عوامل بناء النفس
عوامل بناء النفس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
بناء النفس بناء صحيحاً :
وبعد فيا أيها الأخوة؛ حديثنا اليوم ينطلق من آيةٍ في سورة التوبة يقول تعالى: |
أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(سورة التوبة: الآية 109)
بناء المؤمن الإيماني قوي ثابت
|
مواجهة الشهوات و الشبهات ببناء إيماني قوي :
نحن الآن في عصر الأشياء
|
ثبات المؤمن على الطاعة مع تعرضه لأشد أنواع الابتلاءات والفتن في دينه :
الآن كيف يبني الإنسان نفسه في هذا العصر؟ |
أولاً: سأضرب بعض النماذج ثم سأتجه إلى عوامل بناء النفس، هذا موضوعنا "بناء النفس". |
زيد بن ثابت كما روى الحاكم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ليتفقد سعد ابن الربيع في القتلى، أي النبي صلى الله عليه وسلم عقب المعركة لم يجد سعداً بن الربيع أحد الصحابة فأرسل زيداً ليتفقده، فقال له: إن رأيته، أي إن أدركته وهو حي فأقرئه مني السلام، وقل له يقول رسول الله: أخبرني كيف تجدك؟ أي كيف حالك؟ قال: فجعلت أبحث عنه في القتلى عقب أُحُد في أرض المعركة، حتى وجدته وأدركته وهو في آخر رمق، أي ينازع اللحظات الأخيرة في موته لكنه مازال صاحياً، فأدركته في آخر رمق به سبعون ضربة ما بين طعنة رمحٍ وضربة سيفٍ ورميةٍ بسهمٍ، فهو على فراش الموت، فقال: إن رسول الله يقرئك السلام، ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟ فقال سعد بن الربيع: وعلى رسول الله وعليك السلام، قل له: إني والله لأجد ريح الجنة، بدأت أتنسم رائحة الجنة، إني والله لأجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار- هنا الشاهد-: لا عذر لكم أن يُخلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف، أي إن وصل المشركون إلى رسول الله ومازال فيكم شخص واحد حيٌّ يرزق فلا عذر لكم أمام الله، لا عذر لكم أن يخلص إلى رسول الله وفيكم عين تطرف، قال: ثم فاضت روحه. |
{ عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد لطلب سعد بن الربيع رضي الله عنه وأرضاه في القتلى، وقال لي: "إن رأيته فأقرِئْه مني السلام، وقل له: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني كيف تجدك؟" قال زيد: فجعلت أبحث عنه في القتلى، فأصبته وهو في آخر رمق، به سبعون ضربة؛ ما بين طعنة رمح، وضربة سيف، ورمية سهم، فقلت له: يا سعد! إن رسول الله يقرؤك السلام، ويقول: أخبرني كيف تجدك؟ قال: وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وعليك السلام، قل له: إني والله لأجد رائحة الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله أن يُخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف، ثم فاضت روحه رحمه الله }
(رواه الحاكم)
إذاً الذي أريد أن أقوله هذا سعد في اللحظات الأخيرة في حياته ثبت، وعلّم غيره دروساً في الثبات، هو لم يكن مجرد شبهة تواجهه، أو شهوة، هو على فراش الموت، هو يلقى الله الآن، ومازال ثابتاً على دينه بهذا الثبات، همه الدعوة، وهمه سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهمه أن يبقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم بواجبه وبدعوته على أكمل وجه، هذا همه، هذا من عصر النبي صلى الله عليه وسلم. |
الثبات الدائم على دين الله
|
قد يقول قائل اليوم: نحن أيضاً نتعرض؟ نعم، والله أنا أؤكد ذلك، لكن نحن ابتلاؤنا من نوع آخر، نحن في بلادنا بلاد المسلمين الحمد لله لا يتعرض إنسان لفتنة في دينه بمعنى أن يضغط عليه ليترك صلاته، ليترك إيمانه، لكن قد استعرت الشهوات من حولنا، والشبهات في الإعلام حتى صارت تضغط، أي الحمد لله الذي عافانا من ضغوط العذاب والألم، لكن هذه الضغوط أيضاً والله ثقيلة، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: |
{ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اشتقت لأحبابي، قالوا: أو لسنا أحبابك؟ قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، أجره كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم؟ قال: بل منكم، قالوا: و لمَ؟ قال: لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون }
(رواه الترمذي)
الاعتصام بالله وقاية من الفتن
|
{ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" }
(رواه الترمذي)
مثل عن بناء الإنسان نفسه على شفا جرف هار :
في الطرف الآخر، أضرب فقط مثلاً كيف يبني الإنسان بنيانه على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، تعلمون قصة جبلة بن الأيهم الذي روى قصته ابن كثير في البداية والنهاية، وغيره كثير رووا القصة، جبلة بن الأيهم كان ملك الغساسنة، الغساسنة كلهم، له مكانة كبيرة في قومه، في عهد عمر بن الخطاب جاء إلى المدينة مسلماً ففرح به عمر كثيراً، لأنه ملك الغساسنة، وهذا إن أسلم تبعه خلقٌ كثير، وهو جاء ومعه قومه، حاشيته كلها، ودخل في الإسلام، فسيدنا عمر أكرمه أعظم إكرام، وهذا شأن المؤمن أن يعطي لكل ذي حقٍّ حقه، طبعاً المؤمن يكرّم الجميع، لكن لو كان الشخص له في المجتمع مكانة، أو شيء يكرّمه، حتى يشعر أن الدين لا ينقص الناس مكانتهم، وإنما تبقى له مكانته لكن وفق منهج الله، فأكرمه عمر أيما إكرام، ثم أنه خرج إلى الحج إلى مكة، وكان عمر في مكة في موسم الحج، كان عمر رضي الله عنه في مكة وهو خرج إلى مكة فطاف بالبيت، فبينما هو يطوف بالبيت إذ داس بدويٌ من قبيلة فزارة على طرف ثوبه فأنزله من على كتفه، فثارت فيه حمية الملوك، وربما ظن أنه تعمد ذلك، أو لم ينتبه له، والحاشية حوله، فالتفت إليه فضربه ضربةً هشمت أنفه، فما كان من هذا البدوي إلا أن ذهب إلى عمر بن الخطاب وشكا إليه ما فعل معه جبلة بن الأيهم، فجاء عمر بجبلة وجاء بالخصم، جاء بالخصمين، وهو قبل أيام كان يكرمه أعظم إكرام، لكن الآن هناك محكمة، قال له: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال: نعم، أنا أخذت حقي بيدي وهشمت أنفه، فقد تعمد إسقاط إزاري، قال: أرضه، لابد أن ترضيه، أو يهشمن الآن أنفك، إما أن ترضيه وإما القصاص، لا يوجد حل آخر، إما أن ترضيه ويعفو ويسقط حقه أو أقتص منك، قال: تقتص مني؟ قال: نعم أقتص منك، قال: هو بدوي، هو سوقة، ومن عوام الناس، وأنا ملك، ملك الغساسنة، قال: الإسلام سوّى بينكما، هنا عمر الآن لا ينطلق أبداً من إكرام هذا الرجل أو عدم إكرامه، أكرمه يوم كان يجب إكرامه، لكن الآن سيدنا عمر ينطلق من أننا في عصر المبادئ والقيم كما قلت قبل قليل، فليس هناك قيمة للأشخاص في عصر القيم، لا بد أن يأخذ الإنسان حقه، لن يسامحه، ولن يسترضيه عمر، إما أن ترضيه أنت أو يأخذ حقه، قال: أنا أرتد عن الدين، إذا الدين يأخذ له حقه أنا لا أريد هذا الدين، قال: شأنك وما تحب، أنت تحب أن تدخل في الدين أو لا تريد هذا شأنك، يقام عليك الحد، فقال: أمهلني حتى الصباح أريد أن أفكر، قال: فاحتمل في جنح الظلام مع حاشيته وهرب، ترك الدين وهرب، ما عرف عنه سيدنا عمر بعد ذلك شيئاً لأنه غادر، هذا بنى بنيانه على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، بعد حين يرسل عمر رضي الله عنه إلى بلاد الروم أحد الصحابة لينقل رسالة من عمر إلى بلاد الروم يدعوهم بها إلى الإسلام، فيصل بالرسالة فيقبلها حاكم الروم، ولا يوجد مجال لإنكارها، لأن دولة الإسلام كانت قوية جداً، لكنه لم يجب، أي لم يستجب للإسلام لكن أكرم الرسول لأنه رسول عمر أمير المؤمنين، ثم قال له هذا الحاكم: هل رأيت ابن عمك؟ أي قرابتك من العرب، قال: لا والله ما رأيته، قال: هل قابلته؟ قال: لا والله ما قابلته، قال: هل تحب أن تقابله؟ قال: أقابله، قال: فخذوه إليه، قال: فوجدت قصره وبيته أعظم مما وجدت على قصر القيصر، أعطاه أرضاً كبيرة، عاد ملك من ملوك العرب لعنده مرتداً ففرح به فأعطاه أقطاعاً وكذا، قال: فلما رأيته رأيته يشرب الخمر، رحب به وأجلسه، قال: فرأيته يشرب الخمر وسمعته يقول: |
تنصرت الأشراف من عار لطمة وما كان فيها لو صبــــرت لها ضرر تكنفني منها لجــــــــاج ونخـــــــــوة وبعت بها العين الصحيــــــحة بالعور فيا ليت أمي لم تلدني وليتنــــــي رجعت إلى القول الذي قال لي عمر ويا ليتني أرعى المخاض بقفـرة وكنت أسير في ربيعـــــــــة أو مضـــــر ويا ليت لي بالشام أدنى معيشة أجالس قومي ذاهب السمع والبصر ***{ جبلة بن الأيهم الغساني }
الحق فوق كل شيء
|
عوامل بناء النفس :
1 ـ التقرب إلى الله بكل ما يرضيه :
الذي أريد أن أصل إليه هناك إنسان مبني بناءً صحيحاً، وهناك إنسان غير مبني، لم يبن إيمانه بناءً صحيحاً، فما عوامل بناء النفس؟ هنا موطن الحديث أو أهمية الحديث، الحقيقة العوامل كثيرة ويمكن أن نتكلم بها طويلاً لكن نلخّص بما يلي: أول ما تبنى به النفس التقرب من الله بالأعمال، وبالأقوال الظاهرة والباطنة بكل ما يرضي الله، كلما تقربت من الله اقتربت من القوي، والقوي يقويكّ جل جلاله، فالقريبون من الله لا يمكن أن يلتفتوا إلى الشهوات والشبهات، أي أنت إذا كنت مع ملك من ملوك الدنيا، كنت قريباً منه كثيراً، فهل يمكن أن تأكل همّ معاشك أو همّ أمورك أو همّ تسجيل أولادك في المدرسة؟ لا تأكل همّ شيء، تقول: أنا معرفتي بالملك، فأنا أسجل، أحل مشكلة بتوقيع، كله معه، فإذا كنت قريباً من ملك الملوك جل جلاله فلا شك أن النفس مبنية بناء قوياً، والتوحيد فيها قوي جداً، هذا بناء النفس بالتقرب إلى الله. |
أول ما يتقرب به العبد من ربه
|
إذاً هو ثابت، هذا هو الثبات، إذاً أول ما يتقرب به العبد من ربه الفرائض ثم النوافل. |
ثم يقول تعالى كما في الحديث القدسي: (وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ). |
الآن تلتجئ إلى الله فيلجئك، تسأله فيعطيك، لأنك أصبحت تتحرك وفق منهج الله. |
{ إنَّ اللَّهَ قالَ: مَن عادَى لي ولِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ }
(صحيح البخاري)
إذاً أول عامل من عوامل النفس هو التقرب إلى الله بما يرتضيه الله من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة، الظاهرة الصلاة، الباطنة السكينة في القلب، الحب، الشيء الذي لا يرى، التوجه إلى الله، النية الصافية، لكن ينبغي أن ننتبه هنا إلى أمرين قبل أن أنتقل إلى العامل الثاني من العوامل. |
جاءني أمران قد سولت في نفسي أن أقولهما لكم، الأمر الأول: فلنحذر أن تتحول العبادة إلى عادة، فلنحذر أن تتحول العبادة إلى عادة، لأنه أحياناً ممارسة العبادة بشكل مستمر، الصلاة أو الصيام أو الحج أو الزكاة تنقلب إلى حركات وسكنات يؤديها الإنسان دون أن يحقق مقصود الله تعالى منها، والعبادات معللة بمصالح الخلق: |
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ(سورة العنكبوت: الآية 45)
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(سورة البقرة: الآية 183)
خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا(سورة التوبة: الآية 103)
تصفية القلب من الحقد
الأمر الثاني أيضاً بالعبادة والذي أريد أن أقوله أن ننتبه كما ننتبه إلى أعمال الجوارح أن ننتبه إلى أعمال القلوب، أي أن يصفي الإنسان قلبه من الحقد، من الحسد، من الكراهية، من أن يريد الشر بالناس والعياذ بالله، أي أن يصبح قلبه صافياً كما هي جوارحه متجهة لله تعالى معاً، الأمران معاً، إذاً أولاً التقرب إلى الله. |
2 ـ المجاهدة :
الحياة كلها مجاهدة
|
وجاهد النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَـــا واِنْ همـا مَحَّضَـاكَ النُّصحَ فاتَّهِـمِ والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى حُبِّ الرّضَاع وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِــــمِ ***{ الإمام البوصيري }
لا يوجد طفل لم يبك حتى ترك الرضاعة، كل الأطفال بكوا، لكن إذا تركته يرضع يصبح عمره سبع سنوات وهو يرضع، ليست عنده مشكلة، وأيضاً النفس إذا تركتها، الاستيقاظ للفجر يحتاج إلى مجاهدة، الفراش وثير ودافئ، ودرجة الحرارة في الخارج تحت الصفر فطبعاً تحتاج مجاهدة، الفراش يدعوك في كل لحظة للنوم فيما بعد تقوم إلى الصلاة، فكل الحياة مجاهدة، هي جهاد، انظروا إلى قوله تعالى: |
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا(سورة العنكبوت: الآية 69)
سبل الله لا تهدى إلا لمن جاهد، هنا الجهاد ليس جهاد المعركة، الآية مدلولها واضح (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا) أي في الأمر والنهي، في الطاعات (جَاهَدُوا فِينَا) أي جاهدوا في تنفيذ أوامر الله عز وجل، أي أمر، فلما جاهدوا فينا هداهم الله إلى سبله جلّ جلاله، الإنسان عنده طبع وعنده تكليف، من تناقض الطبع مع التكليف يدفع سبب دخول الجنة ، قال: |
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ(سورة النازعات: الآية 40 -41)
التطابق التام بين الفطرة والمنهج
|
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ(سورة الحجرات: الآية 7)
فنحن نكره الفسوق ونحب الإيمان، لكن طبيعة الجسم وطبيعة الحياة تدفعنا إلى ترك المنهج فنعارض طبعنا، فنوافق فطرتنا، فنحقق منهج الله تعالى، |
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا(سورة الروم: الآية 30)
المؤمن نيته خيرٌ من عمله
|
{ عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ }
(أخرجه البخاري ومسلم)
أي ثواب الأعمال مبني على النية الصحيحة، فيجاهد الإنسان نفسه بالنيات، فإن وجد في نفسه رياءً، أو وجد في نفسه حباً للظهور، أو نحو ذلك، فيجاهد نفسه، كيف يجاهدها؟ كان هناك علماء كبار، ذات مرة كان الشيخ الشعراوي رحمه الله رووا عنه قصة وهي صحيحة، رواها عنه أقرب الناس له، أنه خرج من محاضرة، ويبدو أنه أبدع فيها وتألق، فحدثته نفسه كثيراً، فالنية تزغزغت، فقال للسائق: قف على اليمين، توقف، فنزل إلى المسجد فلحقوا به فإذا هو بالحمامات والمطاهر ينظفها، قالوا: ما بك؟ قال: والله نازعتني نفسي بالظهور فأحببت أن أؤدبها، أحببت أن أؤدبها، فالإنسان أحياناً إذا وجد أنه معجب بنفسه، وشعر بالغرور يكسرها بطاعة الله، طبعاً لا يكسرها ويذل نفسه للناس، لا، حاشا لله، لكن بعمل صالح من غير أن يدرى فيه، بإنفاق زيادة قليلاً، من دون أن يخبر أي إنسان، بينه وبين الله، هكذا تجاهد النية، مجاهدة النيات. |
3 ـ المحاسبة :
حقوق العباد قبل حقوق الله
|
4 ـ طلب العلم :
أيضاً من الأمور والآن سأبدأ ببعض الاختصار لأنها كثيرة، طلب العلم. |
هذا المجلس مجلس بناء للنفوس، أنا وأنتم نبني نفوسنا بمجالس العلم، مجالس العلم تبني النفوس، يخرج الإنسان منها يومين أو ثلاثة يبقى على صلة بالمنهج، طلب العلم. |
5 ـ مجالسة الصالحين :
أيضاً مجالسة الصالحين، وبعكسها ما الذي يهدم النفوس؟ مجالسة السيئين، بذكر الصالحين تتعطر المجالس، وبذكر اللؤماء تتعكر المجالس، فالإنسان إذا جلس مع الصالحين، بعمله، ببيته، بسهرته، حتى وهو جالس يمازح، فتتهذب النفس وتبنى بناءً صحيحاً. |
6 ـ تدبر كتاب الله تعالى :
تدبر كتاب الله تعالى
|
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً(سورة الفرقان: الآية 30)
هجروه، أي علقه في البيت، ويضع لوحة بصدر محله التجاري: |
إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا(سورة الفتح: الآية 1)
وفي البيت: |
وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ(سورة الإسراء: الآية 80)
وكله جيد وممتاز نحن لا ننكر ذلك، لكن بالأحكام، بالواقع، بالحياة، لا يفتح المصحف من رمضان إلى رمضان لنبدأ بختمة، وبعدها نغلقه لرمضان الذي بعده، لا، لابد يومياً من حصة مع المصحف، ولو كانت صفحة أو صفحتين أو نصف صفحة على قدر المستطاع، إذاً تلاوة خمس صفحات أقل شيء، وإذا مع تدبر ثلاث آيات أو أربع بتدبر المعاني، تفهمهم، تفهم معانيهم، مدلولهم، فتدبر القرآن يبني النفوس. |
7 ـ الدعاء :
الدُّعاءُ هوَ العبادةُ
|
{ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الدُّعاءُ هوَ العبادةُ، ثمَّ قالَ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(سورة غافر: الآية 60) }
(رواه الترمذي)
فالدعاء أولاً أن تعلم أن لك رباً يسمعك، وأنه قدير على إجابتك، وأنه يحبك، وإلا لما دعوته، فكل هذه المعاني في الدعاء، فالإنسان يدعو الله يا رب ثبتني في الفتن، يارب أبعد عني الفتن، يا رب لا تجعل مدخلاً من مداخل الشهوات، ولا من مشاغل الشبهات لا إلى عقلي، ولا إلى قلبي، إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك، لأننا نحن في النتيجة نعيش للآخرة، فإذا كان هناك فتنة ونسأل الله السلامة وسنتبعها لا يا رب اقبضني قبل أن تفتني في ديني. |
كان سيدنا عمر إذا أصابته مصيبة قال: " الحمد لله ثلاثاً: إذ لم تكن في ديني- كل مصيبة إن لم تكن في الدين محلولة، لكن إذا الإنسان مصيبته في دينه، أنه ابتعد عن الصلاة، ابتعد عن العبادة، بدأ يرتاد الأماكن التي لا ترضي الله، أماكن اللهو، فهذا مصيبته هي أكبر المصائب- كان يقول: الحمد لله ثلاثاً، إذ لم تكن في ديني، وإذ لم تكن أكبر منها، وإذ أُلهمت الصبر عليها" |
نسأل الله تعالى أن نبني نفوسنا جميعاً بناءً إيمانياً صحيحاً قوياً لا تثنيه لا سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة، لا تثنينا عن مبادئنا، وديننا، وقيمنا. |