قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

  • محاضرة في الأردن
  • 2020-02-03
  • عمان
  • الأردن

قصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.


قصة حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ
عن علي رضي الله عنه قال: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، فقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، روضة خاخ موضع قريب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قريباً من حمراء الأسد، روضة خاخ، قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، والظعينة هي المرأة في الهودج، المرأة التي تُحمل في الهودج على البعير، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فأتوني به، بالكتاب، فأتوني به، يقول علي رضي الله عنه: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، على وجه السرعة، مهمة سريعة، حَتَّى أتيْنَا الرَّوْضَةِ، فَإِذَا بها الظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا لها: أخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: ما مَعِي مِن كِتَابٍ، فَقُلْنَا لها: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، يعني سنجردك من ثيابكي حتى نأخذ الكتاب، الكتاب موجود، وفي رواية ثانية قال علي رضي الله عنه، فقال: صاحبي ما أرى معها من كتاب، يعني الوضع واضح لا يوجد، فقال علي رضي الله عنه: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لنجردنكِ، فلما رأت أن الأمر جدي، أخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، والعقيصة هي ضفيرة الشعر، الكتاب بقلب الضفيرة، فجئنا به رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا به، في الكتاب، مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ، وهو صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ في قريش يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يعني بالعرف الحديث خيانة عظمى، رسول الله سيغزوكم، محمدٌ سيفعل كذا، خيانة، ينقل أخبار صف المسلمين إلى المشركين في قريش، الآن النبي صلى الله عليه وسلم نادى حَاطِبِ، قال: يا حَاطِبُ ما هذا؟ قال: تمهّل عليّ يا رسول الله، والله ما فعلته لا كُفْراً ولَا ارْتِدَاداً ولَا رِضاً بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ، وإنما كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقاً في قُرَيْشٍ، أنا لست من قريش أنا من قبائل أخرى وجئت وسكنت في قريش، أنا لست منها، ولست مِن أنْفُسِهَا، وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ من لهمْ قَرَابَاتٌ في قريش يَحْمُونَ بهَا أنفسهم وأهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، يعني قريش فيها بعض نخوة، فإذا كان شخص من قريش من نفس قريش وله قرابات وهاجر، قراباته يحمون أهله ويحمون ماله، لأن فلان منهم، فأردت إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم، ليس لي نسب، أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَداً أحمي بهَا قَرَابَتِي، يعني أريد بهذا الإخبار لهم أن أجعل لي فضلاً عندهم فيحمون قرابتي من شرهم ومن تعذيبهم ومن تنكيلهم، هذا سبب الفعل، طبعاً السبب غير مبرر لكن هو هكذا قال وهو صادق، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لصحابته، قَدْ صَدَقَكُمْ، الكلام صحيح، قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: يا رَسولَ اللَّهِ دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِق، فهذه خيانة، فقال: لا ياعمر إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْراً، حاطب كان في بدر، مقاتل في بدر، إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.

{ عن علي رضي الله عنه قال: بَعَثَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَا والزُّبَيْرَ، والمِقْدَادَ بنَ الأسْوَدِ، قَالَ: انْطَلِقُوا حتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فإنَّ بهَا ظَعِينَةً، ومعهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ منها، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بنَا خَيْلُنَا حتَّى انْتَهَيْنَا إلى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أخْرِجِي الكِتَابَ، فَقَالَتْ: ما مَعِي مِن كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فأخْرَجَتْهُ مِن عِقَاصِهَا، فأتَيْنَا به رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَإِذَا فيه مِن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ إلى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِن أهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ ببَعْضِ أمْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا حَاطِبُ ما هذا؟، قَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، لا تَعْجَلْ عَلَيَّ إنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا في قُرَيْشٍ، ولَمْ أكُنْ مِن أنْفُسِهَا، وكانَ مَن معكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لهمْ قَرَابَاتٌ بمَكَّةَ يَحْمُونَ بهَا أهْلِيهِمْ وأَمْوَالَهُمْ، فأحْبَبْتُ إذْ فَاتَنِي ذلكَ مِنَ النَّسَبِ فيهم، أنْ أتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بهَا قَرَابَتِي، وما فَعَلْتُ كُفْرًا ولَا ارْتِدَادًا، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ صَدَقَكُمْ، قَالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ دَعْنِي أضْرِبْ عُنُقَ هذا المُنَافِقِ، قَالَ: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أنْ يَكونَ قَدِ اطَّلَعَ علَى أهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ }

(صحيح البخاري)


العبرة الأولى : اليقين بكلام الله تعالى وبكلام رسوله
هذا هو النص، الآن نريد أن نستنبط العبر والدروس والمعاني من هذا النص، الأمر الأول، العبرة الأولى، الدرس الأول المهم؛ عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، انطلقوا وكلهم يقينٌ بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يذكروا أنهم سألوه يا ترى معها كتاب أو ليس معها؟ قال: ما كذب رسول الله، الكتاب معك سوف تخرجينه، فانطلقوا بيقين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر الحق وبأنه صلى الله عليه وسلم كلامه وَحْيٌ يُوحَىٰ.

وَحْيٌ يُوحَىٰ
(سورة النجم: الآية 4)

يقول سعد رضي الله عنه وأرضاه: ثلاثة أنا فيهن رجل، ورجل هنا بمعنى بطل، الرجل في القرآن ليس الذكر

رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ
(سورة النور: الآية 37)

الوحي نوعان
قد يكونون إناثاً وقد يكونون ذكوراً، فالرجال هنا بمعنى الأبطال، فقال: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس ليس لي أي ميّزة، ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حقٌّ من الله تعالى، لأن الوحي نوعان: وحيٌ متلو، وهو كتاب الله، ووحيٌ غير متلو، وهو سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه وحيٌ من الله تعالى، وما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها أو أفرغ منها، في الصلاة لله لا ينشغل لا بالحسابات ولا بالزيارات ولا فيما حدث معه أثناء النهار، الثالثة قال: وما سرت خلف جنازة فحدّثت نفسي بغير ما تقول حتى أفرغ من دفنها، في الجنازة دروس وعبر من الدفن، هذا قول سعد: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس.

للمعرفة ثلاث مستويات
المستوى الأول مستوى نظر
أخواننا الكرام: حتى أعقّب على قضية كيف تيقنوا من خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستويات المعرفة، ولعلي ذكرت ذلك على عجالة سابقاً لكن التفصيل فيه الآن مهم، مستويات المعرفة، حتى نتعرف على العالم عندنا مستويات للمعرفة، المعرفة الأولى وأنا أسميها المعرفة السطحية البسيطة المبدئية هي ما يتعرّف إليه الإنسان من خلال حواسه الخمس التي أودعها الله فيه، فيشم رائحةً فيقول: هذه رائحة ياسمين، وينظر فيقول: هذه طاولة، ويسمع فيقول: هذا صوت أبي فلان، ويلمس فيقول: هذا ملمس جلد الأرنب، يتعرف من خلال حواسه، ويتذوق فيقول: هذا طعم اليانسون، هذا مستوى المعرفة الأول، مستوى الحواس الخمس وهذا يشترك به الإنسان مع كثير من المخلوقات الأخرى، فهو ليس مقياساً ليقول: والله أنا أعرف بحواسي، أو يقول: أنا لا أصدق حتى أرى بعيني، هذا كلام لا معنى له، لا تسوِّ نفسك بالمخلوقات الأخرى هذا شيء منطقي أن ترى شيئاً فتعرفه، فهذا المستوى الأول نسميه حتى نختصره نظر، لأن أهم طريقة يتعرف بها الإنسان على العالم الخارجي هو النظر، العين، فنقول المستوى الأول مستوى نظر، هذا مستوى بسيط، المستوى الأعلى منه الذي لا يدرك من خلاله ولا يتعرف من خلاله إلا العقلاء هو الأثر، فالأثر يدل على المؤثّر، فالعاقل يقول: هناك كهرباء في الغرفة، لكن هل تراها؟ لا، ولكني أرى آثارها، هذا المصباح المتألق وهذا الصوت المُكبَّر يدل على وجود الكهرباء فيستدل من خلال شيء يراه بعينه إلى شيء لا يراه بعينه، هذا الأثر، وهذا طريق الإيمان بالله الفطري البسيط جداً الذي تَعَبَّدَنَا الله عز وجل به، الله عز وجل يقول لنا:

قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
(سورة يونس: الآية 101)

فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ
(سورة عبس: الآية 24)

لماذا أنظر إلى طعامي؟ لأن الطعام يدل على أن هناك إلهاً جلّ جلاله، الأعرابي كان يقول: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، أفسماوات ذات أبراج وأرضٌ ذاتُ فِجاج ألا يدلان على الحكيم الخبير، فهذا مستوى الأثر هو مستوى العقلاء، وهذا نحتاجه في الإيمان بالله نحتاجه كثيراً أن نستدل على الأشياء التي لا نراها أو لا ندركها بحواسنا من خلال أشياء نراها وندركها بحواسنا.
المستوى الثالث هو الخبر
إذاً نظر، أثر، المستوى الثالث هو الخبر: الخبر هو لشيء لم تستطع أن تدركه بحواسك ولم يستطع عقلك أن يدركه من آثاره فحجبت عنك ذاته وحجبت عنك آثاره، يعني ليس عندك وسيلة لا عقلية ولا وسيلة نظرية، هذا الخبر إما أن يكون صادقاً أو أن يكون كاذباً تستدل على ذلك من مجموعة معطيات، يعني عندما يأتي أخ كريم منكم وأنا أعرفكم جيداً وتقول: الآن حدث شيء في الساحة الفلانية، ويخبرني بهذا الخبر، فأنا أعلم بأن فلان صادق لا يكذب فأصدق خبره، يأتي آخر أعلمه بأنه فاسق يأتي بنبأ ودائماً يهوّل فيه فأقول: تمهل حتى أستطلع

إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا
(سورة الحجرات: الآية 6)

أتبيّن لأنني أعلم أن هذا الإنسان قد يكذب في أخباره، لكن عندما يأتيني خبر من الله ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو وحي غير متلو كما قلنا فالمؤمن يصدق هذا الخبر أعظم من تصديقه لشيء يراه بعينه، فيرتفع عنده الخبر ليس إلى الأثر ولكن إلى النظر، لذلك يقول تعالى في كتابه الكريم:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ
(سورة الفجر: الآية 6)


الخبر هو أعلى مستويات المعرفة
النبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ كيف فعل ربُّه بعاد، لكن الله أخبره أنه فعل بعاد ما فعل فاستقبل الخبر وكأنه يراه، وهذا معنى قوله تعالى (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ) هذا فعل ماض

أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ
(سورة النحل: الآية 1)

الغيب هو الشيء الذي غاب عنك
قال: (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) معناها لم يأت فلماذا يقول سبحانه: أتى؟ لأن أمر الله آتٍ لا محالة فيعبر الله بالفعل الماضي عن الشيء المستقبلي لأنّ الإتيان متحقق مئة بالمئة، فنحن أمام نظر وأثر وخبر، والخبر هو أعلى مستويات المعرفة في عالم الإيمان وهذا ما يسميه القرآن عالم الغيب، أو الإيمان بالغيب، عالم الشهادة نظر وقد يلحق به الأثر، لأن الأثر شيء من الشهادة لأنك تشاهد شيئاً فتستدل على شيء آخر فهو شهادة، أما عالم الغيب هو الشيء الذي غاب عنك، فالله تعالى:

عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ
(سورة الرعد: الآية 9)

ولما وصف المؤمنين أول وصف قبل إقامة الصلاة قال:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ
(سورة البقرة: الآية 3)

فبدأ بالإيمان بالغيب لأن معظم إيماننا يستند إلى الغيب إلى شيء لا نراه ولا نشهد له آثاراً ربما ولكنه رغم أنه غاب عن عيوننا فلو لم تدركه عقولنا لكننا نؤمن به لأنه خبرٌ صادقٌ من الله تعالى.
الآن علي والزبير والمقداد، الآن هذا خبر، هناك ظعينة معها كتاب، هذا خبر، الخبر يحتمل الصدق والكذب إلا إن كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الله عز وجل، فلا يحتمل إلا اتجاهاً واحداً وهو الصدق، فقال لها: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ لا يوجد حل ثانٍ لأن الكتاب معكِ، هذا خبر ولكنه خبر صادق

وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً
(سورة النساء: الآية 87)

سيدنا أبو بكر رضي الله عنه هو أصدق الأمة يقيناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب أكبر يقينٍ في الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الصدّيق، فلما قيل له: إن صاحبك، يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم، يزعم أنه أُسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عُرج به إلى السماوات، الآن أبو بكر الصديق قال: أوقد قال ذلك؟ قالوا: نعم، هو يتأكد قال أم لا، قال: إن كان قال فقد صدق، لمَّا يقابل رسول الله، ولمَّا يستوضح منه، ولا يوجد طيارة ولا سيارة القضية عقلياً صعبة التصديق وليس لها لا نظر ولا أثر، لكن ما دام قال فقد صدق، لأن الخبر صادق، هو الصادق الأمين، يحاولون ثنيه، صاحبك يزعم، قال: إن كان قال فقد صدق، انتهى.
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما روى أحمد بإسنادٍ حسن: عندما عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية قبل فتح مكة بسنة، صلح الحديبية كان ظاهره مجحفاً بحق المسلمين، يعني الشروط: جاءوا ليعتمروا فرحين، سترجعون دون أن تعتمروا، تحلّلوا وارجعوا لا يمكن أن تعتمروا الآن، عودوا السنة القادمة، إذا جاءكم أحدٌ مسلم من عندنا يجب أن تردوه إلينا، الصلح في ظاهره مهين للمسلمين، فيه ذلة، لكن الله تعالى سماه فتحاً فقال:

إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِيناً
(سورة الفتح: الآية 1)


التزم بما أمرك به والله لن يضيعك
الله لن يضيعك
هذه الآية نزلت في صلح الحديبية لأنه مبشرات الفتح، لأن الله تعالى أعلم بما يصلح الأمة، فالآن عمر رضي الله عنه، عمر له حِدَّة، سيدنا أبو بكر رقيق، رقة أبي بكر مع حدة عمر، المجتمع المسلم بحاجة إلى هذه الأمور، فسيدنا عمر رأى في الصلح مهانة فذهب إلى أبي بكر رضي الله عنه قال: يا أبا بكر أوليس برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بلى، قال: أولسنا بالمسلمين؟ قال بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ لماذا نقبل بالذلة؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا عمر الزم غرزه، عند قدمه، فإنه رسول الله، أنا مثلك لم أفهم، أنا مثلك، القضية صعبة الفهم، لكن هذا رسول الله، عمر لمّا ينته الأمر في نفسه ذهب إلى رسول الله بكل صراحة قال: يا رسول الله، أولسنا بالمسلمين؟ قال: بلى، قال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: بلى، قال: فعلام نعطي الذلة في ديننا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني عبد الله، أنا الآن أُنَفِّذ، أنا عبد، إني عبد الله أفعل ما أمرني به الله ولن يضيعني، انظروا العبارة: "أفعل ما أمرني ولن يضيعني"، نحن اليوم بحاجة إلى هذا النص، أن تفعل ما أمرك به الله فلن يضيعك الله، أنت التزم بما أمرك به والله لن يضيعك.

{ كُنَّا بصِفِّينَ، فَقَامَ سَهْلُ بنُ حُنَيْفٍ، فَقالَ: أَيُّهَا النَّاسُ اتَّهِمُوا أَنْفُسَكُمْ، فإنَّا كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الحُدَيْبِيَةِ، ولو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلْنَا، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَلَسْنَا علَى الحَقِّ وهُمْ علَى البَاطِلِ؟ فَقالَ: بَلَى. فَقالَ: أَليسَ قَتْلَانَا في الجَنَّةِ وقَتْلَاهُمْ في النَّارِ؟ قالَ: بَلَى، قالَ: فَعَلَامَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا، أَنَرْجِعُ ولَمَّا يَحْكُمِ اللَّهُ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ؟ فَقالَ: يا ابْنَ الخَطَّابِ، إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إلى أَبِي بَكْرٍ فَقالَ له مِثْلَ ما قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: إنَّه رَسولُ اللَّهِ، ولَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ سُورَةُ الفَتْحِ فَقَرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى عُمَرَ إلى آخِرِهَا، فَقالَ عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَوَفَتْحٌ هُوَ؟ قالَ: نَعَمْ }

(صحيح البخاري)

(وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ) كما في حديث آخر.

وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ
(سورة البقرة: الآية 143)

مستحيل أن يضيعنا ربنا إذا ائتمرنا بما أمر وانتهينا عما عنه نهى وزجر، الآن موطن الشاهد: عمر رضي الله عنه اتضح عنده الأمر فيما بعد، الأمر اتضح، لأنه الذي حدث هو فتح مكة، وهؤلاء الذين ردّهم النبي صلى الله عليه وسلم شكلوا قطاع طرق وصار المشركون يرسلون لمحمد صلى الله عليه وسلم أن يقبلهم! فتبينت حكمة الأمر الذي لم يكن ظاهراً في صلح الحديبية، فيقول عمر رضي الله عنه: "والله لقد بقيت أصلي وأصوم وأتصدق وأُعتق مخافة الكلام الذي قلته يومئذٍ، خائف من الله لأنه شعر هو بكلامه ذلك وكأنه يسيء الظن، فقال: مخافة الكلام الذي قلت، حتى رجوت أن يكون خيراً، يعني حتى أحسست أن الله غفر لي ما كان مني، من هذا الشك بالأمر، النبي صلى الله عليه وسلم كان له عم العباس، العباس كان مسلماً ولكنه لم يظهر إسلامه وكان عين النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، يتابع الأخبار ويأتيه بها، فلما جاءت معركة بدر النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقتلوا عمي العباس، هناك معركة ستتم لا أحد يقتل عمي، النبي صلى الله عليه وسلم ما عنده مجال إلا أن يقول هذه العبارة لا تقتلوا عمي العباس، لأنه لو قال: لا تقتلوا عمي العباس لأنه مسلم لفضحه، ولو سكت لقتلوه لأنه كافر في نظرهم، فالآن العبارة الوحيدة: لا تقتلوا عمي العباس، فقال أحدهم: أحدنا يقتل أباه وعمه وأخاه، وينهانا عن قتل عمه؟ تكلم بها، ثم يقول: والله لقد بقيت أتصدق عشرين سنة رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله صلى الله عليه وسلم.
اليقين بخبر الله وخبر رسوله
إذاً أخواننا الكرام: عندما نتحدث عن قضية اليقين بكلام الله تعالى وبكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأننا اليوم في حالة إعلامية غير مسبوقة من محاولة التشكيك بالوحي في القرآن والسنّة معاً، فينبغي أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يأتي بوحي فهذا وحي السماء وهذا خبرٌ صادق وأن نزيد من تمسكنا بهذه الثوابت وأن نعمّق من إيماننا بكلام الله وبكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، إذاً هذه هي العبرة الأولى، عنوان العبرة الأولى: اليقين بخبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم.

العبرة الثانية : قبول عذر المعتذر
العبرة الثانية عنوانها لنقبل عذر المعتذر: حاطب اعتذر بعذر، النبي صلى الله عليه وسلم ما كان منه إلا أن قال: "لقَدْ صَدَقَكُمْ"، قبل عذره، فإذا جاءك أخوك متنصلاً، يعني أخطأ معك خطأً ثم جاء يقول لك: وصار معي ظرف، وأنت قد تعلم أن هذا الظرف الذي حصل معه لا يؤهله لأن يفعل ما فعل، لكنه متنصل يعني يحاول أن يعتذر منك ويتنصل من خطئه، أسرع وقل له: أنت عندي صادق وأمين، لا يوجد مشكلة نحن أخوة، بعض الناس يبالغ ما الظرف الذي جرى معك؟ والله حصل معي كذا، ولكنك كنت تستطيع أن تأتي، يُحمّر له وجهه ويخجله قبل أن يسامحه، ما دام يعتذر، أخطأ وقع في خطأ كلنا ذو خطأ، فجاء معتذراً فأسرع قبل أن يتمادى في التبريرات قل له: أنا أعلم أن لك عذراً، وأنك صادقٌ فيما تقول والأمر انتهى، ما دام جاء متنصلاً فاقبل عذره، التمس لأخيك ولو سبعين عذراً، يعني ولو سبعين مرة أعاد العذر وتنصل من خطئه فاقبل عذر المعتذر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل عذره فوراً قال: "لقَدْ صَدَقَكُمْ"، إذاً العنوان الثاني في هذا اللقاء لنقبل عذر المعتذر.

العبرة الثالثة : قدّر حاجات الناس ولا تتجاهلها
قدّر حاجات الناس
العنوان الثالث: قدّر حاجات الناس ولا تتجاهلها، ما معنى ذلك؟ حاطب رضي الله عنهه جاء بحجة، هذه الحجة هي غير صحيحة شرعاً أبداً انتبهوا، لا يجوز حتى أحمي قرابتي وأهلي، هو علل في بعض الروايات قال: إني أعلم أن الله ناصرك، يعني أنت بالنتيجة منصور منصور فما المشكلة إذا أخبرتهم وأحمي نفسي، هذه المعادلة غلط، أنت مخطئ، أنت تخبرهم شيء من أمر المسلمين فأنت مخطئ بلا شك، لكن هي حاجة من حاجاته، يعني هو له مشكلة فالنبي صلى الله عليه وسلم قدّر حاجته أن عنده مشكلة في أن له قرابةً وأهلاً ومالاً، النبي صلى الله عليه وسلم ما قال له: أقرابتك وأهلك أهم عندك من الدعوة الإسلامية! تُفَضِّل قرابتك وأهلك على أمر رسول الله وأمر الله، ما هذه الحاجة السخيفة التي عندك! لا يا أخي، الرجل له حاجة، اجتهد فأخطأ، حاجته صحيحة لكن الطريق التي سلكها للوصول إليها كان خطأً فالنبي صلى الله عليه وسلم وجهه إلى أن هذا خطأ كبير، لكن قبل عذره ولم يتجاهل حاجته.

العبرة الرابعة : النظر إلى صاحب الذنب
الآن الأمر الرابع: سيدنا عمر رضي الله عنه قال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، لماذا؟ لأن عمر نظر إلى الذنب، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى صاحب الذنب، عمر نظر إلى أن ذنبه يستحق القتل وهو محقٌّ في ذلك، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نظر إلى الذنب وإنما نظر إلى صاحب الذنب فوجده مغلوباً على أمره في لحظة ضعفٍ طارئة فانتشله من هذا الهم والأسى وأعلى مقامه بين الناس، فرسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى صاحب الذنب، وأنت اليوم في حياتنا اليومية عندك موظف، عندك ابن، عندك أخ، أذنب ذنباً وأنت تعلم عنه خيراً انظر إلى صاحب الذنب، قلنا سابقاً: في علاقتك مع الله لا تنظر إلى الذنب ولكن انظر على من اجترأت، لا تقل: ذنب صغير، قل: الله الذي أمر وأنا الذي خالفت والله عظيم أعطاني ووهبني، وأنا خالفت، لكن في علاقتك مع الناس، أذنب أحدهم فلا تنظر إلى ذنبه، ولكن انظر إلى صاحب الذنب فقل: أبو فلان رجل صالح وله تاريخ جيد ولكنه أخطأ في هذا الأمر، فهو لا يصدر عنه شيء إلا باجتهاد خاطئ، فلا تنظر إلى الذنب ولكن انظر إلى صاحب الذنب.

العبرة الخامسة : ركز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات
ركز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات
الآن أمر آخر، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْراً، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه عندما تقع في إشكال معين أو تقع في مشكلة معينة فلا تنس الإيجابيات، ركز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات، النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أعظم إيجابية له قال: "إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْراً"، بعض الناس اليوم إذا أخطأت معه خطأً يهدر لك ماضيك كله، وحتى في علاقتنا اليوم، يخطئ إنسان خطأ وهذا خطأ وينبغي أن يشار للخطأ بالخطأ وخصوصاً إذا أخطأ على العلن ولم يعتذر فلا بد أن نقول: هذا خطأ، لكن لا تهدر للإنسان كل عمله بمجرد أنه أخطأ خطأ، هو أخطأ في هذا الأمر لكن كان له ماضٍ صحيح، موظف عندك يتأخر عن الدوام لأكثر من مرة، ولكنه مخلص في عمله، ما علمت عنه يوماً أنه اختلس ديناراً، فالآن إن أردت أن تعاتبه قل له: والله إني لأعلم من إخلاصك ومن أمانتك الشيء الكثير، ولكن يسوؤني هذا التأخر المتكرر فهو يسيء إلى العمل، لكن ذكره بالإيجابيات قبل أن توجه وتعاتب في السلبيات، بعض الناس يتجاهل الإيجابيات ويركز عينه على السلبيات وهذا خطأ كبير كبير جداً، وحتى للزوجات وللأزواج، النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ.

{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ }

(صحيح البخاري)

لكن هذا اليوم يفعله كل الناس حقيقةً، يعني الزوجات وغيرهن، يعني اليوم كثيراً إذا أحسنت للإنسان الدهر ثم فعلت شيئاً يقول: لم أرَ منك خيراً قط، إذاً القضية أننا ينبغي في علاقتنا مع الناس أن نكون متوازنين موضوعيين، الموضوعية إخواننا الكرام قيمة علمية وقيمة اخلاقية، فالموضوعي عالم، والموضوعي أخلاقي، فأنت موضوعي بعلمك وبأخلاقك معاً، أحياناً إنسان عنده علم ولكن ليس عنده اخلاق فلا يكون موضوعياً، يكبِّر السلبية ويتجاهل الإيجابية، هذا خطأ كبير، اليوم في علاقتنا مع الناس كبّر الإيجابيات وتجاوز عن السلبيات.
((كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحَسِّنُ الحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ القُبحَ وَيوهِنُه))
لا تلتفت للباطل
يعني الشيء القبيح كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعفه، كما يقال: أميتوا الباطل بالسكوت عنه، لا تلتفت للباطل، اليوم مجتمعنا مع الفيس بوك ومع وسائل التواصل عكس الآية فإذا صار هناك فضيحة تصلك من ألف شخص وإذا صار هناك إيجابية يتكلم بها عشرة فقط، والمفروض الإيجابية تُعمّم والسلبية يُعتّم عليها، فاليوم الوضع اختلف، فنحن لنحاول أن ننشر الإيجابيات دائماً، النبي صلى الله عليه وسلم فوراً قال: "إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْراً" أول كلمة ما نسيها له، كان بلحظة فيها الإسلام يكون أو لا يكون كان حاطب يقف ويحارب، هذا خطأ الذي ارتكبه اليوم لكن لا ينكر أنه قد شهد بدراً، فهنا نقول ركز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات بقدر الإمكان، وإذا أردت أن تذكر السلبيات فاذكرها مع الإيجابيات أيضاً، بموضوعية سلبيات وإيجابيات معاً، فلان أخطأ في ذلك لكن له أمور قد تشفع له أو لا تشفع هذا الأمر عند الله لكن نحن نركز على الإيجابيات، والعفو من شيم الكرام، الآن هناك ملمح؛ حاطب ما أصبح شخصاً منبوذاً في المجتمع، لأن المجتمع المسلم وصل إلى مرحلة من التماسك والتعاضد تجعله كُلَّاً متماسكاً، ما أخرج حاطباً من الصف المسلم هذا الخطأ، ما صار الناس بعد ذلك يقولون: حاطب أخطأ فتركوه، الدليل: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وكّله بمهمة كبيرة جداً فيما بعد، أرسله برسالة إلى المقوقس ملك مصر، بعث معه رسالة، جعله سفيراً، رغم هذا الخطأ ما فقد قيمته بالمجتمع المسلم، حافظ على قيمته.

العبرة السادسة : التربية عملية تراكمية
التربية عملية تراكمية
هناك ملح أيضاً مهم في هذا الحديث؛ حاطب مسلم وربما مضى على إسلامه في هذه الحادثة سنوات لأن غزوة بدر وبعدها، فربما ثلاث أو أربع أو خمس سنوات، هو من المهاجرين، ومع ذلك أخطأ لأن التربية عملية تراكمية، التربية الإيمانية أو أي تربية وهذا نحتاجه مع أولادنا عملية تراكمية وليست عملية لحظية، أنا كنت مدير مدرسة وكنت معلماً قبل ذلك أدرس الطلاب، فأحياناً يدخل اليأس إلى المعلم عندما يرى مخالفة يرتكبها الطلاب، النفس في طبيعتها تركز على الشيء السلبي فيدخل اليأس لنفوسنا، كنت أذكّر نفسي دائماً بأن التربية عملية تراكمية، يعني هذا الشاب لا يعني أنه لن يخطئ من قال لك: إنه لن يخطئ؟ ابنك أيضاً في البيت أو أخوك أو الموظف الذي عندك ... إلخ، من قال لك: إنك ستوجهه من المرة الأولى ويصبح ملاكاً مباشرةً! ما هكذا جعل الله الحياة، فحاطب رغم كل هذه الإيمانيات ورغم شهود بدر لكن ألمّت به لحظة ضعف طارئ، قال له: ما فَعَلْتُ ذلك كُفْرًا ولَا ارْتِدَادًا، ولَا رِضًا بالكُفْرِ بَعْدَ الإسْلَامِ، أبداً، لكن لحظة ضعف، الخطأ خطأ، ونقول: هو خطأ، لكن هل هذا الخطأ يعني لا يمكن أن يحصل؟ لا، حصل، وهو صحابي، فاليوم في تعاملك مع الناس وطّن نفسك أن الناس يخطئون، أنا لا أبرر الآن وأعذر، يعني نسأل الله أن لا تكون، لكن هذا أمر وارد هي طبيعة الحياة أن الإنسان ينسى

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا
(سورة طه: الآية 115)

يؤمر الطفل بالصلاة في السابعة
لم نجد له عزماً على المعصية لكنه نسي، فنحن إن شاء الله لسنا عازمين على المعصية ولكننا ننسى فوطّن نفسك مع ابنك أن التربية عملية تراكمية، انظروا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا يقول؟ مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ، سنفترض جدلاً وسطياً أنه بلغ سن التكليف عند الخامسة عشر، من السابعة إلى الخامسة عشر هناك ثماني سنوات، في السابعة بدأت تأمره أن يصلي، الآن كم سنة؟ ثلاث سنوات أعطانا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات تأمره، مرة يصلي، ومرة يصلي بلا وضوء ومرة يقول لك صليت وهو لم يصل، ومرة يقول لك: كنت مع أصدقائي وصلينا هناك، وأنت أحياناً تغض النظر عنه، أحياناً تقول له كأنك نسيت، وكذا، ثلاث سنين وأنت تأخذ وتعطي معه من أجل الصلاة، بعد ذلك أصبح بالعاشرة هنا بدأنا بمرحلة جديدة، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، طبعاً الضرب غير المُبَرِّح، الضرب الذي يشعره بأنه أخطأ في حق الله، يعني ضرب شيء بسيط، الضرب غير المبرح حتى لما الفقهاء يذكرون الضرب للزوجة بالسواك ونحوه،

{ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" }

(رواه أبو داود)

فالذي يتوهم أن الضرب بالإسلام هو أن يضربها ويكسرها هو لم يفهم حقيقة المسألة، المسألة تهذيبية وليست عقوبة جسدية، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وبعد العشر مازال هناك أربع سنين خمس سنين الله اعلم حسب البلوغ ليكون مفروضاً عليه الصلاة، إذاً النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا أنّ التربية عملية تراكمية يعني لبِنة فوق لبِنة فوق لبِنة لا تكون التربية عملية لحظية، تقول لي: والله أمرت ابنتي أن تتحجب ولكنها لم تتحجب، متى قلت لها؟ والله بالأمس، وكم عمرها؟ خمسة عشر، هذا لا ينفع، الحجاب ينبغي أن تحبب به من ست أو سبع سنوات يعني ينبغي أن تحببها به باكراً وبعد ذلك تضعه في البيت عند الصلاة وبعد ذلك نصور لها كم الحجاب جميل جداً ووالدتها في البيت محجبة وكذا، نصل لمرحلة الحجاب وهي مرتاحة وتجد كثيراً من البنات هي التي تطلب الحجاب تقول له: بابا أنا أريد أن اتحجب، والمدرسة تساعد إلخ، فأنا أقصد أن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ على الرغم من كل ميزاته لكنه أخطأ، فينبغي أن نوطّن أنفسنا في علاقتنا مع الناس أنّ الناس يخطئون، ما عندنا ملائكة، الملك رُكِّب من عقل بلا شهوة

لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
(سورة التحريم: الآية 6)


الإنسان غير معصوم ويمكن أن يقع في الخطأ
الإنسان غير معصوم عن الخطأ
نحن لسنا ملائكة، نحن مركبون من عقل وشهوة وعندنا صراع دائم بين التكليف الذي كلفنا الله به وبين الشهوات الموجودة فينا، وطبيعة هذا الصراع تقتضي أن يقع الإنسان في الخطأ، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:

كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ
(رواه الترمذي)

وهنا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قد يُفهم خطأً: لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وأتى بقوم يذنبون فيتوبون فيتوب الله عليهم، فقد يفهمه إنسان أنه المفروض أن نذنب، لا حاشا لله، نهينا عن الذنب بألاف الآيات والأحاديث،

{ عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُم }

(رواه مسلم)

إذا أذنبت يجب أن تتوب
لكن المقصود أن الذي لم يذنب ولا يتوب إذاً أصبح لا يشعر بذنبه، والله يحب أن يسمع صوتك فيحب منك إذا أذنبت أن تتوب فالذنب واقع واقع، لكن المؤمن إن شاء الله لا يذنب بالكبائر لأن الكبائر توقعه في حرج شديد، ثم لا يصر على المعصية هذا فرق المؤمن عن غيره، أما البعيد عن الله عز وجل تكثر ذنوبه ويرتكب الكبائر ويصر على معاصيه ولا يراها شيئاً فلذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن ذنبه كالجبل جاثم على صدره، مثل الجبل يجثم على صدره، ثقيل الذنب عليه، والمنافق ذنبه كذبابٍ طار على أنفه فقال هكذا فطار، هنا قال بمعنى أشار تأتي في اللغة، فقال هكذا، فطار يعني ما انتبه ماالذي فعله بسيطة، ربك لن يدقق علينا نحن أمة مرحومة بهذا المعنى، نحن أمة مرحومة طبعاً لكن مرحومة بحق عندما تكون على المنهج.

{ إن المؤمن يرى ذنبه كالجبل فوقه، يخاف أن يقع عليه، والمنافق يرى ذنبه كذباب مر على أنفه فأطاره }

(رواه البخاري)

فالذي أريد أنّ أقوله أن حَاطِبِ بنِ أبِي بَلْتَعَةَ أخطأ على الرغم من كل هذا الأمر لكن خطأه كان في سلوكٍ معين والنبي صلى الله عليه وسلم تجاوز عنه هذا الخطأ، فإذاً أولاً اليقين بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنقبل عذر المعتذر، ينبغي أن نقدّر حاجات الناس وألا نتجاهلها، ينبغي أن ننظر إلى صاحب الذنب لا إلى الذنب بحد ذاته، الشخص المسلم ينبغي أن لا ينبذ في المجتمع المسلم ينبغي أن نلحظ أنّ التربية عملية تراكمية وليست عملية لحظية أو آنية، هذه مجمل الدروس.
فاتني حديث كنت أريد أن أقوله في موضوع اليقين بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم:

الأدب مع رسول الله
عن واثلة بن الأسقع، من الصحابة الكرام، قال: كنت من أصحاب الصِّفَّة، أصحاب الصفة الذين كانوا يجلسون بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني لا يوجد مال ولا مسكن جاؤوا مهاجرين وفقراء، فكانوا يسكنوا في المسجد يؤتى لهم بالطعام فيأكلون، ولقد رأيتنا وقد اتخذ العرق في أجسادنا طُرُقَاً من الغبار والوسخ، لا يوجد حمام أيضاً، فصار الوضع صعباً، قال: فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا رجل، قال: ما رأيت أجمل منه صورةً عليه ديباجة، يعني لباس حسن، يعني بهذا الموقف وهو بهذه الأبَّهة شيء غريب، يقول: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلامٍ يعلو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني بالعبارة الحديثة مفلسف زيادة، فكلما ذك النبي صلى الله عليه وسلم قصةً يخرج هو ويتكلم بكلمة أنه أنا رأيي كذا، يعلو كلام رسول الله، هو هكذا يظن نفسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللهَ لا يحبُّ هذا وضربَهُ، يعني وأمثاله، يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بالكلام لِلنَّاسِ لَّيَّ البَقَرَةِ لسانَها بِالمَرْعَى، كيف البقر يلوي لسانه ليأكل في المرعى، كَذلكَ يَلْوِي اللهُ أَلْسِنَتَهُمْ ووُجُوهَهُمْ في النارِ.

{ وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: كنت في أصحاب الصفة فلقد رأيتنا وما منا إنسان عليه ثوب تام وأخذ العرق في جلودنا طرقا من الغبار والوسخ، إذ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليبشر فقراء المهاجرين، إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال: إنَّ اللهَ لا يحبُّ هذا وضربَهُ ؛ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ لِلنَّاسِ لَّيَّ البَقَرَةِ لسانَها بِالمَرْعَى ! كَذلكَ يَلْوِي اللهُ أَلْسِنَتَهُمْ ووُجُوهَهُمْ في النارِ }

(أخرجه الطبراني بسند صحيح)

فأنا الذي أريد أن أعقّب عليه، الله تعالى يقول:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ
(سورة الحجرات: الآية 2)

في حياته المعنى واضح، يعني كان هناك من يقولون: يا محمد فيرفعون أصواتهم وهذا ليس من الأدب، قال تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ
(سورة الحجرات: الآية 4-5)

فسورة الحجرات سورة الأدب يعلمهم الأدب مع رسول الله، (لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ).

الدين كامل نوعاً وتام عدداً
ديننا تام لايضاف عليه ولا يحذف منه
الآن إذا أردنا أن نفسرها تفسيراً عاماً شاملاً لكل زمن ومكان، الإنسان الذي تكلفه نفسه أن يأتي بكلامٍ يرفع به صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك: لكن الزمن اليوم تغير، نريد أن نفهم الحقائق بطريقة مختلفة، نحن اليوم لسنا مثل أمس، تقول له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لك: لكن اليوم التجديد في الدين طبعاً بالمعنى السلبي وليس الإيجابي لأن هناك تجديداً صحيحاً في الدين، بالمعنى السلبي والذي هو هدم الثوابت، يقول: يحتاج إلى تجديد في الدين، تجديد ماذا؟ إما أنك تتهم الدين بالزيادة فتريد أن تحذف منه أو تتهمه بالنقص فتريد أن تزيد عليه، والله تعالى يقول:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
(سورة المائدة: الآية 3)

أحد اليهود فهمها أكثر مما يفهمها كثيرٌ من المسلمين اليوم، قال لعمر رضي الله عنه: آيةٌ في كتابكم لو نَزَلَتْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودَ لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا، قال وما هي؟ قال: {الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} فقال عمر: والله إني لأعلم أين نزلت وفي أي مكان نزلت، نزلت يوم جمعةٍ في عرفة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بالناس.

{ قالتِ اليَهُودُ لِعُمَرَ: لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ يَهُودَ نَزَلَتْ هذِه الآيَةَ: {الْيَومَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} نَعْلَمُ اليومَ الذي أُنْزِلَتْ فِيهِ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا، قالَ فَقالَ عُمَرُ: فقَدْ عَلِمْتُ اليومَ الذي أُنْزِلَتْ فِيهِ، وَالسَّاعَةَ، وَأَيْنَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حِينَ نَزَلَتْ، نَزَلَتْ لَيْلَةَ جَمْعٍ، وَنَحْنُ مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بعَرَفَاتٍ }

(صحيح مسلم)

إذاً الدين كامل نوعاً وتام عدداً، القضايا التي عالجها الدين تامةٌ عدداً كاملةٌ نوعاً، فاليوم عندما يأتي إنسان وتكلفة نفسه على الفضائيات وفي الفيس بوك أن يأتي بكلامٍ يعلو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينتبه إلى ذلك فإن هذا خطرٌ عظيم، نحن متَّبِعون، في أمور الدنيا عليك أن تبتدع، وعليك أن تأتي بكلام يعلو كلام من شئت هذا ميدان واسع ورحب وكبير جداً، أما في أمور الشرع فينبغي الانضباط بالنص، نفهمه ونحاول أن نستخرج كنوزه، لكن وفق الضوابط ووفق الأصول الشرعية، دون أن نأتي بأشياء جديدة ونقول: هذا النص لم يعد صالحاً الآن! وقطع اليد أصبح اليوم همجياً وهناك عقوبات إصلاحية، عقوبات إصلاحية! فينبغي الانتباه إلى أننا عندما نتعامل مع النص القرآني أو النص النبوي فنحن نتعامل مع نص مقدس ومع خبر صادق فينبغي تلقيه على هذا النحو.
والحمد لله رب العالمين