في معيَّة الله
في معيَّة الله
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وعلى آله وأصحابه أجمعين. |
من منا لا يحب أن يكون مع الله
|
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(سورة البقرة: الآية 153)
أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(سورة البقرة: الآية 194)
وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(سورة الأنفال: الآية 19)
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(سورة العنكبوت: الآية 69)
فالله عز وجل يرسم لنا الطريق لنكون في معيته. |
معية الله العامة
بادئ ذي بدء؛ معية الله نوعان: هناك معية عامة، وهناك معية خاصة. |
المعية العامة: لجميع البشر بل لجميع المخلوقات، قال تعالى: |
وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ(سورة الحديد: الآية 4)
هذه المعية العامة للمؤمن ولغير المؤمن، للإنسان ولغير الإنسان، فهو مع مخلوقاته جميعاً بالعلم |
وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا(سورة الأنعام: الآية 59)
كل شيءٍ يجري بقدر الله
|
معية الله الخاصة
لكن حديثنا عن المعية الخاصة: متى يكون الله مع الإنسان معيَّةً خاصةً؟ ما معنى معية خاصة؟ هي معية تأييد، حفظ، نصر، توفيق، تأييد، هذه معيةٌ خاصةٌ، هذه لها قوانين ليست لكل البشر فالله تعالى مع الكل بعلمه لكنه مع فئةٍ من خلقه بتأييده ونصره وتثبيته وتمكينه وتوفيقه وتحبيب الخلق به، فإذا كان الله معك فمن عليك! وإذا كان عليك فمن معك! ويا رب ماذا فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ وَماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ. |
مَـن فاتهُ مِنـك وَصلٌ حظـهُ النّـــــــدم ومَـن تـَكـُن هَـمّـه تـسمـو بـه الهِـِـمَـــمُ وناظـرٍ في ســـوى مَعـناك حُـقّ لـــــه يُــقـتـصّ مِـن جَــفنه بالدمـع وهـو دمُ في كـُـل جارحة عـيـنٌ أراك بـهـــــــــــــا مِـنـّى وفـى كـُـل عـضـو للثـنـاء فـَـــــــمُ فـإن تكلـمـت لـم أنـطِـق بغيركــــــــــــــــم وإن ســـكتُّ فـشغـلـي عنـكـمُ بكــــــــــــــمُ أخذتـُـم الروح مـني في مُـلاطــفــــــــــة فـَـلستُ أعـرف غـَــيراً مُـذ عَـرفتكـــــــــمُ تركـتُ كـل طريـقٍ في محبتـكــــــــــــــــــم إلا طـريـقـــاً تــُودي بي لِـرَبــعِـكـُـــــــــــــمُ{ علي بن وفا }
هذه المعية الخاصة، معية التأييد والحفظ والنصر، هذه لها قوانين في كتاب الله: |
1. الله مع الصابرين
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(سورة البقرة: الآية 153)
الصبر علامة معرفة الله
|
{ عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ، وليس ذلك لغير المؤمن }
(أخرجه مسلم)
المؤمن فقط في حال السَرَّاء يصل إلى الله وفي حال الضَرَّاء يصل إلى الله، في الحالتين يحقق مبتغاه، إذاً أول معية لله عزَّ وجلَّ هي معية الصابرين، فالله مع الصابرين، قال تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(سورة البقرة: الآية 153)
الصبر والصلاة
الصبر جزء من الصلاة
|
{ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ وَهُوَ وَجِعٌ بِهِ الْحُمَّى .... فقال: لَا تَلْعَنِيهَا فَإِنَّهَا تَغْسِلُ - أَوْ تُذْهِبُ - ذُنُوبَ بَنِي آدَمَ كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ }
(أخرجه الحاكم في المستدرك)
الصابر يعرف ربه
|
أنواع الصبر
والصبر إخواننا الكرام؛ كما تعلمون جميعاً ثلاثة أنواع: |
صبرٌ على الطاعة:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا(سورة طه: الآية 132)
المؤمن يصبر على طاعة الله
|
صبرٌ عن معصية الله
الصبر عن المعصية
|
صبرٌ على قضاء الله وقدره
مهما يكن القضاء، ما دام قضاءً من الله عزَّ وجلَّ فيتلقاه بالصبر، قال تعالى يصف أيوب في آية تثلج الصدر؛ يقول تعالى عنه: |
إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا(سورة ص: الآية 44)
ألا تحب أن يجدك الله صابراً؟ يجدك صابراً يعني يعلم منك هذا الصبر على قضائه وقدره؛ يارب ما دام هذا قرارك وما دام هذا قضاؤك وقدرك فأنا أتلقاه بالقبول، سواءً أسعدني أو أحزنني، انتبه، عندما كان الإمام الشافعي يطوف بالبيت فسمع رجلاً يقول: يارب ارضَ عني، قال له: "وهل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا هذا يرحمك الله ومن أنت؟ قال: أنا محمد بن إدريس الشافعي، قال: وكيف أرضى عنه وأنا أطلب رضاه؟ قال: يا هذا إذا كان رضاك بالنقمة كرضاك بالنعمة فقد رضيت عن الله". |
طبعاً الإنسان يحزن للنقمة، يعني إذا جاءه المرض، وهو لا يطلب المرض أصلاً ولا يحبه لكنه يصبر عليه، يرضى به، يارب أنا راضٍ بقضائك وقدرك، يحمد الله على ما جاءه من الله، سواءً هذا أدخل السرور إلى قلبه أو أدخل الحزن إلى قلبه لكنه يرضى به، هذا هو مقام الرضا، فالصبر يكون على الطاعة وعن المعصية وعلى قضاء الله تعالى وقدره. |
2. الله مع المتقين
قال تعالى: |
وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(سورة البقرة: الآية 194)
الرضا بقضاء الله وقدره
|
التقوى اختيار ما يرضي الله
|
قال تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ(سورة آل عمران: الآية 102)
سئل ابن مسعود رضي الله عنه: ما (حَقَّ تُقَاتِهِ)؟ قال: أَنْ يُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَأَنْ يُشْكُرَ فَلَا يُكْفَرَ) أن تطيعه فلا تعصيه، ولكنه تعالى يقول: |
إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ(سورة الأعراف: الآية 201)
المتقي يمسه طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَان لكنه يتذكر فوراً، لا يستمر في المعصية، لا يستمرئها، لا يداوم عليها، يمسه طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَان، لن ينقضي العمر ويذهب الشيطان، أبداً. |
القصة تروى عن الإمام أحمد ولها رمزية: أنه لما كان على فراش الموت كان يقول: لمَّا، لمَّا فلما صحا قليلاً وهو في النزع قالوا له: لماذا تقول: لمَّا؟ قال: جاءني الشيطان فكان يقول لي: نجوت يا أحمد، نجوت مني، فكنت أقول: لمَّا. مادام هناك نفس يخرج ويدخل فما زال هناك طريق للشيطان إلي. (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) تذكروا بمعرفتهم بالله، تذكروا بإيمانهم بالله، تذكروا بأيامهم مع الله، (فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) لا يعني مبصرون أنهم ذو بصر، لكن يعني أنهم ذو بصيرة، البصيرة في القلب (فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) رأوا الحقائق، رأوا أن هذا الطريق إذا استمرينا به نتيجته الهلاك (فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) |
وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ(سورة الأعراف: الآية 198)
المؤمن يبصر نهاية الطريق
|
لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ(سورة إبراهيم: الآية 7)
إذاً مضاد الشكر هو الكفر، والعياذ بالله، كفر النعمة. |
3. الله مع المحسنين
إخواننا الكرام: (اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) ثم (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) قال تعالى: |
إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ(سورة النحل: الآية 128)
فالله تعالى مع المحسن، المحسن في معية الله. |
المعنى اللغوي والشرعي للإحسان
إخواننا الكرام: أولاً: الإحسان له معنى لغوي وله معنى شرعي والمعنيان يتكاملان. المعنى اللغوي: الإحسان هو الإتقان، قال تعالى: |
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(سورة السجدة: الآية 7)
يعني أتقنه، يعني خلقه على أفضل صورة. |
{ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ ما الإحْسَانُ؟ قالَ: الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ }
(صحيح البخاري)
المعنى الشرعي من حديث جبريل عندما سأله: (أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ) يعني كأنهما مرتبتان، المؤمن يعبد الله كأنه يراه (أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ) يصل إلى مرحلة يراقب الله وكأنه يراه بأم عينه، مع أن الإنسان لا يرى الله في الدنيا، لكن سيراه المؤمن يوم القيامة؛ لكن يعبد الله كأنه يراه، (فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ) يعني على الأقل أن تدرك أنه يراقبك، فهما مرتبتان. |
إتقان العمل من الإحسان
|
أنواع الإحسان
فالإحسان بابه واسع، من الإحسان: |
الإحسان بين الزوجين
الإحسان إلى الزوجة، وإحسان الزوجة إلى الزوج، بعض النساء يَكْفُرْنَ العَشِيرَ |
{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ قِيلَ: أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟ قَالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ }
(صحيح البخاري)
وأيضاً هناك رجال لا يحسنون إلى زوجاتهم، والله تعالى يقول: |
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا(سورة النساء: الآية 34)
الله يراقبك في تعاملك مع زوجتك، ويراقبها في تعاملها مع زوجها، فهذا الإحسان إلى الزوجة. |
الإحسان إلى الأولاد
أيضاً هناك الإحسان إلى الأولاد، ذكر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الصحيح: |
{ عن عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ، وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا، فَسَأَلَتْنِي فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَأَخَذَتْهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ وَابْنَتَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ، فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ }
(صحيح مسلم)
السيدة عَائِشَةَ قَالَتْ: (فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ) إخواننا الكرام؛ هذا بيت سيد الخلق وحبيب الحق، السيدة عائشة عندها تمرة واحدة لا يوجد غيرها. |
الإحسان إلى البنات في الإسلام
|
الإحسان إلى الضعفاء
وأيضاً من الإحسان، الإحسان إلى الضعفاء: |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوِ القَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ }
(رواه البخاري)
هذا إحسان، بل هو من أعظم أنواع الإحسان. |
إخواننا الكرام: أحياناً الإحسان للضعفاء يكون بالمال وأحياناً يكون بالكلمة الطيبة، |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الْوَجْهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ }
(رواه البيهقي)
فأحياناً تسع الناس بوجهك السعيد وبخلقك الحسن. |
{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عَنْهُ قَالَ: أنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ، أَوْ شَابًّا، فَفَقَدَهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ عَنْهَا، أَوْ عنْه، فَقالوا: مَاتَ، قالَ: أَفلا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي قالَ: فَكَأنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، أَوْ أَمْرَهُ، فَقالَ: دُلُّونِي علَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ قالَ: إنَّ هذِه القُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً علَى أَهْلِهَا، وإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُنَوِّرُهَا لهمْ بصَلَاتي عليهم }
(صحيح مسلم)
نصرة الضعيف مطلوبة
|
الطفيل بن عمرو الدوسي، هذا الصحابي في معركة اليمامة خلَّف ابنه ويده، استشهد ابنه وقطعت يده، فجلس في مجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوضعوا الطعام، فأقبل الناس ليأكلوا، فتأخر الطفيل عن الطعام، فلاحظ عمر، انظروا إلى عمر كيف يلاحظ، فلاحظه، قال: لم لم تأكل معنا؟ فخجل، قال: لعلك تأخرت عن الطعام خجلاً من يدك المقطوعة، والله لا آكل من هذا الطعام حتى تخلطه بيدك، والله ما فينا واحدٌ بعضه في الجنة إلا أنت. |
نصرة الضعيف تكون بالكلمة أحياناً؛ السائق، الخادم، قد تتهاون بكلمة تقولها له: الله يعطيك العافية، كلمة، لكن هو في نفسه تعطيه مكانة، أنه والله لم يتجاوزني مرَّ من أمامي وأنا أكنس الكراج وكأنني لست موجوداً، السلام عليكم، الله يعطيك العافية، جزاك الله خيراً، فيشعر بقيمته في المجتمع، هذا التقدير. |
الإحسان إلى الخدم
فأحبابنا الكرام: نصرة الضعفاء مطلوبة، أيضاً الخدم، وهم من الضعفاء غالباً، لكن خصهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان |
{ عن أبي ذَرٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فإنْ تكلَّفوهُمْ فأعِينُوهُمْ }
(متفق عليه)
تشجيع الناس على الإنفاق
|
تعامل الإسلام مع العبودية
بعض الناس من المستغربين والمستشرقين يلمزون من شأن الإسلام في تعامله في موضوع العبودية، الإسلام يا أحبابنا لم يضع نظام عبودية ولا جاء بالعبودية، الإسلام جاء بالحرية، بل إن الحرية من مقاصد الشريعة الكبرى، الإسلام جاء لحرية الإنسان، لإعتاقه: |
"نحن قومٌ ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"{ ربعي بن عامر }
تعامل الإسلام مع العبيد
|
{ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ. }
(صحيح مسلم)
قضاء الإسلام على العبودية
|
الإحسان إلى الحيوان
أحبابنا الكرام: أيضاً من الإحسان؛ الإحسان إلى الحيوان: |
{ عَنْ أَبِي يَعْلَى شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم قَالَ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" }
(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)
الإحسان إلى الذبيحة
|
{ ولما رأى النبي شخصاً يذبح شاة أمام أختها فغضب وقال له: ((أتريد أن تميتها مرتين؟ هلا حجبتها عن أختها؟ قال: إذا قَتلتُم فأحسِنُوا القِتلة، وَإِذا ذَبحتُم فأحْسِنُوا الذَّبحَ، وليُحدَّ أحدُكم شَفرَته، ولْيُرِحْ ذبيحَته)) }
(أخرجه مسلم)
فهذا من الإحسان. |
4. الله مع المؤمنين
إخواننا الكرام: أيضاً الله تعالى (مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)، قال تعالى: |
وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ(سورة الأنفال: الآية 19)
صار عندنا (مَعَ الصَّابِرِينَ) و(مَعَ الْمُتَّقِينَ) و(مَعَ الْمُحْسِنِينَ) و(مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)، (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) الإيمان مرتبة فوق الإسلام، الإسلام: إعلان دخول في دين الله، |
قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ(سورة الحجرات: الآية 14)
الإيمان هو مرتبة راقية جداً
|
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ(سورة النساء: الآية 136)
هم آمنوا فلماذا يأمرهم أن يؤمنوا؟! قال بعض المفسرين: لأن إيمانهم لم يحملهم على طاعة الله، فهناك إيمان هو مجرد إعلان يشبه الحالة الأولى الإسلام، أما الإيمان لمَّا يدخل في القلب فيحمل الإنسان على أن يكون مطيعاً لله تعالى قال: (وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ). |
5. الله مع الملتزمين بشرعه المؤدِّين لحقوق أموالهم
آخر معية في هذا اللقاء الطيب، قال تعالى: |
وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ ۖ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ(سورة المائدة: الآية 12)
إقامة الصلاة هي صلة دائمةٌ مع الله
|
الآن الحركة الأفقية (وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ) الإحسان إلى المخلوق أن تدفع الزكاة، زكاة مالك، (وَآمَنتُم بِرُسُلِي) والإيمان بالرسل يقتضي الإيمان بالرسالة بالقرآن الكريم، (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) يعني أعطيتموهم قدرهم ومكانتهم، عظمتموهم، فالمؤمن يعظم رسل الله، فإذا ذكر أمامه رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليه كما فعلتم، صلى الله عليه وسلم، له مقام في قلبه، له مقام في داخله، ليس كأحدٍ من الناس |
إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ(سورة الحجرات: الآية 4)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(سورة الحجرات: الآية 2)
رفع الصوت فوق صوت النبي اليوم
|
(وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) أي قدمت لله شيئاً يكافئك عليه فيما بعد، سواءً كان مالاً، لذلك قالوا: في المال حقٌّ سوى الزكاة، (وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ) والآن (وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) إيتاء الزكاة لا بد منه، اثنان ونصف بالمئة، ولكن لا بد مع الزكاة أن تقرض الله قرضاً حسناً، تخيل أن ربنا عزَّ وجلَّ يقول لك: أقرضني يا عبدي، قال: (لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) إذاً الله تعالى مع الملتزمين بشرعه، المؤدِّين لحق أموالهم، المؤمنين برسل الله تعالى. |
الله تعالى (مَعَ الصَّابِرِينَ) (مَعَ الْمُتَّقِينَ) (مَعَ الْمُحْسِنِينَ) (مَعَ الْمُؤْمِنِينَ) مع الملتزمين بشرعه المؤدِّين لحقوق أموالهم. |
والحمد لله رب العالمين وبارك الله بكم وأعلى قدركم جميعاً إن شاء الله. |