اللقاء التاريخي بين موسى عليه السلام مع ربه
اللقاء التاريخي بين موسى عليه السلام مع ربه
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارضَ عنا وعنهم يارب العالمين. |
أيها الإخوة الأحباب: أحياناً يجري لقاءٌ بين حاكمين أو زعيمين أو شخصيتين قياديتين، فيوصف اللقاء في نشرة الأخبار بأنه كان لقاءً تاريخياً، لا يعنون بذلك أن هذا اللقاء له تاريخ! فكل اللقاءات لها تاريخ، ولكن يعنون بأن هذا اللقاء كان مهماً جداً، اليوم أريد أن أحدثكم عن لقاءٍ تاريخيٍّ، وهذا اللقاء التاريخي جرى بين ربِّ العزة جلَّ جلاله ونبيِّه الكليم موسى عليه السلام، إنَّه لقاء عظيم جداً. |
الأمور بيد الله تعالى
موسى عليه السلام أراد أن يستدفئ في برد الصحراء، قال: |
لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى(سورة طه: الآية 10)
إما أن يستضيء بالقبس ليعرف طريقه وقد تاه في هذه الصحراء الشاسعة، أو على الأقل يستدفئ مع أهله بجَذْوَةٍ من نار، فكان ذاهباً من أجل ذلك، لكن الذي حصل أنه وجد الهدى إلى يوم القيامة ووجد الطريق الذي يوصله إلى رحمة الله تعالى، ووجد ربه بانتظاره، لذلك ينسب إلى سيدنا علي رضي الله عنه أنه يقول: |
كُنْ لِمَا لَا تَرْجُو أَرْجَى مِنْكَ لِمَا تَرْجُو{ علي بن أبي طالب }
قد يأتي الفرج من طريق غير متوقع
|
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ(سورة طه: الآية 13)
هنا ضعوا نقطتين (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ): فإذا أردت أن تحدث ابنك بشيءٍ مهمٍّ جداً، ولله المثل الأعلى، تقول له قبل أن تبدأ: استمع لما سأحدثك، فهذا للتنبيه بأن ما سيأتي أمرٌ مهمٌّ جداً ينبغي أن تُصيخ السمع له وأن تنتبه له تماماً. |
اختيار الله عز وجل لسيدنا موسى
قال: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) تخيل معي أن هذا العبد موسى عليه السلام في تلك الصحراء الباردة في هذا المشهد المهيب وحده: |
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ(سورة طه: الآية 11)
(نُودِيَ) بالبناء للمجهول (نُودِيَ يَا مُوسَىٰ) هو لا يعرف مصدر النداء |
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى* وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ(سورة طه:الآية 12-13)
الله تعالى يقول له: (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ). |
اختيار الله عز وجل
|
لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا(سورة المائدة: الآية 48)
إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ(سورة آل عمران: الآية 19)
فالدين واحد لكن الشرائع قد تختلف. |
وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ(سورة طه: الآية 13)
للشريعة ثلاثة أصول
الآن ما الذي (يُوحَىٰ)؟ هي أمورٌ ثلاثة هي أصول كلِّ شريعة |
إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ* فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ(سورة طه:الآية 14-15-16)
هذه الأصول الثلاثة في كل الشرائع: - الأصل الأول: التوحيد - الأصل الثاني: العبادة - الأصل الثالث: الإيمان بالآخرة، بالبعث، بالوقوف بين يدي الله تعالى. لماذا هذه الثلاثة تحديداً التي نودي بها موسى عليه السلام في هذا اللقاء العظيم؟ |
الأصل الأول : التوحيد
التوحيد هو التعريف بالآمر
هل تصدقون أن مشكلة العالم الإسلامي اليوم، ولا أبالغ، هي نقصٌ في معرفة الآمر وليست نقصاً في معرفة الأمر، الدليل: سل أي مسلم من مليار ونصف المليار مسلم اليوم في الأرض، يشكلون ربع سكان الأرض تقريباً، قل له: الكذب حرام أم حلال؟ ماذا يجيب؟ حرام، هل هناك مسلم يقول: الكذب حلال؟ مستحيل، لماذا كثيرٌ من المسلمين يكذبون؟ ما دام يعرف الأمر فلماذا لا ينفذه؟ يقول لك: لا يوجد عندي إرادة، لا أستطيع، ليس لي قوة، عندي ضعف بالإيمان، ما هو ضعف الإيمان؟ هو ضعف في معرفة الله، لو كان يعرف الله تعالى الذي أمره حقَّ المعرفة لبادر إلى التطبيق، لو أنه يعرف الآمر تماماً لما ترك أمره، كأن يقول لك أحدهم: اذهب إلى فلان، قد تذهب وقد لا تذهب، وقد يأمرك شخصٌ مهمٌّ في البلد بأن تأتي إليه الساعة الثامنة يوم الثلاثاء، فتصل إلى مكان الموعد الساعة السابعة والنصف وتنتظر بكل احترام وتقدير حتى تدخل إليه، ما الفرق بين الأمرين؟ كلا الأمرين الثلاثاء الساعة الثامنة، الفرق بينهما هو الآمر، فلما كان الآمر عظيماً في عينيك بادرت إلى تنفيذ أمره، فمشكلة المسلمين اليوم أن أمر الله هان عليهم فهانوا على الله، نظروا إلى صغر الذنب، ولم ينظروا على من اجترؤوا. |
لذلك: |
لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت{ بلال بن رباح }
أنت خالفت تعليمات من؟ تعليمات الله عزَّ وجلَّ، قد تقول: الذنب صغير، ما الذي فعلناه! نظرة، كلمة. |
{ إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن رِضْوانِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بها دَرَجاتٍ، وإنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مِن سَخَطِ اللَّهِ، لا يُلْقِي لها بالًا، يَهْوِي بها في جَهَنَّمَ }
(صحيح البخاري)
كلمة، نظرة، غش بشيء بسيط، ما الذي فعلته؟! الذي فعلته أنك عصيت الآمر جلَّ جلاله. |
نموذجان للاستجابة لأمر الله تعالى
سأعطيكم أمرين وسأعطيكم استجابتين حتى نفهم الموضوع : الأمر الأول: موسى عليه السلام، والحديث عن موسى، لما أمره الله أن يأمر قومه أن يذبحوا بقرة |
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً(سورة البقرة: الآية 67)
ذبح بقرة، أي بقرة تجزئهم، البقر كثير، هو امتحان من الله |
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا(سورة البقرة: الآية 69)
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِن شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ(سورة البقرة: الآية 70)
قالوا: (مَا لَوْنُهَا) (مَا هِيَ) حتى ما بقيت إلا بقرة واحدة تنطبق عليها المواصفات، ثم قال تعالى: |
فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ(سورة البقرة: الآية 71)
ذبحوها وكأنهم لا يريدون، لكن لما حوصروا فعلوا، هذا أمر وانظروا إلى التنفيذ كيف كان، بالمقابل سيدنا إبراهيم عليه السلام قال لابنه إسماعيل: |
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(سورة الصافات: الآية 102)
(يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) أُمر بذبح ابنه وليس بقرة، وليس ابناً عادياً، بل هو نبيٌّ من الأنبياء. |
قال:(إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) وهو يوحي له إيحاء بالأمر، لم يقل: إن الله يأمرني، (إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ) فهم الرسالة لأن رؤيا الأنبياء حقٌّ، (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) |
فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(سورة الصافات: الآية 103)
الذبح تم، كل شيء معدٌّ |
وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(سورة الصافات: الآية 107)
تعظيم الآمر يقتضي تنفيذ الأمر
|
فمشكلة المسلمين اليوم أنهم يناقشون أوامر الدين أحياناً، لا مانع من البحث عن الحكم، بل هذا أسلوب دعوي جميل جداً، لكن بعض المسلمين يعلّقون تنفيذ الأمر على معرفة الحكمة منه والفائدة، ما فائدته لي؟ إذاً أنت لا تعبد الله، أنت تعبد ذاتك، إذا كنت في كل أمر من أوامر الله تريد أن تعرف تحديداً ما الذي يفيدك فأنت لا تعبد الله، أنت تعبد ذاتك، تريد الأشياء التي تنفعك، أنا لا أمنع ولا أخفف من أمر الحكمة، لكن علة أي أمرٍ أنه أمر، مادام الله هو الآمر استجبنا، ثم بعد ذلك بدت الحكمة أم لم تبدُ لنا هذا أمر آخر، إن بدت فهذا شيء جيد، وإن لم تبدُ فالله يمتحن عبوديتنا له. |
تعظيم الآمر قبل الأمر
فهنا الأصل الأول من الأصول التي جاء بها هذا اللقاء بين موسى عليه السلام ورب العزة جل جلاله قال: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) قبل أن يقول له: (فَاعْبُدْنِي)، لذلك تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: |
{ أوتينا الإيمان قبل القرآن }
(صحيح البخاري)
عظُمَ الله عندنا قبل أن تبدأ الأوامر |
{ فعن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قالت: إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ، نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ }
(رواه البخاري)
في الاتحاد السوفيتي في أواخر أيامه منعوا الخمر، ليس منعاً كاملاً، وإنما منع جزئي لأنه أصبح يضر الاقتصاد بشكل كبير، فمنعوا الخمور وضبطوا البحرية، قرأت مقالاً طويلاً؛ وضبطوا الحدود البرية وسجلت ملايين المخالفات وسجن مئات البشر بل آلاف البشر، وقطعت مئات الإمدادات لمدة ثلاث سنوات ثم بعد ذلك أباحوا الخمر، بعد إباحة الخمر في السنة التي بعدها زاد استهلاك الناس للخمر أربعين بالمئة عما كان عليه قبل تحريم الخمر بالقانون الأرضي، أما بالقانون الإلهي لما علموا أن الله عز وجل لا يأمر إلا بما يصلحهم جاء الأمر: |
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوه(سورة المائدة: الآية 90)
فسالت الأودية بالخمر في المدينة فألقوا ما في آنيتهم فوراً، لأن الإسلام يعتمد على الوازع ولا يعتمد على الرادع، الرادع خارجي، قانون يحكمك والفكرة غير موجودة، العقيدة غير موجودة، فيُؤمر فيأتمر لأن الكاميرا تراقبه، فمتى أطفئت الكاميرا ترتكب آلاف السرقات، وهذا حصل في البلاد الغربية كثيراً لما تطفأ الكهرباء تحصل السرقات، إذاً الناس لم يتربوا على ترك السرقة خوفاً من الله وإنما خوفاً من القانون، أما المسلمون بفعل (فَاجْتَنِبُوهُ) لحد الآن مجتمعاتنا على ما فيها من سوء لكنها أقل المجتمعات شرباً للخمور، بما نعيشه من بركة ألف وأربعمئة سنة مع تراجعنا الشديد، لا أدعي أننا اليوم في أحسن أحوالنا بل في أسوئها لكن مع أننا في أسوأ أحوالنا لكن عندنا وازع داخلي أكثر بكثير من الناس الذين يعتمدون على الرادع الخارجي، على المراقبة الخارجية، نراقب الله من داخلنا. |
التوحيد أساس العلم
فلذلك لما بدأ معه بالرسالة قال: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) وكأنه تعريفٌ بالآمر قبل الأمر (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) وهذا هو التوحيد. |
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد{ قول مأثور }
التوحيد أساس العلم
|
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ(سورة محمد: الآية 19)
التوحيد علم، أن يصل الإنسان أن يكون موحداً، أن يعلم أن الأمور كلَّها بيد الله، أنه لا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا يعزك إلا الله، ولا يُذلُّ إنساناً إلا الله جل جلاله، ولا يرفع إلا الله، ولا يخفض إلا الله، ولا يمنع إلا الله، ولا يعطي إلا الله، أن تعلم أن الأمر بيده وحده، (لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) الأمور بيده، على شبكية العين قد تتوهم أن الأمور اليوم بيد جهة من الجهات القوية في الأرض، أما لو رجعت أربعة سنتيمترات إلى الوراء، إلى العقل، لوجدت أن الأمور كلها تجري بإرادته جل جلاله وبحكمته وبتصريفه، وهؤلاء مثل الدمى المتحركة. |
الأمور كلها بيد الله
|
فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(سورة هود: الآية 55-56)
وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(سورة الأعراف: الآية 183)
ما المتانة؟ إنها مقاومة قوى الشّدّ، الخيط المتين لو قمت بشده لا ينقطع، أما القساوة فهي مقاومة قوى الضغط، الألماس قاسٍ، التلفريك يعتمد على الفولاذ المضفور، لأن الفولاذ المضفور متين لا يقطع، وكذلك المصاعد. |
وَأُمْلِي لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ(سورة الأعراف: الآية 183)
فهؤلاء الذين تظنهم أنهم يتحركون في الأرض؛ كأنهم مربوطون بحبل متين بيد الله عز وجل ولله المثل الأعلى لكن للتشبيه، فمهما بدا لك أنهم يتحركون فلأن الله أرخى لهم الحبل، لكن في اللحظة التي يريد جل جلاله يمسك الحبل فيمنعهم، فهم يتحركون بإرادته، لكن ضعيف النظر يظن أنهم يتحركون وحدهم، لكن هم مربوطون بأزمَّةٍ محكمةٍ بيدٍ خبيرة عند المولى جل جلاله، هذا هو التوحيد. |
الشرك الأصغر
والله أيها الكرام؛ مع التوحيد ينفع قليل العمل وكثيره، ومن غير توحيد لا ينفع قليل العمل ولا كثيره، العبادة كلها ليس لها معنى بلا توحيد، فاليوم الكثير من المسلمين من غير أن ينتبهوا عندهم ما يسمى بالشرك الأصغر، وهذا الشرك الأصغر غير مخرج من الملة، لا هذا ليس شركاً بالمعنى المخرج من الملة، لا أبداً |
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ(سورة النساء: الآية 48)
تعريف الشرك الأصغر
|
فلذلك قال: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) أول أمر، أول الأمر التوحيد: |
وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد{ قول مأثور }
أن يعلم الإنسان أن الأمر كله بيد الله وأنه لا يعطيه ولا يمنعه ولا يخفضه ولا يرفعه ولا يذله ولا يعزه إلا مولاه جل جلاله، (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) يعني لا معبود بحق إلا الله، لا تتوجه إلا إلى الله، لا تعقد الأمل إلا على الله. |
الربوبية والألوهية
فهم الجميع لمفهوم الربوبية
|
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۚ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ ۚ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ ۖ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ(سورة الزمر: الآية 38)
مادام هو الخالق فالتوجه إليه وحده. |
(إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) هذا القسم العقيدي النظري الذي ينبغي أن تعتقده، الذي ينبغي أن ينعكس بعد ذلك على سلوكك، هذا عقيدة، أو منطلقات نظرية، منطلقات فكرية، كما يقال، أو هو الإيمان بالمصطلح الديني القرآني؛ أن تعتقد هنا في العقل، لكن ما فحوى دعوة الأنبياء جميعاً كلهم دون استثناء؟ قال تعالى: |
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(سورة الأنبياء: الآية 25)
الأصل الثاني : العبادة
باللغة العربية (مِن رَّسُولٍ) هذه (مِن) وبعدها نكرة لاستغراق أفراد النوع، يعني كل رسول، أي رسول جاء قومه (إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ) (لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) (فَاعْبُدُونِ)، (لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا) نهاية العلم، (فَاعْبُدُونِ) نهاية العمل، فالآن دخل بالمنطلق الثاني (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) ما دمت عرفت أنه لا معبود بحقٍّ إلا الله، ولا معطي إلا الله، ولا مانع إلا الله، ولا رازق إلا الله فتوجه إليه بالعبادة وحده، فجاء الأصل الثاني من الأصول التي خاطب الله بها نبيه موسى عليه السلام في هذه الليلة الشاتية الباردة في تلك الصحراء الموحشة قال: (فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) هذا الأصل الثاني. |
العبادة مفهوم جامع لكل خير ولكل بر
|
{ إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إزارِهِ، فإنَّه لا يَدْرِي ما خَلَفَهُ عليه، ثُمَّ يقولُ: باسْمِكَ رَبِّ وضَعْتُ جَنْبِي وبِكَ أرْفَعُهُ، إنْ أمْسَكْتَ نَفْسِي فارْحَمْها، وإنْ أرْسَلْتَها فاحْفَظْها بما تَحْفَظُ به عِبادَكَ الصَّالِحِينَ }
(صحيح البخاري)
وينام على نية الاستيقاظ على صلاة الفجر، فيصبح نومه أيضاً عبادة، فلم يبق شيء بحياة المؤمن ليس عبادةً، لمَّا فهمت أنه لا إله إلا الله الآن كل حركتك بالحياة توجهت إلى الله هذه هي العبادة، كل الحركة وليس الصلاة والصيام والزكاة والحج فقط. |
أهمية إقامة الصلاة
الصلاة هي هدف العبادات
|
أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ(سورة الإسراء: الآية 78)
كان العرب يقولون: أقام القوم سوقهم، أي لم يعطلوها من البيع والشراء، أما إذا أقمنا السوق دون بيع وشراء فهل يقال: أُقيمت السوق؟ لا يقال أُقيمت السوق، لأن النتيجة لم تحقق، فالصلاة عندما تقام تحقق المقصد الشرعي منها |
إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ(سورة العنكبوت: الآية 45)
(الْفَحْشَاءِ) في القول (وَالْمُنكَرِ) في الفعل، فيصبح الإنسان أقواله صحيحة وأفعاله صحيحة فيكون قد أقام الصلاة، لذلك قال: |
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ(سورة مريم: الآية 59)
قال العلماء: إضاعة الصلاة لا يعني تركها، ربما يصلون لكنهم أضاعوها بمعنى أنهم لم يحققوا مقصد الشرع منها، فتراه يصلي ثم يخرج من المسجد فيغش المسلمين، فأين صلاتك؟! مثل هذا صلى وأضاع الصلاة، فإضاعة الصلاة ليست تركها فحسب وإنما إضاعة الصلاة تعني تفريغها من مضمونها بحيث تصبح حركات وسكنات تؤدى مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم لإسقاط الواجب فقط. |
ذكر الله أهم ما في الصلاة
|
الأصل الثالث : الإيمان باليوم الآخر
الأصل الثالث من الأصول التي كانت في هذا اللقاء التاريخي العظيم بين رب العزة جل جلاله وموسى عليه السلام: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ) الإيمان بالله يدفعك إلى طاعته، والإيمان بأن هناك يوماً آخراً ستسوى فيه الحسابات يدفعك إلى أن تعد للمليون قبل أن تقدم على عملٍ تظلم به إنساناً لأن هناك موقفاً بين يدي الله |
وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ(سورة الصافات: الآية 24)
فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ(سورة الحجر: الآية 92-93)
فقال: (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) ما معنى (أَكَادُ أُخْفِيهَا)؟ (أَكَادُ) يعني ما أخفاها مئةً بالمئة (أَكَادُ أُخْفِيهَا) هناك علامات، هناك أمارات للساعة، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، منها علامات صغرى ومنها علامات كبرى، الصغرى تحقق أكثرها وحتى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة. |
{ عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “بِإِصْبَعَيْهِ هَكَذَا، بِالوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ “بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ“ }
(صحيح البخاري)
إخفاء بعض علامات الساعة
لا معنى للامتحان باستمرار الرقابة
|
(أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ) حتى يأخذ الإنسان جزاءه، لو أن الله تعالى أعلمك بموعد الامتحان تماماً؛ كل الناس تتوب قبل النهاية، حتى بساعة الإنسان الصغرى لو يعلم الإنسان أن الموت بتاريخ كذا فإنه يتوب قبل الموعد، تقى وصلاة وعبادة وتوبة وذكر وأذكار، لكن أخفى الله ساعة الإنسان الصغرى وساعة القيامة الكبرى من أجل أن يتحقق الامتحان، فلما قال تعالى: |
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ(سورة آل عمران: الآية 102)
كن مسلماً في كل لحظة
|
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ(سورة الروم: الآية 60)
الطبع والفطرة والتكليف
الذي لا يوقن، ليس عنده يقين بيوم القيامة، يستخفك، يجعلك خفيفاً، (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ* فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ)، (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) اتباع الهوى هو الذي يصدك عن الصراط المستقيم |
وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ(سورة النازعات: الآية 40-41)
حقيقة التكليف
إخواننا الكرام: نحن عندنا طبع، وعندنا فطرة، وعندنا تكليف، طبع الإنسان يميل دائماً للمعصية، الطبع وليس الفطرة، يميل إلى ما يريح جسمه. |
التكليف يتوافق مع الفطرة
|
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا(سورة الروم: الآية 40)
توافق الفطرة مع التكليف
أمرك بالصدق، والفطرة تحب الصدق، أمرك بالعدل، والفطرة تحب العدل، فأنت توافق فطرتك عندما تطيع ربك، فهنا قال: (فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) فاتباع الهوى هو موافقة للطبع، هوى النفس: |
إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد لقيت هوانا{ ابن المقفع }
الهوى هوان، إنسان يمشي وراء هواه يهوي والعياذ بالله. |
النجاة في طاعة الله
- إثبات الوحدانية لله تعالى، فهو موجودٌ واحد جلَّ جلاله. - ثم التوجه إليه بالعبادة. - ثم الإيمان بالبعث يوم القيامة، حيث الوقوف بين يدي الله تعالى ليحاسب كل إنسانٍ على أعماله، فيجزيه بها إن خيراً فخير، وإن شراً فشرٌّ. |