الطيور عبر آلاف الكيلومترات
|
وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ(سورة الجاثية: الآية 13)
وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(سورة النحل: الآية 18)
هذه اسمها الهداية العامة، الإمام الآلوسي في تفسيره له ومضة جميلة جداً قال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ} أعطى الهدى معنى ثانياً، قال: هدى أي جعل كل شيءٍ دليلاً على وجوده جل جلاله، أي هداك به، أعطاه خلقه ثم هداك به: |
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ ***{ لبيد بن ربيعة - شاعر جاهلي قد أسلم }
المشيمة تربط الجنين بأمه
|
2 ـ هداية الدِّلالة أو التعريف أو الإرشاد :
النوع الثاني من الهداية قال: هو هداية الدِّلالة أو التعريف أو الإرشاد، المعنى الذي تكلمنا عنه في البداية هداية الدِّلالة، بأن الله تعالى قال: |
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا(سورة الإنسان: الآية 3)
هذه هداية الدِّلالة، دلك على الطريق، قال لك: هذا طريق الخير وهذا طريق الشر، هذا طريق الحق وهذا طريق الباطل، قال : |
وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(سورة الشمس: الآية 7-8)
بعض الناس يفهمون الآية خطأً فيسيئون الظن بالله، يفهمون {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي هو جعلها فاجرة أو جعلها تقيةً، أي خلق فيها الفجور والله تعالى تعالى عن ذلك {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}، أي جعلها إن فجرت تعلم أنها فجرت آلياً وذاتياً، وإن اتقت تعلم أنها اتقت آلياً وذاتياً، أي لو أن إنساناً ذو فطرةٍ سليمة أخطأ يقول لك: لم أنم الليل لأنني ظلمت إنساناً، فألهمه الله فجوره، قال: هذا فجور ألهمه إياه، وألهمها تقواها بمعنى أنها حينما تحسن يقول لك: والله أسعدت إنساناً وانتشلته من مشكلة، من ضياع، من فقر، من مرض، فبقيت أشهراً وأنا منتشٍ بهذا العمل الصالح {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} أي دلها على طريق الخير، وعلى طريق الشر، بهذا المعنى لم يكتف ربنا عز وجل بهذه الهداية بالنفس أي بمعنى أن النفس تدلك آلياً والعقل يدلك، لا، بعث المرسلين: |
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا(سورة الإسراء:الآية 15)
وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ(سورة فاطر: الآية 24)
العقل يقود إلى الصواب
|
3 ـ هداية التوفيق :
الهداية الثالثة: أصبح عندنا هداية عامة، وهداية دِلالة، الثالثة: هداية التوفيق، هذه لا يملكها لا نبيٌّ مرسل ولا ملكٌ مقرّب، هذه لله تعالى وحده: |
إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ(سورة القصص: الآية 56)
هذه بيد الله وحده التوفيق، يوفق الإنسان فيهديه إلى الصراط المستقيم، لذلك نطلب منه الهداية، نطلب منه هداية الدِّلالة ثم هداية التوفيق، كيف نوفق بين قوله تعالى {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ} وقوله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: |
وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ(سورة الشورى: الآية 52-53)
أنت مخيّر
|
وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(سورة يونس: الآية 99)
لا تُكره أحداً: |
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ(سورة البقرة: الآية 256)
هذه هداية التوفيق من الله تعالى: |
وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ(سورة الأعراف: الآية 43)
حتى النبات هداه الله
|
لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(سورة التحريم: الآية 6)
والنبات غير مكلف، والحيوان غير مكلف، من (هداه) الإنس والجن، هذه (هداه) هي هداية الدِّلالة، دله على الطريق الصواب والخطأ، أعطاه عقلاً، أعطاه فطرةً، بعث له نبياً، أنزل له كتاباً، هذه هداية الدِّلالة، هداية التوفيق لمن انبعث إلى هداية الدلالة الذي استجاب تأتي هداية التوفيق، ويأتيه الله تعالى يوفقه إلى الطريق الذي اختاره، هذه الثالثة. |
4 ـ هداية الآخرة :
الهداية الرابعة فقط للمؤمنين يوم القيامة
|
وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ(سورة الحج: الآية 24)
هذه في الدنيا هداك الله إلى الطيب من القول، لا تنطق إلا بقولٍ طيب، بقولٍ أحسن، بقولٍ حسن: |
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا(سورة البقرة: الآية 83)
وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ(سورة الحج: الآية 24)
{وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ} في الآخرة، هداك الله إلى الطيب من القول في الدنيا، وهُديت إلى صراط الحميد يوم القيامة، الصراط الذي سيمشي عليه الناس جميعاً يوم القيامة فينجو من ينجو، ويسقط في النار من يسقط، فالله تعالى يهدي عبده يوم القيامة إلى الصراط الذي ينجو به من فوق النار كما قال علماء التفسير، هذا الحديث يوضح: |
في القنطرة تصفية حسابات
|
{ عن عبد الله ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبي صلى الله عليه وسلم: آخِرُ مَن يَدْخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي مَرَّةً، ويَكْبُو مَرَّةً، وتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فإذا ما جاوَزَها التَفَتَ إلَيْها، فقالَ: تَبارَكَ الذي نَجَّانِي مِنْكِ، لقَدْ أعْطانِي اللَّهُ شيئًا ما أعْطاهُ أحَدًا مِنَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ }
(صحيح مسلم)
{ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا خَلَصَ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا، أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا }
(صحيح البخاري)
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(سورة محمد: الآية 6)
هداية الآخرة
|
هداية أهل الجنة إلى الجنة و أهل النار إلى النار :
إذاً نحن عندنا أربع هِدايات: هدايةٌ عامة، وهداية دِلالة، وهداية توفيق، وهدايةٌ في الآخرة. |
بالمقابل نسأل الله السلامة حتى الكفار يُهدون يوم القيامة: لكن هذا يسمونه تَهَكُّماً في اللغة العربية، قال: |
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ(سورة الصافات: الآية 22-26)
اهدوهم دلوهم، قل له من هنا الطريق إلى جهنم فوراً، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ} ثم يقول تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}، قفوا مع بعضكم، كنتم في الدنيا على الإعلام يخرج الإعلامي يدافع ساعة عن المجرمين، الآن {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} لا أحد ينصر أحداً، فيهدى إلى جهنم وبئس المصير، أما المؤمن فيهدى إلى منزله في الجنة، فهو أعرف به من منزله في الدنيا، نسأل الله أن يجعلنا منهم، هل من يذهب إلى جهنم يعرف مكانه؟ لم يرد أنه يعرف مكانه، لأنّ معرفة المكان نوع من أنواع الإكرام، أما عندما يذهب إلى جهنم فهذا طائش لا يعرف إلى أين ذاهب، ولكن في النهاية إلى جهنم. |
هذه أنواع الهداية وهي الأهم في هذا اللقاء، لأن فهمها يؤدي إلى فهم صحيح لهذه القضية المهمة في الدنيا، نحن كما قلت نقدم طلباً يومياً {اهْدِنَا} هذه هي الهداية: هداية الدِّلالة والتوفيق، لكن كما قلت في البداية الإنسان عندما يقدم طلباً يقدم أسبابه، يقول لك: تكلمنا مع فلان ومع فلان ويفتح هاتفاً أو على الأقل يقدم الأوراق الثبوتية كاملة، إذا كان البلد لا يحتاج إلى الواسطات، يقدم الأوراق الثبوتية كاملة، ويقول لك: أوراقي جيدة أستطيع أخذ فيزا، فالطلب يرفق بما يدعمه. |
الإيمان تصديق و إقبال :
القرآن الكريم يتحدث عن أسباب الهداية انظروا إلى بعض الآيات قال: |
وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ(سورة التغابن: الآية 11)
فأنت قبل أن تطلب الهداية من الله هل أنت مؤمن إيماناً حقيقياً بالله؟ الإيمان شيئان تصديقٌ وإقبال، تُقبل على الله ثم تطلب منه الهداية، قف بين يديه بخشوع وقل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فالإيمان بالله سبب من أسباب الهداية، الإيمان العميق بالله سبب من أسباب الهداية، أيضاً قال: |
وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(سورة آل عمران: الآية 101)
تمسك بحبل الله تعالى
|
{ ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً، وعلى جنبتي الصراط- انظروا إلى الروعة في الأمثال النبوية- ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران- طريق يحده سُورَان- فيهما أبوابٌ مفتوحة- مفتوحة أبواب على السُّورَين- وعلى الأبواب سُتُورٌ مُرخاة- أي قماش مرخي، برداية، أنت لا تعرف ما وراءه ولكن هناك باب مفتوح ويجب أن تبعد الغطاء- ستورٌ مرخاة، وعلى رأس الصراط بأول الطريق، داعٍ يقول: أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً -هنا الطريق المستقيم تعالوا ادخلوا، الكل مسموح له أن يدخل، ادخلوا الصراط جميعاً- ولا تتعوجوا- لا تذهبوا يميناً وشمالاً، ابقوا على الصراط- وداعٍ آخر فوق الصراط يقول: ويحك ويحك- هذا يقف عند الأبواب- ويحك ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تَلِجْهُ- أي هنا لا تفتح الباب، المعصية لها وهج، أي إنسان اسأله أنت كيف وصلت بمعصية إلى هنا؟ يقول لك: والله ما كنت أنوي، بدأنا على أساس أنه لا يوجد بها شيء هذه المعاملة، وأكملنا وكذا أصبح نصاباً ومحتالاً كبيراً، والثاني والله لم أكن أنوي الزنا لكن جلسنا معها نظرةٌ فابتسامةٌ فخلوةٌ فموعدٌ فلقاءُ، فلها وهج، فماذا يقول هذا الداعي: لا تفتحه إنك إن تفتحه تلجه، دع المعصية مغلق عليها، ابق على الصراط لا تذهب يميناً وشمالاً- إنك إن تفتحه تلجه، يقول صلى الله عليه وسلم- الآن يحلل المثل - أمّا الصراط فهو الإسلام، والسوران حدود الله- طريق واسع، انظروا الصراط طريق واسع، أي لم يضعك في طريق ضيق ربنا عز وجل، بهذا الطريق الواسع ماذا تحب أن تشرب؟ تريد مانجو، أناناس، أفوكادو، تضع نوعين مع بعضهما رمان مع غوملي لا يوجد مشكلة، عندك مليون نوع، ولكن قال لك: هناك حدود، وهناك أنواع من الشراب ممنوع، الخمر ممنوع، المسكر والمفتر ممنوع، تريد لحوماً هناك لحوم كثيرة، ولكن هناك لحوم محرمة، فالصراط واسع لكن له حدود آخر شيء يوجد مكان، تريد امرأة هناك زوجة، وهناك زوجات، لكن هناك آخر شيء حدود، هذان السوران هما حدود الله تعالى فلا تعبروهم- قال: فأما السوران فهما حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله- هنا يوجد حرمات ممنوع تدخل - والداعي على رأس الصراط هو كتاب الله - الذي يقول تعالوا جميعاً هو كتاب الله، افتح كتاب الله يقول لك: هذا الصراط المستقيم لا تبتعد عنه: {وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} - (سورة الأنعام: الآية 153) - بقي عندنا الداعي الثاني الذي فوق الصراط - قال: والداعي فوق الصراط - واعظ الله في قلب كل مسلم }
(رواه أحمد والحاكم)
هناك شيء في داخلك يقول هذا معنى قوله تعالى: |
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ(سورة الحجرات: الآية 7)
فهناك واعظ في داخلك يقول لك: انتبه هذا لا يجوز، هذا يؤدي إلى المهالك، هذه الفطرة واعظ الله في قلب كل مسلم، قال لي أحدهم ذهب إلى بلد ولكن لا أدري أين، ولكنهم على ما يبدو هم بارعون بالإعلانات فوضعوا له على السرير: إن لم تنم فهذا ليس من فرشنا إنها وثيرة ولكن من ذنوبك إنها كثيرة، فإذا لم تستطع أن تنام فالحق عليك نحن فرشنا خمس نجوم، هذا واعظ الله في قلب كل مسلم، الفطرة السليمة التي تقول لك: |
{ الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ }
(رواه مسلم)
هذه الفطرة، قال تعالى: |
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا(سورة الروم: الآية 30)
أنت مبرمج على حب المنهج الإلهي
|
الأمور التي تعين على الهداية :
الصحبة الصالحة تعين على الهداية
|
{ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ }
(رواه مسلم)
نحن نستشعر أن الله معنا الآن، نسأل الله أن نكون أهلاً لذلك، أن يذكرنا الله فيمن عنده من الملأ الأعلى، أن هؤلاء عبادي جلسوا من أجلي متحابين، فما يجمعهم شيء إلا حب الله تعالى، فهذه المجالس والصحبة الصالحة. |
أخ مؤمن على صلاة الفجر، أخ يتابع معك، تسأله يسألك، تتفقد إيمانه يتفقد إيمانك، كان الصحابة يقول أحدهم للآخر: اجلس بنا يا أخي نؤمن بربنا ساعة، جلسة إيمان، جلسات الدنيا كثيرة، لكن جلسة الإيمان نؤمن بربنا ساعة، أما يوم القيامة: |
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ(سورة الزخرف: الآية 67)
يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي(سورة الفرقان: الآية 28-29)
فالصحبة الصالحة مما يعين على ذلك، وآخر شيء مما يعين على الهداية المجاهدة، قال تعالى: |
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا(سورة العنكبوت: الآية 69)
مجاهدة النفس عملية شاقة
|
وجاهد النفس والشيطان واعصهمـــا وإن هما محضاك النـصح فاتهــم والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِـــم ***{ البوصيري }
إذاً المجاهدة تؤدي إلى الهداية، فلابد للإنسان أن يجاهد نفسه وهواه، وأن يدفع نفسه إلى الخيرات والبركات، ليفتح الله عليه إن شاء، هذا موضوع الهداية بشكل عام. |
معوقات الهداية :
الظلم عائقٌ بينك وبين الهداية
|
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(سورة الأنعام: الآية 148)
الذي يقول: لو شاء الله ما أشركت هذا كذاب، لأنه يستخدم القضاء والقدر استخداماً مغلوطاً، نعم قضاء الله نافذ، ونعم الهداية بيده، ونعم الإضلال بيده، ولكن أنت لك ما كسبت وعليك ما اكتسبت، تنبعث وتكسب وتكتسب، وكله بيد الله تعالى أولاً وأخيراً. |