أريد أن أتوب ولكن ..

  • محاضرة في الأردن
  • 2020-03-02
  • عمان
  • الأردن

أريد أن أتوب ولكن ..

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم وعلى آله وأصحابه أجمعين.


المرض الذي يعاني منه المسلمون اليوم
لا أجد قوةً على ترك المعصية
أيها الأخوة الأحباب: عنوان لقائنا اليوم ؛ أريد أن أتوب ولكن ، أريد أن أتوب ولكن ، ينطلق العنوان من أنّ كثيراً من المسلمين اليوم يعاني من ظاهرة ، يقول لك: والله أريد أن أترك هذا الذنب وأن أقلع عنه لكن لا أجد قوةً على تركه ، أنا أعلم أن إطلاق البصر حرام ولكنني لا أملك القوة الكافية للإقلاع ، أنا أعلم أن هذا المال فيه شبهة ولكنه يغريني فاندفع إليه مرةً ثانية ، وقِس على ذلك ما شئت ، يعني حالة من علم بأهمية الشيء ثم عدم قدرة على تنفيذه ، هذه حالة موجودة ، كلنا نعاني منها على مستويات متفاوتة ، حتى في مستوى العبادات أنا أريد أن أصلي صلاة الفجر في وقتها أو أريد أن أصليها في جماعة المسجد ولكن تغلبني عيناي ، مثلاً ، يعني سواءً في ناحية أداء العبادات أو في الانتهاء عن المحرمات أو الشبهات ، ما سبب ذلك؟.
حقيقةً نحن عندنا عَرَض وعندنا مرض وينبغي دائماً أن نميز بين العَرَض والمرض ، والإنسان الجاهل هو الذي يخلط بين الأعراض والأمراض ، يعني أحياناً إنسان يكون عنده إلتهاب حاد في المعدة فتظهر بعض الأعراض من ارتفاع درجة الحرارة أو أو إلخ ، فينبغي أن نميز بين المرض والعَرَض ، ما يعاني منه المسلمون اليوم كثيراً في العالم الإسلامي هي أعراض لمرض واحد ، المرض واحد لكن الأعراض مختلفة ، وإذا أردنا أن نعالج ينبغي أن نعالج المرض وليس العَرَض ، أن نعود إلى الأصل وهو المرض ، المرض هو ضعف الإيمان.
المجتمع الاستهلاكي وانتشار شهوة المال
وسأضرب مثلاً: يعني إذا تخيلنا فرضاً أن هناك كتلة حديدية ضخمة جداً متجهة بقوة في منزلق فأراد إنسان أن يوقفها فوضع في وجهها طبق من ورق هل تقف الكتلة؟ مستحيل ، وإذا وضع لوح من حديد أيضاً لا تقف ، الحالة الوحيدة أن يضع شيئاً أقوى منها فيوقفها ، فإذا تصورنا أن الشهوات في الأرض هي هذه الكتلة الحديدية الضخمة المندفعة فينبغي أن يكون الإيمان أقوى حتى يقف في وجهها ، إذا قوي الإيمان وقف في وجه الشهوات المتقدة ، الشهوات موجودة وخصوصاً اليوم متقدة جداً ، المجتمع الاستهلاكي أدى إلى انتشار شهوة المال بشكل كبير ، التفلُّت في الأسواق وفي المنتديات وفي الشاشات أدى إلى انتشار شهوة النساء بشكل كبير ، حب العلو في الأرض والسيطرة والمناصب أدى إلى انتشار شهوة بقاء الذِّكر بشكل كبير ، والشهوات عموماً عند علماء علم النفس هي أحد ثلاثة: إما شهوة المرأة ، أو شهوة المال ، أو شهوة بقاء الذِّكر والعزة والرفعة في الأرض ، هذه عموم الشهوات ، فما لم يكن عند الإنسان إيمانٌ قويٌّ مبنيٌّ بشكل صحيح فإن الوقوف في وجه هذه الشهوات وفي وجه هذه الشبهات يكاد يكون مستحيلاً ، إذاً لابد من تقوية الإيمان ، لأن المرض هو ضعف الإيمان.

الإيمان يزيد وينقص
أولاً إخواننا الكرام: الإيمان كما يقول أهل السنة والجماعة: يزيد وينقص ، يعني الإيمان ليس كميّةً ثابتة في كل وقت ، الدليل قال تعالى:

وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا
(سورة الأنفال: الآية 2)

الإنسان ينسى
يعني عندما يقرأ الإنسان القرآن أو يسمع القرآن يزداد إيمانه ، وكلنا نلاحظ ذلك ، يعني الآن نحن بعد نصف ساعة نخرج من هذا المجلس أو بعد نهاية المجلس نجد جميعاً بقدر معين زاد إيماننا تواصينا بالحق وأنا أوَّلكم ، يعني نشعر بأن الإيمان ازداد ، لمّا نتجه إلى الأسواق وإلى العمل أسبوع كامل دون متابعة دون تدقيق نشعر أن الإيمان نقص ، نسينا ، الإنسان ينسى ، فعموماً الإيمان يزيد وينقص.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ" ، ما معنى يَخْلَق؟ يعني يبلى ، كالثوب الخَلِق ، إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ ، فجددوا إيمانكم ، إذاً هذا أمر أن نجدد الإيمان ، تجديد الإيمان يعني أن نزيل عنه ما علق به من شهوة الدنيا ومن شهوة العلو في الأرض ومن شهوة النساء ومن شهوة المال ونجدده ، تجديد الإيمان.

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ» }

(رواه الطبراني)

أيضاً يقول تعالى:

لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ
(سورة الفتح: الآية 4)

(لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ) يعني كان عنده كمية من الإيمان إن صحَّ التعبير بالمعنى العلمي شيء من الإيمان فهو يزداد إيماناً مع إيمانه.
أيضاً يقول تعالى:

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا
(سورة التوبة: الآية 124)

إذاً كل هذه النصوص وغيرها موجود في السنة وفي القرآن الكريم تدل على أن الإيمان يزيد وينقص ، كيف يزيد وينقص؟
الإيمان شيئان ، والكفر شيئان ، الإيمان هو التصديق مع الإقبال ، والكفر هو التكذيب مع الإعراض.
* الإيمان صدَّقت بوجود الله وأقبلت عليه ، صدَّقت باليوم الآخر فابتعدت عن ما يوقفك بين يدي الله محاسباً يوم القيامة عن أعمالك ، تصديق وإقبال.
* الكفر تكذيب وإعراض ، لا يوجد إله والعياذ بالله، إذاً يُعرِض الإنسان عن منهج الله ولا يعبأ به.
الإيمان يزيد وينقص
فالإيمان يزيد وينقص بمعنى أنّ جانب الإقبال فيه يزيد وينقص ، فتجد نفسك أحياناً متألق إيمانياً ، كلنا في رمضان نشعر بتألق إيماني ، ينتهي رمضان يعود الأمر قليلاً قليلاً إلى الوراء للأسف هذا واقع ، لأننا لا نبذل الجهد نفسه الذي نبذله في رمضان ، يذهب الإنسان إلى الحج يقول لك: عشرة أيام من العمر ، سررنا جداً ، شعرنا بالقرب والأنس بالله عز وجل ، يرجع ، يرجع الأمر إلى الوراء ، إذاً الإيمان يزيد وينقص بمعنى أنّ الإقبال على الله يزيد وينقص في هذا الإيمان.
حتى إنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهو مُؤْمِنٌ ، ولا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وهو مُؤْمِنٌ ، ولا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُها وهو مُؤْمِنٌ ، والتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ }

(صحيح مسلم)

يعني أثناء تلبسه بالمعصية يكون الإيمان ضعيف جداً جداً ، يعني وهو مؤمن لا يفعل ذلك ، لكن الإيمان ضعف جداً الشهوة أقوى بكثير فارتكب المعصية.

أساليب تقوية الإيمان
الحل أن نقوِّي الإيمان
إذاً إخواننا الكرام: السؤال المهم والملح والذي هو محور لقاءنا اليوم؛ كيف نقوي هذا الإيمان؟ أنا الآن أمام مشكلة ، المرض معروف ، أريد أن أتوب ولكن لا أستطيع ، أريد أن أصلي الفجر في جماعة لكن تغلِبني عيني ، أريد أن أحلل دخلي وأحرره ولكن لا أستطيع ، أريد أن أنفق الزكاة أجد نفسي تمنعني ، عند الأخذ أجد نفسي مندفعاً إلى القبض وفي وقت الدفع أجد الدفع صعباً ، هذا وضع موجود ، طيب ما الحل؟ الحل أن نقوِّي الإيمان ، يصبح الإيمان قوياً في النفوس.

1. تدبر القرآن الكريم
تقوية الإيمان إخواننا الكرام؛ لها أساليب ، أحد أهم أساليبها تدبر القرآن الكريم ، وقراءة القرآن الكريم بتدبر وتمعن.
شعور قراءة القرآن
إخواننا الكرام: الصحابة الكرام والسلف الصالح كانوا يقرأون القرآن بشعور التلقي للتنفيذ الفوري ، كما سماه السيد قطب رحمه الله ، شعور التلقي للتنفيذ والعمل ، لا يقرأ القرآن بشعور التبرك ، مع أن القرآن بركة طبعاً ، لا يقرأ القرآن بشعور أنه تعازي وحزن ، لا ، لا ، يقرأ القرآن بشعور؛ الله تعالى يكلمني؛ ما الذي يريده مني؟ قالوا: إذا أردت أن تكلم الله فادعهُ ، وإذا أردت أن يكلمك الله فاقرأ القرآن ، فهو يقرأ القرآن بشعور التلقي للتنفيذ الفوري ، أسمع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أنا (الَّذِينَ آمَنُوا) ، من (الَّذِينَ آمَنُوا)؟ أنا ، أنا بيني وبين الله عقد إيماني ، أنا وقعت عقد مع الله أنني مؤمن

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
(سورة الصف: الآية 10)

الله أكبر أنا أحب التجارة وأحب الربح وأحب قبض المال والربح العظيم ، طيب هذه تجارة ، قال:

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا
(سورة الصف: الآية 11-12)

فجاء الثمن الكبير بمقابل تقديم الشيء اليسير فهذه تجارة رابحة ، بالتجارة يقول لك: 12% ، والصناعة 20% يقول لك: التجارة رابحة تمام ، طيب عند الله عز وجل الأمر أعظم بكثير آمن وجاهد بالمعنى العام للجهاد بالمال وبالنفس والتقديم وببذل الجهد في كل شيء ، (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا) إذاً هذه تجارة رابحة ، تماماً ، وهكذا ، يعني عندما يقرأ الإنسان القرآن يقرأه بشعور: ما الذي يريده الله تعالى مني؟.
مرةً الأحنف بن القيس وهو من التابعين قرأ قوله تعالى أو جال في خاطره قوله تعالى:

لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ
(سورة الأنبياء: الآية 10)

القرآن الكريم حفظ اللغة العربية
المعنى المتبادر(كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ) يعني الله عز وجل رفع ذكرنا بهذا القرآن ، ووالله هذا واقع ونراه بأعيننا ، فأمة الإسلام ما الذي حفظ لها عربيتها إلا القرآن الكريم ، واليوم ما الذي يعزنا وما الذي يجعل أعداءنا بعد كل هذا التكالب يخافون منا إلا هذا الكتاب الذي بين أيدينا ، أنا والله دائماً أقول: يقول بعض الناس والله يا أخي مستغربين من هذه الحملة الشرسة على الإسلام! أقول لهم: والله الذي أستغرب منه أكثر أن الإسلام باقٍ بعد مئة سنة من الحملة الشرسة وما زال أبناؤنا يقرأون القرآن ، والله ليست الغرابة في حربهم علينا ولكن الغرابة في أننا حتى اليوم صامدون ، لأنه لو هذه الحرب شُنَّت على أي فكر وضعي لانتهى بعشر سنوات ، على أعظم الأفكار الوضعية ، لكن كلها ماتت ، المادية والاشتراكية والرأسمالية كلها إلى مزبلة التاريخ وبقي الإسلام بهذا القرآن الكريم.

معنى تدبر القرآن
يوجد نماذج في القرآن
فإذاً أحبابنا الكرام: هذا الأحنف بن القيس قرأ (لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ) لكن جاءه معنى آخر جميل جداً؛ قال: عليّ بالمصحف لألتمس ذكري ، يعني أنا مذكور في المصحف (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) أنا أين ذَكرني الله في المصحف؟ لم يذكرنا بالاسم بلال وأحمد وسامر ، لا ، لكنه ذكرنا بالنموذج ، كل نموذج مذكور في القرآن قد أكون أنا واحد من هذا النموذج فقال: عليّ بالقرآن أو بالمصحف لألتمس ذكري ، فجاؤوا له بالمصحف ، ففتحه فمر بقوله تعالى:

كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ
(سورة الذاريات: الآية 17-18-19)

ومرَّ بقومٍ:

الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
(سورة آل عمران: الآية 134)

ومرَّ بقوم:

وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(سورة الحشر: الآية 9)

ومرَّ بقوم:

يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
(سورة الشورى: الآية 37)

فقال: اللهم لست أعرف نفسي هاهنا ، هذه مراتب عالية ، والأحنف بن قيس من التابعين لكن الإنسان كلما زاد علماً بالله يتهم نفسه دائماً بالتقصير فقال: اللهم لست أعرف نفسي هاهنا ، ثم مر بقومٍ:

إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ
(سورة الصافات: الآية 35)

ومرَّ بقومٍ:

مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ
(سورة المدثر: الآية 42-43-44-45-46-47)

فقال: اللهم إني أبرأ إليك أن أكون من هؤلاء ، أنا عبد لا أستكبر عن عبادتك ، أنا عبدٌ لك ، ثم مر بقوله تعالى:

وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
(سورة التوبة: الآية 102)

فقال: يارب أنا من هؤلاء ، وجد نفسه في المصحف ، العبرة من هذه القصة أننا عندما نفتح المصحف دعونا نلتمس ذكرنا فإذا مررنا بقومٍ من المؤمنين لهم صفات إقرأ:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ
(سورة المؤمنون: الآية 1)

طيب من هم المؤمنون؟

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ
(سورة المؤمنون: الآية 2-3-4)

إلى آخر الآيات ، إلا المصلّين من هم؟

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
(سورة المؤمنون: الآية 9)

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ
(سورة المعارج: الآية 24-25-26-27)

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
(سورة المعارج: الآية 29)

إلى آخره ، إذا مر الإنسان والعياذ بالله بالمنافقين ، يقرأ في صفات المنافقين:

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
(سورة البقرة: الآية 11)

إلى آخر ذلك ، فالمصحف هذا هو التدبر ، ما معنى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ)؟

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
(سورة محمد: الآية 24)

التدبر أن تلتمس ذكرك في كتاب الله
معنى التدبر أن تلتمس ذكرك في كتاب الله ، أن تقول أين أنا من كتاب الله؟ أين أنا من هذه الآية؟ هذا الذكر ، القرآن الكريم يعني هذه الستمئة صفحة هذا هو المقرر ، الامتحان به والأسئلة منه وعنه ، السنّة شارحة ، السنّة الصحيحة شارحة للقرآن ، لكن الكتاب المقرر الرئيسي هو كتاب الله ، وإذا احتاج لتفصيل تجدها في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذاً إخواننا الكرام: تدبر القرآن لا أقول هو من الكماليات لكن من الضروريات أن يقرأ القرأن في البيت كل يوم ولو تقول لي صفحة مع تدبر لا يوجد مشكلة ، ليست العبرة بالكمية ، نحن في رمضان يقرأ الإنسان قراءة تعبُّد يقول لك: كل يوم جزء أنهيت ختمة ، ممتاز ، والله أقرأ ختمة خلال السنة كل يوم أقرأ خمس صفحات ، قراءة التعبُّد على العين والرأس وكلها مُثاب عليها الإنسان ، لكن أيضاً نضيف إلى قراءة التعبُّد قراءة التدبر ، بمعنى أنه لو قرأ الإنسان صفحة في اليوم لكن بتأمل قرأها على صلاة الفجر قرأها في قيام الليل بركعتين قبل النوم لكن هذه الصفحة تبقى آثارها في نفسه يَقوى الإيمان بالقرآن الكريم ، يُبنى الإيمان بالقرآن الكريم.

التأثر بالقرآن الكريم
إخواننا الكرام: يقول تعالى:

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ
(سورة ق: الآية 37)

(إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ) في القرآن (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) كيف؟
إذا أزلت الموانع أثّر القرآن في القلب
القرآن الكريم إخواننا الكرام؛ يحتاج إلى مؤثر ، أي شيء في الحياة يحتاج إلى مؤثر ومحل قابل للتأثير مع انتفاء الموانع ، سأضرب مثلاً ، المثل يوضح: نحن يوجد عندنا كهرباء في هذا البيت ، تماماً ، الدليل إضاءة المصباح ، الكهرباء هي المؤثر ، والمصباح هو محل التأثير ، وانتفاء الموانع هو كبسة الزر ، فإذا وصلت التيار من خلال كبسة الزر تنتقل الكهرباء فيضيء المصباح ، تماماً ، القرآن هو المؤثر ، يوم كان في أيدي الصحابة فعل في نفوسهم فعل عجيب فتحوا الدنيا به ، فالمؤثر موجود ، أين يقع هذا التأثير؟ المصباح ماهو؟ القلب ، ما هي الموانع التي تمنع وصول المؤثر إلى محل التأثير؟ الشهوات والدنيا وتراكمات الشبهات ، فإذا أزلت الموانع أثّر القرآن في القلب الحاضر ، فقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ) كلنا لنا قلوب يارب! أي لمن كان له قلبٌ حاضر انتفت عنه الموانع ، (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أعطى أذن للحق واستمع للحق فانتفت الموانع فأثر القرآن في القلوب ، إذاً إخواننا الكرام: حضور القلب مطلوب من أجل التأثر بكتاب الله تعالى.
في مسند الإمام أحمد: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ، انظروا إلى تفاعل النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن الكريم:

{ أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليلةً وهو يتلو قوله تعالى: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)-(سورة المائدة: الآية 118) }

(مسند أحمد)

قام ليلةً وهو يقرأ هذه الآية: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ شيبتني هودٌ وأخوَاتُها قبل المشيبِ }

(رواه الألباني)

قرأ سورة هود فشاب شعره ، وعلى فكرة هو أحد أسباب الشيب المبكر هو الخوف ، يعني هذا علمياً موجود أيضاً ، يقول أحدهم: والله شاب شعري عندما رأيت هذا المنظر.

{ قالوا : يا رسولَ اللهِ ! قد شِبْتَ ؟ ! قال : شيَّبتني هودٌ وأخواتُها. وفي روايةٍ : شيَّبتني هودٌ ، والواقعةُ ، والمرسلاتُ ، وعمَّ يتساءلونَ ، وإذا الشمسُ كُوِّرتْ }

(رواه الألباني)

لماذا؟ لأن هذه السور كلها تتحدث عن الموقف بين يدي الله ، قال بعض العلماء: لعل الآية التي أثرت في النبي في هود هي قوله تعالى :

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ
(سورة هود : الآية 112)

يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ).
فإذاً إخواننا الكرام: هذا تأثُّر عظيم بالقرآن ، النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ شيبتني هودٌ وأخوَاتُها قبل المشيبِ }

(رواه الألباني)

سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قرأ يوماً سورة الطور حتى إذا بلغ قوله تعالى :

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ
(سورة الطور: الآية 7-8)

قال: فبكى وبكى حتى ما استطاع أن يستتم القراءة ، وصلى الناس خلفه صلاة الفجر فتلا قوله تعالى:

إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
(سورة يوسف: الآية 86)

فلم يستطع أن يتم قراءته ، وسيدنا عثمان رضي الله عنه كان يقول: والله لو طَهُرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله.
هذا انتفاء الموانع عن القلب الذي قلناه قبل قليل ، لو كانت القلوب طاهرة مجردة لله لم تشبع من كلام الله.

شرطان للانتفاع بالقرآن الكريم
كلنا نحتاج الدنيا
يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى: ملاك انتفاعك بالقرآن الكريم أن تنقُل قلبك من وطن الدنيا لتسكنه في وطن الآخرة ، ثم تُقبِل به كله على معاني القرآن واستجلائها ، يعني شرطان لتنتفع بالقرآن: تنقل القلب من وطن الدنيا إلى وطن الآخرة ، يعني الإنسان عموماً في الدنيا يعمل ، كلنا نحتاج الدنيا ، لا يوجد إنسان لا يحتاج الدنيا.
لذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قلت في اللقاء الماضي ربما ، قال: "اللهم لاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا"

{ اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا ، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا ، وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا ، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا ، وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا ، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا ، وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا ، وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا }

(رواه الترمذي)

لكن ما قال: اللهم لا تجعل الدنيا هماً من همومنا ، لأنه مستحيل ، الدنيا هم ، كلنا نحتاج إلى المال ، الأنبياء بماذا وصفهم القرآن الكريم؟ قال:

إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ
(سورة الفرقان: الآية 20)

الدنيا مؤقتة
يعني مفتقرون إلى الطعام وإلى ثمن الطعام ، فكلنا ذاك الرجل الذي يحتاج الدنيا ، فهي همٌّ من همومنا ، لكن أن تصبح أكبر هم فهذه هي المصيبة ، نحن أكبر همنا الآخرة والدنيا همٌّ من الهموم ، لكن الآخرة هي الهم الأكبر لأنها الأبد ، أما الدنيا مؤقتة ، فالإنسان يسعى للأبد أم للمؤقت؟ يعمل للأبد ويعمل في المؤقت ، فرقٌ بين أن تعمل للشيء أو أن تعمل فيه ، فنحن نعمل في الدنيا ولكن لا نعمل لها ، نعمل للآخرة، لا نترك الدنيا لغيرنا ولكن لا تستعبِدُنا الدنيا ، نملكها ولا تملكنا نجعلها في يدنا ولا نجعلها في قلوبنا ، هذا الفرق.
فقال: أن تنقل قلبك من وطن الدنيا إلى وطن الآخرة ، عندما تقرأ في القرآن هدفك وهمك الأكبر هو الآخرة ، ثم قال: وأن تُقبِل بقلبك كله على معاني القرآن واستجلائها.
ينبغي أن نقرأ القرآن بكليتنا
إخواننا الكرام: اليوم إذا كان شخص وهناك نشرة صادرة عن وزارة التموين مختصة بالتجارة التي يتاجر بها؛ كيف يقرأها؟ يقرأها كلمة كلمة بالحرف ويتصل بمحامي ويسأله إذا القانون القديم يسري على البضاعة القديمة أم لا ، يعني هو بشكل طبيعي الإنسان إذا الموضوع أقبل عليه بكليته يقرأه بقراءة مختلفة ، أما إذا كان يقرأ خبر سياسي بكمبوديا يمر عليه بسرعة الموضوع لا يهمه ، أما إذا ببلده الموضوع وقالوا تسجلت أول إصابة بالفيروس تصبح القراءة مختلفة ، صحيح؟! يقرأه بطريقة مختلفة ، على مهله ينظر ماذا حدث يقول لك: نتابع التحليلات ، لأن هذا يهمه هذا وطنه وبلده ، فأنت عندما تقرأ القرآن ينبغي أن نقرأه جميعاً بكليتنا يعني تقرأ القرآن الذي يخاطبك الله به ، كلنا ذاق حلاوة القرب؛ إمام يقرأ بصوت جميل في رمضان ووقفت خلفه في الفجر أو في صلاة التراويح قلت: ما أجمل القراءة ، ليت هذه الأيام الجميلة أيام الله تكثر ، تصبح أكثر وأكثر.
إخواننا الكرام: إذاً ملاك تقوية الإيمان إن صح التعبير هو في قراءة القرآن الكريم بتدبر وتمعن.

2. الصحبة الصالحة
الأمر الآخر إخواننا الأحباب الصحبة الصالحة ، يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
(سورة التوبة: الآية 119)

يعني كأن الله تعالى يقول: إن تقوى الله حقيقةً تحتاج أن تكون مع الصادقين ، هذا المجلس الكريم الطيب المبارك هو لتقوية الإيمان ، وأنا قبلكم والله دون تواضع ، يعني أنا قبلكم ، لأنّ الإنسان

فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ
(سورة الحديد: الآية 16)

عندما يطول الأمد في متابعة القلب ومتابعة العقل ومتابعة الفكر ومتابعة العلم يقسو القلب ، لكن لما يتعهد الإنسان قلبه دائماً ، قالوا: "تَعَهَّد قلبك".
الصحبة الصالحة تقوي الإيمان
كان بعض الصحابة يقولون لبعضهم: يا أخي "تَعَالَ نُؤْمِنْ بِرَبِّنَا سَاعَةً" ، جلسة إيمان ، فالصحبة الصالحة هذه تقوي الإيمان وتبنيه بناءً صحيحاً ، أن يكون لك أخوة صالحون ، لكن الإنسان لما يجلس مع مجتمع فاسق السهرات بعيدة عن منهج الله والناس الذين معه لا يعبأون بمنهج إن جلسوا على مائدة يدار عليها الخمر يجلس ، وإن لعبوا الميسر يلعب ، وإن ذهبوا إلى مكان فيه شهوات مشتعلة يذهب ، فالإيمان يضعف بشكل طبيعي ، أما عندما تكون الجلسة صالحة يتغير الأمر.
يقول صلى الله عليه وسلم:

{ لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ }

(صحيح مسلم)

التفكر في خلق السموات ذكر
إخواننا الكرام: من الأمور التي ينبغي الإشارة إليها أن الناس يظنون أن ذكر الله هو فقط سبحان الله ، سبحان الله ، وهذا نوعٌ من أنواع الذكر ولكنه نوعٌ من مئة ولا أبالغ ، وهذا مجلس ذكر وعلى فكرة حلق الذكر ومجالس الذكر في السنة غالباً ما تعني مجالس العلم ، لأن الذكر غالباً يفعله الإنسان بنفسه بعد الصلوات ، بعد الفجر ، في بيته ، عند نومه ، أما مجالس الذكر في الأصل هي مجالس العلم وحِلق العلم ، فالعلم ذكر ، وقراءة القرآن ذكر ، والتفكر في خلق السموات ذكر ، والله ممكن إنسان يتابع مقطع على اليوتيوب لخلق الله وعظمة خلق الله في الفلك فيذكر الله أكثر مما يذكره فيما لو قال مئة مرةٍ بلسانه الله ، فموضوع الذكر واسع.
فقال صلى الله عليه وسلم: لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ ، مجلس الذكر تحفُّه الملائكة ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. الله أكبر.
يعني إخواننا الكرام: نحن إذا واحد فينا قال له في الأمس ذُكِر اسمك عندما كنا جالسين عند الملك الفلاني وذُكِرت عنده ، يبقى أسبوع من دون نوم ، ماذا تكلم؟ كيف كان وجهه عندما ذُكِر إسمي هل كان سعيداً أم لا؟.
قال: "وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ" ، يذكرك الله عند الملأ الأعلى أن هناك قوماً اجتمعوا على ذكري وعلى رضاي جل جلاله.

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يقولُ اللَّهُ تَعالَى: أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي ، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي ، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي ، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا ، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً }

(صحيح البخاري)


3. الاستكثار من الأعمال الصالحة والنوافل
العمل الصالح والنوافل تقوي الإيمان
إخواننا الكرام: أيضاً مما يقوي إيمان الإنسان ويدفعه إلى التوبة أن يستكثر من الأعمال الصالحة والنوافل ، العمل الصالح والنوافل تقوي الإيمان.
النبي صلى الله عليه وسلم مرةً بين أصحابه ، السؤال مفاجئ غير مُحضّر لا علم لأحد به ، فجأةً.

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا ، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا ، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا ، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمْ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ»" }

(رواه مسلم)

يعني في يوم واحد سيدنا أبو بكر ، والسؤال ربما كان في الظهيرة ، أطعم مسكين ، وعاد مريضاً ، وتبع جنازةً ، وهو صائم ، فاجتمعوا عنده.
فالإنسان يوم؛ نحن لن نقول كل هذا في يوم واحد ، نسأل الله السلامة ، نحن إن شاء الله يسموننا جماعة المعشار ، جماعة العشر ، قال: كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، يعني لو تركوا عشر ما أمروا به لهلكوا ، وأنتم لو فعلتم عشر ما أمرتم به لنجوتم ، لكن كما يقولون عنا نحن جماعة العشر بآخر الزمان نريد أن نأخذ من كل عشرة واحد.

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّكُمْ فِي زَمَانٍ مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ هَلَكَ ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا }

(أخرجه الترمذي)

لكن يعني إذا يوم صيام ، وبالأسبوع مرة جنازة أو تعزية إنسان ، أو سمعت بمريض عيادة مريض ، أو صدقة لإطعام مسكين أو لكفالة يتيم ، يعني يجعل الإنسان هذا الأمر ببرنامجه دائماً أنه أنا لازم في كل يوم يكن لي شيء ولو كلمة طيبة ، والكلمة الطيبة صدقة.

{ عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل سلامي من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة ، والكلمة الطيبة صدقة ، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة }

(رواه البخاري)

لكن لا يمر يوم من غير عمل صالح فهذا مما يقوي إيمان الإنسان ويدفعه أكثر.

4. ذكر الموت
الآن من الأمور التي ربما الإنسان يحاول دائماً أن يبتعد عنها لكنها من صلب الدين تبني وتقوي الإيمان؛ ذكر الموت ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال: اذكروا الموت ، قال: "أكثِروا مِن ذِكْرِ هاذِمِ اللَّذَّاتِ" ، هاذم اللذات يعني يقطعها ، هذم: قطع.

{ عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ، قال: (كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ: أكثِروا مِن ذِكْرِ هاذِمِ اللَّذَّاتِ) }

(أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد)

هناك آية جمعت الأحرف اللثوية ، حتى يدرب الإنسان نفسه عليها ، قال تعالى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) ، (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ) الأحرف اللثوية كاملةً.

وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ
(سورة الأنعام: الآية 120)

الإكثار من ذكر الموت من نشاط المؤمن
فإخواننا الكرام: الإكثار من ذكر الموت هو جزء من نشاط المؤمن ، يقول بعض العلماء: من ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة ، لأنه ليس هناك وقت ، وقناعة القلب ، فيقنع بما رزقه الله ، الدنيا مؤقتة ، فما آتاني الله خير ، يبذل ثم يقنع ، ونشاط العبادة ، يقوم إلى العبادة بنشاط ، قال: ومن نسي الموت كانت له ثلاثة أشياء: تسويف التوبة ، غداً أتوب ، الأيام قادمة نحن شباب ، سوف تقتل الناس بشبابهم اتركهم ، دعه يأخذ راحته قليلاً يذهب مع أصدقائه يرى عمره وكذا ، ولكن الموت لا يعرف شاب ولا يعرف أربعين ولا خمسين ولا ستين ، الموت يأتي فجأةً ، فيسوف التوبة ، ويترك الرضا بما آتاه الله ، دائماً يلهث وراء الدنيا ، والتكاسل عن العبادة.

وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ
(سورة النساء: الآية 142)

فإخواننا الكرام: ذكر الموت هو جزء من اتباع الجنائز ،

{ قَد كُنتُ نَهَيتُكُم عَن زيارةِ القُبورِ ، فقَدْ أذنَ لِمُحمَّدٍ في زيارَةِ قبرِ أمِّهِ ، فَزوروها فإنَّها تذَكِّرُ الآخِرةَ }

(صحيح الترمذي)

هناك يوم سنرحل فيه عن الدنيا
يعني لو ، نسأل الله للجميع العمر المديد في طاعة الله ، مات له أحد يتبع الجنازة ، يرى القبر ، يعني شيء مهم أن يتذكر الإنسان أن هناك يوماً سيرحل فيه عن الدنيا ، وهذه حقيقة ، والذي يتجاهل ذكرها يتجاهل أخطر حدث في حياته ، أخطر حدث ، فربما إنسان يقول لك: المجلس دعه بلا ذكر الموت ، يا أخي الموضوع إن لم نذكره لا يعني أنه لن يأتي هو آتٍ آتٍ ، إذا ذكرته تستعد له ، تضبط أمورك ، تقول هذا القرش لا يرضي الله لا أقبضه ، هذه النظرة لا ترضي الله لا أفعلها ، الصلاة في جوف الليل لها ثواب أعظم فأفعلها وهكذا.

5. الدعاء
ضعيفٌ يقوى بالله
إخواننا الكرام: آخر ما أريد أن أقوله فيما يقوي الإيمان: هو الدعاء ، يعني الإنسان إخواننا الكرام؛ ضعيف يقوى بالله ، فادعُ الله.
قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ، الثوب القديم ، قال: فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُ". فالدعاء؛ يارب جدد إيماننا ، يارب قوي إيماننا بك ،

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ» }

(رواه الطبراني)

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
(سورة الفاتحة: الآية 5)

فلا نترك الإستعانة بالله في هذا الأمر.

التوبة إدراك وانفعال وسلوك
إخواننا الكرام: التوبة: هي إدراك وانفعال وسلوك ، هذا يمكن قانون ديكارت ، كل شيء في الحياة إدراك وانفعال وسلوك ، بالأمس كنت أصور برنامج بمعيَّة شيخنا الدكتور راتب ، فذُكرت التوبة ، الندم توبة ، الندم هو الانفعال ، فقلت له: كيف الإدراك انفعال سلوك؟ قال لي: يعني أنت تمشي في الطريق فتجد ثعباناً ، في الغابة تجد ثعباناً ، فتدرك من خلال معلوماتك السابقة أن هذا ثعبان وخطر ، فتنفعل ، الانفعال الخوف من هذا المنظر فتقوم بسلوك ، فقلت له: ما السلوك؟ قال لي: إما أن تهجم وتقتله أو أن تهرب ، قلت له: لا والله سأهرب أنا ، قلت له: الهريبة أفضل ، فالسلوك أن تتحرك.
لذلك ماذا قال تعالى؟

وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ
(سورة الأنفال: الآية 21)

السلوك أن تتحرك للإصلاح
طيب كيف (سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ)؟ لأنه لم يتحرك ، فإذا قال لك: أنا سمعت ولم يتحرك معناه لم يسمع ، فهو إدراك إنفعال سلوك ، فالتوبة الإدراك: أن تعلم أن هذا ذنب وأن هذا الوضع لا يرضي الله ، الانفعال: أن تندم على ما كان ، السلوك: أن تتحرك للإصلاح؛ فتعزم على عدم العودة إن كانت هناك حقوق للناس تردها إن كان حقوق لله تقول يارب تبت إليك ، هذه هي التوبة بهذا الشكل.

قصص وعبر تتعلق بالتوبة
قوم سيدنا موسى والقحط الذي أصابهم
ربنا هو الستير
روى ابن قدامة في كتابه التوابون ، ابن قدامة له كتاب لطيف اسمه التوابون يذكر فيه قصص عن التوبة وابن قدامة من الحنابلة المحققين من مذهب الإمام أحمد بن حنبل ، فروى أنه لحق قحطٌ بقوم موسى ، على عهد موسى عليه السلام ، فخرج إليه قومه فقالوا: اسأل الله تعالى أن يسقينا وأن يغيثنا ، قال: فخرج وكانوا عشرين ألفاً أو يزيدون ، عدد كبير ، فوقف فقال: إلهنا اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً سَحَّاً غَدَقَاً ، إلخ ، قال: فما ازدادت السماء إلا تقشعاً وما ازدادت الشمس إلا حرارةً ، بالعكس تماماً ، فقال: يارب دعوناك فلم تستجب لنا؟ وهذه دعوة أنبياء قال: دعوناك فلم تستجب لنا؟ فقال له: يا موسى إن بينكم عبداً يبارزني بالمعصية منذ عشرين سنة فبشؤم ذنبه حرمتم القطر من السماء ، يبارزني يعني معصية تحدي نسأل الله السلامة ، نحن جميعاً الحمد لله يعني إن كان هناك معصية فهي من الغَلَبة وضعف النفس لكن لا نعصي الله لا تحدياً ولا استكباراً ، حاشاه جل جلاله ، نؤمن بعظمته ، لكن هذا قال: يبارزني بالمعصية ، مصّر ، منذ عشرين سنة ، فبشؤم ذنبه حرمتم القطر من السماء ، فمُره أن يخرج من بين ظهرانيكم ، قال: يارب عبدٌ ضعيف وصوتي ضعيف أين يبلغ وهم عشرون ألفاً أو يزيدون؟ لا يوجد مكبرات صوت ، قال: منك النداء وعلينا البلاغ ، ربنا يوصل الصوت ، فقال: أيها العبد الذي تبارز الله بالمعصية اخرج من بين ظهرانينا فبشؤم ذنبك حرمنا القطر من السماء ، قال: فأوحى الله إلى موسى أن هذا العبد العاصي تلفّت يمنة ويسرى عسى أن يخرج غيره وتنحل المشكلة ، قال: فما خرج أحد ، فقال: أنا المعني بهذا الخطاب ، أنا العبد ، عرف نفسه عاصي ، قال: فوضع رأسه في ثيابه ، وقال: يارب عصيتك عشرين سنةً فأمهلتني وجئتك اليوم تائباً طائعاً نادماً فاقبلني واسترني بين هؤلاء الخلق يا أرحم الراحمين ، بلا فضيحة ، وربنا هو الستير ، قال: فانفتحت أبواب السماء كالقُرَب ، ماء كثير ، فأدرك موسى عليه السلام أن هذا العبد قد تاب لأنه لم يخرج أحد ، فقال في مناجاته في الليل يارب دُلني على هذا العبد التائب الطائع النادم ، قال: لقد سقيتكم بالذي منعتكم به ، من كان سبب المنع أصبح سبب العطاء ، فقال: دُلني عليه يارب ، أريد أن أرى هذا العبد ، فقال: عجباً لك يا موسى سترته وهو يعصيني ثم أفضحه وهو يطيعني ، فربنا عز وجل ستير لكن لا ينبغي للإنسان أن يتجاهل ستر الله عليه ، ينبغي أن يتوب دائماً.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إني أتوب إلى الله في اليوم مئة مرة، مما يتوب صلى الله عليه وسلم؟ وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وبأبي هو وأمي أين ذنبه صلى الله عليه وسلم؟

{ عن الأَغَرِّ بْن يَسار المُزنِيِّ قال: قال رسول الله ﷺ: يَا أَيُّها النَّاس تُوبُوا إِلى اللَّهِ واسْتغْفرُوهُ فإِني أَتوبُ في اليَوْمِ مائة مَرَّة }

(رواه مسلم)

قال بعض العلماء: ولعل ذلك التفسير يزيل اللبس، قالوا: إن الأنبياء إذا تابوا تابوا من مكانةٍ كانوا يحبوا أن يصلوا إليها فلم يصلوا، يعني هو يحب أن يكون في تلك الدرجة في العلاقة مع الله فكان في أدنى منها لكنه في الطاعة ومع ذلك يتوب صلى الله عليه وسلم، ويعلمنا أن التوبة دائماً مطلوبة.

دينار العيار
قصة دينار العيُار
إخواننا الكرام: كان هناك أيضاً في كتاب ابن قدامة: شخص إسمه دينار العيار وكانت له أم وكان مكبّاً على المعاصي والآثام، وكانت له أمٌ تأمره وتنهاه فلا يستجب فمر يوماً بمقبرة فوجد فيها عظماً قد خرج فأمسكه في يده فتفتت بين يديه، نحن كلنا بعد مئة سنة؛ سأضع أكبر حد هنا؛ سيوجد طقم جديد كلنا لسنا موجودين، فأمسك العظم فتفتت بين يديه فهنا جاءت التوبة، فقال يا دينار ألك قوة على النار؟ كيف تعرضت لغضب الجبار؟ ثم خاطب نفسه قال: كيف بك يا نفس إذا صار عظمك رفاةً وجسمك تراباً وما زلتِ مكبةً على المعاصي والآثام والشهوات، ثم رجع إلى بيته منكسر القلب حزيناً فقالت له أمه: ما بك؟ أتعبت نفسك فأصبح يقوم الليل ويصلي فقالت له: أتعبت نفسك، فقال يا أماه: راحتها أريد، إن لي موقفاً بين يدي الجليل ثم لا أدري إلى ظلٍ ظليل أم إلى شرٍ مقيل.

الفضيل بن عياض
توبة الفضيل بن عياض
الفضيل بن عياض وهو إمام الحرمين في العبادة، هذا الرجل تعلمون قصته، هذا كان قاطع طريق، فيقف في الطريق فيحذرون الناس منه، قال: إياكم والفضيل، هذا الفضيل لا تمر قافلة إلا يوقفها ويسرق، هكذا كان الفضيل، هو يحدث عن نفسه، فارتقى يوماً جداراً لينزل إلى بيت ليسرق فإذا برجلٍ كبيرٍ في السن قد وضع سراجاً من أجل النور ووضع مصحفاً وهو يقرأ فقال: انتظره حتى يفرغ من قراءته، فقرأ الشيخ:

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
(سورة الحديد: الآية 16)

فقال: بلى يارب قد آن، بلى يارب قد آن وإني أتوب إليك الساعة، ثم نزل من الجدار وأصبح إمام الحرمين المكي والمدني في العبادة الفضيل بن عياض.
إخواننا الكرام: الصلحة بلمحة، وكلنا الآن دخل رجب، وكما قال العلماء في رجب نزرع وفي شعبان نسقي وفي رمضان نحصد، إذا بدأنا الزراعة في واحد رمضان ينتهي رمضان ولم ننتهي من الزراعة، فدعونا نزرع في رجب ونسقي في شعبان حتى إن شاء الله نحصد الخيرات والبركات من أول يوم من أيام رمضان.
والحمد لله رب العالمين.