اسأل عن الله
اسأل عن الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين. |
وبعد، إخوتي الأكارم أخواتي الكريمات أينما كنتم أسعد الله أوقاتكم بالخير واليمن والبركات والطاعات، بادئ ذي بدء أشكر لإخوتي في إدارة اتحاد خريجي العلوم الشرعية هذه المبادرة الطيبة بتنظيم تلك المحاضرات في شهر رمضان المبارك، وأشكر لكل أخٍ كريمٍ ممن ساهم في هذه اللقاءات قبلي أو سيساهم بعدي، بارك الله بكم ونفع بكم جميعاً. |
السياق القرآني لآيات الصيام
السياق القرآني لآيات الصيام
|
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(سورة البقرة: الآية 183)
ثم يقول تعالى: |
أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(سورة البقرة: الآية 184)
ثم: |
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(سورة البقرة: الآية 185)
ثم يقول تعالى: |
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ(سورة البقرة: الآية 186)
ثم يتابع السياق القرآني الحديث عن الصيام: |
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(سورة البقرة: الآية 187)
السؤال عن الله من مقاصد الصيام
|
{ عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ }
(رواه البخاري ومسلم)
فلا بد أن يسألك عبادي عني، وتعلمون أحبابي أن قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ) أنَّ (إِذَا) في اللغة العربية لتحقق الوقوع، كقوله تعالى: |
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ(سورة النصر: الآية 1)
فإن نصر الله آتٍ لا محالة، بخلاف قوله تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ(سورة الحجرات: الآية 6)
(إِن) تفيد احتمال الوقوع، لكن (إِذَا) تفيد تحقق الوقوع، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) لا بد أن يسألك عبادي عني إذا انقضى شهر رمضان (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) لا بد أن نسأل عن الله. |
حاجة الإنسان للسؤال
السؤال مفتاح العلم
|
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ(سورة البقرة: الآية 189)
يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ(سورة البقرة : الآية 215)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ(سورة البقرة الآية 222)
إلى آخر ذلك |
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ(سورة البقرة: الآية 217)
فأثبت الله حاجةً في الإنسان وهي السؤال، أن يسأل الإنسان، أن يستفسر، لأنه لا يتعلم إن لم يسأل، لكن الناس لا يتفاوتون في سؤالهم أو عدم سؤالهم فكلنا يسأل، لكن الناس يتفاوتون في عمَّا يسألون، يتفاوتون في طبيعة السؤال، فكل إنسانٍ يسأل عمَّا يشغل باله، وكل إنسانٍ يسأل عمَّا يدور في خلده، وكلما ارتقت قيمة المسؤول عنه ارتقت قيمة السائل. |
درجات وأنواع السؤال عند الإنسان
أيها الكرام: بعض الناس لا يسألون إلا عن الدنيا، فيسألك كل يوم عن أسعار العملات، ويسألك كل يوم عن البورصة، ويسألك كل يوم عن الأخبار السياسية والاقتصادية في العالم، وهذا ليس سؤالاً محرماً ما دام ضمن المباح، لكن أن يبقى الإنسان في هذه الدائرة فهو قد استبدل (الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) |
أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ(سورة البقرة: الآية 61)
لا بد من السؤال عن علوم الأرض
|
السؤال عن أحكام الدين
|
لكن أعظم من كل تلك الأسئلة، على عظم شأن كثيرٍ منها، أعظم من كل تلك الأسئلة، أعظم من أن تسأل عن الدنيا ومن أن تسأل عن علوم الأرض ومن أن تسأل عن العلوم الشرعية من أمرٍ ونهيٍ، أعظم من كل ذلك أن تسأل عن الله، عن صاحب الأمر، عن الخالق، عن المشرع، عن الذي قال لك: افعل ولا تفعل، مع سؤالك عن افعل ولا تفعل اسأل عن خالقك، فهنا في هذه الآية الله تعالى لم يقل وإذا سألك عبادي عن أحكام دينهم، ولكنه قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) ونسب العباد إلى ذاته تشريفاً وتكريماً لهم وتذكيراً لهم بأنهم عبادٌ لله فينبغي أن يسألوا عن المعبود جلَّ جلاله، وينبغي أن يسألوا عن الآمر وألا يكتفوا بالسؤال عن الأمر. |
نماذج لبيان أثر السؤال عن الله
انظروا أيها الأحباب عندما يسأل الإنسان عن الله وعندما يسأل عن الآمر كيف تكون حياته، هذا موسى عليه السلام يوم خاطب قومه فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً) |
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً(سورة البقرة: الآية 67)
جدال قوم موسى وأسئلتهم
|
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ(سورة البقرة : الآية 68)
ثم قالوا: (مَا لَوْنُهَا) |
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا(سورة البقرة: الآية 69)
ثم قالوا: (مَا هِيَ) إلى أن قال تعالى: |
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ(سورة البقرة: الآية 71)
لأنهم لم يهتموا بالآمر لم يسألوا عن الله وإنما كانوا يسألون عن الأمر فماطلوا في تنفيذه، ثم نفذوه وهم لا يريدون تنفيذه (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ). |
وانظروا في الوجه المقابل لما يسأل الإنسان عن الآمر جل جلاله، عندما قال إبراهيم عليه السلام: (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) |
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(سورة الصافات: الآية 102)
الآمر هو الله
|
التكامل بين التعريف بالأمر والآمر
التعريف بالأمر والتعريف بالآمر
|
وهذا ما تبينه السيدة عائشة رضي الله عنها عندما تقول: إن أول ما نزل من القرآن كما في صحيح البخاري: |
{ عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: إنَّما نَزَلَ أوَّلَ ما نَزَلَ منه سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ والنَّارِ، حتَّى إذَا ثَابَ النَّاسُ إلى الإسْلَامِ نَزَلَ الحَلَالُ والحَرَامُ، ولو نَزَلَ أوَّلَ شيءٍ: لا تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقالوا: لا نَدَعُ الخَمْرَ أبَدًا، ولو نَزَلَ: لا تَزْنُوا، لَقالوا: لا نَدَعُ الزِّنَا أبَدًا، لقَدْ نَزَلَ بمَكَّةَ علَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وإنِّي لَجَارِيَةٌ ألْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ والسَّاعَةُ أدْهَى وأَمَرُّ} وما نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ والنِّسَاءِ إلَّا وأَنَا عِنْدَهُ }
(صحيح البخاري)
لا تنظر إلى صغر الذنب
فالذي يخالف أمراً من أوامر الله لا ينبغي أن يقول هو ذنبٌ صغير أو هو من الصغائر بل ينبغي أن يقول لعلي اجترأت على الآمر جلَّ جلاله وخالفت أمره، فيعظم الذنب في عينه مهما صغر، فلما يعظم الذنب في عينه على صغره يصغر عند الله، لكنه عندما يتهاون به ويكون ذنبه كأنه ذبابةٌ طارت على أنفه فقال هكذا، فإنه يكون الذنب عظيمٌ عند الله لأن صاحبه لم يلتفت إلى الآمر جلَّ جلاله. |
أنواع العلم
إذاً أيها الإخوة الكرام: عندما ندعو إلى السؤال عن الله فنحن ندعو إلى أعظم علم وهو العلم بالله، فأنتم كما تعلمون جميعاً أيها الأحباب؛ العلوم ثلاثة، وهذا تصنيف الإمام الغزالي لكن بتصرفٍ يسير، العلوم ثلاثة: علمٌ بالله، وعلمٌ بأمره، وعلمٌ بخلقه. |
العلم بخلق الله
العلم بخلقه فرض كفاية
|
العلم بأمر الله
حكم العلم بأمر الله
|
العلم بالله
لكن ما نتحدث عنه في هذا اللقاء الطيب بوجودكم وبحضوركم المبارك إنما هو العلم بالله، أن يعرف الإنسان ربه، وهذا العلم لا يحتاج إلى مدارسة بقدر ما يحتاج إلى مجاهدة، قال تعالى: |
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا(سورة العنكبوت: الآية 69)
العلم بالله أشرف العلوم
|
العلم هو الخشية
أيها الإخوة الكرام: العلم بالله فيه آيتان في كتاب الله، آيات لكن أختار منها آيتين اثنتين، الآية الأولى هي قوله تعالى: |
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ(سورة فاطر: الآية 28)
وأنتم أهل لغةٍ وفضلٍ، (إِنَّمَا) أداة قصرٍ وحصرٍ، فالمعنى لا يخشى اللهَ إلا عالم، لا يخشى الله إلا عالم، ولو نظرنا اليوم في عالمنا الإسلامي المترامي الأطراف نجد من علماء الشريعة ممن هم أكثر علماً من كثيرٍ من الناس من المسلمين لكنهم باعوا دينهم بعَرَضٍ من الدنيا قليل، وهذا واقعٌ مشاهد نشاهده جميعاً فنجد قاماتٍ علمية كانت ترفع لها القبعات وينحني الإنسان أمامها إجلالاً لكنها وقفت مع الظالم ضد المظلوم وباعت دينها للحاكم، نحن نجد ذلك اليوم ونستغرب كيف يحوي كل هذا العلم وهو الإمام الفلاني ثم نجد منه هذا الموقف الذي يتناقض مع دينه، هذا موقفٌ موجودٌ. |
العلم هو الخشية
|
هذا ابن مسعود يقول في الآية - ليس العلم عن كثرة الحديث ولكن العلم عن كثرة الخشية - وهذا ابن عباسٍ رضي الله عنه يقول - الذين يعلمون أن الله على كل شيءٍ قديرٍ - وهذا سعيد بن الجبير يقول - الخشية هي التي تحول بين العبد ومعصية الله - ليس معرفة الحكم هو ما يحول بين العبد والمعصية، فكم من إنسانٍ يعلم أن الكذب حرامٌ ويكذب، وكم من إنسانٍ يعلم أن السرقة حرامٌ ويسرق، فقال: الخشية هي التي تحول بين العبد ومعصية الله، وهذا الحسن البصري يقول - العالم من خشيَ الرحمن بالغيب-. |
أيها الإخوة الكرام: إذاً (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) العلماء المعنينون في الآية هنا هم علماء بالله أي يعرفون الله، يؤمنون بالله، لا حرج في التسمية، إيمانٌ وثيقٌ بالله، صلةٌ بالله، خشيةٌ من الله، هذه كلها مترادفات. |
أيها الكرام: والآية الثانية هي قوله تعالى: |
أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(سورة الزمر: الآية 9)
إذاً أيها الكرام: هذا الرجل القانت القائم بالليل الذي يرجو رحمة الله ويخشى عذابه، سماه القرآن الكريم بنص الآية وهذه واضحة جداً عالماً فقال: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) فمن يقوم آنَاءَ اللَّيْلِ وأطراف النهار يسجد ويقوم (سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ) هذا عالم لأنه يخشى الله. |
قصص عن خشية الله
صيام الراعي رغم شدة الحرارة
|
فهذا الراعي أيها الكرام على ضعف ثقافته الدينية وهو يرعى غنمه في الجبال ربما يكون علمه بالله أعظم من علم كثيرٍ ممن يعرف كثيراً من أحكام الشريعة لكنه لا يسأل عن الله ولا يقول فأين الله؟ ولا يراقب الله في تصرفاته وأفعاله. |
يوم كنا صغاراً أيها الأحباب كانوا يروون لنا قصة بائعة الحليب في المدارس، هذه القصة تعرفونها جميعاً: |
قالــت بنيّـة قومـي فامـزقِ اللبنـــــا الماء سوف يزيد الوزن والثمنــــا قالت لها البـنت: يا أمّــــــاه معـذرةً لقـد نهى عـُمـر أن نخـلط اللّبــنـــا قـالت لها الأم: أنّــــــى يــرى عــمــر صنيعنا إنّـما الفـاروق ليـس هنـا قــالت لهـا البنت: لا تفعــلي أبــــداً الـلّه يـعــلم مـنّـــا السـرَّ والعـلـنــــــــا إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنا فـإنّ ربّ أبي حفـص هنـا معـــنــا{ بائعة اللبن - جدة عمر بن عبد العزيز }
من يسأل عن الله يربي جيلاً مختلفاً
|
ضرورة التعريف بالعلم بالله
إذاً أيها الإخوة الكرام: عندما نتحدث عن العلم بالله نتحدث عن علمٍ أساسي لكنه مفقودٌ كثيراً في عالمنا الإسلامي للأسف الشديد وأنا أدعوكم من هذا المنبر الكريم الطيب المبارك إلى أن نعود في تربية أولادنا وطلابنا إلى أن نعتني بهذا الجانب وهو السؤال عن الله، وأن نعتني بهذا الجانب وهو العلم بالله، وأن نُفْرِدَ له حصصاً ومحاضرات، أن نعلم الناس عن الله، عن أسمائه الحسنى، عن صفاته الفضلى، عن أهمية التقرب إليه والصلة به والخوف منه والرجاء والخشية، وهذا فيه كتب. |
السؤال عن الله بعد تذوق طعم القرب منه
هذا ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى ألف كتاباً سماه (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) وذكر فيه هذه الأحوال التي ينبغي أن يتعلمها المؤمن وأن تكون شريكاً له في سيره إلى الله. |
تذوق طعم الرق من الله في رمضان
|
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ(سورة البقرة: الآية 189)
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ(سورة البقرة: الآية 222)
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ(سورة البقرة: الآية 217)
لكن في هذه الآية قال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) لم يقل: فقل يا محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما قال: (فَإِنِّي قَرِيبٌ) فما ترك بينك وبينه واسطة، وإنما وجهك فوراً إليه جلَّ جلاله (فَإِنِّي قَرِيبٌ) فهو أقرب إلينا من حبل الوريد (فَإِنِّي قَرِيبٌ). |
إيضاحات حول حديث النزول
أيها الإخوة الكرام أيها الأحباب المتابعون: |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ }
(متفقٌ عليه)
والحديث متفقٌ عليه واللفظ للبخاري فيما قرأنا. |
هذا الحديث أيها الإخوة لمَّا سمعه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أظن والشواهد تؤكد ذلك أنهم بادروا فوراً إلى قيام الليل، بعض المسلمون اليوم، وبعضهم ممن تعلم أحكام الدين، بدلاً من أن ينهض فوراً إذا سمع الحديث إلى أن يسأل عن الله وأن يقف بين يديه في ثلث الليل الآخر وأن يسأله حاجته وأن يستغفره، شغل نفسه بقضيةٍ عقدية، فأصبح الواحد يقول: كيف ينزل إلى السماء الدنيا، وأصبح الثاني يسألنا ويرسل لنا عبر وسائل التواصل: الليل مختلف فقد يكون الصباح في دمشق وليلٌ في كندا فكيف ثلث الليل الآخر؟ وفي كل لحظة هناك ثلث ليل آخِر، وجعل يحاكم القضية إلى عقله ويريد أن، حاشا لله، يريد أن يحاكم الله تعالى إلى خلقٍ من خلق الله وهو الزمان والمكان، فيسأل عن الزمان ويسأل عن المكان، وأنا لا أنكر هنا أن بعض المختصين في العقيدة ينبغي أن يبحثوا في المسألة. |
المبادة إلى تنفيذ الأمر
|
الله واجب الوجود وما سواه ممكن الوجود
قدرة البشر محدودة
|
الآن لو أنه وقف وجاء فرضاً هل يستطيع أن يسمع كل من سيسأله حاجته؟ مستحيل، من يستطيع أن يسمع ملايين البشر في وقتٍ واحد؟ لو افترضنا جدلاً أنه هيأ طريقةً لسماع عدد كبير من البشر هل يستطيع أن يلبِّي كل حاجةٍ تطلب منه؟ هذا مستحيل المستحيلات، لكن الناس توافدوا إلى هذا المكان ليسألوا حاجتهم، الذي يسأل عن الله أيها الإخوة ويعلم أن الله تعالى يريد أن يسمع حاجته يبادر ويسارع ليسأل عن الله، ويبادر ويسارع ليقف بين يدي الله وليسأل الله حاجته. |
كيف نكون أهلاً لإجابة الدعاء؟
|
فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ(سورة البقرة: الآية 152)
إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ(سورة محمد: الآية 7)
(أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) فاستجب لأمره، وطبق أمره، إيماناً به (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي) فإن فعلت ذلك فأنت أهلٌ لإجابة الدعاء. |
الدعاء هو العبادة
أيها الكرام: نحن تعاملنا مع الدعاء أو تعامل كثيرٍ من المسلمين مع الدعاء ليس على الوجه الذي أراده الله تعالى من الدعاء، الله تعالى عندما أمرنا بالدعاء أمرنا به عبادةً له في المقام الأول، قال تعالى: |
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(سورة غافر: الآية 60)
قال عبادتي، ولم يقل عن دعائي. |
{ عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الدُّعاءُ هوَ العبادةُ، ثمَّ قالَ: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) }
(صحيح البخاري)
الدعاء أرقى وجوه العبادة
|
وهذا ما عبر عنه النبي ﷺ في الحديث : |
{ وَعَن عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْها، قَالَتْ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَان يقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تتَفطَرَ قَدمَاهُ، فَقُلْتُ لَهُ، لِمْ تصنعُ هَذَا يَا رسولَ اللَّهِ، وقدْ غفَرَ اللَّه لَكَ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنبِكَ وَمَا تأخَّرَ؟ قَالَ: أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أكُونَ عبْداً شكُوراً؟ }
(متفقٌ عَلَيْهِ)
فإنه صلى الله عليه وسلم يبين لعائشة رضي الله عنها ويبيِّن لنا من بعدها بأن الوقوف بين يدي الله هو في المقام الأول إنما هو عبوديةٌ حقةٌ لله تعالى بغض النظر عن النتائج، وهل أجيبت الدعوة أم لم تجب، والذي يعبد الله بالدعاء لا ينتظر دائماً النتيجة، هو يعزم في المسألة ويتوقع الإجابة ولكن وقوفه بين يدي الله تعالى يعني العبودية فقط، هذه المرتبة الأولى. |
إجابة الله عز وجل للدعاء
الآن الفهم الثاني الذي فيه إشكال عند كثير من المسلمين في موضوع الدعاء هو: هل الإجابة من الله عز وجل تكون بطريقةٍ واحدة؟ نحن نعرف في الدنيا أنني إذا ذهبت إلى إنسان فسألته حاجةً فإما أن يجيبني ويعطيني أو لا يجيبني، لكن الأمر عند الله تعالى ليس كذلك، الأمر عند الله تعالى مختلف والدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: |
{ ما مِن رجلٍ يَدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استُجيبَ لَهُ، فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا، وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا، ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي }
(صحيح الترمذي)
كل دعاءٍ مجاب
|
وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ(سورة الإسراء: الآية 11)
فهو يطلب حاجةً يظنها خيراً، يريد زوجةً، هذه الزوجة تحديداً وهي ليست له |
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(سورة البقرة: الآية 216)
فما الذي يفعله معه الله تعالى الكريم جلَّ جلاله؟ يجيب دعوته لكن يدخر له هذا العطاء إلى الآخرة، (وإمَّا أن يُدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ، وإمَّا أن يُكَفَّرَ عنهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعا) فيكون مقيماً على الذنوب فهل يتوقف عن الدعاء؟ لا، يدعو الله، وفي المقابل تغفر له ذنوبه، فالإجابة محققة لكن طرقها متنوعة، تتمة الحديث قال: (ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قَطيعةِ رحمٍ) لأن الله لا يجيب دعوةً بإثمٍ، ولا دعوةً بقطيعة رحم، (أو يستعجِلْ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ وَكَيفَ يستَعجلُ؟ قالَ: يقولُ: دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي) |
وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا(سورة الإسراء: الآية 11)
فالإجابة تأتي في الوقت الذي يريده الله، وفي اللحظة التي يريدها الله، وللحكمة التي يريدها الله. |
الحكمة من التأخير في استجابة الدعاء
وهنا أنتقل إلى النقطة الثالثة من بعض مشكلاتنا في التعامل مع الدعاء: وهذه النقطة أيها الأحباب أنَّ كثيراً منا ونحن جميعاً دعونا الله عز وجل من أعماقنا بأن يفرج الله عنا وعن بلدنا وعن أمتنا وأن يعلي ديننا وأن وأن إلخ..، وفي ظننا أو في نظرنا القاصر لم نجد إجابةً مباشرةً من الله، وهنا أريد أن أضرب مثالاً وسامحوني، ولله المثل الأعلى. |
الله تعالى يؤخر لكنه يجيب
|
أيها الإخوة الكرام: نعود إلى الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) والرشد هو النضج والفهم فمن يستجيب لله تعالى ويسأل الله ويرجو الله ويدعو الله فقد أصبح راشداً، نحن نقول اليوم: فلان راشد، عاقل، الرشد كل الرشد في طاعة الله، الرشد كل الرشد في السؤال عن الله، في دعاء الله، في الطلب من الله، وقال بعض المفسرين: (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) أي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ إلى أسباب الإجابة، إلى أسباب إجابة الدعاء، وهي الإقلاع عن المعاصي والآثام والتوجه إلى الله بصدق وبعزم وبيقين وبقلبٍ حاضر (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) أي لعلهم يبلغون الرشد في الفهم والنضج ولَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ إلى أسباب إجابة الدعاء. |
سر السعادة في رمضان
أيها الإخوة الكرام: نحن في رمضان، ونحن قد امتلأت قلوبنا سعادةً في رمضان، رغم أن رمضان في هذا العام جاء مختلفاً عن بقية الأعوام في معظم دول العالم بسبب الوباء الأخير، لكن سبحان الله عوضنا الله خيراً من الأنس والقرب في بيوتنا ومع أهلنا ومع أولادنا وهذا من فضل الله علينا. |
سر السعادة في رمضان
|
وسأضرب مثلاً: طالب عنده امتحان مصيري، بكالوريا أو توجيهي، يعني السنة الأخيرة قبل الجامعة، وعنده مادةٌ مهمة هي الرياضيات مثلاً، وقبل هذه المادة بيوم وقد عزم على أن يراجع الكتاب كاملاً وأن يحل المسائل وأن وأن، جاء إليه بعض أصدقائه وأصروا عليه أن يأخذوه معهم في نزهة، هم ليس عندهم امتحان، فذهب معهم إلى هذه النزهة ومتع ناظريه بالمناظر الجميلة، ومتع أذواقه بالطعام الطيب، ثم انقضى يومه ولم يدرس شيئاً، فعاد إلى بيته مساءً وقد ملأت الكآبة صدره، انقباض شديد، لماذا أنت منقبض يا فلان وأنت كنت في أجمل مكان وقد أكلت أطيب الطعام؟ في الحقيقة هو منقبضٌ لأنه شغل وقته في شيءٍ يتناقض مع هدفه، فهدفه النجاح، والنزهة تتناقض مع هدفه، لكن لو أنه جلس في بيته وحيداً في غرفته وربما ليس فيها كل وسائل الراحة، وأمسك الكتاب وقرأه وراجعه وحل مسائله لكان في داخله من السعادة الكثير، لماذا؟ لأنه مشغولٌ بالهدف الذي خلق من أجله. |
الانشغال بالعبادة في رمضان
|
وقد قالوا: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين، وأَسْعَدُ النَّاسِ مَن أَسْعَدَ النَّاسَ، أيضاً في رمضان الصدقة تُسعدنا، والزكاة تُسعدنا، ومعاونة الناس تُسعدنا، إذاً أيها الإخوة الكرام: يجب أن نشغل أوقاتنا فيما خلقنا من أجله، ويجب أن نشغل أوقاتنا في إسعاد الآخرين لنحقق الأنس الذي شعرنا به في رمضان خارج رمضان. |
رمضان فرصة لمتابعة الترقي
غداً أيها الأحباب وأنتم كلكم أهل فضل وأنا والله أخجل من الحديث بينكم بهذه الأمور التي تعرفونها أكثر مني وتتقنونها أكثر مني، لكن أقول: إذا انقضى غداً رمضان، وكبرنا الله تعالى على ما هدانا |
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ(سورة البقرة: الآية 185)
رمضان فرصةٌ لمتابعة الترقي
|
فضل العشر الأخير من رمضان
|