• محاضرة في الأردن
  • 2020-03-09
  • عمان
  • الأردن

فقه الأزمات

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارض عنا وعنهم يارب العالمين.


سنن الله تعالى
أيها الإخوة الأحباب: عنوان لقائنا اليوم فقه الأزمات ، جرت سنّة الله في الكون ، وأقول سنّة ، كلمة سنّة في المصطلح القرآني تعني في المصطلح الوضعي الحديث (القانون)

وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا
(سورة الأحزاب: الآية 62)

وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا
(سورة الإسراء: الآية 77)

التدافع بين الحق والباطل
تشبه إلى حد كبير القانون اليوم يعني المقدمات تعطي هذه النتائج ، فالله تعالى له سنن في الأرض من سننه مثلاً: التدافع بين الحق والباطل ، هذه سنّة ، من ظن أن الحق سيسود إلى أمد طويل دون أن يدافعه الباطل فقد أخطأ ، ومن ظن أن الباطل سينتصر فقد أخطأ ، لأن الله هو الحق وهو ناصر الحق ، لكن أن يكون هناك استمرار لأحد الطرفين أو النقيضين دون أن يزاحمه الآخر فهذا لن يكون ، هذه سنّة من سنن الله تعالى ، أن الحق والباطل إلى قيام الساعة سيتصارعان ، هذه من سننه ، من سنن الله تعالى أن من أعرض عن ذكره فله معيشة ضنك

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا
(سورة طه: الآية 124)

الآن لو كان يسكن في أعظم قصر فعنده معيشة ضنك ، هناك ضيق في القلب ، هناك شيء مفقود في حياته لا يجد به أمناً لأنه مبتعد عن الله عز وجل (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ ) (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا) ما دام عنده شرك فعنده رعب ، هذه سنّة من سنن الله.

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ۖ
(سورة آل عمران: الآية 151)

وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ
(سورة الحشر: الآية 2)

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً
(سورة النحل: الآية 97)

الحياة تطيب بالإيمان
هذه سنّة من سنن الله ، قانون لا يتخلّف ، حياته طيبة ، لا يعني أنه لا يجد متاعب ، لا يبتلى ، لا يعاني ، أبداً ، ولكن حياته طيبة بالإيمان ، بما يجد من أنس بالله تعالى في قلبه ، هذه سنن الله ، قوانين الله في الأرض ، إحدى هذه السنن في الأرض أن الحياة لا تدوم على حال واحدة ، أبداً ، لابد من أن يتغير الحال ، هذه سنّة من سنن الله ولن تجد لها تبديلاً ولا تحويلاً.

فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا
(سورة فاطر: الآية 43)

ملك قال لوزيره: قل لي كلاماً إن كنت فرحاً أحزن وإن كنت حزيناً أفرح ، قال له: كلُّ حالٍ يزول، فإن كنت في حال فرح فسيزول وإن كنت في حال حزن فسيزول ، فإذاً من سنن الله أن الحياة فيها متناقضات ، فيها يسر وفيها عسر ، فيها هناءة وفيها ضيق ، فيها ضيق وفيها سعة ، فيها ساعات انقباض وفيها ساعات انفراج ، هذه سنّة من سنن الله تعالى في الأرض ، لكن من رحمة الله تعالى أن الحياة في النهاية سواءً في الدنيا أو في الآخرة تستقر للمؤمن على حالةٍ من الأمن النفسي ، وهذا الأمن النفسي يعوضه عن كل ما يجده من عسرٍ وضيق ، قال تعالى:

فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ
(سورة الأنعام: الآية 81-82)


اليسر والعسر في الحياة
فهذه سنّةٌ من سنن الله في الأرض أن الحياة لها جانبان: جانب فيه يسر وجانب فيه عسر ، جانب فيه فرج وجانب فيه ضيق إلخ ، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا المعنى فقال تعالى:

فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا
(سورة الشرح: الآية 5-6)

العسر يأتي ويأتي معه اليسر
وهنا ملمحان دقيقان ، الملمح الأول: أن الله تعالى في هذه الآية ما قال: بعد العسر يسراً ، وإنما قال: (مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) فكأن بذور اليسر موجودة في العسر نفسه ، فالعسر يأتي ويأتي معه اليسر ، وأنت قد لا ترى اليسرَ في العسر لكن اعلم يقيناً أن بذور الفرج كامنةٌ في العسر نفسه ، هذا الملمح الأول.
الملمح الثاني: أنّ الله تعالى كرر الآية مرتين فقال: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) ومعلومٌ في اللغة العربية أن هناك معرفة وهناك نكرة ، طالب نكرة ، الطالب معرفة ، كتاب نكرة ، الكتاب معرفة، فالعسر معرفة ، ويسر نكرة ، فإذا تكررت المعرفة فهي نفسها ، يعني إذا قلنا: العسر ، العسر ، العسر ، العسر ، فكلها تدل على عُسرٍ واحد ، أما إذا تكررت النكرة فكل واحدة مختلفة عن الأخرى يسر ، يسر ، يسر.
فعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المعنى بكلام مقتضب فقال:

{ لن يَغلِبَ عُسرٌ يُسرَينِ ، إنَّ مع العُسرِ يُسرًا ، إنَّ مع العُسرِ يُسرًا }

(أخرجه الحاكم والبيهقي)

لأنه عسر واحد ، العسر معرّف فهو واحد ، لن يغلب عسرٌ يسرين ، لأنّ الله ذكر اليسر مرتين ، لكن العسر ما دامت معرفة فهي مرة واحدة ، فعسرٌ مقابله يسرين ، هذان ملمحان في الآية.

الابتلاء والتمكين
الامتحان يكون في حالة الشدة
ومن المعلوم إخواننا الأحباب؛ أنّ الإنسان لا يمتحن في حالة الرخاء ، أبداً ، وإنما يمتحن في حالة الشدة ، كما أن السيارة لا تمتحن في طريقٍ هابطة وإنما تمتحن في طريقٍ صاعدة ، يعني لو أن إنساناً قال لك: والله سيارتي نزلت بها من بداية النزلة إلى الأسفل لم تظهر أية مشكلة ، كل السيارات تفعل ذلك في النزول ، بطولتك أن تقول لي: صعدت بها طريقاً صعبةً ولم تتلكأ السيارة أبداً ولم يصدر منها أي صوت وكانت بأعلى مستوى ، فدائماً الامتحان يكون عند المشاق وليس عند النزول ، ومن ظن أن الحياة تمضي بغير ابتلاءٍ وامتحان فقد وهِم وهماً عظيماً ، ومثاله كمثال إنسان ظن أنه سيدخل الجامعة ويخرج منها ويأخذ شهادةً دون أن يقدم امتحاناً ، قال: أنا أدخل الجامعة فقط أقدم طلب رجاءً أنا لا أريد أن أخضع للامتحان وانتهى الأمر ، فمن ظن أنه في الحياة يريد أن يخرج من غير امتحان فهو كهذا الطالب .
لا بد من الابتلاء
وهذا من فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه لمّا سُئِل: أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ الابتلاء هو الامتحان والتمكين هو النصر والقوة والمنعة ، فقال: أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين؟ فما كان جواب الشافعي؟ الشافعي له فقه يعني لو قال لهم بالابتلاء ، غير مناسب ، الإنسان لا يدعو الله بالابتلاء نحن نقول: لكن عافيتك أوسع لنا ، لكن لو قال لهم بالتمكين ادعوه ، الابتلاء لا بد منه ، فماذا قال الشافعي؟ قال: " لن تُمَكَّن قبل أن تبتلى " ، ادعُ بما شئت ، هكذا بالترتيب يأتي الابتلاء ثم يأتي التمكين ، فأنت اسأل الله العافية والسلامة والتمكين ، لكن اعلم يقيناً أنّ هذا التمكين سيسبقه ابتلاء ، تمتحن فتنجح فتمكّن ، هذه سنة الحياة ، ومن ذلك قوله تعالى لمّا امتحنَ المؤمنين قال:

وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا
(سورة الأحزاب: الآية 10-11)

أي تحليل له مؤيد وله معارض
يعني (زَاغَتِ الْأَبْصَارُ) تعبير اليوم عن انعدام الرؤية ، اليوم ، في أحداث اليوم المتفاقمة اليومية أحياناً إنسان يسألك ماذا تظن؟ تقول له: والله النفق مظلم لا يبدو ضوء في آخر النفق لا أستطيع أن أحلل ، كل تحليل سأحلله سيخرج من يعترض عليه ، هذا واقعنا اليوم أي تحليل خارج حدود الضوابط الشرعية فهو تحليل يحتمل الصواب والخطأ ، فأقول والله هذه أزمة مفتعلة والآخر يقول لك لا غير مفتعلة ، وإذا قلت له أنت غير مفتعلة يقول لك لا إنها مفتعلة ، والحرب على المسلمين والإسلام وهذه الدولة وتلك الدول وهذه الاجتماع عليها ، أي تحليل تحلله في السياسة له مؤيد وله معارض ، ففي هذه الحالة تنعدم الرؤية ، تزيغ الأبصار ، قال: (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) من شدة الخوف ، وكأن القلب أصبح في الحنجرة من شدة الخوف ، (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا).
متى ابتلوا؟ عندما بلغت القلوب الحناجر وزاغت الأبصار وبدأ بعض الناس ضعيفو الإيمان يظنون بالله ظنّ السوء ، هذه في معركة الخندق يوم كان النبي صلى الله عليه وسلم يمسك بيده فأسه فيضرب الحجر فيقول: فتحت بلاد كسرى ، ويضرب الثاني فيقول: فتحت بلاد فارس ، فقال أحد الناس في المدينة لصاحبه : أيعدنا صاحبكم ، لم يعد يقول رسول الله قال صاحبكم ، أن تفتح علينا بلاد كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، لا يستطيع أن يدخل بأمان من أجل قضاء حاجته ويَعدنا بفتح بلاد كسرى وقيصر ، هنا: (زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا) إذاً من سنة الله أنّ الامتحان لا يكون إلا عندما يبلغ الابتلاء مبلغاً عظيماً في النفوس فهنا يُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ.

وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ
(سورة آل عمران: الآية 141)

مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
(سورة آل عمران: الآية 179)

نفي الشأن
ما معنى (مَّا كَانَ اللَّهُ)؟ قد تسأل إنساناً هل أنت جائع؟ فيقول لك: لا لست جائعاً ، ينفي أنه جائع ، هذا نوع من أنواع النفي ، لكن قد تسأل إنساناً له مكانةٌ كبيرة في المجتمع وفي العلم وفي الدين وفي الخُلق تقول له بكل بساطة: هل أنت الذي سرقت الهاتف؟ فيعني إن قال لك: لا ، لست أنا الذي سرقته ، يكون قد أساء لنفسه لأن هذا النفي بسيط جداً ، فهو أحد حلين إما أن ينهض ويزمجر ويغضب وإما أن يجيب بإجابة لطيفة تناسب اللغة العربية ، فيقول لك: ما كان لي أن أسرق ، يعني هذا الأمر ليس من شأني ولا من طبيعتي ، أنا أسرق! أنا في هذه المكانة وفي هذا الاحترام وهذا العلم أدنِّي نفسي لأسرق هاتفاً! ما كان لي أن أسرق ، هذا معنى النفي (ما كان) فالله تعالى هنا يقول: (مَّا كَانَ اللَّهُ) يعني ليس من شأن الإله أن لا يمتحن ، كأن تقول ما كان للجامعة أن تترك الطلاب بلا امتحان ، وإلا ليست جامعةً تستحق الاحترام والمكانة بين الجامعات الأخرى إن لم يكن لها امتحانٌ دقيقٌ يعطي النتائج الصحيحة (مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) لابد أن تأتي شدةٌ فيظهر الإنسان الخبيث الذي تنطوي نفسه على خبث لا يظهر إلا في المُلمات ، والإنسان الطيب الذي لا يظهر طيبه إلا في المُلمات.

فقه الأزمات في الإسلام
إخواننا الكرام: فقه الأزمات في الإسلام له بنود .

1. التماسك
البند الأول: عند الأزمة المؤمن متماسك لا يهلع ، المؤمن في الأزمات متماسك ، قال تعالى:

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا
(سورة المعارج: الآية 19)


الإنسان في القرآن الكريم
(الْإِنسَانَ) هو الإنسان في أصل خَلقه
قبل أن نتابع الآيات ، هذه فائدة ، كلمة (الْإِنسَانَ) في القرآن الكريم وردت ربما عشرات المرات يمكن أن نحصيها عن طريق الحاسب بعملية بسيطة ، ما أحصيتها ، لكن وردت عشرات المرات (الْإِنسَانَ) إذا ذكر الله (الْإِنسَانَ) في القرآن فهو الإنسان في أصل خَلقه قبل أن يتمتع بنعمة الإيمان ، يعني كما خلقه الله ، وبالمناسبة لم يُذكر (الْإِنسَانَ) في القرآن ممدوحاً ، يعني لم يمدح الله (الْإِنسَانَ) في القرآن بل غالب الآيات تذمه:

إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ
(سورة العصر: الآية 2)

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
(سورة الانفطار: الآية 6)

خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ
(سورة الأنبياء: الآية 37)

وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا
سورة النساء: الآية 28

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا
(سورة المعارج: الآية 19)

وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا
(سورة الأحزاب: الآية 72)

كنصيحة لا يقل أحدٌ أنا أتمتع بإنسانية عالية بل ليقل أنا أتمتع بربانية (وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ)

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ
(سورة آل عمران: الآية 79)

أتمتع بالإيمان بإيمانية ، لأن الإنسان بأصل خلقه والله إن لم يتمتع بالإيمان ربما يقترف من الرزايا وربما يقترف من الوحشية ما لا يفعله الحيوان ، هذا واقع نراه بأعيننا ، فالإنسان في القرآن غير ممدوح ، الإنسان في القرآن هو مخلوق ظلوم ، جهول ، خاسر ، لكن لما اصطبغ بالإيمان (صِبْغَةَ اللَّهِ)

صِبْغَةَ اللَّهِ
(سورة البقرة: الآية 138)

خوف الإنسان في أصل خلقه
فانتقل من أنه إنسان إلى أنه مؤمن فخاطبه الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ناداه في ثمانين آية تقريباً يقول له: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أنت يا من عقدت معي عقداً إيمانياً الآن انتقلت من إنسانيتك إلى عهدٍ جديد مع الله وهو عهد الإيمان ، هنا الآية (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) يعني هو يهتز بأدنى مشكلة ، هكذا خلق هلوعاً ، على فكرة هناك مخلوقات خلقها الله عز وجل تفوق الإنسان بأشياء كثيرة يعني إذا قال: أنا نظري حاد؛ النسر يلتقط فريسته من أعالي السماء وينزل إلى البحر ويأخذها ويخرج ، وإذا قال: سمعي نقوله هناك سمع ، وإذا قال: شمي ، هناك حيوانات حاسة الشم عندها قوية جداً ، وإذا قال قوتي ، إذا ظهر له ثعبان يهرب منه ، فهو بكل ما أعطاه الله من صفات جسدية هناك من المخلوقات من يفوقه بها، طيب لماذا ربنا عز وجل ما جعل الإنسان أقوى مخلوق في الأرض؟ لأنه لو جعله قوياً لاستغنى بقوته عن الله ، فشقي باستغنائه ، لكنه أراده ضعيفاً ليفتقر إلى الله في ضعفه فيسعد بافتقاره ، لو خلقه قوياً لقال أنا مستغنٍ عن الله

كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ
(سورة العلق: الآية 6-7)


الهلع والجزع من صفات الإنسان
توقع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها
فيشقى الإنسان إذا استغنى عن الله ، لكنه خلقه ضعيفاً فيصيبه المرض فيقول يارب ويسمع بالمرض فيقول يارب أجرني ، سمع فقط ، يسمع بالمرض فيهلع ، نسأل الله السلامة ، هذه طبيعته أنه هلوع يعني قالوا: أنت من خوف المرض في مرض ، مرضك لأنك تخاف من المرض أشد من وقوع المرض نفسه لأنه تعيش وأنت تتوقع المرض ، توقع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها ، أكبر من المصيبة ، فالإنسان هلوع ، قال: (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا) هكذا خلقه الله

إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ
(سورة المعارج: الآية 19-20-21-22-23)

الإنسان يجزع إن أصابه سوء
(إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) لا يصبر ، يعني ثلاثة أيام مع ارتفاع حرارة يقول لك لم أعد أستطيع ، لم أعد أحتمل هذه الحياة ، جزوع خلاف الصبر ، نقص المال قليلاً يصبح عنده مشكلة ، تضاءلت الأرباح قليلاً فينزعج ، خف الطلب على البضاعة التي في المستودعات عنده لا ينام الليل (إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا) (وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا) عندما يكثر عليه الخير يمسك يده ، وعندما يقل الخير يخاف ، هكذا خلق ، (خُلِقَ هَلُوعًا) وانظروا أن الله تعالى يقول: (إِذَا مَسَّهُ) لم يقل إذا أصابه ، المس الرقيق يعني الشر مس والخير مس على أدنى شيء .

الاتصال بالله أصل قوة المؤمن
الصلة بالله ينبغي أن تكون دائمة
ثم يقول تعالى: (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) الآن المصلي انتقل من حالة الإنسان الهلوع الجزوع المنوع إلى حالة أخرى ، لماذا؟ لأنه ضعيف فاتصل بالقوي فاستمد من قوته ، هو عجول فاتصل بأصل البقاء الذي هو الآخر بلا نهاية فاستمد من هذا العطاء الإلهي العظيم فأصبح ليس عجولاً ، أصبح يتمهل ليحصل مطالب الآخرة ، فالإنسان عندما يتصل بالقوي تنتفي عنه صفات الإنسانية التي هي في أصل خلقه (إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ) يعني الصلة بالله؛ من بعض معاني الآية ، الصلة بالله ينبغي أن تكون دائمة يعني ما بين الصلاتين صلاة ، فهناك صلاة شعائرية وهي الوقوف بين يدي الله خمس مرات في اليوم ، وهناك صلة دائمة بالله أربع وعشرين ساعة ، طبعاً أربع وعشرين ساعة هذه للأنبياء ، نحن معاشر الأنبياء تنام عيوننا ولا تنام قلوبنا ، لكن المؤمن أما أنتم يا أخي فساعةٌ وساعة ، يعني اثنا عشرة ساعة ، للطُرفة ، يعني اثنا عشر ساعة مقبول صلة بالله عز وجل ، فالمقصود أن يبقى الإنسان أكثر وقت من وقته مع صلة بالله عز وجل لا ينسى أن الله موجود ، كل شيء بيده ، فيستسلم لقضاء الله وقدره ويرضى ، هذا الرضا سر سعادة المؤمن.

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ
(سورة المعارج: من الآية 24 إلى الآية 33)

ثم ختم

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ
(سورة المعارج: الآية 34)

أكد مرة ثانية بالمحافظة والديمومة على الصلة بالله

أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ
(سورة المعارج: الآية 35)

الاتصال بالله أصل قوة الؤمن
فالمصلي ينجو من الهلع والجزع والمنع لأنه اتصل بالكريم جل جلاله فلا يمنع شيئاً عن عباد الله، واتصل بالعظيم والقوي جل جلاله فلا يخشى إلا الله ، هذا أصل قوة المؤمن ، فالتماسك في الأزمات هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا صلى الله عليه وسلم: كان إذا حزبه أمرٌ ، حَزَبَهُ يعني أهمه وأغمه ، قال: كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ قال: "لا إله إلا الله الحليم العظيم ، لا إله إلا الله رب العرش الكريم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم ، ثم يدعو"، يعني عندما يهمه أمر يفزع إلى الله ، لا إله إلا الله ، لا يفزع إلى المخلوقين ولا إلى نشرات الأخبار ولا إلى التحليلات السياسية ، يفزع إلى الله.

{ عَنِ عبد الله بنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان إذا حزَبَه أمرٌ ، قال: لا إلهَ إلَّا اللهُ الحليمُ العظيمُ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ ربُّ العرشِ الكريمِ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ رَبُّ العرشِ العظيمِ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ ربُّ السَّمواتِ وربُّ الأرضِ ، وربُّ العرشِ الكريمِ ، ثم يدْعو }

(أخرجه البخاري ومسلم)

وفي الحديث الصحيح: (كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى) أو فزع إلى الصلاة) ، يعني فوراً يتجه إلى الصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عندما يجد أمر يهمه أو يغمه على مستوى الفرد أو على مستوى الجماعة ، يعني قد يكون الهم هم أمة وقد يكون هم فردي بتجارته وقد يكون الهم هم عام.

{ عن حذيفةَ قالَ: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى }

(صحيح أبي داود)

وفي الحديث الصحيح أيضاً الذي رواه أحمد في مسنده:

{ عن أَبِي هُرَيرَةَ رضي اللهُ عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قَالَ: شَرُّ مَا فِي رَجُلٍ شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ }

(رواه أحمد في مسنده)

شح هالع يعني بخل محزن ،

وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(سورة الحشر: الآية 9)

السعادة في العطاء
الشح أن يحبس الإنسان الخير ، يأتيه المال فيمسكه ، فهذا الشح يعطي حزناً في القلب لأنه إذا أردت أن تسعد فأسعد الناس ، السعادة في العطاء ، فإذا منع العطاء أصابه الهلع ، شُحٌّ هَالِعٌ وَجُبْنٌ خَالِعٌ يعني جبنٌ يخلع قلبه من الخوف ، من شدة الخوف ، فالله تعالى لا يحب من الرجل لا أن يكون شحيحاً ولا أن يكون جباناً ، لا شح ولا جبن.

رزق الإنسان وأجله مكتوبان
الآن من أعظم الأحاديث الشريفة التي تطمئن المؤمن وتبعث في نفسه الأمل في الأزمات وفي المحن وفي الشدائد هو قوله صلى الله عليه وسلم:

{ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها ، وتستوعِبَ رزقَها ، فاتَّقوا اللهَ ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ }

(أخرجه أبو نعيم في الحلية بسند صحيح)

الإنسان مخير
إن روح القدس ، جبريل عليه السلام ، إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي ، في داخلي ، أنه لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها ، أنت لك عند الله ستٌ وسبعون سنة وأربعة أشهر وأسبوع وثلاثة أيام وأربع ساعات وخمس دقائق وثانيتان ، هذه لن تزيد ولن تنقص ، هذا قضي في الكتاب وانتهى ، فلن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، ولك عند الله؛ يعني للطرفة؛ عشرة طن أكل وفواكه وقمح وخبز هذا سيأتيك سيأتيك ، لكن أنت مخير في طريقة تحصيلهم ، فإما أن تحصلهم بالحلال فترقى أو والعياذ بالله يحصلهم البعيد عن الله بالحرام فيشقى ، أما هو لك ، فقال: لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتَّقوا اللهَ وأجمِلُوا في الطَّلَبِ ، عندما تطلب كن جميلاً في طلبك لا تجعل نفسك ضعيفاً لا أمام قوي ولا أمام غني حاجتك ستصل ستصل ، ولا يَحمِلَنَّكم استبطاءُ الرِّزقِ أن تطلبوه بالمعاصي ، تأخر الرزق دعنا نغير الموصفات ، تأخر الرزق دعنا نخفف الوزن ونغير العبوة ، تأخر الرزق دعنا نغش بالمواد ، ولا يَحمِلَنَّكم استبطاءُ الرِّزق على أن تطلبوه بالمعاصي فإن ما عند الله لا يدرك إلا بطاعته ، ماعند الله من الحلال لا يدرك إلا بطاعته فأنت أطع وانتظر مهما استبطأ الرزق عنك .
فهذا الحديث إخواننا الكرام؛ أصل في أن الإنسان قد كتب رزقه وأجله فيتقي الله في رزقه وفي أجله ولا يخاف لا من كورونا ولا من رزق متأخر ولا من انفلونزا لأنه كله بقدر وهذا لا يعني أبداً أنه لا يتخذ الأسباب ولا يبتعد عن مواطن العدوى ولا يعقم يديه ولا ، ولا ، لكن لا يهلع ولا يخاف إلى درجة تخرجه عن طوره لأن الأمور بيد الله لكنه عندما يتخذ الأسباب يتخذها تعبداً لله لأن الله أمره بها ، لكنه يعلم أن الفعل فعل الله عز وجل وأن هذه الأسباب لا تفعل فعلها إلا بأمره جل جلاله.
فهذا إخواننا الكرام : أول ما يقال في فقه الأزمات هو التماسك وعدم الهلع ، قال تعالى:

قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
(سورة التوبة: الآية 51)

وما قال علينا ، انظروا إلى دقة الآية ، قال: (مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) فما يكتبه الله هو لك في محصلة الأمر ، فقد تجده مرضاً وهو في حقيقته رفعٌ للدرجة عند الله وقد تجده ضيقاً في الرزق وهو عملياً دفعٌ لك إلى باب الله ، وقد تجده نَقْصاً في الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وهو عملياً ثوابٌ عظيمٌ في الصبر على قضاء الله وقدره ، فأنت ما تراه بعينك شيء وهو في حقيقته شيء ، فقال تعالى: (مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا) لأنه في محصلة الأمر لك وليس عليك ، قال: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

2. التحلي بالأمانة
الأزمات تظهر المعادن
ومن فقه الأزمات: التحلي بالأمانة ، لأن الناس عامةً في الأوضاع المستقرة الناس المؤمنون الذين عندهم درجة مقبولة من الناحية الاجتماعية والتربية الإيمانية يتحلون بالأمانة في الأزمنة العادية فإذا جاءت الأزمة فالناس يخرج ما فيها من شر وقد يخرج ما فيها من خير ، ونحن رأينا ذلك بأم أعيننا في قضيتنا السورية رأيناه واضحاً جلياً فرأينا ما خرج من خيرٍ عميم في الأزمة ورأينا ما خرج من شرٍّ عميم ، فبعض الناس فتحت بيوتها وأرزاقها للمهجرين والذين ضاقت بهم السبل وبعض الناس أصبحت تؤجِّر الشجرة التي يبيت تحتها إنسان ، رأينا هذا ورأينا ذاك ، ففي الأزمات تظهر المعادن الحقيقية فلذلك التحلي بالأمانة في وقت الأزمات هو أهم ما يكون قال تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا
(سورة النساء: الآية 58)

وجاءت الأمانات بصيغة الجمع ، فما قال: الأمانة وإنما قال: (الْأَمَانَاتِ) لأن الأمانات أنواع: فهناك أمانة الواجب ، هناك أمانة التبليغ ، وهناك أمانة النفس التي بين جنبيك ، نفسك أمانة هل حملتها على طاعة الله أم تركتها لشهواتها؟ أولادك أمانة ، زوجك أمانة ، عملك أمانة ، (أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا) ويقول صلى الله عليه وسلم: ألا إنه لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ، فالإيمان من الأمانة.

{ عن أَنَسِ بْنِ مَالِك قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ إِلاَّ قَالَ:لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ }

(أخرجه الإمام أحمد)

ومن أروع الأحاديث التي يستدل بها على وجوب الأمانة حتى مع من لم يكن أميناً معك هو قوله صلى الله عليه وسلم:

{ أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ }

(رواه الترمذي)

يعني حتى لو أن إنساناً خانك ، طبعاً هذا موضوع فيه خلاف فقهي نرجئه إلى وقته ، لكن عموماً الأصل بالمؤمن أخلاقه العالية أنه لا يقابل الخيانة بخيانة ، يأخذ حقه لكن بغير طريق الخيانة.

3. التراحم
ومن الأمور التي ينبغي أن ننتبه إليها ومن فقه الأزمات هو موضوع التراحم ، يقول صلى الله عليه وسلم: ‏مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ لاَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ.

{ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ لاَ يَرْحَمُهُ اللَّه }

(رواه البخاري ومسلم)


4. الإكثار من الصدقات
الصدقة في الأزمات
ومن الأمور أيضاً التي تدخل في فقه الأزمات: الإكثار من الصدقات حال الأزمات ، والحقيقة أن الناس عموماً إذا جاءت الأزمة يُمسك ماله هذه طبيعة الإنسان ، يعني يقول لك: أخي خبئ قرشك الأبيض ليومك الأسود ، والآن الأمور ليست مثل قبل ، يعني كنا ننفق ألف ولكن الآن الوضع صعب فنجعلها خمسمئة ، لكن المؤمن له مقياس آخر يقول لك: وضع الناس أصبح صعباً أكثر فأنا أزيد في النفقة لأن الوضع صعب على الجميع ، وهذا من فقه المؤمن ، لماذا؟ لأن الصدقة في الأزمات وفي المحن وفي الفقر وفي الشدائد أعظم أجراً من الصدقة حال الرخاء فهو يتاجر مع الله ، ثم لأن البلاء لا يتخطاها بل أنت لا تدري ما تدفع عن نفسك بهذه الصدقة من الشر لأنها ترفع البلاء ولأنّ صَدَقةُ السِّرِّ تُطفِئُ غضبَ الرَّبِّ جل جلاله.

{ إن الصدقة لتطفىء غضب الرب }

(أخرجه الترمذي وحسنه)


5. التكافل والتعاون
التكافل والتعاون
ومن فقه الأزمات: التكافل والتعاون ، يقول صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ ، الفضل هو الزيادة ، يعني أنت عندك دابتان ، دابة تركبها الثانية أركب عليها أخاً من أخوتك ، وأنت معك وجبتا طعام وجبة تكفيك تصدق بالثانية ، فيقول الراوي: فَذَكَرَ لنا مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ ، يعني وصلنا إلى مرحلة ظننا أنه ليس لنا حقوق بالزيادة نحن نأخذ الذي يكفينا والباقي كله للصدقات وإن كان هو الحكم الشرعي لا ، لكن من شدة تركيز النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر قال: حتى ظننا أنه لا حق لأحدنا في فضل ، والحديث النبي صلى الله عليه وسلم متى قاله؟ قاله بأزمة من الأزمات يعني عند الغزوات ، هناك أزمة ، هناك حاجة فقال: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ.

{ وعن أَبي سعيدٍ الخُدريِّ قَالَ: بينَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ ، فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا ، فَقَال رسولُ اللَّه ﷺ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ ، فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لا حَقَّ لأحدٍ مِنَّا في فَضْلٍ }

(رواه مسلم)

والحمد لله رب العالمين.