النجاة في زمن الفتن
النجاة في زمن الفتن
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين. |
إخواننا الكرام: أولاً كل عام وأنتم بخير جميعاً، نسأل الله أن يجمعنا دائماً على طاعته وعلى محبته وعلى رضاه وأن تكون هذه الغمة إن شاء الله قد زالت إلى غير رجعة. |
مقدمة : بشارة من النبي الكريم
أيها الأحباب: |
{ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ يُوَطِّنُ الْمَسَاجِدَ فَشَغَلَهُ أَمْرٌ أَوْ عِلَّةٌ، ثُمَّ عَادَ إِلَى مَا كَانَ إِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ إِلَيْهِ كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ بِغَائِبِهِمْ إِذَا قَدِم }
(صحيح ابن خزيمة)
التبشبش يعني الفرح
|
جنة الدنيا هي جنة القرب
|
وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ(سورة محمد: الآية 6)
هناك معنى متبادر إلى الذهن: عرفها من العرف وهو الطِيْب يعني طيَّبها لهم، وقالوا: (عَرَّفَهَا لَهُمْ) يعرفونها، وقالوا: (عَرَّفَهَا لَهُمْ) عرفها لهم في الدنيا عندما ذاقوا الأنس به والقرب منه؛ في رمضان في الحج في العمرة في صلاةٍ في الليل ذقت طعم الجنة ولمّا تدخلها، فلما تأتي يوم القيامة يهديك الله إلى مقعدك من الجنة قد عرفها لك في الدنيا. |
النجاة من الفتن في حديث رسول الله
وأما موضوع اللقاء فهو حديثٌ شريفٌ أيضاً أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ في سننه بسندٍ حسن: |
{ عن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: قُلْتُ: يَارَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ }
(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ)
(مَا النَّجَاةُ؟) يعني ما سبب النجاة؟ كيف أنجو عند الفتن؟ كيف أنجو من المعاصي؟ كيف أنجو من الخطوب؟ كيف أنجو من الأمراض؟ ما النَّجاة عموماً أريد النجاة، (امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) اِمْلِكْ وفي رواية أمْلِكْ، والمعنيان مستويان، إذاً لخَّص النبي صلى الله عليه وسلم النجاة من الفتن، من الخطوب، من المآسي، من المصاعب، من الأمراض، لخصها في ثلاث كلمات بأبي هو وأمي وقد أوتي جوامع الكلم، فقال: (امْلِكْ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ). |
1. امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ
عظمة خلق الله في اللسان
|
لذلك قال صلى الله عليه وسلم : |
{ إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ }
(صحيح البخاري)
بعض آفات اللسان
|
وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ(سورة النساء: الآية 83)
يعني يذيع فوراً ما يأتيه دون أن يتيقن منه فيقع في عِرض أخيه، أو يُوقع بين اثنين، أو يُفسد في المجتمع بكلمةٍ قالها دون أن يشعر أو عن شعور فيقع في شر لسانه وفي شر عمله، فمن عدَّ كلامه من عمله فقد نجا. |
خط الدفاع الأول هو اللسان
{ كنتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في سفَرٍ، فأصبَحتُ يومًا قريبًا منهُ ونحنُ نَسيرُ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ أخبرني بعمَلٍ يُدخِلُني الجنَّةَ ويباعِدُني من النَّارِ، قالَ: لقد سألتَني عَن عظيمٍ، وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسَّرَهُ اللَّهُ علَيهِ، تعبدُ اللَّهَ ولا تشرِكْ بِهِ شيئًا، وتُقيمُ الصَّلاةَ، وتُؤتي الزَّكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُّ البيتَ، ثمَّ قالَ: ألا أدلُّكَ على أبوابِ الخيرِ: الصَّومُ جُنَّةٌ، والصَّدَقةُ تُطفي الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النَّارَ، وصلاةُ الرَّجلِ من جوفِ اللَّيلِ، قالَ: ثمَّ تلا تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ، حتَّى بلغَ يَعْمَلُونَ، ثمَّ قالَ: ألا أخبرُكَ بِرَأسِ الأَمرِ كلِّهِ وعمودِهِ، وذِروةِ سَنامِهِ؟ قلتُ: بلى يا رسولَ اللَّهِ، قالَ: رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ، ثمَّ قالَ: ألا أخبرُكَ بملاكِ ذلِكَ كلِّهِ؟ قُلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ، قال: فأخذَ بلِسانِهِ قالَ: كُفَّ عليكَ هذا، فقُلتُ: يا نبيَّ اللَّهِ، وإنَّا لمؤاخَذونَ بما نتَكَلَّمُ بِهِ؟ فقالَ: ثَكِلَتكَ أمُّكَ يا معاذُ، وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوهِهِم أو على مَناخرِهِم إلَّا حَصائدُ ألسنتِهِم }
(صحيح الترمذي)
شدة الحر في أيام غزوة تبوك
|
2. وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ
إخواننا الكرام: الخطوة الثانية في النَّجَاة قال: (وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ) هنا يوجد معنيين. |
المعنى الأول: تبادر إلى ذهنكم، والثاني أظن أن معظمكم لم يتبادر إلى ذهنه وأنا كنت مثلكم لكن لمَّا درست الحديث وراجعته في الكتب جاء المعنى الثاني. |
في بيت المؤمن إيجابيات كثيرة
|
{ وعن أبي هريرة قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ }
(متفقٌ عَلَيْهِ)
النظر في الدين والنظر في الدنيا
أنت في الدنيا لك نظران نظر لمن هو في الدين ونظر لمن هو في الدنيا، ففي الدين انظر إلى من هو فوقك، فلا تقل أنا أصلِّي وغيري لا يصلِّي، قل أنا أصلي الفرائض ولكن غيري يأتي بالنوافل، فلعلي أسعى لأن آتي بالنوافل مثله، لا تقل: أنا أتصدق بمئة، قل: غيري يتصدق بألف، إن كنت تملك طبعاً فانظر إلى من هو فوقك في قضايا الدين حتى تتنافس معه |
وَفِي ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ(سورة المطففين: الآية 26)
أهمية التحبب إلى الزوجة
|
البيت مأوى الإنسان في زمن الفتن
في البيت عصمةٌ من الفتن
|
فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا(سورة الكهف: الآية 16)
وهذا الكهف قد يكون بيتك في الفتن والمحن نسأل الله السلامة. |
إخواننا الكرام: في موضوع لزوم البيت بهذا المعنى وعدم الخروج إلى مواطن الفتن طبعاً وهذا يؤيده قوله تعالى: |
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى(سورة الأحزاب: الآية 33)
المعنى الدقيق للقرار في البيوت
|
{ عن ابن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: (لا تَمْنَعوا إماءَ اللهِ مساجدَ اللهِ }
(رواه البخاري ومسلم)
فسمح لهن بالخروج إلى بيته، وقد تخرج المرأة للعلاج وقد تخرج لحاجاتها، وقد، وقد إلخ..، لكن أن تتبرج في خروجها فهذا هو المنهي عنه. |
مسؤولية المؤمن عن أهل بيته
في المعنى نفسه أخرج الترمذي بسند حسن: |
{ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ قَوْلُهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ " . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ " لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ " }
(أخرجه الترمذي)
مسؤولية الرجل عن أهل بيته
|
{ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ }
(متفقٌ عليه)
- لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ - يعني إذا فهم الإنسان أنه فليضل من يضل وليهتدي من يهتدي المهم أن أنجو أنا، بهذا المعنى توقفت فريضةٌ ثابتة في القرآن والسنّة والإجماع وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلذلك يسأل أبو أمية أبو ثعلبة الخشني عن هذه الآية، - فيقول له أبو ثعلبة: لقد سألتَ بها خبيراً والله - يعني جئت لعند الخبير، لِمَ؟ قال: - سألت عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عندي خبر من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالآية، - فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ- يعني لا تفهم من الآية أن تكف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، - بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ - يعني الحالة التي في الآية خاصة بحالة سأوضحها لك - حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ، ورأيتَ أمرًا لا يدانِ لكَ بهِ - لا يد لك به لا تستطيع فعل شيء، هم خمسة أمور، سنحلل الخسمة أمور لأنهم مهمين جداً: |
- (شُحّاً مُطَاعاً)
الشح أشد من البخل
|
- (وَهَوىً مُتَّبَعاً)
هذه والعياذ بالله الإباحية التي نراها اليوم، الناس تتبع أهواءها، - هَوىً مُتَّبَعاً - يعني يتبع الإنسان هواه على غير منهجٍ من الله |
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ(سورة القصص: الآية 50)
- (وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً)
الناس تؤثر الدنيا على الآخرة. |
- (وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ)
وهنا الرأي مذموم لأنه غير مبنيٍّ على كتاب الله تعالى أو على سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، كل واحد يقول لك: الحق معنا نحن، نحن الصح والباقي كله غلط، - وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ - فهذا مهما نصحت له لا يستجيب، معجب برأيه وبنفسه. |
الرواية الثانية كما قلنا فيها إضافة وهي: |
- (ورأيتَ أمرًا لا يدانِ لكَ بهِ)
يعني أنت لا تستطيع أن تفعل شيئاً، هناك أماكن تدخل تقول: والله أنا لا أستطيع أن أفعل شيئاً نهائياً، الموضوع هذا فوق طاقتي، - أمرًا لا يدانِ لكَ بهِ -. |
خاصة النفس : الأهل والأولاد والعمل
عملك من نفسك
|
المشقة في الإسلام ليست مطلوبةً لذاتها
الجزاء على قدر المشقة
|
أيضاً في الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ) إتماماً للفائدة: |
{ قال أبو بكرٍ بعد أن حمِد اللهَ وأثنَى عليه: يا أيُّها النَّاسُ، إنَّكم تقرءون هذه الآيةَ، وتضعونها على غيرِ موضعِها عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ وإنَّا سمِعنا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ : إنَّ النَّاسَ إذا رأَوُا الظَّالمَ فلم يأخُذوا على يدَيْه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقابٍ، وإنِّي سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ما من قومٍ يُعمَلُ فيهم بالمعاصي، ثمَّ يقدِرون على أن يُغيِّروا، ثمَّ لا يُغيِّروا إلَّا يوشِكُ أن يعُمَّهم اللهُ منه بعقابٍ }
(صحيح أبي داود)
فالآية لا تعني ترك إيقاف الظالم عند حده ولا تعني منع الظالم عن ظلمه، ولا تعني ترك إنكار المنكر والأمر بالمعروف ولكنها تعني أن الإنسان قد يوجد في ظرفٍ يجد أنه لا يدَ له في الأمر فيعكف على خاصة نفسه ويقبض على دينه حتى يلقى ربه وهو عنه راضٍ، هذا معنى الآية. |
3. وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ
الثالث من أركان النجاة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث قال: (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) الركن الأول: (امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ) (كف عليك هذا) (أمسك لسانك)، (كان سيدنا أبو بكر الصديق يمسك لسانه ويقول: هذا الذي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ)، هذا أبو بكر الصديق (هذا الذي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ) ومن هو أبو بكر؟ المبشر بالجنة، فالإنسان يعني لا يورد لسانه في موارد التهلكة، ليحافظ على لسانه، والثانية: (وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ) والمعنيين اللذين ذكرناهما، والثالثة: (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) البكاء على الخطيئة ندم، والنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: |
{ النَّدَمُ تَوْبَةٌ }
(أخرجه الطبراني)
التوبة ليست ندماً فقط
|
{ الحجُّ عرفةُ }
(أخرجه الترمذي)
طيب والسعي بين الصفا والمروة والطواف حول الكعبة؟ لا (الحجُّ عرفةُ) أهم أركان الحج عرفة، فإن فاتتك عرفة فلا حج لك، أما إذا فاتتك أمور أخرى في يومٍ آخر تفعلها، أما موعد عرفة لا يوجد مجال، أما الأمور الأخرى لها حلول، فالحج عرفة يعني ركنه الأساسي هو عرفة، فلما قال: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) أي أن أهم ما في التوبة الندم، فإذا تحقق الندم (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) تحققت التوبة، الباقي تحصيل حاصل سيحصل حتماً. |
التوبة وسلوك الإنسان
ديكارت يقول: إن الإنسان بعلاقته بالعالم الخارجي يحكمه قانون من ثلاث كلمات: (إدراك، انفعال، سلوك) بكل علاقتنا بالعالم الخارجي، يعني سواءً خوف أو فرح، مثال: إذا رأيت بالأرض شيء يلمع أمعنت النظر أدركت بأنها ألماس انفعلت فرحاً سلكت واتجهت فأخذتها ووضعتها في جيبتك، بالشق الثاني: رأيت ثعباناً مخيفاً أدركت أنه ثعبان انفعلت خوفاً اتجهت هرباً أو قتلاً له، وغالباً هرباً. |
التوبة إدراكٌ وندمٌ وإصلاح
|
البكاء على الخطيئة هو إعلان للتوبة
(ابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) هذا لبيان أهمية التوبة، النجاة في أن يبكي الإنسان على خطيئته، أما إذا مذنب مقيم على ذنوبه ولا كأنه يفعل شيء فهذا مصيبته كبيرة. |
(من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظةً فمصيبته في نفسه أكبر) |
يعني إذا إنسان جاءت المصيبة ولم يتأثر أبداً فهذا يعني أنه هو المصيبة، هو مصاب بنفسه لأنه لم يتأثر، فالبكاء على الخطيئة هو إعلان للتوبة. |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ }
(صحيح مسلم)
|
قصة الصحابي كعب بن مالك
آخر شيء إخواننا الكرام: توضيح ل (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) تعلمون هذا الصحابي كعب بن مالك، كعب بن مالك مع العامري والواقفي، هؤلاء الثلاثة الذين خُلفوا، فلما تاب الله عليهم في القرآن قال: |
لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(سورة التوبة: الآية 117-118)
(خُلِّفُوا) هنا ليس معناها تخلَّفوا عن رسول الله، وإنما أُرجئ أمرهم (خُلِّفُوا) أي أُرجئ أمرهم إلى الله لخمسين ليلة، فهؤلاء الثلاثة الذين خُلِّفوا ومنهم كعب بن مالك. |
شدة الحر في أيام غزوة تبوك
|
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ(سورة التوبة: الآية 81)
موقف القرآن الكريم من الْمُخَلَّفُين
|
اترك الأمور لله
|
حب النبي الكريم لأصحابه
|
فالإنسان أيها الأحباب؛ عندما تسوؤه معصيته وخطيئته؛ تصغر عند الله، وعندما يستصغرها؛ تعظم عند الله. |
(فإنّ الذنب كلما استعظمه العبد من نفسه؛ صغر عند الله، وكلما استصغره؛ كبر عند الله) |
{ المنافق ذنبه كأنه ذبابٌ طار على أنفه فقال هكذا، والمؤمن ذنبه كالجبل جاثمٌ على صدره }
(ورد في الأثر)
{ مَا النَّجَاةُ يَارَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ }
(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ)
والحمد لله رب العالمين |