الصدق وأنواعه
الصدق وأنواعه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته الغر الميامين أمناء دعوته وقادة ألويته وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. |
أحبابنا الكرام: حديثنا اليوم عن موضوعٍ قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى أنه مقتصر على شيء محدد إلا أننا سنتناوله بعمومه وهو موضوع من أهم الموضوعات الأخلاقية وهو موضوع الصدق. |
أحبابنا الكرام: الصدق إذا أُطلق تبادر إلى أذهان معظم الناس أنَّ له علاقة بالأقوال فإن حدثك فهو صادق، فيقال: هذا صادق لأنه لا يتكلم كذباً فإذا أخبر عن شيء أخبر صدقاً. |
{ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا }
(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
النبي محمد كان الصادق الأمين
|
الصدق في النية
أحبابنا الكرام: الصدق له أنواع، أول نوع من أنواع الصدق هو الصدق في النية، هناك نيةٌ صادقةٌ وهناك نيةٌ بخلاف الصدق، صدق النوايا مهم جداً لأنه كما قيل: "نية المؤمن خيرٌ من عمله، ونية الكافر شرٌّ من عمله". |
نية المؤمن أعظم من عمله
|
إذاً العاجز هو الذي لا ينوي الخير، أما المؤمن دائماً ينوي الخير، لا أقول ينوي الخير ويتقاعس عنه، ينوي ثم يبذل جهده إما أن يدرك أو لا يدرك لكنه أخذ الأجر بمجرد نيته، يعني من العجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذهب في غزوة تبوك، كانت المسافة بعيدة عن المدينة وحر شديد وعدو غاشم يعني تجمعت لها كل أسباب التعب والإرهاق فبعد أن قطع مسافةً وكاد يصل إلى تبوك يقول لأصحابه: |
{ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: رَجَعْنَا مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالَ: "إِنَّ أَقْوَامَاً خلْفَنَا بالمدِينةِ مَا سَلَكْنَا شِعْباً وَلاَ وَادِياً إِلاَّ وَهُمْ مَعَنَا، حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ" }
(رواه البخاري ومسلم)
هم نووا الخروج لكنهم لم يستطيعوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: كانُوا مَعكُم، لذلك النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يقول: |
{ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ" }
(رواه البخاري ومسلم)
إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ
|
الإيمان حركة
إخواننا الكرام: |
{ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ، أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: أُهَاجِرُ مَعَكَ؟ فَأَوْصَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبْيًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَأَخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ: " قَسَمْتُهُ لَكَ " قَالَ: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ، فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَهُوَ هُوَ، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاَتِهِ " اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ " }
(أخرجه النسائي)
(أُهَاجِرُ مَعَكَ؟) يعني أنا جاهز للهجرة إن شئت، فوراً للحركة، قال تعالى: |
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا(سورة الأنفال: الآية 72)
الإيمان يلزمه حركة
|
أثر النية الصادقة
إخواننا الكرام: ربنا عز وجل عندما قسم الفئات بالمؤمنين قال: |
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ(سورة الليل: الآية 4)
يعني أنت في اليوم إذا عندك في الأرض ست مليارات عندك ست مليارات سعي، كل يوم صباحاً عندما يخرج الناس كل إنسان له سعي، يسعى إليه (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ) ثم ربنا عزَّ وجلَّ أراد أن يُقِّسم هذا السعي إلى زمرتين فقال: |
فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ(سورة الليل: الآية 5-6-7-8-9-10)
المؤمن يخرج للعطاء
|
وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ(سورة النساء: الآية 122)
(إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ)، قال: (فَلَبِثُوا قَلِيلاً) وقت قصير يعني، (ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَهُوَ هُوَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ). |
أثر النية الصادقة
|
أمثلة عن أثر النية الصادقة
كان شيخنا الدكتور راتب النابلسي يقول لي: عندي نيتين صادقتين، أنا هذه أذكرها لأنها حدثت معي، يقول لي: عندي نيتين أتمناهما من قلبي، هذه القصص قديمة من عشرات السنين. |
نشر دروس جامع النابلسي
|
والنية الثانية: كان يقول لي: أتمنى أن يعلَّم هؤلاء الأطفال الدين، أيضاً في ليلةٍ وضحاها، والله يعني لو أروي لكم التفاصيل، في ليلةٍ وضحاها إذ بمعهد للقرآن وثانوية شرعية وموافقات لم تخطر على بال وأصبح المسجد يرتاده الألوف من الأطفال ومن الكبار لتعلم العلوم الشرعية، يقول: عندي هاتين النيتين، وربنا عزَّ وجلَّ أعطاه ما نوى. |
فأحبابنا الكرام: الإنسان لا ينبغي أن يعجز أن ينوي، أعجز العاجزين من يعجز عن النية، لأن الله يأجرك عندما تنوي. |
" انوِ الخير ، فإنك لا تزال بخيرٍ ما نويت الخير "{ الإمام أحمد ابن حنبل }
قصة ضِمامَ بنَ ثعلبةَ
أحبابنا الكرام قصة ثانية: |
{ بعثَتْ بنو سعدِ بنِ بَكْرٍ ضِمامَ بنَ ثعلبةَ وافدًا إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقدِمَ عليهِ وأَناخَ بعيرَهُ على بابِ المسجدِ ثمَّ عقلَهُ ثمَّ دخلَ المسجدَ ورسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جالسٌ في أصحابِهِ وَكانَ ضِمامٌ رجلًا جلدًا أشعرَ ذا غديرتَينِ فأقبلَ حتَّى وقفَ على رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في أصحابِهِ فقالَ: أيُّكمُ ابنُ عبدِ المطَّلبِ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أَنا ابنُ عبدِ المُطَّلبِ، قالَ: محمَّدٌ؟ قالَ: نعم، فقالَ: ابنَ عبدِ المطَّلبِ إنِّي سائلُكَ ومُغلِّظٌ في المسألةِ فلا تجدنَّ في نفسِكَ، قالَ: لا أجدُ في نفسي فسَلْ عمَّا بدا لَكَ، قالَ: أنشدُكَ اللَّهَ إلَهَكَ وإلَهَ من كانَ قبلَكَ وإلَهَ من هوَ كائنٌ بعدَكَ آللَّهُ بعثَكَ إلينا رسولًا؟ فقالَ: اللَّهمَّ نعم، قالَ: فأنشدُكَ اللَّهَ إلَهَكَ وإلَهَ من كانَ قبلَكَ وإلَهَ من هوَ كائنٌ بعدَكَ آللَّهُ أمرَكَ أن تأمرَنا أن نعبدَهُ وحدَهُ لا نشرِكُ بِهِ شيئًا وأن نخلعَ هذِهِ الأندادَ الَّتي كانت آباؤُنا يعبدونَ معَهُ؟ قالَ: اللَّهمَّ نعم، قالَ: فأنشدُكَ اللَّهَ إلَهَكَ وإلَهَ من كانَ قبلَكَ وإلَهَ من هوَ كائنٌ بعدَكَ آللَّهُ أمرَكَ أن نصلِّيَ هذِهِ الصَّلواتِ الخمسَ؟ قالَ: اللَّهمَّ نعم، قالَ: ثمَّ جعلَ يذكرُ فرائضَ الإسلامِ فريضةً فريضةً الزَّكاةَ والصِّيامَ والحجَّ وشرائعَ الإسلامِ كلَّها يُناشِدُهُ عندَ كلِّ فريضةٍ كما يُناشِدُهُ في الَّتي قبلَها، حتَّى إذا فرغَ قالَ: فإنِّي أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وسأؤدِّي هذِهِ الفرائضَ وأجتنِبُ ما نَهَيتَني عنهُ ثمَّ لا أزيدُ ولا أنقصُ، قالَ: ثمَّ انصرفَ راجعًا إلى بعيرِهِ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: حينَ ولَّى إن يصدُقْ ذو العَقيصتَينِ يدخلِ الجنَّةَ، قالَ: فأتَى إلى بعيرِهِ فأطلقَ عقالَهُ ثمَّ خرجَ حتَّى قدِمَ على قَومِهِ فاجتمَعوا إليهِ فَكانَ أوَّلَ ما تَكَلَّمَ بِهِ أن قالَ: بئستِ اللَّاتُ والعُزَّى، قالوا: مَهْ يا ضِمامُ اتَّقِ البَرصَ والجُذامَ اتَّقِ الجنونَ، قالَ: ويلَكُم إنَّهُما واللَّهِ لا يضرَّانِ ولا ينفعانِ إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ قد بعثَ رسولًا وأنزلَ عليهِ كتابًا استنقذَكُم بِهِ ممَّا كنتُمْ فيهِ وإنِّي أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا عبدُهُ ورسولُهُ إنِّي قد جئتُكُم من عندِهِ بما أمرَكُم بِهِ ونَهاكم عنهُ، قالَ: فواللَّهِ ما أمسَى من ذلِكَ اليومِ وفي حاضرِهِ رجلٌ ولا امرأةٌ إلَّا مسلمًا، قالَ: يقولُ: ابنُ عبَّاسٍ فما سمِعنا بوافدِ قَومٍ كانَ أفضلَ من ضِمامِ بنِ ثعلبةَ }
(رواه الإمام أحمد)
(وأَناخَ بعيرَهُ على بابِ المسجدِ ثمَّ عقلَهُ) ربطه، عقل البعير أي ربطه، (وَكانَ ضِمامٌ رجلًا جلدًا) قوي البنية، (وكان أشعرَ ذا غديرتَينِ) يعني ضفيرتين في الشعر. |
تواضع النبي عليه الصلاة والسلام
|
فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ(سورة البقرة: الآية 256)
الطاغوت كل ما عُبد من دون الله
|
الصدق إخواننا الكرام؛ يبني والصدق يعطي عطاء كبير جداً، النوايا الصادقة، الأقوال الصادقة، الأعمال الصادقة وحتى الأحوال الصادقة. |
قصة إسلام أسيد بن حضير
السفير الأول في الإسلام
|
الصدق في الكلام
الصدق مع الأولاد
|
الآن عندما تكون صادقاً في تعليم ابنك اللغة الإنكليزية، تُعلِّمه، يوجد صدق حقيقي، وتجد من الشاب أو من الولد صدق، تجده في فترة وجيزة تعلَّم اللغة، طيب إذا كنت صادق في تعليمه القرآن؛ يَتَعَلَّم القرآن، وإذا كنت صادق في حمله على الصلاة؛ أَحمِلُه على الصلاة، لأن الإنسان عندما يصدق بالشيء يتخذ له كل الوسائل الممكنة حتى يحققه، أما عندما يكون الأمر مجرد كلام، تجد الأمور التي نصدق فيها نحققها |
وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ(سورة إبراهيم: الآية 34)
ربنا كريم، الإنسان يصدق في تجارته فيحقق ربحاً، يصدق في معاملته مع الناس فيحقق سمعةً، يصدق في تربية أولاده فيحقق لهم شيئاً، المهم أن يكون الأمر صادر عن إرادة وإيمان، قالوا: "إن القرار الذي يتخذه الإنسان في حق نفسه قلما تنقضه الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادةٍ وإيمانٍ". |
إخواننا الكرام: فالصدق كما قلنا في النوايا مهم جداً، الصدق في الأقوال أن يخبر بوفق الحقيقة لا بخلافها، والصدق في الأعمال بمعنى أن يكون العمل مخلصاً لا يبتغي به إلا وجه الله تعالى، هذا صدق، يعني هناك من يصلي صادقاً وهناك من يصلي كاذباً، من يصلي كاذباً يصلي رياءً، ومن يصلي صادقاً يصلي ابتغاء وجه الله، فهذا صدق في الأعمال. |
مُدْخَلَ صِدْقٍ ومُخْرَجَ صِدْقٍ
بعض الآيات عن موضوع الصدق التي تجلِّي الموضوع بشكل أكبر قال تعالى: |
وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا(سورة الإسراء: الآية 80)
عمل المؤمن يكون ابتغاء لوجه الله
|
مرةً بدر الدين الحسني رحمه الله، كان شيخ الشام، دخل إلى مجلسه إلى درس العلم فوجد المسجد قد امتلأ عن بكرة أبيه، الناس متجمعين، فقال: "يارب لا تحجُبني عنك بهم ولا تحجبهم عنك بي"، "يارب لا تحجُبني عنك بهم" قد يحجب الإنسان بالأتباع ينظر إلى الناس حوله فينسى ربه ويصبح همه إرضاء الجمهور، فيُحجب عن الله بهم، ثم قال: "ولا تحجبهم عنك بي" ينظرون إلى المتكلم فيعجبون بكلامه وينسون أنهم إنما يستمعون إليه ليصلوا إلى الله لا من أجل الإعجاب السلبي بكلامه دون عمل يوصلهم إلى خالقهم ومولاهم، فقد يُحجب الإنسان عن الله بمن معه وقد يُحجبون عن الله به، هذا (مُدْخَلَ صِدْقٍ) و(مُخْرَجَ صِدْقٍ)، فدائماً الدعاء القرآني الذي ينبغي أن نردده: (وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ) يعني أدخل في العمل صادقاً وأخرج به صادقاً، أبني المسجد لله وينتهي ولا أريد سمعةً ولا شكوراً ولا أحد يمدحني ولا غير ذلك، أدفع الصدقة لوجه الله ولا أنتظر ثناءً من أحد. |
عندما وجد موسى عليه السلام فتاتين تذودان، لا تستطيعان أن تسقيا، قال: |
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا(سورة القصص: الآية 24-25)
الظل وعدم انتظار المديح
|
إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا(سورة الإنسان: الآية 9)
ثم تأتي الآيات فيقول تعالى: |
إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا(سورة الإنسان: الآية 22)
أنت لا تريد شكوراً لكن الله شكور جلَّ جلاله سيشكر لك لكن أنت لا تطلب الشكور، الله يشكر لك، مستحيل أن تقدم معروفاً ولا يكافئك لكن أنت لا تطلب المكافأة أنت تولَّ إلى الظل وهو يتولى مكافأتك جلَّ جلاله، هذا الإخلاص. |
لِسَانَ صِدْقٍ
الآية الثانية على لسان إبراهيم عليه السلام قال: |
وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ(سورة الشعراء: الآية 84)
أصبح عندنا (مُدْخَلَ صِدْقٍ) و(مُخْرَجَ صِدْقٍ) و(لِسَانَ صِدْقٍ). |
لِسَانَ الصِدْق إخواننا الكرام؛ هو الصدق في الأصل كما قلنا أقوال وأفعال ونيات لكن الصدق هو الحق الثابت المتصل بالله، قالوا: "الصدق ما كان به وله" . |
الذكر الجميل والثناء الحسن
|
قَدَمَ صِدْقٍ
ومن الصدق أيضاً في القرآن قال: |
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ(سورة يونس: الآية 2)
فإذاً : (مُدْخَلَ صِدْقٍ) و(مُخْرَجَ صِدْقٍ) و(لِسَانَ صِدْقٍ) و(قَدَمَ صِدْقٍ). |
الأعمال الصالحة ابتغاء وجه الله
|
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ(سورة القمر: الآية 54-55)
(مَقْعَدِ صِدْقٍ) فمقعد الصدق هو آخر ما يصل إليه الإنسان في الجنة عندما يهيئ الله له مجلساً: |
لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ(سورة الطور: الآية 23)
هذا مَقْعَد الصِدْق عند الله. |
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ
الطيبات التي في الدنيا من الأخلاق الحسنة الرائعة هذه متصلة بنعم الآخرة، يعني أنت تستغرب في القرآن عندما تقرأ: |
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا(سورة النبأ: الآية 31-32-33-34)
أذواق المؤمن عالية
|
فأحبابنا الكرام: (مُدْخَلَ صِدْقٍ) و(مُخْرَجَ صِدْقٍ) و(لِسَانَ صِدْقٍ) و(قَدَمَ صِدْقٍ) وفي الجنة إن شاء الله (مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ). |
صدق الأحوال
الصدق موضوع مهم جداً، صدق النوايا، وصدق الأقوال، وصدق الأعمال وقالوا: هناك صدق الأحوال. |
صدق الحال مبنيٌ على العمل الصالح
|
والحمد لله رب العالمين. |